تشهد الولايات المتحدة حرائق للغابات واسعة النطاق تسببت في خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة. تسببت الحرائق المدمرة في مقتل 11 شخصًا على الأقل وحرق أكثر من 11 ألف مبنى منذ يوم الثلاثاء الماضي، مما أدى إلى تدمير أحياء كاملة، ورغم أنه من المبكر للغاية إجراء إحصاء دقيق للخسائر المالية، فإن الخسائر حتى الآن من المرجح أن تجعل حرائق الغابات الأكثر تكلفة على الإطلاق في الولايات المتحدة، وفقا لتقديرات مختلفة. تسببت الحرائق التي اندلعت في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حول لوس أنجلوس والتي تضم بعضًا من أعلى العقارات قيمة في البلاد بخسائر مادية تتراوح بين 135 – 150 مليار دولار حتي الآن.
ظلت حرائق الغابات في مقاطعة لوس أنجلوس، والتي زادت إلي عدة حرائق كبيرة انتشرت و تأججت بفعل رياح سانتا آنا القوية والجفاف الشديد في المنطقة غير قابلة للسيطرة إلى حد كبير حتى يوم السبت الماضي. وهذا يعني أن الحصيلة النهائية للخسائر الناجمة عن الحرائق من المرجح أن تزيد، وربما بشكل أكبر من المتوقع.
لوس أنجلوس تحت النار
اندلعت ستة حرائق متزامنة في مقاطعة لوس أنجلوس منذ يوم الثلاثاء الماضي، ويعد حريق باليساديس بين سانتا مونيكا وماليبو على الجانب الغربي من المدينة، وحريق إيتون في الشرق بالقرب من باسادينا من أكثر الحرائق تدميراً في تاريخ لوس أنجلوس. لقد استهلكوا أكثر من 34 ألف فدان (13750 هكتارًا) – وحولوا أحياء بأكملها إلى رماد. مازالت محاولات السيطرة عليه مستمرة حتي الآن، وفقًا لقسم الغابات والحماية من الحرائق . وشملت المنطقة المهددة بتوسع حرائق الغابات، وهي الأكبر في منطقة لوس أنجلوس، مركز جيتي احد أهم المراكز الثقافية في لوس أنجلوس بالإضافة إلى أجزاء من أحياء برينتوود وإينسينو. تحولت الكثير من جهود مكافحة الحرائق نحو حماية المجتمعات القريبة من برينتوود وإنسينو وغرب لوس أنجلوس، حيث تتحرك النيران إلى الداخل من الساحل باتجاه الطريق السريع 405، وهو أحد أكثر الطرق السريعة ازدحامًا في المنطقة.
وتشير آخر الأخبار عن حجم الحرائق الكبرى ونسبة احتوائها:
- حريق باليساديس: احترق 23654 فدانًا وتم احتواء 11% منه
- حريق إيتون: احترق 14,117 فدانًا وتم احتواء 15% منه
- حريق كينيث: حرق 1052 فدانًا واحتواء 80% منه
- حريق هيرست: احترق 799 فدانًا وتم احتواء 76% منه
السبب وراء زيادة اندلاع حرائق لوس أنجلوس
عادة ما تشهد ولاية كاليفورنيا حرائق للغابات ولكنها ما تكون في مناطق غير مأهولة بالسكان ويمكن السيطرة عليها. ولكن الحرائق التي اندلعت هذا العام تشير التقديرات الأولية أنها الأشد والأقوى والأكثر تكلفة بشرية واقتصادية في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك بسبب سرعة انتشارها باتجاه مناطق من الولاية كثيفة التواجد السكاني وكذلك وصولها لمناطق وأحياء المشاهير والاثرياء والتي تضم عدد كبير من المباني الفخمة والثمينة. ولكن ليس هذا السبب وانما ربما يرجع السبب الرئيسي إلي عدم هطول الأمطار التي تهطل عادة في الخريف وأوائل الشتاء، الأمر الذي ترك أغلب مناطق جنوب كاليفورنيا جافة تماما، وارتفعت معها كمية النباتات الجافة والتي تسبب في الاحتراق. وسجلت أغلب المناطق الواقعة جنوب مقاطعة فينتورا نحو ربع بوصة من الأمطار أو أقل خلال الأشهر الثمانية الماضية، في حين لم تتلق منطقة لوس أنجلوس سوى كمية ضئيلة من الأمطار منذ أبريل 2024.
كما ساهم الغطاء النباتي الكثيف بفعل العواصف الغزيرة في الشتاء الماضي التي أدت إلي زيادة نمو النباتات، مما تسبب بتوافر كميات كبيرة من الوقود الجاف الذي ساعد علي انتشار الحرائق.
والسبب الأخر الذي أدي إلي تفاقم الحرائق هو رياح سانتا آنا، وهي الهبات القوية والجافة التي بلغت سرعتها 160 كم/ ساعة والتي أدت إلى اندلاع حرائق الغابات وكان لها تأثير دراماتيكي بشكل خاص في تأججها وانتشارها. وقال الخبراء إنه حتى مع تراجعها، استمرت النباتات الجافة في تأجيج حريق باليساديس. ومن المتوقع أن تعود الرياح القوية إلى مقاطعتي لوس أنجلوس وفينتورا مرة أخري، مما يزيد من خطر انتشار حرائق الغابات بسرعة ومعدلات أكبر إذا ما تم السيطرة عليه.
التكاليف الاقتصادية جراء حرائق الغابات في كاليفورنيا
كاليفورنيا تُعتبر واحدة من أكثر الولايات الأمريكية تعرضًا لحرائق الغابات، وتكررت هذه الكوارث بشكل متزايد في العقود الأخيرة بسبب التغير المناخي والجفاف الشديد. وأفادت التقارير بوفاة ما لا يقل عن 11 شخصًا نتيجة لهذه الحرائق حتي الآن، وتُقدّر الخسائر الاقتصادية بما يتراوح بين 135 و150 مليار دولار. والخسائر المشمولة بالتأمين تُقدّر بحوالي 20 مليار دولار، مما يجعلها من بين الكوارث الأعلى تكلفة في تاريخ كاليفورنيا.
تعرضت كاليفورنيا لحريق عام 2018، يعتبر هو الأقوى علي الإطلاق حتي الآن . حيث تسببت في وفاة 85 شخص، و بلغت الخسائر بحوالي 16.5 مليار دولار، وتم تدمير أكثر من 18,800 مبنى، بما في ذلك معظم مدينة باراديس (Paradise).، وبلغت المساحة المحترقة حوالي 153,000 فدان.
أما عام 2020 فيعتبر عام قياسي من ناحية عدد الحرائق ، حيث شهدت الولاية أكثر من 9,900 حريق، انتشرت في مساحات حوالي 4.4 مليون فدان، وهو رقم قياسي في تاريخ الولاية. التهمت خلالها حوالي 10 آلاف مبني، وتأثرت جودة الهواء بشكل خطير في الولاية بسبب الدخان الكثيف، وتعرض عدد كبير من السكان لحالات الإعياء الصحية. وكذلك أدت كل تلك الحرائق إلي زيادة معدلات النزوح الداخلي بين السكان.
جدول 1: يوضح حرائق الغابات في كاليفورنيا خلال العقدين الماضيين
الخسائر الاقتصادية (مليار دولار) | المساحة المحترقة (فدان) | عدد المباني المدمرة | الضحايا البشرية | أبرز الحرائق | السنة |
16.5 | 153,000 | 18,800 | 85 | كامب فاير، وولسي | 2018 |
19.0 | 4.4 مليون | 10,000 | 33 | أغسطس المركبة، الزوبعة الكبرى | 2020 |
14.5 | 1.5 مليون | 8,900 | 44 | توماس، حرائق شمال كاليفورنيا | 2017 |
3.5 | 500,000 | 2,000 | 10 | حرائق جنوب كاليفورنيا | 2007 |
الجهود المبذولة للسيطرة علي الحرائق
تم إصدار أوامر إخلاء للسكان من مناطق النيران في لوس أنجلوس ، وخاصة بعد تغيّر اتجاه النيران أيضا في مناطق مثل برينتوود وسفوح وادي سان فرناندو، حيث تم إجلاء حوالي 180ألف شخص من المناطق المعرضة للنيران حتي الآن. تعمل الولايات المتضررة بالتنسيق مع وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (FEMA) والهيئات المحلية لتوفير الموارد والخبرات اللازمة. وتعمل فرق الإطفاء على مدار الساعة للسيطرة على الحرائق، بمساعدة من ولايات مجاورة والحكومة الفيدرالية وكندا.
تُستخدم طائرات خاصة لرش المياه ومواد كيميائية مثبطة للحرائق، مثل الفوسفات، على المناطق المتضررة. وتعمل الطائرات على تغطية مساحات شاسعة، خاصة في المناطق الجبلية الوعرة. كما تُستخدم الدرون لمراقبة الحرائق ورصد انتشارها في المناطق النائية، كما تساعد في جمع بيانات آنية لتوجيه فرق الإطفاء الأرضية والجوية.
وأخيرا: تُعد حرائق الغابات في كاليفورنيا مأساة متكررة تكشف عن التحديات البيئية والاقتصادية والإنسانية التي تواجهها الولاية. مع تزايد حدة هذه الحرائق واتساع نطاقها في السنوات الأخيرة، أصبحت أكثر من مجرد ظاهرة طبيعية موسمية، بل باتت أزمة معقدة يعززها التغير المناخي والأنشطة البشرية. لقد ساهم ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة فترات الجفاف، واشتداد الرياح الجافة في تفاقم هذه الكوارث، مما يُبرز الأثر المباشر للتغير المناخي. كما أن الخسائر البشرية والاقتصادية الضخمة، بما في ذلك تدمير آلاف المنازل وتشريد السكان، تؤكد على الحاجة الملحّة لاتخاذ تدابير عاجلة ومتكاملة.