في يناير 2025، وقّعت الجزائر مع ألمانيا وإيطاليا وتونس والنمسا إعلان النوايا السياسية المشترك لتطوير مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي. والذي يهدف إلى نقل الهيدروجين الأخضر المنتج في شمال أفريقيا -وتحديدًا الجزائر- إلى أوروبا عبر تونس وإيطاليا، وذلك باستخدام بنية تحتية متطورة تتضمن خط أنابيب مخصصًا وجاهزًا لنقل الهيدروجين. ويعتبر المشروع الذي من المقدر الانتهاء منه وتشغيله بحلول 2030 من أهم خطوات أوروبا للتحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، فضلًا عن تأمين وتنوع إمدادات الطاقة للقارة بعيدًا عن الغاز الروسي أو الاضطرابات الجيوسياسية التي تحدث في المنطقة.
استراتيجية أوروبا لتحول الطاقة
تعتمد أوروبا على استراتيجية شاملة لتحول الطاقة تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% بحلول 2030 (مقارنة بمستويات عام 1990)، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر.
ولتحقيق أهداف أوروبا نحو تحول الطاقة، أعلن الاتحاد الأوروبي منذ عام 2019 عددًا من المبادرات والاستراتيجيات الرئيسية التي تحدد الأهداف والإجراءات والسياسات التي تخدم تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها ” الصفقة الخضراء الأوروبية (EU Green Deal) “، والتي تعتبر إطارًا شاملًا لتحول الطاقة والاستدامة البيئية. وتهدف إلى جعل أوروبا أول قارة خالية من الكربون بحلول عام 2050.
وبعد الأزمة الروسية – الأوكرانية في عام 2022، أطلقت أوروبا خطة “REPowerEU” لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي وتسريع التحول إلى الطاقات المتجددة بحلول عام 2027. بالإضافة إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة وخفض الاستهلاك بنسبة 13% بحلول عام 2030. فضلًا عن تطوير البنية التحتية وتعزيز شبكات نقل الغاز والهيدروجين عبر أوروبا. وقد فرضت أوروبا لتحقيق خطتها إجمالي ميزانية بلغت 300 مليار يورو، بين قروض ميسرة ومنح لدعم تنفيذ سياسات تحول الطاقة ودعم مشروعات الطاقة المتجددة في دول الاتحاد.
واهتمت القارة الأوروبية بالهيدروجين الأخضر باعتباره المحرك الرئيسي لتحول الطاقة في القارة وتحقيق أهدافها المناخية، فأعلنت عن “استراتيجية الهيدروجين الأخضر الأوروبي”، والتي تهدف إلى تطوير إنتاج واستخدام ونقل الهيدروجين النظيف لدعم التحول إلى الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الكربون. وذلك من خلال إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا واستيراد الكمية نفسها بحلول عام 2030. مع التركيز على خفض الانبعاثات في قطاعات الصناعات الثقيلة والنقل والكهرباء. ومن خلال مراحل تنفيذ الاستراتيجية الثلاث، تعمل أوروبا على إنشاء سوق أوروبية متكاملة للهيدروجين، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لنقل وتخزين الهيدروجين.
ولدعم تنفيذ سياسات ومبادرات الاتحاد الأوروبي كان لا بد من توفير التمويل اللازم وخاصة فيما يخص مشروعات إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر والتي لا تزال في طور التكلفة العالية نسبيًا مقارنة بمشروعات الطاقة المتجددة أو إنتاج ونقل الغاز الطبيعي؛ لذا أعلن الاتحاد الأوروبي عام 2023 عن إنشاء بنك الهيدروجين الأوروبي (European Hydrogen Bank). لدعم تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر. ويستهدف ضخ 3 مليارات يورو لدعم تطوير تقنيات الإنتاج والنقل.
ممرات الهيدروجين الأوروبية
فكرت أوروبا في أهمية وجود بنية تحتية مناسبة لنقل واستخدام الهيدروجين الأخضر ووجود شبكة من خطوط النقل والأنابيب، فحرصت علي إنشاء ما يسمى بـ “ممرات الهيدروجين الأوروبية” وهي شبكة من خطوط الأنابيب والبنية التحتية المصممة لنقل الهيدروجين الأخضر من مناطق الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك الرئيسية في أوروبا سواء داخل أوروبا بين دول الاتحاد ، أو من خارج أوروبا وخاصة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تعتبر سوقًا واعدة بالنسبة للقارة في إنتاج ونقل الهيدروجين بتكلفة أقل؛ نظرًا لتوفر مصادر الطاقة المتجددة.
حتى الآن تم الإعلان عن عدد من مبادرات لممرات أوروبية لنقل الهيدروجين الأخضر بإجمالي الاستثمارات المتوقعة: 80 – 100 مليار يورو. تتضمن (30-40) مليار يورو لإنشاء خطوط أنابيب جديدة، و(40-60) مليار يورو لتحديث محطات الإنتاج والتخزين. وأهم الممرات التي أعلن عنها هي:
- ممر الهيدروجين الشمالي (Northern Hydrogen Corridor): يربط دول الشمال الأوروبي، مثل النرويج والدنمارك والمملكة المتحدة بألمانيا وبلجيكا وهولندا.
- ممر الهيدروجين الشرقي (Eastern Hydrogen Corridor): ينقل الهيدروجين من شرق أوروبا إلى وسط أوروبا وألمانيا والنمسا.
- ممر الهيدروجين الغربي (Western Hydrogen Corridor): يربط إسبانيا وفرنسا بألمانيا وهولندا.
- ممر الهيدروجين الجنوبي (SouthH2 Corridor): يمتد من شمال أفريقيا الجزائر وتونس عبر إسبانيا وفرنسا وصولًا إلى ألمانيا.
- مشروع “Hydrogen Backbone“: شبكة من الأنابيب التي تدعم نقل الهيدروجين عبر مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.
ممر الهيدروجين الجنوبي SouthH2 Corridor
ممر الهيدروجين الجنوبي (SouthH2 Corridor) هو مشروع استراتيجي يهدف إلى ربط مواقع إنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر بالاتحاد الأوروبي عبر تونس، بمشاركة دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا والنمسا. يهدف المشروع إلى تطوير بنية تحتية لنقل الهيدروجين بين الجزائر وتونس وأوروبا. في 21 يناير 2025، تم توقيع إعلان النيات السياسية المشترك بشأن مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي في روما، بحضور ممثلين من الجزائر، إيطاليا، ألمانيا، النمسا، وتونس. بقيادة 4 مشغلين رئيسيين لنظام الطاقة الأوروبي؛ وهم شركات: سنام الإيطالية، و”ترانس أوستريا غاسليتنغ” و”جاز كونكت أوستريا” النمساويتان، وبايرنتس الألمانية.
يمتد المشروع على مسافة 3300 كيلومتر في أوروبا، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 500 إلى 900 كيلومتر في شمال أفريقيا بين الجزائر وتونس. تقدر قدرة النقل الخاصة بالمشروع بحوالي 4 ملايين طن من الهيدروجين سنويًا. تقدر تكلفة المشروع بين 5.2 إلى 5.9 مليارات يورو، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله بالكامل بحلول عام 2030.
إن تطوير الممر الجنوبي، والذي يعد جزءًا من العمود الفقري للهيدروجين الأوروبي، سيضمن أمن الإمدادات وهو أمر بالغ الأهمية لتطوير العمود الفقري للهيدروجين. وبفضل قدرة استيراد الهيدروجين البالغة 4 ملايين طن سنويًا من شمال أفريقيا، يمكن للممر أن يوفر أكثر من 40٪ من هدف استيراد الهيدروجين في خطة REPowerEU . وتتركز المبادرة حول الاستفادة من البنية التحتية الحالية المعاد استخدامها لنقل الهيدروجين، مع إدراج بعض البنية التحتية المخصصة الجديدة. ستمكن نسبة عالية من خطوط الأنابيب المعاد استخدامها (65%) من نقل الهيدروجين بشكل فاعل من حيث التكلفة، في حين أن الوصول إلى مواقع إنتاج الهيدروجين المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية) المواتية في شمال أفريقيا سيمكن الإنتاج التنافسي؛ مما يعود بالنفع في نهاية المطاف على المستخدم النهائي.
وقد حظي الممر بتأييد المؤسسات فضلًا عن الدعم القوي من الشركات عبر سلسلة القيمة بأكملها وعلى طول الطريق من إيطاليا عبر النمسا إلى ألمانيا. وسيتم إنتاج الهيدروجين المتجدد في شمال أفريقيا، بقدرات إنتاج حوالي 2.5 مليون طن سنويًا من الهيدروجين المتجدد. ثم يتدفق شمالًا. ويخدم بذلك مشروع العمود الفقري للهيدروجين الذي يمتد من نقطة الدخول في صقلية إلى نقاط التصدير مع النمسا وسويسرا؛ مما يتيح نقل الهيدروجين المنتج في شمال أفريقيا وجنوب إيطاليا إلى مناطق الاستهلاك الإيطالية والأوروبية الرئيسية، والتي تعد أجزاء من مشروع العمود الفقري للهيدروجين الأوروبي.
وقد تنضم السعودية لمشروع الممر الجنوبي، حيث وقعت السعودية مذكرة تفاهم مع إيطاليا لتطوير مشروع لنقل الهيدروجين الأخضر لأوروبا، وبموجب مذكرة التفاهم، ستعمل إيطاليا على تطوير محطة للأمونيا الخضراء في السعودية، لتتوافق مع تطوير مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي من خلال شركة سنام الإيطالية، لتصدير الهيدروجين الأخضر من السعودية إلى الاتحاد الأوروبي عبر الممر ولكن بصورة مختلفة، حيث يتم تصديره في شكل أمونيا خضراء قبل أن يعاد تحويلها إلى هيدروجين، وضخّها في خطوط الأنابيب. وبذلك قد يكون هناك فرصة للسعودية للانضمام إلى تحالف دول المشاركة في تنفيذ الممر الجنوبي للهيدروجين.
مصر وفرص الاستفادة من الممر الجنوبي للهيدروجين
الممر الجنوبي يعتبر جزءًا من خطة أكبر لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة المتجددة، وهو يهدف إلى تعزيز الإنتاج والنقل والتصدير للهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، عبر الجزائر إلى البحر الأبيض المتوسط ومن ثَمّ إلى الأسواق الأوروبية. وبالتالي يمكن لمصر الاستفادة من هذا المشروع وتعزيز مكانتها في المنطقة من خلال كونها لاعبًا رئيسيًا في سوق الهيدروجين الأخضر، لامتلاكها المقومات التي تسعى إليها أوروبا وهي الموقع الجغرافي الفريد، وتوفر مصادر الطاقة المتجددة وتنوعها وبالتالي خفض التكلفة، بالإضافة إلى وجود دعم سياسي قوي لمشروعات الهيدروجين في مصر من شأنه أن يسرع في تحقيق أهداف أوروبا.
ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يشكل هذا المشروع تهديدًا لمصر. فعلى الرغم من أن التعاون يمكن أن يكون مفيدًا، فإن وجود منافسة مباشرة من الجزائر في تصدير الهيدروجين قد يشكل تهديدًا إذا تطورت المشاريع الجزائرية بشكل أسرع أو بشكل أكثر كفاءة. لذا على مصر أن تكون منتبهة للمنافسة في منطقة شمال أفريقيا تحديدًا والعمل على استراتيجيات تعاون مبتكرة لتحقيق أقصى استفادة من هذا المشروع، أو من مشروعات إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر مع أوروبا بشكل عام. قد تكون السرعة والحوافز والدعم السياسي مطلوبة بصورة أكبر وأكثر وضوحًا الآن في ظل التغييرات السياسية وصعود ترامب مرة أخري لرئاسة الولايات المتحدة، وما تبعه من قرارات بشأن تراجع العمل المناخي. ولكن يمكن للدور الأوروبي والصيني أن يتصدر المشهد العالمي، وعليه يجب أن تحجز مصر لنفسها مكانًا بارزًا في هذا السباق العالمي نحو الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وتعزز التعاون مع دول المنطقة في خلق سوق إقليمية للهيدروجين.