بعدما تمكنت تل أبيب من ضمان سير خططها بزيادة مكاسبها الميدانية في سوريا، اتجهت الأنظار الإسرائيلية نحو جماعة الحوثي في اليمن، حيث أعلن رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” خلال مقابلة تلفزيونية في 1 يناير 2025 أن “الحرب ضد الحوثيين قد بدأت للتو”، بينما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن تل أبيب تخطط لشن هجوم “أكثر عنفًا” مع توسيع “بنك الأهداف”، وهو ما يأتي تأكيدًا لما سبق وأن كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية في 9 ديسمبر، حول دراسة إسرائيلية جادة لشن هجمات عسكرية أوسع نطاقًا في اليمن، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، ردًا على كثافة الضربات الحوثية تجاه تل أبيب، ولا سيما عقب سقوط نظام الأسد، ففي يوم 3 يناير 2025، أعلنت الجماعة عن تنفيذ نحو 22 ضربة خلال أسبوع واحد ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية بالصواريخ والطائرات غير المؤهلة، بينما بلغ إجمالي الضربات الحوثية تجاه إسرائيل خلال عام 2024، أكثر من 200 صاروخ و170 طائرة غير مأهولة. ناهيك عن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر الذي ألحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن ملامح المقاربة الإسرائيلية لمحاربة جماعة الحوثي خلال الفترة المقبلة؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف الورقة لمناقشة أبرز ملامح المقاربة الإسرائيلية لمحاربة جماعة الحوثي، والتي تكشف في الوقت ذاته عن حراك إسرائيلي لإضعاف الساحة اليمنية كإحدى جبهات محور المقاومة، إلى جانب مناقشة أبرز التحديات التي تواجهها تل أبيب في مقاربتها لمحاربة جماعة الحوثي، ثم الانتقال لمناقشة اتجاهات الموقف الإسرائيلي لمواجهه الحوثي.
أولًا: ملامح المقاربة الإسرائيلية لمحاربة الحوثي
تعددت المؤشرات الدالة على تصدر ملف التهديد الحوثي أجندة أولويات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في الفترة الحالية عقب سقوط نظام الأسد، جنبًا إلى جنب مع ملفات التصعيد الإسرائيلي المعهودة (سوريا، لبنان، غزة والضفة الغربية)، وعكوف القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على وضع استراتيجية محددة الأهداف والعناصر لمحاربة الحوثي، هي كالتالي:
- خطة إسرائيلية مقترحة لمحاربة الحوثي:
تم تسريب معلومات حول الخطة الإسرائيلية لمحاربة الحوثي والتي وردت في إطار جلسات مغلقة لبحث ملف الحوثيين خلال شهر ديسمبر2024، مع تصاعد كثافة الضربات الحوثية لتل أبيب، تتكون من ثلاثة محاور، أولها، تسريع جهود مختلف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لجمع معلومات عن جماعة الحوثي، وبالتالي خلق مجال من الخبرة في اليمن، وما تعتمده الجماعة من تكتيكات قتالية، وتمتلكه من قدرات عسكرية، وثانيها، إنشاء شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وحدة مستقلة لتجميع المعلومات ورصد تحركات ونشاطات للحوثيين بما في ذلك جمع المعلومات بمساعدة جيوش وأجهزة استخبارات أجنبية لها مصلحة مشتركة ضد المليشيات، وثالثًا وأخيرًا، إنشاء تحالف إقليمي أوسع بكثير من التحالف الحالي ضد الحوثيين، لضمان كثافة الهجمات ضد جماعة الحوثي ومواقعها العسكرية.
- الاتجاه لخلق تواجد عسكري إسرائيلي في أرض الصومال:
كشف موقع “ميدل إيست مونيتور” في 15 أكتوبر 2024 أن “إسرائيل” مهتمة بإنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، بوساطة إماراتية التي تتولى التفاوض مع سلطات أرض الصومال للسماح للإسرائيليين بدخول القواعد العسكرية، نظير الاعتراف رسميًا بأرض الصومال، كسبيل لخلق نقطة ارتكاز جديدة على مقربة من مناطق نفوذ جماعة الحوثي في اليمن، حيث تقع أرض الصومال على بعد أقل من 400 ميل من ميناء الحديدة في اليمن، وهو ما يجعل منها نقطة تحرك مثالية لتل أبيب تقصر ما تقطعه الطائرات الإسرائيلية من مسافة بلغت 2000 كم، من أجل شن ضرباتها ضد المواقع العسكرية الحوثية.
- تعزيز القدرات البحرية الإسرائيلية لتطويق الحوثي بحريًا:
يبدو أن أحد الأدوات الإسرائيلية المقرر توظيفها على نحو واسع في محاربة جماعة الحوثي هو القدرات البحرية الإسرائيلية التي تتمتع بوضع استراتيجي جيد يسمح لها بالانخراط في معارك مع القوات الحوثية، على طول الساحل الغربي اليمني الخاضع تحت السيطرة الحوثية، بالتوازي مع فرض حصار بحري، حيث أشار تقرير أمني إسرائيلي إلى تحويل اهتمام سلاح تل أبيب البحري نحو المنطقة العملياتية في البحر الأحمر والخليج العربي، وأنه يعمل على استكمال جهوزيته من حيث التدريب والتزود بالمعدات البحرية القتالية المناسبة وفي مركزها مركبات هبوط متطورة، كما أشار التقرير إلى امتلاك البحرية الإسرائيلية وسائل إضافية مستعدة للقتال على مسافة بعيدة من الحدود الإسرائيلية تسمى بـ”الدائرة الثالثة”، مثل السفن الهجومية الحديثة والغواصات، وكذلك قوارب الصواريخ.
ولا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين التوجه الإسرائيلي لتعزيز قدراتها العسكرية البحرية، والتخطيط لتوظيفه في أي تصعيد محتمل ضد جماعة الحوثي، وما اثير من تقارير حول اتجاه تل أبيب لخلق تواجد عسكري لها في أرض الصومال.
- تصفية قادة الحوثي لإحداث خلل على المستوى العملياتي:
يبدو أن تل أبيب تجهز لتنفيذ سلسلة اغتيالات تستهدف قادة جماعة الحوثي في سلسلة مرتقبة من الضربات الجوية الإسرائيلية، بالتعاون مع أذرعها في المنطقة (بريطانيا، والولايات المتحدة)، على غرار استراتيجية الحرب الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والتي تم خلالها تصفية قيادات من حركتي حزب الله وحماس إلى جانب عناصر في المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما يستدل عليه بتصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في ديسمبر2024“سنلاحق جميع قادة الحوثيين وسنضربهم كما فعلنا في أماكن أخرى”.
وفي سبيل تنفيذ ذلك، افاد موقع “والاه” العبري في 6 يناير 2025، بأن هيئة الأركان الإسرائيلية قررت تعريف الوضع المتعلق بجماعة الحوثيين في اليمن، على أنه حملة عسكرية مستمرة، وهو ما يعني تكثيف شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) جهود الحصول على معلومات استخباراتية عن الحوثي، إلى جانب حصول سلاح الجو الإسرائيلي على موارد أكبر لشن هجمات ضد أهداف في اليمن، مثل كبار الشخصيات الحوثية والبنى التحتية العسكرية والأنظمة وسلاسل الإمداد في مجالات متنوعة مع التركيز على توريد منظومات الأسلحة والمواد الخام لإنتاج الأسلحة من إيران ودول أخرى، وفق توجيهات رئيس أركان جيش الاحتلال “هرتسي هليفي”، كسبيل لتعويض سنوات من عدم استثمار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في اليمن لعدم توفر ميزانيات كافية.
يضاف إلى ذلك، افادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن عضو الكنيست عن حزب الليكود “عميت هاليفي” قدم مشروع قانون في نوفمبر 2024، يهدف إلى إنشاء دائرة استخبارات مستقلة تعمل بشكل مواز لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وتقوم بتقديم تقييمات استخباراتية بديلة عن تلك التي كانت موجودة في شعبة الاستخبارات بالجيش، وقع عليه 17 عضو كنيست من الليكود والصهيونية الدينية وحزب “موآتا يهوديت” المستقل، في محاولة لتجاوز الاخفاقات الاستخباراتية الإسرائيلية التي كانت أحد أسباب وقوع عملية طوفان الأقصى، وتجاوز مثل هذه الثغرات في الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية لمحاربة الحوثي.
في إطار ما سبق، ليس من المستبعد أن تحرص تل أبيب على فتح قناة اتصال مع الحكومة اليمنية لتقديم تل أبيب دعم عسكريا لقواتها يمكنها من شن عملية عسكرية تستهدف تحرير صنعاء والمدن الساحلية من قبضة الحوثي، نظير تطبيع إسرائيلي يمني، خاصة أن الإمارات الفاعل الإقليمي الداعم للمجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، يعد أحد شركاء تل أبيب الإقليميين، وبالتالي قد تعد الشراكة الإسرائيلية ملف رئيسي للتقارب والتشارك بين الحكومة اليمنية -التي تدعمها السعودية- والمجلس الانتقالي اليمني المدعوم إماراتيًا، من أجل تغيير المعادلة الميدانية اليمنية بما يصب نحو استعادة السيطرة اليمنية على لعاصمة صنعاء والساحل اليمني من جماعة الحوثي، كسبيل للتخلص من التهديد الحوثي لحركة التجارة الدولية، وللأمن القومي الإسرائيلي، خاصة في ظل تأكيد الحكومة اليمنية على أن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وأن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها، وصولًا إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة صنعاء.
فمن الجدير بالذكر، أن نائب مدير جامعة تل أبيب والمحلل في شئون الشرق الأوسط “إيال زيسر” سبق وأن اقترح بأنه إلى جانب الضغط العسكري، فينبغي على تل أبيب تجنيد تحالف محلي يقوم على أساس 70 % من المعارضين اليمنيين لجماعة الحوثي وبدعم أمريكي، لدفعهم للسيطرة على شمال اليمن وإسقاط حكم الحوثي، لا سيما في ظل توافر عنصر (العدو المشترك) بين تل أبيب والحكومة اليمنية وحكومة الجنوب اليمني، وحلفاء تل أبيب الدوليين.
ثانيًا: تحديات المقاربة الإسرائيلية لمحاربة الحوثي
تواجه تل أبيب عدة تحديات تعيق من جهودها لتقويض القدرات الحوثية العسكرية، والتي يبدو أنها تعمل جاهدة على معالجتها، أبرزها، نقص المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية حول أماكن تمركز قادة الحوثي الذين يختبئون في الكهوف في في تبني واضح لخطط قادة تنظيم القاعدة للاختباء في أفغانستان، إلى جانب نقص المعلومات حول المواقع العسكرية واللوجيستية الاستراتيجية لجماعة الحوثي، وهو ما سعت تل أبيب لمعالجته من خلال تكثيف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية لجهودها من أجل جمع المعلومات المنقوصة حول أماكن اختباء قادة الحوثي ومواقع تمركزاتهم العسكرية، كهدف رئيسي لتحديد بنك أهداف استراتيجية في اليمن للضربات الإسرائيلية، وذلك بالتعاون مع أجهزة استخباراتية أجنبية شريكة مثل واشنطن ولندن، ناهيك عن شروع شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي “أمان” تحت قيادة اللواء شلومي بيندر، بعدة إجراءات لإنشاء وحدة مستقلة لتجميع المعلومات ورصد تحركات ونشاطات للحوثيين.
أما بالنسبة لثاني التحديات الإسرائيلية لمحاربة الحوثي فتتمثل في، طبيعة الجغرافيا اليمنية الواسعة والجبلية التي تمنع تحقيق أي أهداف اعتمادًا على القصف الجوي، على عكس ما حصل في لبنان وغزة،وهو ما يجعل من خيار تنفيذ عملية عسكرية مسألة حتمية لضمان تحقيق المقاربة الإسرائيلية أهدافها، سواء كانت هذه العملية العسكرية نابعة من الداخل اليمني عبر القوات اليمنية الشرعية، وبدعم إسرائيلي وغربي، أو عبر تنفيذ توغل إسرائيلي عبر الساحل اليمني، وهو ما يتطلب تعزيز تل أبيب من تمركزاتها العسكرية في البحر الأحمر وكذلك لدى دول منطقة القرن الأفريقي في إشارة إلى المباحثات الإسرائيلية مع أرض الصومال لتأمين قاعدة عسكرية على ساحلها الشرقي، في ظل ما تتمتع به تل أبيب من تواجد عسكري في إريتريا منذ سنوات، حيث لدى تل أبيب وحدات بحرية صغيرة في أرخبيل دهلك وميناء مصوع، ومركز للتنصت في جبال أمبا سويرا في أسمرة.
بينما تتمثل ثالث التحديات في البعد الجغرافي للساحة اليمنية كمنطقة عمليات إسرائيلية محتملة ومستقبلية، حيث يبلغ طول المسافة بين تل أبيب وصنعاء نحو 2000 كم، وهو ما يشكل تكلفة اقتصادية عالية على ما تنفذه من ضربات إسرائيلية، ناهيك عما ينجم عنها من تحدى التنسيق بين المستويين العملياتي والاستخباراتي، أي بين الطائرات الحربية التي تنفذ الضربات، وأجهزة الاستخبارات التي تعطى إشارة التنفيذ.
ثالثًا: انقسام الداخل الإسرائيلي بشأن المقاربة الأمثل للتصدي لجماعة الحوثي
في غضون ما يدور من مباحثات داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية حول المقاربة الإسرائيلية الأمثل للتعامل مع جماعة الحوثي، برزت اتجاهات إسرائيلية تكشف عن انقسام القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تجاه المقاربة الأمثل للتصدي للتهديد الحوثي، نتيجة لتخوف تل أبيب من العواقب المحتملة، كارتفاع وتيرة إطلاق الصواريخ من اليمن، وتعطيل الرحلات الجوية في مطار بن غوريون، والإضرار بقطاع السياحة وبالاقتصاد الإسرائيلي ككل، أولها، تيار يعكس موقف عدد من الجنرالات في الجيش الإسرائيلي يقوم على تأكيد أنه بدون الإضرار بسلسلة التوريد الخاصة بالحوثيين وبدون إجراءات مضادة تستهدفهم، لن يكون من الممكن تحقيق الهدف المنشود بردعهم عن مهاجمة إسرائيل، بينما يدعو الاتجاه الثاني الذي يقوده رئيس الموساد “دافيد برنياع” إلى مهاجمة إيران من أجل التأثير على الحوثيين، وهو ما ينفيه البعض الذين يرون أن الحوثي يتمتع بقدر كبير من استقلالية القرار عن الجانب الإيراني الذي سبق وأن طلب من الجماعة وقف ضرباتها ولكن الأخيرة لم تلتفت إليه.
نهاية القول، إن التحركات الإسرائيلية لمحاربة جماعة الحوثي وتقويض قدراتها العسكرية على غرار ما انتهجته تل أبيب من استراتيجية تجاه حزب الله وحركة حماس، باتت أبرز أولويات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بما يشير إلى عكوف تل أبيب على صياغة مقاربة لمحاربة الحوثي، بل وبدء أولى خطوات تنفيذها بما يضمن اتخاذ تل أبيب خطوات متسارعة ومتقدمة للتعامل مع التهديد الحوثي، وبدعم من حلفائها الدوليين والإقليميين. يضاف إلى ذلك، أن تل أبيب تحاول توظيف التهديد الإيراني وذراعه الحوثي من أجل تعزيز تواجدها العسكري في البحر الأحمر، وفي دول القرن الأفريقي المطلة على الساحل الغربي للممر البحري الدولي المهم، إلى جانب الدفع منه نحو تشكيل تحالف إقليمي يضم عدد من الدول العربية وبمشاركة حلفائها الدوليين، تحافظ فيه على مقعدها كهدف رئيسي حاولت تل أبيب تحقيقه منذ عقود.