تشهد العلاقات التركية – الإسرائيلية منذ تأسيسها عام 1949، حيث كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل([1])، حالة من التأرجح في وتيرة العلاقة بين الجانبين، ما بين التحالف البراجماتي والانقسامات الأيديولوجية. وقد برز ذلك بشكل واضح خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت موجات صعود وهبوط في العلاقة بشكل مستمر، وكان آخرها التوتر الحادث على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما ارتآه البعض يأتي في إطار الانقسامات الأيديولوجية، إلا أنه مع حدوث الانعطافة الكبيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية المرتبطة بسقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، والذي أدى إلى تغير في خريطة توازنات القوى هناك لصالح كل من تل أبيب وأنقرة، عاد الحديث عن التغير المحتمل في ديناميكيات العلاقة بين الجانبين على أساس التحالفات البراجماتية، وهو ما يطرح بدوره التساؤل حول ملامح وأنماط هذا التغير في ضوء المحددات الحاكمة للعلاقة بين الجانبين، وكذلك فرص ومحفزات التعاون والتنافس بين المشروعين الإقليميين لكل منهما، ليقودنا في الأخير لرسم بعض ملامح السيناريوهات المحتملة لشكل العلاقة بين الجانبين خلال المرحلة القادمة، وذلك في ضوء المستجدات الحادثة على الساحة الدولية والإقليمية.
أولًا: محددات وسياق العلاقة بين الجانبين
تتمتع تركيا وإسرائيل بتاريخ طويل ومعقد من العلاقات، عكس في جانب منه حالة التأرجح التي غلبت على شكل العلاقة بين الجانبين ما بين التباين الأيديولوجي والمنهج البراجماتي الذي عمدت أنقرة على اتباعه منذ اعترافها بإسرائيل، فبينما وضعت نفسها كحليف قيّم لتل أبيب في ظل حالة العزلة التي كانت تواجهها في محيطها العربي، إلا أنها اتجهت في الوقت ذاته خلال فترة الحرب الباردة، للموازنة بعناية في علاقاتها مع الدول العربية وإسرائيل، فجاء اعترافها بالدولة الفلسطينية في عام 1988([2]). وعلى الرغم من أن العلاقة تشكلت في البداية وفقًا لموقف إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فإن الزيارات المتبادلة والتعاون في أوائل التسعينيات تظهر أن العلاقة سرعان ما تطورت إلى ما هو أبعد من الصراع العربي الإسرائيلي([3]). حيث شهدت هذه الفترة علاقات دبلوماسية عميقة مع إسرائيل وتوقيع العديد من الاتفاقيات الرئيسية في عام 1996، من أبرزها اتفاقيات التعاون الدفاعي والتجارة الحرة، التي كانت محورية في إضفاء الطابع الرسمي على التعاون عبر القطاعات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية([4]). وفي هذا الإطار شهد مؤشر التبادل التجاري بين الجانبين قفزة، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية مليار دولار بحلول عام 2000 من 304 ملايين دولار في عام 1994، وفي الوقت الراهن يقدر إجمالي حجم التجارة والسياحة الثنائية بـ 9.5 مليارات دولار([5]).
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت التوترات بين تركيا وإسرائيل في التصاعد، حيث أدى انهيار عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، إلى جانب اندلاع الانتفاضة الثانية، إلى توتر العلاقات، ومع صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي اقترحت إدارته في البداية علاقات إيجابية لكنها تحولت إلى موقف أكثر حزمًا، في ظل بروز العامل الأيديولوجي المرتبط بالقضية الفلسطينية كجزء من الخطاب التركي، وهو ما انعكس في زيادة الانتقادات لإسرائيل. وكان إدانة أنقرة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في عامي 2008 و2009 بمثابة بداية حقبة أكثر توترًا، تلتها أزمة مؤتمر دافوس في عام 2009، والهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية ضمن أسطول دعم غزة عام 2010؛ مما أدى إلى مقتل تسعة مواطنين أتراك([6]). وأدت الأزمة إلى خفض تركيا للعلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السكرتير الثاني وتعليق الاتفاقيات العسكرية([7]). وفي هذا الإطار فشلت محاولات استعادة العلاقات باتفاق في عام 2016([8])، وفي ديسمبر 2017 أدى اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى المزيد من التداعيات الدبلوماسية([9]). وفي ضوء الأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها أنقرة في عام 2022، بالإضافة إلى الاستدارة التي قامت بها في علاقاتها من أجل تصفير المشكلات مع دول الجوار، عبر تعزيز تقاربها مع دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذا فضلًا عن مصالحها الاستراتيجية مع تل أبيب في مواجهة إيران، فقد أعادت إسرائيل وتركيا العلاقات الدبلوماسية الكاملة وأعادتا تعيين السفراء([10]). وقبيل اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، كان قد بحث الرئيس التركي رجب أردوغان تعزيز التطبيع بين تل أبيب وأنقرة في 20 سبتمبر 2023، في إطار استضافته لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في “البيت التركي” في نيويورك خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ناقشا تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني([11]). وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أنه رغم تذبذب العلاقة بين الجانبين وعدم استقرارها خلال العقدين الماضيين، فإن هناك جملة من المحددات والمتغيرات التي ظلت حاكمة لتفاعلات العلاقة بين الجانبين، ومن أبرزها:
- متغير الداخل التركي واعتبارات السياسة المحلية: كان الداخل التركي وما يشهده من تحولات يمثل أحد المحددات الحاكمة لتوجيه السلوك الخارجي التركي تجاه تل أبيب، وقد برز ذلك بشكل واضح مع صعود حزب العدالة والتنمية ذات الصبغة الدينية بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي عزز حضور القضية الفلسطينية كخلفية أيديولوجية لحشد قاعدته الانتخابية المحافظة، بالإضافة إلى تعزيز السيطرة على الدوائر الإسلامية في مواجهة التحديات السياسية الداخلية، من خلال تعزيز صورة حكومته كمدافع عن الفلسطينيين في مواجهة المعارضة من ناحية، ومن ناحية أخرى، يرى المراقبون أن تصوير الرئيس التركي إسرائيل باعتبارها تهديدًا للأمن القومي، في إطار ديناميكيات القوة الإقليمية المتطورة، بما في ذلك المخاوف بشأن إيران، والوجود الكردي في شمال سوريا، يعد إحدى الأدوات السياسية التي يلجأ إليها في إطار مناورته السياسية لصرف الانتباه عن التحديات الداخلية([12]). ومن ناحية ثالثة، يسهم في تعزيز شرعية حضوره (أي الرئيس التركي) كزعيم للأمة أو المجتمع الإسلامي الدولي، في إطار السرديات الدينية والتاريخية لحشد الدعم المحلي والإقليمي، للتحول التدريجي نحو حلم إحياء ما يُعرف بـ “العثمانية الجديدة”([13]).
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن بعض الإجراءات التي اتخذتها أنقرة تجاه تل أبيب قد تقاطعت مع هذا الطرح، على سبيل المثال، كانت الخسائر في الانتخابات البلدية التركية في 31 مارس 2024، بمثابة خسارة كبيرة، لقاعدة الرئيس التركي الانتخابية. فبالإضافة إلى معاناته من الهزيمة أمام حزب الشعب الجمهوري العلماني في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، فقد خسر أيضًا العديد من معاقله في المحيط لصالح المعارضة الإسلامية([14])، وهو ما فسره البعض بأنه جاء نتيجة اتجاه بعض أنصار الرئيس التركي في السابق نحو أحزاب سياسية إسلامية أخرى، مثل حزب الرفاه الجديد، وذلك نتيجة إظهار أردوغان استعداده لمواصلة العلاقات التجارية مع إسرائيل([15])، قبل أن يتخذ قراره في أبريل بالحظر التجاري الأحادي الجانب، ثم الحظر الكامل للعلاقات التجارية مع إسرائيل في مايو 2024([16])، بهدف تحييد إحدى الأدوات السياسية الرئيسية المتاحة لمنافسيه الإسلاميين([17]). وبالتالي، لم يكن القرار في جانبه الأيديولوجي مرتبطًا فقط بإظهار التضامن مع الفلسطينيين، بل كان موجهًا أيضًا إلى السياسة الداخلية التركية.
أيضًا على مستوى التصعيد الخطابي الذي اتبعه الرئيس التركي ضد تل أبيب إلى الحد الذي اتجه فيه للتهديد في 28 يوليو 2024، “بدخول إسرائيل” بالطريقة نفسها التي تصرفت بها تركيا في ناغورنو كاراباخ وليبيا، بالإضافة إلى التأكيد بأن إسرائيل لن تتردد بعد غزة ولبنان في فتح جبهة جديدة ضد تركيا([18])، وترويج وسائل الإعلام الموالية له مؤخرًا في تصوير حزب العمال الكردستاني الكردي باعتباره متعاونًا مع إسرائيل، وقد انعكس ذلك على مشهد السياسة الداخلية التركية، حيث أبرزت الشعارات التي رددها المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين في مدينة ديار بكر، والتي تساوي بين حزب العمال الكردستاني الكردي وإسرائيل، فعالية هذه الدعاية([19]).
ومن ثَمّ، تساعد هذه الرواية المرتبطة بـ “بقاء الدولة” في تحييد كل المعارضة، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، وهو خطاب اجتماعي لا يتيح أي مجال للنقاش العام حول قضايا أخرى غير الأمن القومي.
- الإطار المصلحي وموازنة الجانب الأيديولوجي بالتوجه البراجماتي: في إطار التكلفة (السياسية والاقتصادية) المتصورة للمحدد السابق، والتي سيكون معها الرئيس التركي مضطر لدفعها، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في الداخل التركي، فقد حرص النظام التركي على الحفاظ على العلاقات التجارية ومصالحه الاقتصادية المباشرة، والتي دفعته لسنوات للحفاظ على موقف براجماتي تجاه إسرائيل. فبدلًا من قطع العلاقات مع الدولة اليهودية، انتهج أردوغان سياسة متناقضة تمثلت في الحفاظ على العلاقات على مستوى السفراء مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقة الوثيقة مع حركة حماس، والسماح لأعضائها بالإقامة في تركيا.
ومع اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، ورغم اتخاذ أنقرة بعض الإجراءات ضد إسرائيل، حيث علقت الخطوط الجوية التركية جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى إسرائيل في 10 أكتوبر 2023، إلا إنها حافظت وفقًا للعديد من التقارير على علاقاتها التجارية طويلة الأمد مع تل أبيب، في قطاعات مثل الطاقة والمنسوجات والتكنولوجيا، بما في ذلك المواد المستخدمة لدعم جهود الحرب الإسرائيلية، كما حافظت على نقل النفط الأذربيجاني عبر أراضيها إلى إسرائيل([20]). ومع اضطرارها لاتخاذ قرار في 9 أبريل 2024، بفرض حظر تجاري أحادي الجانب على 54 منتجًا استراتيجيًا بما في ذلك الأسمنت والصلب، وتطويره إلى قرار بوقف جميع التجارة مع إسرائيل تمامًا في 2 مايو 2024([21])، فقد تم التحايل على هذا القرار حيث كشف الصحفي الاستقصائي “متين جيهان” وآخرون أن التجارة بين البلدين لم تتوقف تمامًا. وظهرت مزاعم تفيد بأن نجل أردوغان انخرط في تجارة مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر([22]).
وفي هذا الإطار أشارت عدد من التقارير إلى استمرار البضائع التركية في الوصول إلى إسرائيل، غالبًا تحت ذريعة أنها متجهة إلى فلسطين، وإيجاد طرق بديلة لإجراء الأعمال من خلال الموانئ المتوسطية الوسيطة، وفي هذا السياق عملت الشركات الفلسطينية في الضفة الغربية كـ “مستلمين رسميين” للسلع، بحيث تتلقى هذه الشركات عمولة من الصفقة، وبعد ذلك يتم نقل المنتجات إلى شركات إسرائيلية -الشركاء التجاريين الحقيقيين للشركات التركية([23]). وتؤكد الإحصاءات هذا الاتجاه؛ فوفقًا لأرقام جمعية التصدير التركية، ارتفعت الصادرات إلى فلسطين بنسبة 1180٪ مقارنة بالعام السابق([24]).
وبالتالي، تعكس هذه التحركات أن الاعتبارات الجيوسياسية كانت تُدار بطريقة تحد من التداعيات الاقتصادية المباشرة، اتساقًا مع المنهج البراجماتي للنظام التركي المتمثل في الحفاظ على موقف مؤيد للفلسطينيين لإرضاء قاعدته السياسية مع منع أي تصعيد إلى اضطرابات أوسع نطاقًا ضد حكومته. ويعد هذا النهج مترسخًا كمحدد في إدارة العلاقة بين الجانبين، فرغم التوترات التي تحدث من وقت لآخر بين البلدين، فقد تعززت علاقتهما الاقتصادية بشكل متناقض. وعلى الرغم من إعلانات الرئيس التركي عن تعليق “العلاقات العسكرية والتجارية” مع إسرائيل بعد كل أزمة تقريبًا، فقد توسعت العلاقات الاقتصادية التركية الإسرائيلية بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين. ووفقًا للمعهد الإحصائي التركي (TÜİK)، ارتفع حجم التجارة الثنائية من 1.41 مليار دولار في عام 2002 إلى 8.91 مليارات دولار بحلول عام 2022، مع ميزان تجاري لصالح تركيا باستمرار([25]).
وفي هذا الإطار يمكن القول إن الخطاب بالنسبة للقيادة السياسية في كلا الجانبين، يلعب أحيانًا دورًا كواجهة تهدف إلى تأمين المكاسب المحلية، في حين أن توسيع المصالح الاقتصادية له الأولوية. وقد أشارت هذه الديناميكية إلى أن العلاقة بين إسرائيل وتركيا أعطت الأولوية للمصالح الاقتصادية على العوامل السياسية([26]).
- مركزية تل أبيب في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط: في ضوء الإدراك المتزايد لدى القيادة التركية بمركزية تل أبيب في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فقد لعب ذلك دورًا محفز لدفع العلاقات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، في ظل حاجة أنقرة لتحسين علاقاتها مع الإدارات الأمريكية.
ومع انتخاب الإدارة الجمهورية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” (أول رئيس أميركي يفرض خمس عقوبات منفصلة على الحكومة التركية([27])) والذي تربطه علاقات قوية مع تل أبيب، خاصة في ظل تعيينات أعضاء إدارته الجديد، المشتهر عن معظمهم التأييد والدعم الشديد لإسرائيل، فإنه من المرجح أن تعمل أنقرة على تخفيف توتر علاقتها مع تل أبيب، كبوابة عبور لتجاوز توترات علاقتها التي نشأت مع واشنطن على خلفية تقاربها مع روسيا وشرائها أنظمة إس-400، حيث أدى ذلك لفرض عقوبات أمريكية عليها وحرمانها من الحصول على طائرات إف-35، بالإضافة إلى منعها من شراء أي تقنية عسكرية أمريكية بما في ذلك طائرات إف-16، وإن كان تم معالجة هذا الأمر في يناير 2024، عقب موافقة أنقرة على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الشمال الأطلسي([28]).
وقد يتعزز هذا التوجه ارتباطًا بما أشار إليه المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشيليك، بأن الحكومة التركية تعمل على صياغة خارطة طريق لتعزيز العلاقات مع نظرائها الأميركيين الجدد([29]). خاصة وأن الترشيحات لمناصب رئيسية في الحكومة الأمريكية، قد بدت قاتمة بشكل متزايد بالنسبة للرئيس التركي([30]). على سبيل المثال، أصبحت تولسي غابارد، أحد أشد منتقدي تركيا تحت قيادة أردوغان، مديرة جديدة للمخابرات الوطنية الأميركية. وفي بيان لها قبل توليها منصبها، اتهمت غابارد تركيا بـ “دعم الجهاديين” ووصفت أردوغان علانية بأنه “أحد أخطر الدكتاتوريين في العالم”، مؤكدة أنها لا ترى الرئيس التركي صديقًا([31]). وتقاطع مع ذلك المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي الجديد “ماركو روبيو” الذي انتقد في مناسبات مختلفة في الماضي، أردوغان بسبب سياساته تجاه الأكراد في شمال سوريا، وكذلك بسبب السجل السيء لتركيا في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان([32]).
وفي هذا الإطار أعرب المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، تشيليك، في سياق تصريحاته السابقة عن أمله في ألا تؤثر التصريحات السابقة التي أدلى بها هؤلاء المسئولون الأميركيون الجدد سلبًا على العلاقات الثنائية([33]). يضاف إلى هذا التحدي، تحدٍ آخر من المرجح أن تتعامل معه أنقرة في إطار تحسين علاقتها مع الإدارة الجديدة، والمرتبط بمحاولاتها خلال الفترة الماضية الانضمام إلى مجموعة البريكس -بما في ذلك مشاركتها في قمم منظمة شنغهاي للتعاون- وهي المنظمة التي تسعى إلى تحدي الهيمنة الأمريكية في التجارة الدولية من خلال إزالة الدولرة([34]).
- الدور التركي كموازن للدور الإيراني: عكس التحول في الداخل السوري مع سقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، احتمالية التعويل الأمريكي على الدور التركي كموازن (سني) للدور الإيراني من أجل ملء الفراغ في البيئة المحلية عبر علاقاته القوية مع التنظيمات المسلحة هناك، بما يضمن مصالح واشنطن وتل أبيب، خاصة في ظل براجماتية الجانب التركي وحاجته المصلحية الناشئة في تعزيز علاقاته مع الإدارة الأمريكية الجديدة، من أجل تنسيق الحركة بشأن المسألة الكردية.
وفي هذا السياق يُنظر إلى التحول في الساحة السورية من ناحية تغير خرائط النفوذ لصالح كل من أنقرة وتل أبيب، باعتباره نافذة يمكن من خلاله توسيع “تنسيق الضرورة” الذي فرضته هذه التحولات بين الجانبين، ليمتد إلى تنسيق الأدوار في مساحات أخرى، من أبرزها آسيا الوسطى والقوقاز، وخاصة الصراع الناشئ بين أرمينيا وأذربيجان، حيث قد تسعى تل أبيب إلى التنسيق التكتيكي مع أنقرة لتقويض النفوذ الإيراني في إطار تحالف ثلاثي محتمل (إسرائيلي – تركي – أذربيجاني)، وذلك تأسيسًا على المصلحة التركية المرتبطة بطموحات أنقرة الجيوسياسية في تلك المنطقة في إطار رؤيتها لـ “العثمانية الجديدة”، من خلال فتح ممر “زانغيزور”، الذي لن يربط أذربيجان فقط بجيب ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية، بل سيفتح طريقًا لتركيا للتوسع نحو الدول في آسيا الوسطى، والوصول إلى المنطقة الناطقة بالتركية والغنية بالموارد([35])، وهو ما قد يساعد تل أبيب على موازنة الحضور التركي الجديد في سوريا، وتخفيف تأثيره بعيدًا عن مجال إسرائيل الحيوي في الشرق الأوسط.
- تقارب الرؤى حول التهديد المشترك: لعب وجود تهديد وخصم مشترك لكل من تل أبيب وأنقرة دورًا في غياب الصراع الجيوسياسي المباشر بين الجانبين، ومثل ذلك أحد المحفزات الداعمة لتعزيز العلاقات بينهما في السنوات الماضية. فخلال فترة ما بعد الحرب الباردة ساعدت المعارضة الشديدة لكل من أنقرة وتل أبيب تجاه النظام السوري إلى تقارب الجانبين([36]). أيضًا شكل التهديد الإيراني وتعزز نفوذ طهران أرضية تلاقي للتعاون الضمني بينهما، حتى في ظل التوترات الحادثة([37]). وهو ما انعكس في الحياد التركي تجاه العمليات الإسرائيلية التي كانت تستهدف المواقع الإيرانية وحزب الله. وفي منتصف عام 2024، أعرب وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن أمله في أن تؤدي الجهود الإسرائيلية لإضعاف إيران وحزب الله إلى خلق فراغ في السلطة في سوريا؛ مما يعود بالنفع بشكل غير مباشر على طموحات تركيا الإقليمية([38]). وفي هذا الإطار تتصاعد بعض التقارير التي تشير إلى وجود تنسيق تركي – إسرائيلي برعاية أمريكية ساعد على تمرير سيناريو سقوط النظام السوري، خاصة في ضوء التحليلات الإسرائيلية التي مهدت لذلك قبل اندلاع أحداث سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، باعتباره سمح بتعزيز الحشد العسكري الإيراني وتوسعه التدريجي في سوريا([39]).
ثانيًا: حدود التنافس والتعاون بين الجانبين
مثّل سقوط النظام السوري منعطفًا حاسمًا في الجغرافيا السياسية الإقليمية؛ مما يغير بشكل أساسي الديناميكيات بين تركيا وإسرائيل، خاصة في ضوء تحول توازن القوى الإقليمي بينهما، على نحو قد يخلق تحديات جديدة واختبار لمرونة العلاقات بينهما. وفيما يلي استعراض للفرص المتاحة للتعاون، بالإضافة إلى محفزات الصراع والتنافس.
فرص ومحفزات التعاون
- تنسيق الأدوار في الساحة السورية: في ضوء التطمينات التي تسعى أنقرة إلى إرسالها للمجتمع الدولي وكذلك إلى تل أبيب بشأن سيطرة التنظيمات المسلحة التي تتبع بعضها للجانب التركي، على غرار الجيش الوطني السوري، الذي قام بطرد وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت شمال حلب خلال التقدم الأخير، حيث أعلن مسئولون أمنيون أتراك عن سيطرتهم على معظم مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد([40])، هذا بالإضافة إلى باقي التنظيمات الأخرى بما فيها هيئة تحرير الشام التي تربطها علاقات قوية مع تركيا. وانعكست هذه التطمينات في تصريحات قادة التنظيمات المسلحة التي تولت إدارة الحكم في سوريا، حيث أوضح أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد هيئة تحرير الشام، عدم نيته تصعيد الصراع مع إسرائيل قائلًا: “لا نريد صراعًا مع إسرائيل أو مع دول أخرى ولن تُستخدم سوريا لاستهداف دول أخرى.. لقد تعب السوريون ولا يريدون سوى العيش بسلام”([41]).
تزامن مع ذلك طلب تركيا من إسرائيل الحصول على تحديثات مسبقة حول الهجمات في سوريا، بما يعكس التغيرات في توازن القوى الإقليمي الجديد حيث تمثل هذه الخطوة تغييرًا كبيرًا في التسلسل الهرمي الإقليمي، من ناحية استبدال الدور الروسي بالتركي، وتوسيع الوجود العسكري التركي في سوريا([42])، وهو ما قرأه الداخل الإسرائيلي من ناحية بأنه يعكس إيجابية في الموقف التركي كبادرة حسن نية لتجنب الاحتكاك مع تل أبيب ومن ورائها بالأساس الإدارة الأمريكية الجديدة، وأنه من مصلحة إسرائيل الدخول في مفاوضات مع الأتراك، لتوضيح الموقف، حتى لا تقع حادثة غير مرغوب فيها. واستندوا في ذلك لكون هذا الطلب قد جاء بعد حملة الهجوم العنيف الذي شنته إسرائيل ضد الأصول العسكرية للجيش السوري الذي دمرت خلاله ما يقرب من 80% من كامل قدراته.
إلا أنه في الجهة المقابلة ارتأى بعض الخبراء الإسرائيليون أن هذا الطلب أرادت أنقرة أن ترسخ من خلاله الوضع الجديد لخرائط النفوذ هناك، وذهب المراقبون الإسرائيليون إلى اعتبار أن “سوريا أصبحت ولاية تابعة للدولة العثمانية”. وأن الجولاني يعد “الحاكم التركي العثماني الجديد لسوريا”([43]).
- الضغط على حركة حماس: قد تنظر تل أبيب في ضوء تنسيق الأمر الواقع الذي يحدث بينها وأنقرة في سوريا، إلى إمكانية تطويره ليكون تنسيقًا مفيدًا للجانبين في ملفات أخرى، بحيث تقوم أنقرة بفرض مزيد من الضغوط على قادة حركة حماس من أجل إبداء المرونة في شروطها المتعلقة بصفقة وقف إطلاق النار، خاصة وأن أنقرة قد تجد أنها بحاجة إلى هذه الصفقة من أجل تحييد الضغوط الداخلية، في ظل اتجاهها لتخفيف التوتر مع تل أبيب في إطار خريطة الطريق الجديدة التي ترسمها لتحسين علاقتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
على أن يكون في المقابل لذلك، أن تطلب أنقرة تدخل تل أبيب لدى الإدارة الأمريكية الجديدة من أجل تنسيق الحركة تجاه المسألة الكردية بما يراعي التخوفات التركية، وعرقلة أي جهود من شأنها تمرير حكم ذاتي للأكراد على الحدود التركية. هذا فضلًا عن المصلحة التركية في لعب دور في عملية إعادة الإعمار التي ستستغرق سنوات طويلة في قطاع غزة.
- الدور المفيد لتركيا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة: في ضوء مستجدات الدور الإقليمي لتركيا خلال العقد الماضي من ناحية تعزيز حضورها في العديد من الملفات الإقليمية بدءًا من ليبيا وانتهاء بسوريا، هذا فضلًا عن تحركاتها في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتعزيز نفوذها في شرق المتوسط، بالإضافة إلى تصفيرها لمشاكلها مع دول المنطقة خلال الفترة الماضية، على نحو فرضت معه حضورها كرقم مهم في المعادلات الإقليمية الجديدة، التي قد تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة لرسمها في ضوء مستجدات الموقف الحالي. وبالتالي قد تنظر واشنطن إلى الدور المفيد الذي من الممكن أن تلعبه أنقرة من خلال تنسيق دورها مع تل أبيب، على أن يكون في المقابل لذلك بعض الأثمان (السياسية والاقتصادية) التي يحتاجها النظام التركي لتعزيز وتدعيم أركان حكمه في الداخل، ويشرعن حضوره الإقليمي الجديد.
محفزات الصراع والتنافس
- تضاد الرؤى حول مستقبل سوريا: تميل الرؤية التركية للإبقاء على سوريا كإقليم موحد يسيطر عليه نظام حكم تربطه علاقات قوية مع أنقرة([44])، وذلك لعدة اعتبارات يأتي في مقدمتها تجنب سيناريو التفكك الإقليمي لسوريا، مع تنافس هياكل السلطة المختلفة هناك على الحصول على الحكم الذاتي على أراضيها، على غرار وحدات حماية الشعب الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا. والاعتبار الآخر مرتبط بتجنب موجات نزوح جديدة للاجئين بسبب عدم الاستقرار، كما أن فترة انتقالية مستقرة من شأنها أن تسمح لتركيا بتوجيه المساعدات الاقتصادية إلى سوريا لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين. وفي الجهة المقابلة، يبدو أن الرؤية الإسرائيلية تميل إلى سوريا مجزأة، والحديث عن استبدال مفهوم “الدول القومية” بـ “الدول العرقية”([45])، مع تأمين مناطق عازلة لتوفير الأمن ضد هيئة تحرير الشام وغيرها من الجهات الفاعلة. وهو ما تعارضه أنقرة، سواء من ناحية إنشاء دولة كردية تحت نفوذ حزب العمال الكردستاني، وحتى لو لم تؤدِ هذه التجزئة إلى قيام دولة كردية، فإنها ستعيق انتصار تركيا في سوريا. وبالتالي، تسعى أنقرة إلى تعزيز سيطرة هيئة تحرير الشام على سوريا الموحدة، وضمان حماية مصالحها الاستراتيجية. وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات إذا حاولت هيئة تحرير الشام تحدي النفوذ الإسرائيلي الجديد المتعزز في سوريا عبر احتلالها لمزيد من الأراضي أو إذا عملت إسرائيل على إضعاف هيئة تحرير الشام، خاصة في ضوء الواقع الجديد المتشكل، الذي جعل من الدولتين جارتين بحكم الأمر الواقع، ومع نشاط العمليات الاستخباراتية والعسكرية والمدنية التركية في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، فإن وجود تركيا بالقرب من حدود إسرائيل قد يؤدي إلى ظهور نقاط اشتعال جديدة للصراع.
وانعكس ذلك في الأيام الأخيرة، حيث أدانت تركيا بشدة تحرك إسرائيل نحو المنطقة العازلة، حيث اتهم أردوغان إسرائيل بـ “إظهار عقلية الاحتلال”([46]). وردت إسرائيل باتهاماتها الخاصة ضد تركيا، ووصفتها بأنها “الدولة الأخيرة التي يمكنها التحدث عن الاحتلال في سوريا …”([47])، وقد تجدد هذا التصعيد مرة أخرى على خلفية مطالبة الرئيس التركي أردوغان خلال كلمته باجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه الحاكم العدالة والتنمية في البرلمان، في 14 يناير 2025، بأن على “إسرائيل أن تنسحب من الأراضي السورية فورًا”. وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها بأنه من المستحسن أن “يتجنب الرئيس التركي التهديدات غير الضرورية”، مضيفة أن “الطرف الإمبريالي العدواني في سوريا وكذلك في شمال قبرص وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، هو تركيا نفسها”([48]).
وبالتالي يُنظر إلى تغير المعادلة في سوريا، باعتباره قد يشكل محفزًا صراعيًا أكثر منه تعاوني بين تركيا وإسرائيل، في ضوء احتمالية نشوء تنافس جيوسياسي بين الأدوار الإقليمية لكل منهما، على نحو قد يؤدي إلى تصعيدات أكثر خطورة في الشرق الأوسط.
- التهديد الناشئ لمشروع الإسلام السياسي الذي تقوده أنقرة في المنطقة: تنظر تل أبيب إلى سيطرة التنظيمات المسلحة الراديكالية في سوريا، والتي تجمعها علاقات قوية مع أنقرة بحذر وقلق خشية أن يكون ذلك استبدال لمشروع الهيمنة الشيعية الايرانية بمشروع هيمنة الاسلام السياسي، الذي تقوده تركيا حيث يتقاطع نظامها السياسي أيديولوجيًا مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تحمل أفكار معادية لإسرائيل ووجودها في المنطقة([49])، ويتشارك هذا القلق أيضًا بعض الوحدات العربية، خاصة في ظل الرؤية التوسعية التي عبر عنها الرئيس التركي في إطار ما سمي بـ “العثمانية الجديدة”، حيث أوضح في تعقيبه على ما حدث في سوريا قائلًا: “كل حدث في منطقتنا، وخاصة في سوريا، يذكرنا بأن تركيا أكبر من تركيا نفسها. لا تستطيع الأمة التركية الهروب من مصيرها”([50])، وفي هذا الإطار يضع أردوغان هذا “المصير” لتركيا الجديدة في موقع استمرار لإرثها العثماني وكزعيمة للعالم الإسلامي. ومن ثَمّ، قد يشكل هذا التهديد محفزًا صراعيًا لتل أبيب وعدد من الدول العربية مع أنقرة، وهو ما قد تستغله واشنطن وتل أبيب لتسريع توسيع التحالفات الإقليمية للأخيرة مع دول المنطقة، عبر دفع مسار الاتفاقات الابراهيمية، للقيام من بين أهداف أخرى بموازنة هذا التهديد، وذلك على أرضية المخاوف الأمنية الإقليمية المشتركة التي أسست عليها هذه الاتفاقات في مواجهة التهديد الإيراني.
- القضية الكردية كنقطة توتر رئيسية: تشكل المسألة الكردية إحدى القضايا الخلافية التي قد تثير التوتر والصدام بين أنقرة وتل أبيب، خاصة في ضوء السعي التركي للقضاء على الأكراد على طول حدودها، وتأمين منطقة عازلة لا تقل عن 30 كيلومترًا، من أجل ضمان إفشال أي محاولات لتأسيس حكم ذاتي كردي هناك([51])، ويشكل الوجود الأمريكي في منطقة الشمال السوري، حيث تمنح واشنطن نوعًا من الحصانة للقوات الكردية الموجودة هناك، تحديًا للرؤية التركية التي تتعارض أيضًا مع الرؤية الإسرائيلية حول هذا الملف، والتي عبر عنها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الذي أكد على نظرة إسرائيل إلى الأكراد كحلفاء([52])، وذلك باعتبارها ورقة حيوية لموازنة حضور التنظيمات المسلحة من ناحية، ومن ناحية أخرى، ضمانة ضد المزيد من الاضطرابات ومحاولات التدخل من قبل المليشيات الموالية لإيران في العراق. ومن ناحية ثالثة، تعد ورقة مساومة وضغط في مواجهة المطامع التركية. وفي هذا الإطار قد تسعى تل أبيب لضمان عدم تخلي الإدارة الأمريكية الجديدة، على الرغم من نزعتها الانعزالية، عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى التعاون مع كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يعرفون هذه القضية عن كثب على اتخاذ موقف حازم يضمن عدم التخلي عن الأكراد الموجودة في المناطق الاستراتيجية الرئيسية فيما يسمى بـ “روج آفا” بشمال شرق سوريا([53]).
- التنافس الجيوسياسي في شرق المتوسط: في ضوء الخطة التركية المعروفة باسم عقيدة “الوطن الأزرق”، التي قدمها في عام 2006 الأدميرال التركي “جيم جوردينيز”، تعمل أنقرة على تعزيز حضورها الإقليمي في الدول المحيطة بها، وهو ما تعكسه تحركاتها في البحر الأبيض المتوسط، وبحر إيجه، وكذلك تحركاتها الأخرى في سوريا والبحر الأحمر، من أجل تعزيز الاستقلال الاقتصادي والاستقلال في مجال الطاقة، ووفقًا للمفهوم الأمني الذي تتبناه تركيا، فإن حدودها البحرية المترامية هي أضعف مناطقها من جهة، وهي فرصة لتوسعها واستقلالها الاقتصادي من جهة أخرى. وهذا الفهم، الذي يكمن في جذور التاريخ العثماني، دفع الرئيس التركي للبدء بمشروع تعزيز وبناء القوة البحرية (ميلجيم)([54]).
يدفع هذا التوجه نحو احتمالية الصدام مع تل أبيب في تلك المنطقة التي تشكل أهمية حيوية بالنسبة لها، لتأمين مواردها من الغاز، فضلًا عن سعيها للعب دور إقليمي منافس لأنقرة في مجال الطاقة، وتؤسس لذلك من خلال التنسيق مع كل من قبرص واليونان -اللتين تجمعهما علاقات توتر مع أنقرة– من خلال تدشين خط أنابيب الغاز “إيست ميد”، الذي سيزود أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر قبرص. ويطلق في وسائل الاعلام التركية على هذا التعاون الإسرائيلي القبرصي اليوناني اسم “محور الشر”([55]).
وفي الوقت الراهن تتواصل التوترات بين اليونان وتركيا، خاصة في ظل تقدم التعاون الأمني بين اليونان وإسرائيل، حيث قدم وزير الدفاع اليوناني، نيكوس دندياس، الشهر الماضي إلى البرلمان خطة شاملة لإنشاء نظام دفاع جوي يغطي كامل أراضي اليونان، باستثمارًا بقيمة 2 مليار يورو، وذلك بالتعاون مع إسرائيل. وفي 23 ديسمبر 2024 وصل وزير الطاقة “إيلي كوهين” إلى اليونان في زيارة لشركة بيزك، حيث سيوقع مع نظيره اليوناني اتفاقية لتوسيع التعاون بين البلدين، في مجالات الطاقة بشكل عام والغاز الطبيعي بشكل خاص. هذا فضلًا عن مناقشة تعزيز ممر البنية التحتية للسلع والطاقة الذي سيربط آسيا بأوروبا عبر دول الخليج وإسرائيل واليونان. وفي هذا الإطار تنظر تركيا إلى تعزيز العلاقات بين إسرائيل واليونان باعتباره معركة مباشرة ضدها وتهديدًا مشتركًا([56]).
وانعكس ذلك في هجوم وسائل الإعلام التركية للخطوة اليونانية لتعزيز تعاونها الدفاعي مع تل أبيب، حيث وصفت صحيفة “تقويم” الخطة بأنها “تحالف دفاعي ضد تركيا”، في حين زعمت صحيفة “ياني ساباك” المرتبطة بإدارة أردوغان أن اليونان تحاول تحسين قدراتها خوفًا من تعزيز تركيا. كما توسعت صحيفة “صباح” في الحديث عن خطط إعادة تنظيم القوات المسلحة اليونانية، وذكرت كلام أردوغان الذي حذر في الماضي من أن “إسرائيل ستستهدف الأراضي التركية بعد “فلسطين” ولبنان([57]).
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن إعلان أنقرة عن اتفاقية محتملة للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع الحكومة السورية الجديدة([58])، يعكس ذات التوجه الذي قامت به في ليبيا عبر الاتفاقية البحرية لعام 2019 التي وقعتها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، وقد سمح هذا الاتفاق الأخير بإيجاد موطئ قدم لأنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية لصالحها، وهو ما يبدو أنها تعمل عليه عبر الساحة السورية، كركائز مترابطة لاستراتيجيتها الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط، حيث تعزز الإجراءات في إحدى الساحتين النفوذ في الأخرى. إلا أن ذلك من شأنه أن يثير التوترات مع الشركاء الأوروبيين، حيث من المتوقع أن تنظر كل من اليونان وقبرص والقوى الأوروبية الأخرى إلى مثل هذا الاتفاق على أنه خطوة غير قانونية ومزعزعة للاستقرار؛ مما يزيد من استقطاب الديناميكيات الإقليمية وتكثيف النزاعات حول الطاقة والسيادة([59]). وهو ما قد تتقاطع معه تل أبيب أيضًا التي تنظر بحذر وترقب للتحركات التركية التي تسعى من خلالها لتعزيز نفوذها الإقليمي وخاصة في المناطق الجيوسياسية التي تمثل أهمية حيوية لمصالح تل أبيب الاقتصادية والأمنية. وبالتالي، ورغم كون هذه المعطيات تشير إلى احتمالية أن يكون هذا الملف أحد محفزات الصراع والتنافس بين تل أبيب وأنقرة، فإنه قد يشكل عامل ضغط توظفه تل أبيب بدعم أمريكي لموازنة الحضور التركي في سوريا في إطار تنسيق الضرورة الناشئ بين الجانبين، وفي الوقت ذاته يمكن لتل أبيب التوظيف العكسي لورقة الأكراد في سوريا لموازنة وضغط الحضور التركي في شرق المتوسط، وهو ما يفسر بدوره التحركات التركية السريعة لتعزيز أوراقها من أجل تخفيف الضغوط المحتملة من جانب تل أبيب ومن ورائها واشنطن في هذه الملفات عبر نهج المقايضات الذي اعتادته أنقرة لتأمين مصالحها.
- تراجع تصور التهديد المشترك لإيران: يُضعف هذا التحول في ضوء خرائط النفوذ الجديدة المتشكلة في المنطقة، والتي عكست انحسار واضح للدور الإيراني، محدد التهديد المشترك المُشار إليه سلفًا، والذي لعب دورًا مهمًا في تحفيز التعاون بين تل أبيب وأنقرة، ففي حين قد يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تبنى موقفًا عدائيًا ضد طهران، وخاصة مع الدعم المحتمل من إدارة ترامب العائدة، فإن التهديد المباشر لوكلاء إيران قد تراجع بشكل كبير. وعلى نحو مماثل، في حين ستستمر المنافسة التركية الإيرانية في العراق والقوقاز، فإن غياب الأسد وضعف حزب الله، يجعل الجبهات الأخرى أكثر قابلية للإدارة بالنسبة لأنقرة.
وبالتالي، تعكس هذه التغيرات في خرائط النفوذ بالمنطقة، تراجعًا في درجة الاعتمادية الإسرائيلية على تركيا كما كانت تفعل في السابق، إلا أن ذلك لن يلغيَ تنسيق الضرورة الذي فرضته الأوضاع الجديدة في سوريا. ومن شأن تسريع تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، في إطار الاتفاقات الابراهيمية، التي ربما تنضم إليها المملكة العربية السعودية، في إطار توسيع تل أبيب لتحالفاتها الإقليمية، أن يقلل أيضًا من هذه الاعتمادية، حيث من شأن هذه الدول التي تخشى أن تكون سوريا الجديدة بوابة مرور لمشروع الإسلام السياسي الذي ترعاه تركيا إلى دول المنطقة، خاصة في ظل النفوذ الإقليمي المتزايد لأنقرة، أن تظل محايدة أو حتى تقف إلى جانب إسرائيل في أي توتر متجدد مع أنقرة ودمشق.
ثالثًا: سيناريوهات محتملة
تشير معطيات السياق الراهن إلى أن اتجاهات العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، في ضوء مستجدات الساحة السورية، ستكون محكومة بمسارات تحرك متعددة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على المشهد الإقليمي والدولي المترقب للتوجهات المستقبلية للإدارة الأمريكية الجديدة، ومن أبرز هذه السيناريوهات:
- سيناريو العلاقة المفيدة للجانبين: يتعزز فرص حدوث هذا السيناريو ارتباطًا بالمحدد البراجماتي الذي تعكسه أنقرة في علاقتها مع تل أبيب، وعكسه حفاظها على علاقاتها التجارية مع الأخيرة رغم توترات العلاقة، هذا فضلًا عن التطمينات التي أرسلتها التنظيمات المسلحة في سوريا لتل أبيب، بالإضافة إلى الطلب التركي بالتنسيق المسبق بين أنقرة وتل أبيب بشأن عملياتها العسكرية لتجنب الصدام هناك. وهي مؤشرات قد تجعل تل أبيب تنظر إلى الخطاب العدائي للرئيس التركي تجاهها خلال الفترة الماضية، باعتباره يأتي في إطار التوظيف السياسي للرئيس رجب أردوغان في سياق معاركه الانتخابية في الداخل، أي تقليل التهديد الأيديولوجي باعتباره دعائيًا أكثر من كونه ذا مواقف أيديولوجية صارمة. أيضًا يحفز من هذا السيناريو عامل “الأمر الواقع” الذي فرضته أنقرة عبر تحركاتها في الإقليم خلال العقد الماضي، على نحو عزز من اعتراف صناع السياسات الغربيين بمركزيتها في السياسة في الشرق الأوسط. وبالتالي، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للتعامل مع أنقرة في ضوء هذه المتغيرات في مقابل تقديم بعض المرونة بشأن الأثمان السياسية والاقتصادية التي قد ترغبها أنقرة، من أجل تقديم الأخيرة ضمانات لتأمين المصالح الإسرائيلية والأمريكية بمناطق سيطرة التنظيمات التابعة لتركيا في سوريا. ومن شأن هذا السيناريو أن يحافظ على مكتسبات المرحلة التي حققتها أنقرة ويجنبها تكلفة المخاطرة التي ينطوي عليها السيناريو الصدامي مع تل أبيب ومن ورائها واشنطن، خاصة في ظل عدم مرونة الداخل التركي في القيام بأي مناورات سياسية من شأنها أن تفرض مزيدًا من الأعباء الاقتصادية.
وبالتالي، من المرجح أن يظل نهج التوازن بين مواقف أردوغان المحلية ودبلوماسيته، يشكل أهمية مركزية في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وتعكس حاجة نتنياهو إلى الحفاظ على التعاون الأمني في حين يتنقل بين ديناميكيات إقليمية معقدة، مشية أردوغان على الحبل المشدود بين استرضاء قاعدته المحلية والانخراط في السياسة الواقعية. هذا فضلًا عن أن من شأن التحول في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة أن تلعب دورًا في إعادة تعريف الاستراتيجيات والتحالفات الإقليمية لكلا البلدين.
- سيناريو الصدام والتنافس الجيوسياسي: يعد هذا السيناريو أحد السيناريوهات المحتملة في ضوء تصاعد النقاط الخلافية المشار إليها سلفًا، خاصة إذا ما سعت تل أبيب لفرض رؤيتها وهيمنتها الإقليمية، في التعامل مع هذه الملفات، بما ينتقص من الحضور الإقليمي لأنقرة، وهو ما قد يدفع الأخيرة لتغيير ديناميكيات علاقتها مع تل أبيب، وترشيد النهج البراجماتي لسلوكها، والسعي للحفاظ على مكتسبات هذه المرحلة، وموازنة هذا الحضور الإسرائيلي من خلال توظيف أدوات مشروعها الجيوسياسي المرتبط بتنظيمات الاسلام السياسي، للضغط على تل أبيب. ويعد هذا السيناريو محفوفًا بمخاطر الصدام مع واشنطن، هذا فضلًا عن حالة العزلة التي قد تفرضها بعض دول المنطقة العربية (دول الاتفاقات الإبراهيمية) ضد أنقرة نظرًا لتهديد مشروعها لمصالحها في المنطقة، كما أن الوضع الداخلي لأنقرة قد لا يسمح للنظام السياسي هناك بهامش المناورة السياسية للقيام بذلك.
ختامًا، يمكن القول إن الانعطافة الكبيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية المرتبطة بسقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، والذي أدى بدوره إلى تغير في خريطة توازنات القوى هناك لصالح كل من تل أبيب وأنقرة، دفع نحو تغير ديناميكيات العلاقة بين الجانبين، في إطار محفزات التعاون والصراع المُشار إليه سلفًا، وهو ما من شأنه أن يُضفي درجة من الحدية على توازنات العلاقة بين الجانبين –والتي كانت محكومة في الماضي بحالة التأرجح ما بين البراجماتية والتباين الأيديولوجي– خاصة في ظل المتغيرات الجديدة التي جعلت الدولتين جارتين بحكم الأمر الواقع.
وبالتالي، قد يؤدي تصاعد نشاط العمليات الاستخباراتية والعسكرية والمدنية التركية في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام بالقرب من حدود الدولة العبرية، هذا فضلًا عن تحركات أنقرة لتعزيز نفوذها الجيوسياسي في المناطق الحيوية بشرق المتوسط، إلى ظهور نقاط اشتعال جديدة للصراع. وهي مسائل من شأنها أن تزيد من قلق تل أبيب التي قد تنظر إلى هذا التوسع في النفوذ التركي بأنه قد يشكل قيدًا على خط العرض العسكري لإسرائيل في المنطقة، إلا أنه وفقًا للخبرة التركية السابقة في إطار منهجها البراجماتي لإدارة علاقتها مع تل أبيب، فضلًا عن أن سياق الداخل غير المستقر لديها، قد يدفع أنقرة إلى التوجه نحو “تنسيق الضرورة” مع تل أبيب بما يجنبها من ناحية، الصدام مع واشنطن، بالإضافة إلى تحييد تهديد ورقة الأكراد التي يمكن أن تستغلها كل من تل أبيب وواشنطن. ومن ناحية أخرى، تأمين بعض المكاسب السياسية والاقتصادية التي ستعزز بدورها هامش الحركة للنظام التركي في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية وضغوط الداخل، ولعل ذلك يفسر في جانب منه السعي التركي في الوقت الراهن لتعزيز أوراقه التي تمنحه هامشًا من الحركة والمقايضة لتأمين مكاسبه في مواجهة التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية المنتخبة التي ستكون منحازة بطبيعة الحال لصالح إسرائيل.
الهوامش
[1] Soner Cagaptay, Lose-Lose for Turkey and Israel?, The Washington Institute for Near East Policy, Jun 7, 2010. Accessed date: December 30, 2024. Retrieved from:
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/lose-lose-turkey-and-israel
[2] Türkiye´s Political Relations with the State of Palestine, Republic of Türkiye Ministry of Foreign Affairs, Accessed date: December 30, 2024. Retrieved from:
https://www.mfa.gov.tr/turkiye_s-political-relations-with-the-palestinian-national-authority.en.mfa
[3] Nurlan Muminov, Cooperation and conflict in Turkish–Israeli relations since the 1990s, Israel Affairs, Vol 30, Issue (1), December 26, 2023. P.p. 25–39. Accessed date: December 31, 2024. Retrieved from:
https://doi.org/10.1080/13537121.2024.2295604
[4] Ibid.
[5] Meliha Altunisik, “The Turkish-Israeli Rapprochement in the Post-Cold War Era”, Middle Eastern Studies, Vol 36, No. 2, 2000. P.p. 172–91. Accessed date: December 31, 2024. Retrieved from:
http://www.jstor.org/stable/4284076
[6] Nurlan Muminov, Op.cit.
[7] Jonathan Ghariani, Comparing Israeli-Turkish Relations: The 1990s versus post-October 7, Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, April 11, 2024. Retrieved from:
https://dayan.org/content/comparing-israeli-turkish-relations-1990s-versus-post-october-7
[8] Ibid.
[9] Shira Efron, Jerusalem Embassy Move Sparks Turkey-Israel War of Words, RAND, January 2, 2018. Accessed date: December 31, 2024. Retrieved from:
https://www.rand.org/pubs/commentary/2018/01/jerusalem-embassy-move-sparks-turkey-israel-war-of.html
[10] Isabel Kershner, Israel and Turkey to Restore Full Diplomatic Ties, New York Times, August 17, 2022. Accessed date: January 1, 2025. Retrieved from: https://www.nytimes.com/2022/08/17/world/middleeast/israel-turkey-relations-ambassadors.html
[11] Humeyra Pamuk, UN General Assembly: Erdogan, Netanyahu meet for first time as relations thaw, Reuters, September 20, 2023. Accessed date: January 1, 2025. Retrieved from: https://www.reuters.com/world/middle-east/un-general-assembly-erdogan-netanyahu-meet-first-time-relations-thaw-2023-09-19/
[12] Aslı Aydıntaşbaş and Kevin Huggard, Understanding Turkey’s response to the Israel-Gaza crisis, Brookings, December 7, 2023. Accessed date: January 1, 2025. Retrieved from: https://www.brookings.edu/articles/understanding-turkeys-response-to-the-israel-gaza-crisis/
[13] Pattnaik, J. K. and Panda, C. K., Interrogating Erdogan’s neo-Ottoman geopolitical imagination, Journal of Liberty and International Affairs, Vol 8, Issue (3), 2022. P.p. 338-355. Accessed date: January 2, 2025. Retrieved from: https://doi.org/10.47305/JLIA2283338p
[14] Jean Marcou, “Defeat of Recep Tayyip Erdoğan and the AKP in local elections in Turkey: the start of a new era?”, French Research Center on Iraq (CFRI), April 17, 2024. Retrieved from: https://blog.sciencespo-grenoble.fr/index.php/2024/04/02/defaite-de-recep-tayyip-erdogan-et-de-lakp-aux-elections-locales-en-turquie-le-debut-dune-nouvelle-ere/?lang=en
[15] Ragip Soylu, Turkey local elections: How Erdogan’s Israel policy backfired, Middle East Eye, April 5, 2024. Retrieved from: https://www.middleeasteye.net/opinion/turkey-local-elections-erdogan-israel-policy-backfired-how
See also:
Dorian Jones, Protests grow over Turkey’s role in supplying oil to Israel, Voa News, June 17, 2024. Retrieved from:
https://www.voanews.com/a/protests-grow-over-turkey-s-role-in-supplying-oil-to-israel/7659337.html
[16] Habiba Ali, Turkey’s Trade Ban on Israel: A Critical Appraisal, Modern Diplomacy, May 31, 2024. Retrieved from: https://moderndiplomacy.eu/2024/05/31/turkeys-trade-ban-on-israel-a-critical-appraisal/
[17] Soner Cagaptay, Will Turkey Cut Ties with Israel?, The Washington Institute for Near East Policy, May 8, 2024. Retrieved from: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/will-turkey-cut-ties-israel
[18] Lazar Berman and ToI Staff, Turkey’s Erdogan appears to issue open threat to invade Israel over war in Gaza, July 28, 2024. Retrieved from: https://www.timesofisrael.com/turkeys-erdogan-appears-to-issue-open-threat-to-invade-israel-over-war-in-gaza/
[19] Diyarbakır’da ‘katil İsrail işbirlikçi PKK’ sloganları yankılandı, yenisafak, October 6, 2024. Retrieved from:
[20] Turkey reportedly still loading Azerbaijani oil for Israel despite “total trade ban”, Bne IntelliNews, May 5, 2024. Retrieved from:
[21] Habiba Ali, Op.cit.
[22] Journo’s posts on Turkish companies’ trade with Israel restricted upon former PM’s requests, Duvar English, December 8, 2023. Accessed date: January 2, 2025. Retrieved from:
[23] Hay Eytan Cohen, Erdoğan’s New Front: Exploiting Israel for Regional and Domestic Leverage, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS), October 15, 2024. Retrieved from:
https://jiss.org.il/en/yanarocak-erdogans-new-front/#_edn22
[24] Dean Shmuel Elmas, Turkish exports to “Palestine” skyrocket, Globes, August 7, 2024. Retrieved from:
https://en.globes.co.il/en/article-turkish-exports-to-palestine-skyrocket-1001486160
[25] Türkiye-İsrail ekonomik ilişkileri ne durumda, ticaret hacmi AK Parti iktidarında nasıl değişti?, Euronews, October 11, 2023. Accessed date: January 2, 2025. Retrieved from:
[26] Yusuf Can and Seda Güneş, Turkey-Israel Relations After October 7: Layers of Complexity and Posturing, Wilson Center, October 17, 2024. Retrieved from:
[27] Kasım İleri, Trump döneminde Türk-Amerikan ilişkilerine yaptırımlar damga vurdu, Anadolu Agency, January 19, 2021. Retrieved from:
[28] Matthew Lee US approves F-16 fighter jet sale to Turkey, F-35s to Greece after Turkey OKs Sweden’s entry to NATO, APNews, January 27, 2024. Retrieved from: https://apnews.com/article/us-turkey-sweden-nato-ukraine-russia-02418dd7644bc8865fdafdff4c848dbd
[29] Melih Kadir Yılmaz, Son dakika… AK Parti MYK toplantısı sona erdi! ABD seçimlerinden sonra harekete geçildi; Çelik, Erdoğan’ın talimatını açıkladı, Mynet, November 15, 2024. Retrieved from:
[30] Hay Eytan Cohen, From Cold Shoulders to Unpredictability: U.S.-Turkey Relations from Biden to Trump, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS), December 1, 2024.Retrieved from:
https://jiss.org.il/en/yanarocak-from-cold-shoulders-to-unpredictability/#_edn24
[31] Turkish Century, Trump’s new Director of National Intelligence #TulsiGabbard attacks fellow #NATO member Türkiye’s President Erdogan is not our friend. He’s a dangerous dictator”, X Website, November 14, 2024. Retrieved from: https://x.com/TurkishCentury/status/1856999970282622983?lang=ar
[32] Rubio Speaks On U.S. Policy Toward Syria, Marco Rubio Website, December 10, 2024. Retrieved from:
https://www.rubio.senate.gov/rubio-speaks-on-u-s-policy-toward-syria
[33] Melih Kadir, Op.cit.
[34] From Cold Shoulders to Unpredictability: U.S.-Turkey Relations from Biden to Trump, Op.cit.
[35] Mohab Adel, The Geopolitical Variable and Its Impacts on the Management of the Iran-Israel Conflict, International Institute for Iranian Studies (Rasanah), Journal for Iranian Studies, Issue 18, October 2023. Accessed date: November 8, 2024. Retrieved from:
[36] Haşim Tekineş, Shifting Geopolitics of Turkey-Israel Relations After Assad, Institude, December 20, 2024. Retrieved from:
https://www.institude.org/opinion/shifting-geopolitics-of-turkey-israel-relations-after-assad
[37] Dorian Jones, Turkey-Israel Rapprochement Threat to Iranian Ambitions?, Voanews, May 31, 2017. Retrieved from:
https://www.voanews.com/a/turkey-israel-rapprochement-iranian-ambitions/3881562.html
See also:
Mehmet Rakipoğlu, Turkey stuck between Iran and Israel, Daily Sabah, Jul 9, 2022. Accessed date: November 10, 2024. Retrieved from:
https://www.dailysabah.com/opinion/op-ed/turkey-stuck-between-iran-and-israel
[38] Haşim Tekineş, Op.cit.
[39] Ehud Yaari, How Israel Lost the Syrian Civil War, The Jerusalem Strategic Tribune, June 2023. Accessed date: December 30, 2024. Retrieved from:
https://jstribune.com/yaari-how-israel-lost-the-syrian-civil-war
[40] Syrian rebels enter northern city of Manbij, Turkish source says, Reuters, December 8, 2024. Retrieved from:
[41] حصري-أحمد الشرع خلال لقاء صحفي دولي حضره موفد فرانس24: “سُحقوا وأُحرقوا.. اضطهاد السوريين كان مهولا”، فرانس 24، بتاريخ 17 ديسمبر 2024. انظر:
[42] מאיה כהן, לא להאמין: ארדואן בפנייה חדשה ובלתי נתפסת לישראל, Maariv, December 29, 2024. Retrieved from:
https://www.maariv.co.il/news/world/article-1159768
[43] Ibid.
[44] Mehmet Celik, Analysis: Turkiye’s road ahead in a post-Assad Syria, Aljazeera, January 7, 2025. Retrieved from:
https://www.aljazeera.com/news/2025/1/7/turkiyes-road-ahead-in-a-post-assad-syria
[45] ד”ר אל”מ במיל’ חנן שי, סוריה עכשיו: ההגמוניה של ישראל במזרח התיכון מייצרת הזדמנות נדירה, The Institute for National Security and Zionist Strategy, December 15, 2024. Retrieved from:
[46] Turkey condemns Israel’s ‘occupation mentality’ after advance into Syria, Alarabiya, December 10, 2024. Retrieved from:
[47] Foreign Min: ‘The last country that can speak about occupation in Syria is Turkey’, Israel National News, December 17, 2024. Retrieved from:
https://www.israelnationalnews.com/news/400884
[48] إسرائيل ترد على تهديدات أردوغان بعد مطالبته لها بسحب قواتها من سوريا، روسيا اليوم، بتاريخ 15 يناير 2025. انظر:
[49] Shirit Avitan Cohen, Assad, al-Julani, or Erdogan in Syria? It’s all the same, Israel Hayom, December 17, 2024. Retrieved from:
See also:
David Wurmser, Prepare for Disintegration of Syria and Rise of Imperial Turkey, The Institute for National Security and Zionist Strategy, December 1, 2024. Retrieved from:
[50] Turkish President Erdoğan: Turkey Is Much Bigger Than Its Territory Of 782,000 Square Kilometers; People Who Ask What Turkey Is Doing In Syria, Libya, Or Somalia, Do Not Understand Our Vision, Memri, December 18, 2024. Retrieved from:
https://www.memri.org/tv/turkish-president-erdogan-cannot-limit-our-horizon-cannot-escape-destiny
[51] Turkey announces determination to create a buffer zone in Iraq and Syria, Medyanews, July 12, 2024. Retrieved from:
See also:
Ghazal Golshiri and Marie Jégo, Syria: Turkey wants to extend its buffer zone by pushing back Kurdish forces, lemonde, December 12, 2024. Retrieved from:
[52] מאיה כהן, Op.cit.
[53] Eran Lerman, Mapping the Post-Assad Landscape, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS), December 16, 2024. Retrieved from:
https://jiss.org.il/en/lerman-mapping-the-post-assad-landscape
[54] William Armstrong, Turkey’s foreign policy takes hawkish turn over ‘Blue Homeland’, BBC Monitoring, July 6, 2020. Accessed date: December 30, 2024. Retrieved from:
https://monitoring.bbc.co.uk/product/c201vkcr
See also:
İlhan Uzgel, The “Blue Homeland” and Turkey’s new forward defence doctrine, Duvar English, June 25, 2020. Accessed date: December 30, 2024. Retrieved from:
[55] Hay Eytan Cohen, Turkey at the Eastern Mediterranean Crossroads, The Jerusalem Institute for Strategy and Security (JISS), December 18, 2024. Retrieved from:
https://jiss.org.il/en/yanarocak-turkey-at-the-eastern-mediterranean-crossroads
[56] אבי אשכנזי, אנה ברסקי, טרקו לטורקיה את הדלת: הנקמה הישראלית בארדואן יצאה לדרך, Maariv, December 23, 2024. Retrieved from:
https://www.maariv.co.il/news/politics/article-1158365
[57] Ibid.
[58] Egecan Alan Fay, Details on the pending Türkiye-Syria maritime agreement, Turkiye Today, December 25, 2024. Retrieved from:
[59] Emadeddin Badi and Abdullah al-Jabassini, Turkey’s Syria and Libya strategies add up to a Mediterranean power play, Atlantic council, January 13, 2025. Retrieved from:
باحث متخصص في الشأن الإسرائيلي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية