الأوضاع الإقليمية المتصاعدة تلقي بظلالها على البحر الأحمر وأمن الدول المشاطئة له، وما يمثله ذلك من خطورة على استقرار المنطقة؛ حيث تتصاعد وتيرة الأحداث في منطقة القرن الأفريقي بسعي دولة إثيوبيا إلى إنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال على ساحل خليج عدن، وقد وقعت إثيوبيا مع أرض الصومال مذكرة بموجبها توافق أرض الصومال على تأجير جزء من ساحلها لإثيوبيا لأغراض تجارية وبحرية مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال عن دولة الصومال واعتبارها دولة مستقلة، وهو ما يشكل خرقًا للقانون الدولي والتعدي على سيادة الصومال وانتهاك لأراضي الدولة الصومالية، وتجاهل حكومته المركزية، وتعزز من قوة إقليم ذي نزعات انفصالية والاعتراف بجزء منفصل عنها وهو ما يمنح إثيوبيا نفوذًا على البحر الأحمر ويأتي على حساب الدول المطلة على البحر الأحمر ومنهم مصر وهو ما ترفضه الدول المشاطئة رفضًا قاطعًا.
وهو ما يقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقى، ويزيد من حدة التوترات بين دولها، في الوقت الذي تشهد فيه القارة الأفريقية زيادة في الصراعات والنزاعات التي تقتضي تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلاً من تأجيجها على نحو غير مسئول.
وبين الدول المشاطئة بالبحر الأحمر حدود دولية تعرف بأنها الخط القانوني الذي یعین نطاق الإقلیم ویفصله عن نطاق إقليم دولة أخرى، وهي تعتبر عاملًا لكفالة احترام السلم والأمن الدوليين من خلال وظائف تتعلق بحقوق الدولة والدول المجاورة كالحماية والأمن.
وقد خصصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 تعريفًا خاصًا للبحار المغلقة وشبه المغلقة في المادة (122) حيث عرفته بأنه بحر تحيط به دولتان أو أكثر ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق ويتألف كليًا أو أساسًا من البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة لدولتين ساحليتين أو أكثر وهو ما ينطبق على البحر الأحمر في كونه بحرًا شبه مغلق.
وقد تضمنت المادة (124) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 أن للدول الحبيسة وهي كل دولة لها ساحل بحري حق المرور العابر وهو ما يعني مرور الامتعة والبضائع ووسائل النقل عبر إقليم دولة أو أكثر من دول المرور العابر ويكون المرور جزءًا من رحلة كاملة يبدأ أو ينتهي في الدولة غير الساحلية وهو ما يؤكد أن للدول حق المرور لمنفذ بحري ولكن ليس لها حق بناء قاعدة بحرية على البحر في إقليم دولة أخرى، ومما تقدم من مواد من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 نجد أنها تتحدّث عن حق الدول الحبيسة في الوصول إلى البحر ومنه من خلال المرور العابر عبر أقاليم الدول المشاطئة، وذلك بموجب اتفاقات ثنائية خاصة تبرم طواعية بين الطرفين ولا يتضمن قانون البحار أي إلزام أو إجبار، في الحصول على هذه الحقوق، فالاتفاقية تقر وتنظّم حق الوصول والمرور العابر ولا شأن لها بمساعي الدول للامتلاك الدائم أو المؤقت لمنفذ بحري.
وقد ميزت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 بين المناطق البحرية فلم تجعل جميع تلك المناطق خاضعة لنظام قانوني واحد من حيث حقوق وواجبات الدول الساحلية وغير الساحلية فهناك سيادة مطلقة وسيادة مقيدة.
ومن الواضح أن دوافع إثيوبيا الحقيقة ليست الحصول على منفذ تجاري بحري على البحر الأحمر ولكن مساعيها وتطلعاتها تمتد إلى إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر وهو ما يشكل تهديدًا للدول المشاطئة على البحر الأحمر.
وما تسعى إليه دولة إثيوبيا ممكن أن يشكل انتهاكًا لقواعد القانون الدولي وهو ما سوف نوضحه فيما يلي:
أولًا: يتعارض مسلك إثيوبيا بتوقيعها اتفاقية مع أرض الصومال مع مبدأ السيادة؛
أي سيادة الدولة، فـأرض الصومال لا تكتسب وصف الدولة لافتقادها لشرط الاعتراف الدولي،
أيضًا مبدأ سيادة الدولة له قيود على كيفية ممارسة الدولة لهذه الحقوق بحيث لا تحدث أضرار باقي أفراد المجتمع الدولي.
ثانيًا: تضمنت المادة (53) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على بطلان كل الاتفاقات التي تُخل بأحد المبادئ الآمرة للقانون الدولي ومن هذه المبادئ احترام سيادة الدول واحترام حدودها، وعدم التدخل في شئونها الداخلية وهو ما يعني أن أي تصرف بين دولة إثيوبيا وأرض الصومال يعد باطلًا من منظور القانون الدولي.
ثالثًا: نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن الاتفاقيات الدولية لا تكون إلا بين الدول، كذلك تضمنت ألا يكون لأي اتفاق يُبرم من غير ممثلي الدولة أي أثر قانوني ما لم تجيزه تلك الدولة وهو ما ينطبق على حالة أرض الصومال، حيث إنها لا تمثل دولة بالمعنى القانوني المعروف كذلك رفضت الصومال أي تصرف يمس بسيادتها وهو ما يؤكد أن كل تصرفات دولة إثيوبيا مع أرض الصومال لا يرتب أي أثر قانوني يُعتد به بين أعضاء المجتمع الدولي.
رابعًا: يتعارض موقف الدولة الإثيوبية مع ميثاق الأمم المتحدة حيث نصت المادة (2 فقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة على وجوب امتناع أعضاء المنظمة في علاقاتهم المتبادلة عن التهديد بالقوة أو استخدامها سواء كان ذلك ضد وحدة أراضي الدولة أو استقلالها السياسي أو اللجوء لأي وسيلة أخرى تتنافى مع أهداف الأمم المتحدة، كذلك يتعارض موقف إثيوبيا مع ميثاق الأمم المتحدة ومع حق الصومال في وحدة وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شئونها الداخلية.
وختامًا، يمكننا القول إن دولة إثيوبيا تسعى لإظهار وفرض هيمنتها على منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل وشرق أفريقيا وذلك مبتغاة توسيع نفوذها الإقليمي وكذلك تسعى لامتلاك القدرات العسكرية البحرية لتصبح طرفًا في معادلة الأمن البحري لأفريقيا ومحاولة الوجود عسكريًا في الملاحة بباب المندب الاستراتيجي وهو مما يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري بدوائره البعيدة والقريبة التي تشمل المصالح الإقليمية، وأهمها أمن البحر الأحمر ونفوذ الدولة المصرية في القرن الأفريقي ومصلحة الدولة المصرية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وهو أمر ضروري لأمن قناة السويس والملاحة بها، وبالتالي فإن تحول إثيوبيا المحتمل إلى قوة بحرية في البحر الأحمر سيخلق حلفاء وأعداء إقليميين جُدد؛ حيث إن الوجود قوة عسكرية إثيوبية في البحر الأحمر ممكن أن يهدد الملاحة والعبور لقناة السويس.
فلا بد من إعلاء قيم ومبادئ التعاون والعمل المشترك في أي إجراء يتم بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر من أجل تحقيق مصالح شعوب المنطقة، والامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدة التوتر وتعرض مصالح دول المنطقة الأفريقية وأمنها القومي للمخاطر والتهديدات وبدون ذلك تتنامى الاضطرابات الأمنية؛ مما يؤدي إلى تصعيد وتوتر في ظل ما تعانيه المنطقة الأفريقية من هشاشة سياسية وأمنية.
دكتور القانون الدولي العام