ظهر مفهوم ومصطلح وحدة الساحات في بادئ الحرب الجارية على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، كتعبير عن انخراط العديد من الفصائل والمجموعات المسلحة في المنطقة في جبهات إسناد وتضامن ضد إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية، وهي المقاربة التي استهدفت من جانب إظهار حالة الترابط التي تجمع هذه الفصائل في المنطقة، ومن جانب آخر استهدفت تشتيت الجهد العسكري الإسرائيلي على أكثر من مستوى، فضلًا عن حسابات داخلية خاصة بكل فصيل من هذه الفصائل التي انخرطت في التصعيد الذي شهدته المنطقة، وكان النتاج الرئيسي لهذه المقاربة، هو مجموعة من التداعيات خصوصًا ما يتصل بفتح جبهات حرب وتصعيد عديدة في المنطقة خصوصًا في سوريا والعراق واليمن، فضلًا عن تنامي حالة “العسكرة” الخاصة بالتفاعلات الخاصة بالقوى الدولية في منطقة البحر الأحمر، على وقع الانخراط الحوثي في التصعيد الجاري، بالإضافة للتداعيات السلبية على البلدان التي شهدت انخراطًا من هذه الفصائل في إطار التصعيد.
لكن اللافت أنه وبعد نحو 16 شهرًا هي عمر الحرب في غزة والتصعيد في المنطقة، عملت إسرائيل بدعم مباشر وضمني من قبل الولايات المتحدة بإدارتها السابقة والحالية، على ثلاثة مستويات رئيسية؛ الأول: هو تفكيك مبدأ “وحدة الساحات” الذي تبنته الفصائل المسلحة في المنطقة، وثانيها: تحويل هذا المبدأ إلى عامل ضغط على الفصائل الفلسطينية، وثالثها: الانتقال إلى مستوى استنساخ هذا المبدأ عبر فتح جبهات متعددة بالتعاون مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وتجلى ذلك بشكل واضح في استئناف الحرب على قطاع غزة، بالتزامن مع تصعيد غير مسبوق في الضفة الغربية، بالإضافة إلى التوسعات الإسرائيلية في سوريا، ويُضاف إلى ذلك الهجمات الإسرائيلية على مواقع في الجنوب اللبناني خلال الأيام الماضية، فضلًا عن الضربات الأمريكية الكبيرة التي تم توجيهها للحوثيين في الأيام الماضية.
أولًا- مستويات التعامل الإسرائيلي الأمريكي مع مبدأ “وحدة الساحات”
كان مبدأ وحدة الساحات بغض النظر عن تقييم المخرجات والنتائج العسكرية المباشرة له بالنسبة لإسرائيل مكلفًا بالنسبة للدولة العبرية على مستويات متعددة، خصوصًا ما يتصل برفع تكلفة التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وإنهاك منظومة الأمن الإسرائيلية لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع التهديدات الخاصة بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، بما أدى إلى انهيار العقد الاجتماعي بين الحكومة الإسرائيلية والمواطنين في الدولة العبرية والذي كان قائمًا بشكل رئيسي على فكرة الأمن ودرء التهديدات الخارجية، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها إسرائيل على وقع هذا التصعيد متعدد الجبهات، فضلًا عن تشتيت الجهد الحربي الإسرائيلي.
وفي ضوء هذه التداعيات السلبية، فضلًا عن الإضرار بمستويات ونمط الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر على وقع التصعيد الحوثي، تبنت الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع إسرائيل مقاربة متعددة المستويات للتعامل مع مبدأ وحدة الساحات، وهي المقاربة التي يُمكن إبراز معالمها في ضوء التالي:
1- تفكيك مبدأ وحدة الساحات: قبيل توقيع الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن أسبابًا ثلاثة شجعته على الانخراط في المباحثات الخاصة بوقف إطلاق النار مع الحزب؛ وهي: التركيز على إيران، وتجديد إمدادات الأسلحة مع منح الجيش قسطًا من الراحة، وأخيرًا عزل حركة حماس، وفق تعبيره، وتأكيدًا على وحدة هذا الهدف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أنتوني بلينكن أن “توقيع الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل سيجعل حماس تدرك جيدًا أنها لا تستطيع أن تعوّل على فتح جبهات أخرى في الحرب” وفق تعبيره.
وتعريجًا على هذا الهدف، راحت إسرائيل والولايات المتحدة تتحرك وفق مستويات متعددة لتفكيك مبدأ وحدة الساحات، ومن هذه المستويات: تحرك إسرائيل عسكريًا ضد العديد من الأهداف النوعية الخاصة بما يُعرف بمحور المقاومة، كذلك التحركات الدبلوماسية الأمريكية التي أدت عمليًا إلى تفكيك هذه الجبهات على غرار الضغوط على الحكومة العراقية لوقف تصعيد الفصائل الموجودة في العراق، فضلًا عن الضغوط لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وصولًا إلى المقاربة الأمريكية الخاصة بالتعامل مع التصعيد من ناحية الحوثيين في اليمن. وكان ملاحظًا بشكل رئيسي أن الولايات المتحدة تنطلق في تعاملها مع التصعيد الذي تشهده على المنطقة من مقاربة تقوم على فصل وتحييد الجبهات المتنوعة في الشرق الأوسط عن الحرب الإسرائيلية على القطاع.
2- التضامن الأمريكي مع إسرائيل: أحد المرتكزات الرئيسية للتعامل مع وتفكيك مبدأ “وحدة الساحات” الذي شهدته المنطقة، كان يتمثل في التعامل الأمريكي مع هذا المبدأ، وهو التعامل الذي غلب عليه مجموعة من السمات الرئيسية؛ أولها: التماهي مع الأهداف الإسرائيلية المعلنة من الحرب سواءً فيما يتعلق بقطاع غزة أو ما يتعلق بمواجهة ما تصفه إسرائيل بـ “التهديدات الوجودية” أو بتعبير نتنياهو “تغيير وجه الشرق الأوسط” في إشارة إلى التصعيد الإسرائيلي متعدد الجبهات في المنطقة. وثانيها: تقديم الدعم والإسناد الكامل غير المحدود للموقف الإسرائيلي، وتوفير متطلبات استمرار الحرب سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
وثالثها: تجسد في الدعم العسكري الغير مسبوق لإسرائيل فضلًا عن إرسال العديد من البوارج الحربية وتوظيف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة من أجل الإسهام في صد الهجمات الموجهة ضد إسرائيل، ورابعها: الانخراط الأمريكي المباشر في التصعيد الذي تشهده المنطقة ما تجسد بشكل واضح في عدد من المظاهر منها تنفيذ العديد من الهجمات ضد فصائل موالية لإيران في العراق، فضلًا عن الاستهدافات الأمريكية المستمرة حتى اليوم ضد تمركزات الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى إعلان الولايات المتحدة في ديسمبر 2023 عن تشكيل تحالف “حارس الازدهار” في منطقة البحر الأحمر. وخامسها: تجسد في الورقة الأمريكية أو المبادرة الدبلوماسية التي أدت إلى وقف إطلاق النار في لبنان وهي المبادرة التي أدت عمليًا إلى تفكيك الموقف الموحد بين حزب الله وبين الفصائل الفلسطينية.
3- رفع تكلفة الانخراط بالنسبة للفصائل في التصعيد: أحد المرتكزات الرئيسية التي اعتمدت عليها إسرائيل خصوصًا فيما يتعلق بمقاربة تفكيك مبدأ “وحدة الساحات” تمثلت في رفع التكلفة والخسائر الخاصة بانخراط العديد من الفصائل في المنطقة، وتجسد ذلك بشكل واضح في عدد من المظاهر؛ أولها: بنك الأهداف الكبير الذي وضعته إسرائيل واستطاعت تحقيقه على مستوى قيادات الصف الأول والثاني لقيادات الفصائل المنخرطة في التصعيد ضدها وخصوصًا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وهي الاغتيالات التي وصلت ذروتها مع اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، ورئيس حركة حماس السابق ومهندس عملية طوفان الأقصى يحي السنوار، وثانيها: تدمير قطاع كبير من البنى التحتية والقدرات العسكرية لهذه الفصائل في أثناء التصعيد الممتد منذ أشهر، بما أضعف من قدرات هذه الفصائل، وثالثها: السعي الإسرائيلي لتأليب البيئة الحاضنة لهذه الفصائل بما يزيد من ضغوط الرأي العام والشارع في هذه الدول على الفصائل المنخرطة في التصعيد.
ثانيًا- مؤشرات وأبعاد التصعيد الإسرائيلي الأمريكي الراهن
برزت العديد من المؤشرات التي عبرت في مجملها عن تصعيد إسرائيلي أمريكي متعدد الجبهات في المنطقة، وهو ما يتجلى من خلال المؤشرات التالية:
1- استئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: في 18 مارس الماضي أعلن بنيامين نتنياهو عن استئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ مما أدى حتى وقت كتابة هذه الورقة إلى مقتل نحو 700 فلسطيني وإصابة المئات، وهي الخطوة التي أعقبت مناورات تكتيكية مارسها عبر رفع سقف المطالب وطرح شروط جديدة، والتنصل من أي التزامات خاصة بالوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوسطاء والجانب الفلسطيني، وكان ملاحظًا في سياق استئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مجموعة من السمات، أولها: أن “نتنياهو” تلقف التهديدات التي بعث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 مارس 2025 تجاه حركة حماس، بضرورة إطلاق سراح جميع الرهائن الآن وإلا فسيكون هناك “جحيم يُدفع ثمنه”، وثانيها: إعلان “نتنياهو” قبوله بمقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بخصوص تمديد المرحلة الأولى، وتباعًا تحميل حركة حماس مسئولية انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وثالثها: أن “نتنياهو” أمن عبر قراره باستئناف الحرب تماسك ائتلافه الحاكم اليمني المتطرف، خصوصًا مع إعلان إيتمار بن غفير العودة إلى الحكومة، بما يدعم خطط “نتنياهو” على مستوى تمرير بعض الاستحقاقات المهمة خصوصًا ما يتصل بقانون الموازنة العامة لعام 2025، المقرر التصويت عليها قبل نهاية الشهر.
على المستوى العسكري كان ملاحظًا أن الجيش الإسرائيلي بدأ عملياته العسكرية بقصف جوي واسع النطاق وشديد العنف على مختلف مناطق قطاع غزة، كذلك حرص الجيش الإسرائيلي على توسيع ما يصفه بـ “المناطق الآمنة” في قطاع غزة، خصوصًا محور فيلادلفيا، وشريط السياج الحدودي، ومحور نتساريم، والمناطق الفاصلة بين مستوطنات غلاف غزة ومناطق الشمال، كذلك أعلن الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي لبدء القصف على القطاع، عن بدء عمليات توغل بري على أكثر من مستوى داخل القطاع، بدءًا من مناطق شمال القطاع، مرورًا بمحور نتساريم الفاصل بين الشمال والجنوب، وصولًا إلى مناطق الجنوب، وبالتالي فالحديث ينصب عن عمليات برية إسرائيلية في كافة مناطق القطاع، بالتزامن مع تكثيف عمليات القصف الجوي.
2- استمرار العمليات الإسرائيلية في الضفة: كان عدد من المسئولين الأمنيين الإسرائيليين قد أعلنوا في مطلع فبراير 2025، عن ما وصفوه بـ “استمرار وتوسع الأعمال العسكرية في الضفة الغربية”، في إشارة إلى العمليات التي بدأت منذ ما يزيد على الثلاثة أشهر في العديد من مناطق الضفة خصوصًا في مخيمات جنين ونور الشمس وطوباس وبلدات شمال الضفة، وصولًا إلى قرار مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي (الكابنيت) في 23 مارس 2025، فصل 13 حيًا استيطانيًا في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل عن المستوطنات المجاورة لها، بحسب ما قاله وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، معتبرًا أنها “خطوة مهمة نحو فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات”.
وشارك في العملية لواء كفير (لواء للمشاة)، و4 كتائب تابعة لحرس الحدود ووحدات من المستعربين وقوات النخبة، ووحدات من الهندسة العسكرية، بتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك) ودعم من سلاح الجو الإسرائيلي الذي دفع بمروحيات عسكرية ومقاتلات ومسيرات لتوفير غطاء للقوات البرية، في معطيات تعكس أن هذه العملية هي الأكبر من نوعها في الضفة الغربية، منذ عملية “السور الواقي” عام 2002، فضلًا عن أن العملية أدت إلى نزوح آلاف الفلسطينيين من مخيمات الضفة، لكن الملاحظ هنا أن هذه العمليات الإسرائيلية تأتي مدفوعةً بمساعي إسرائيلية لتوظيف التماهي الأمريكي مع خطط الضم للضفة، فضلًا عن الدفعة التي أخذتها إسرائيل عقب الضوء الأخضر الأمريكي باستئناف الحرب فضلًا عن أطروحات تهجير الشعب الفلسطيني.
3- سعي إسرائيلي لتثبيت الوجود العسكري في سوريا: تبنت إسرائيل في المرحلة التي أعقبت الإطاحة ببشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 على يد مجموعة من الفصائل المسلحة، مقاربة متعددة الأبعاد للتعامل مع الوضع الجديد في سوريا، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى الهجمات المدمرة التي شنتها إسرائيل على البنى التحتية الخاصة بالجيش السوري بما أدى إلى تدمير كافة الأسلحة النوعية والاستراتيجية التي كانت تملكها سوريا، فضلًا عن سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة التي تفصل الجولان المحتل عن الأراضي السورية، مرورًا بالسيطرة على جبل الشيخ بما يحظى به من أهمية استراتيجية، وصولًا إلى التمدد في العديد من قرى الجنوب، وخلال الأسبوع الأخير فقط شنت إسرائيل غارات عنيفة على دمشق ودرعا ومطار تدمر العسكري والعديد من المواقع الأخرى المهمة.
ويبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا عمدت إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية؛ أولها: توظيف الإطاحة بالأسد وحالة السيولة الأمنية التي أعقبت ذلك وانهيار مؤسسات الدولة السورية، من أجل الترويج لسردية انهيار اتفاق فض الاشتباك الموقعة بين الجانبين عام 1974، والتحرك عسكريًا من أجل زيادة المساحة الخاضعة لسيطرتها في سوريا، وهذه السيطرة تمت إما عبر الانتشار المباشر أو من خلال السيطرة النارية التي استخدمتها لتقييد حركة المدنيين أو منع القوات المحسوبة على الإدارة الجديدة من الوجود في مناطق الجنوب، وثانيها: العمل على الحيلولة دون أي نشاط للخلايا الموالية لإيران أو حزب الله من أجل النشاط مجددًا في سوريا، وثالثها: تدمير واستهداف أي وجود لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في سوريا، ورابعها: ضمان تفوق وميزات استخباراتية ولوجستية عبر السيطرة على جبل الشيخ، من خلال إنشاء نقاط عسكرية ووحدات مراقبة ووحدات استخباراتية في قمة الجبل، وخامسها: تعديل قواعد الاشتباك بطريقة تمنح تل أبيب مرونة أكبر في تنفيذ ضربات استباقية ضد أهداف عسكرية داخل سوريا، دون الحاجة إلى عمليات برية واسعة النطاق كجزء من استراتيجية الردع الإسرائيلية.
4- انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان: كان لافتًا الانتهاكات الإسرائيلية العديدة لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان مع حزب الله، وذلك من خلال العديد من المؤشرات؛ أولها: الإخلال بالبروتوكول الإنساني الخاص بالاتفاق، وثانيها: تنفيذ العديد من الضربات ضد مواقع في الجنوب اللبناني، وثالثها: رفض إسرائيل الانسحاب من نقاط مهمة في الجنوب اللبناني، ومنها منطقة اللبونة المقابلة لمستوطنة شلومي، ومنطقة جبل بلاط المقابلة لمستوطنة زرعيت، ونقطة في جبل الديب المقابلة لمستوطنة أفيفيم، وجبل الدير أصبع الجليل الحمامص، وفي الجهة المقابلة لمستوطنة مرغريوت وكريات شمونة.
وفي سياق متصل وفي منحى تصعيدي كبير خلال الأيام الماضية، بدأت إسرائيل منذ يوم 22 مارس 2025، حيث شن الجيش الإسرائيلي مجموعة من الهجمات والاستهدافات التي طالت العديد من المواقع جنوب الليطاني وشماله، وصولًا إلى البقاع؛ مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين، أيضًا فقد اجتازت آليات هندسية وعسكرية مختلفة تابعة للجيش الإسرائيلي السياج التقني، ونفذت أعمال تجريف في وادي قطمون في خراج بلدة رميش، كما انتشرت عناصر من قوات المشاة الإسرائيلية داخل هذه الأراضي اللبنانية، في انتهاك للقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار.
5- التصعيد الأمريكي النوعي ضد الحوثيين: قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: إنه أمر الجيش بشن ضربات على جماعة الحوثي في اليمن السبت 15/03/2025، محذرًا إياها من مغبة عدم توقف هجماتها، وجاء في منشور لترامب على شبكة للتواصل الاجتماعي “سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا”، وتعريجًا على هذا التوجه شن الجيش الأمريكي حتى وقت كتابة هذه الورقة العديد من الهجمات النوعية ضد الحوثيين في اليمن، وكان لافتًا في هذه الهجمات الأمريكية، ما أشارت إليه صحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”جيروسالم بوست”، من أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل الامتناع عن شن غارات جوية كتلك التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي سابقًا في اليمن، على أن تترك إسرائيل التعامل مع الحوثيين للولايات المتحدة، فيما يبدو أنه مشهد إسناد ودعم أمريكي لإسرائيل في جبهة اليمن.
وبشكل عام لا يمكن الفصل بين هذه الهجمات الأمريكية النوعية التي استهدفت من جانب قطاعات واسعة من البنية التحتية الخاصة بتنظيم الحوثي، فضلًا عن العديد من قيادات التنظيم، وبين نهج إدارة دونالد ترامب تجاه التنظيم اليمني، وهو النهج الذي يتبنى سياسة “الضغوط القصوى” مع عدم قصر هذه المقاربة على فكرة العقوبات، والانتقال إلى مستوى الضغط العسكري الغير مسبوق، أيضًا يأتي هذا التحرك الأمريكي على وقع كون جبهة الحوثي هي الجبهة الوحيدة المنخرطة حاليًا في إطار جبهات التصعيد ضد إسرائيل في المنطقة، بعد تراجع الفصائل العراقية، وتحييد المجموعات التي كانت موجودة في سوريا خصوصًا في الجولان، فضلًا عن حزب الله على وقع اتفاق وقف إطلاق النار، ويُضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تضغط على إيران عبر هذا النمط من التصعيد ضد الحوثي.
6- التلويح بالتصعيد ضد إيران: أفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي في 21 مارس 2025 بأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأن “إيران أوشكت على امتلاك أسلحة نووية، وأنه لا يمكن غض الطرف عن ذلك”، وذلك بالتزامن مع تقارير تتحدث عن اجتماع أمريكي إسرائيلي مرتقب خلال الأيام المقبلة بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وفق ما أفاد به موقع والا العبري، على أن يمثل إسرائيل في هذا الاجتماع وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنجبي، وكانت تقارير أمريكية قد أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعث برسالة إلى المرشد الإيراني خامنئي؛ قال فيها: «إذا اضطررنا إلى التدخل عسكريًا، فسيكون ذلك أمرًا مروعًا بالنسبة لهم»، لكنه عرض «تخفيف العقوبات إذا تعاونت طهران»، ويبدو أن السياق الإقليمي الراهن، من حيث وجود رغبة مشتركة أمريكية إسرائيلية في تحجيم النفوذ الإيراني، وإعادة صياغة معادلات الردع في المنطقة، هي سياقات قد تدفع باتجاه التصعيد المحتمل ضد إيران، خصوصًا وأن ما تبقى من هذا المحور وفق بعض التقديرات الإسرائيلية يتمثل في تهديدات الحوثيين، والبرنامج النووي الإيراني.
وفي ضوء المعطيات السابقة، وبالنظر إلى مفهوم “وحدة الساحات” باعتباره يعبر عن أنماط من التصعيد ضد هدف أو عدو مشترك، بغية تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية، يمكن القول إن هناك حاليًا استنساخًا أمريكيًا إسرائيليًا على المستوى العملي لهذه المقاربة، وفي هذا السياق يُمكن الوقوف على مجموعة من الملاحظات الرئيسية:
- أن الجانبان الأمريكي والإسرائيلي عملا أولًا على تفكيك مبدأ وحدة الساحات الذي تبناه ما يُعرف بـ “محور المقاومة” في بادئ هذه الحرب، سواءً عبر الضغوط العسكرية القصوى، أو عبر التحركات الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة، على اعتبار أن هذا السياق كان شديد التكلفة بالنسبة لإسرائيل، وبالنسبة للوجود الأمريكي في المنطقة.
- أن مفهوم “الحرب اللا تماثلية” ماثل بشكل كبير في أثناء التصعيد الأمريكي الإسرائيلي الراهن في المنطقة، وهو المفهوم الذي يشير إلى حرب تجمع أطراف متناقضة سواءً من حيث التمثيل في القانون والشرعية والنظام الدولي، أو من حيث حجم وطبيعة الوجود على الأرض فضلًا عن الاستراتيجيات المتبعة.
- أن التصعيد الأمريكي الراهن ضد الحوثيين في اليمن، لا ينفصل بشكل أو بآخر عن التصعيد الإسرائيلي في غزة والضفة، فضلًا عن تثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في سوريا، والسعي لاستنساخ النموذج نفسه في بعض المناطق الاستراتيجية في جنوب لبنان، على اعتبار وحدة الهدف، وهو تحجيم النفوذ الإيراني، ودرء مصادر الهديد بالنسبة للدولة العبرية.
- بعيدًا عن حسابات النصر والهزيمة والتي تشهد ضبابية كبيرة على وقع أن الحرب الجارية والتصعيد في المنطقة، كما أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة لما يُعرف بمحور المقاومة، أدى أيضًا إلى خسائر استراتيجية بالنسبة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة استطاعتا عمليًا تفكيك مبدأ “وحدة الساحات”، والانتقال لاحقًا إلى تصفية كافة الاستحقاقات والجبهات المؤجلة على غرار الجبهة الحوثية وربما لاحقًا المسألة الإيرانية.
- سوف يكون للعامل السابق انعكاسات على جبهة غزة والأراضي الفلسطينية بشكل عام، إذ إن إسرائيل سوف تسعى إلى توظيف الدعم المطلق من الإدارة الأمريكية الحالية، وحالة التراجع التي يشهدها محور المقاومة، من أجل تمرير مجموعة من الأهداف الاستراتيجية خصوصًا ما يتصل بالسعي سواءً بشكل كلي أو جزئي لتنفيذ أطروحات التهجير، أو ما يتعلق بتحييد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، أو تثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي بصيغة من الصيغ في قطاع غزة، فضلًا عن مخططات ضم أجزاء من الضفة، لكن تظل هذه الأطماع الإسرائيلية تواجه تحديات كبيرة في القلب منها الموقف المصري العربي الثابت الرافض لهذه الأطروحات، فضلًا عن التحديات المرتبطة بعوامل عدم الاستقرار والاضطراب في الداخل الإسرائيلي.
باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية