عُقد في الأول من يونيو الماضي (2019) منتدى “شانغريلا للحوار” The Shangri-La Dialogue (SLD) الذي يُناقش قضايا الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو أكبر منتدى أمني إقليمي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وشارك في المنتدى عددٌ من رؤساء الدول، ووزراء الدفاع، ومسئولين عسكريين رفيعي المستوى.
وعلى الرغم من تركيز المنتدى على قضايا الأمن الإقليمي؛ إلا أن التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والمنافسة في مجال التكنولوجيا الفائقة، هيمنت على وقائع المنتدى.
الحرب التجارية
أكد “وي فنغ”، وزير الدفاع الصيني، في منتدى “حوار شانغريلا” على استعداد الصين لمواجهة الولايات المتحدة في مجال التجارة، وإن أبقت الصين باب الحوار مفتوحًا، حيث صرح بأنه “إذا أرادت الولايات المتحدة الحوار، سنُبقي الباب مفتوحًا. وإذا أرادت المواجهة، نحن جاهزون”. ويأتي ذلك التصريح على خلفية الحرب التجارية المشتعلة بين كل منهما.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت في تحصيل رسوم جمركية أعلى بنسبة (25%) على بعض السلع الصينية التي وصلت إلى الموانئ الأمريكية، بالتزامن مع انعقاد المنتدى، وهو الأمر الذي أسفر عن فرض بكين تعريفاتٍ جمركية انتقامية.
كما فرض “دونالد ترامب” زيادةً في الرسوم المفروضة على قائمةٍ من السلع الصينية، بلغت قيمتها (200) مليار دولار في 10 مايو، غير أنه وافق على فترة سماح للبضائع التي غادرت الصين قبل ذلك الموعد، لتخضع بذلك للرسوم التي كانت سارية قبل ذلك وهي 10%. وتشمل زيادة التعرفة الجمركية مجموعةً كبيرةً من السلع الاستهلاكية والمكونات الوسيطة المستوردة من الصين، بما في ذلك خوادم الإنترنت، والأثاث، والمكانس الكهربائية، وغيرها.
كما بدأت الصين في تحصيل رسومٍ انتقامية أعلى على معظم السلع الواردة في قائمة مستهدفة شملت بضائع أمريكية قيمتها 60 مليار دولار. وقد تم الإعلان عن تلك التعريفات في 13 مايو الماضي، بحيث تُفرض رسوم إضافية تبلغ نسبتها 20% أو 25% على حوالي 5140 منتجًا أمريكيًا مستهدفًا.
هواوي
صرح “باتريك شاناهان”، وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة، في المنتدى، بأن “شركة هواوي قريبة جدًّا من الحكومة الصينية. واشنطن تشعر بالقلق من الهجمات الإلكترونية، وسرقة الملكية الفكرية، ما يجعل من الصعب الثقة بتلك الشركة، في أوج النزاع التجاري المتصاعد بين واشنطن وبكين”. ووفقًا له، تتزايد الصلة بين الشركات المدنية والجيش الصيني، وهو ما يمكن فهمه في ظل السياسات والقوانين الوطنية الصينية التي تحتم مشاركة البيانات. وأضاف شاناهان: “عندما أنظر إلى هذا الوضع، هناك مخاطرة كبيرة.. لا يمكن الوثوق بأن تلك الشبكات ستكون محميّة”.
وتُعد تلك التصريحات بمثابة اتهامات جديدة لهواوي، جنبًا إلى جنب مع اتهام الولايات المتحدة لها بالتجسس، وخرق العقوبات التجارية المفروضة على إيران، وسرقة حقوق الملكية الفكرية.
على الجانب الآخر، تشكّك هواوي في كافة الاتهامات الموجهة ضدها، وهو ما أكده الجنرال “وي فنغ خه”، وزير الدفاع الصيني، في المنتدى بقوله: “إن شركة هواوي ليست مؤسسة عسكرية”، ولا تعني خدمة مؤسسها في الجيش -وفقًا له- أن الشركة التي قام بتأسيسها جزءٌ من ذلك الجيش. وهو ما برره بتقاعده، فذلك النوع من العسكريين السابقين ينشئ بعد تقاعده عدة شركاتٍ حول العالم.
ونددت بكين بالعقوبات الأمريكية التي طالت الشركة والشركات التابعة لها. وأعلنت عن نيتها إعداد قائمة تضم أسماء الشركات الأجنبية التي تضر بالاقتصاد الصيني، والتي تُعرف باسم “قائمة المؤسسات عديمة الثقة” وفقًا لوزارة التجارة الصينية. وهي القائمة التي تضم شركاتٍ، ومنظماتٍ، وشخصياتٍ تنتهك معايير السوق والعقود المبرمة، وتعرقل الإمدادات للشركات الصينية لأغراضٍ غير تجارية، وتلحق الأضرار بمصالح الصين الاقتصادية. ومن المرجح أن تشمل تلك القائمة شركتي جوجل الأمريكية وARM البريطانية.
الإنفاق العسكري وقضايا أخرى
وبالإضافة إلى قضية الحرب التجارية وهواوي، فقد شهد المؤتمر سجالًا بين الجانبين حول قائمة من القضايا الخلافية الأخرى، شملت الإنفاق العسكري الصيني، والنزاع في بحر الصين الجنوبي، وتايوان وكوريا الشمالية. في هذا الإطار، حذّرت الولايات المتحدة الصين من تهديد سيادة جيرانها، معلنةً عن استثماراتٍ في مجال التكنولوجيا العسكرية للدفاع عن حلفائها الآسيويين. وأشار “شاناهان” إلى أن موازنة وزارة الدفاع الأمريكية -التي يُفترض أن يصادق عليها الكونجرس- تخصص 104 مليارات دولار للأبحاث والتنمية. ومن شأن البنتاجون أن يكثف استثماراته في السنوات الخمس المقبلة في برامج مهمة لمنطقة المحيط الهندي الهادئ، للحفاظ على استقرارها.
وأشار “شاناهان” بشكلٍ خاص إلى الدفاع المضاد للصواريخ، وهو المجال الذي استثمرت فيه الصين بكثافة في السنوات الماضية. وهو ما يعكس في مجمله أن تلك المنطقة باتت مسرحًا للعمليات الأمريكية وعلى قمة أولوياتها. في المقابل، وردًّا على تلك التصريحات، حذرت بكين من تقليل الولايات المتحدة من أهمية تصميم وعزيمة وقدرات الجيش الصيني.
أما فيما يتعلق بالنزاع في بحر الصين الجنوبي، والذي حظي بجزء مهم من السجال، فقد صرح “شاناهان” بأن “الصين يمكنها ويجب عليها أن تقيم علاقات تعاون مع بقية دول المنطقة، لكن السلوك الذي يقوض سيادة الدول الأخرى، ويزرع عدم الثقة بنوايا الصين؛ يجب أن يتوقف”، محذرًا من حالة “عدم الاستقرار” في آسيا بسبب أنشطة الصين. وتأخذ الولايات المتحدة على الصين عسكرتها لجزرٍ صغيرة عدة في بحر الصين الجنوبي تطالب بها كل من: تايوان، وبروناي، وماليزيا، والفلبين، وفيتنام. كما تُجري بانتظام عملياتٍ يُطلق عليها اسم “حرية الملاحة” في المحيط الهادئ، وتقوم بطلعاتٍ جويةٍ فوق المجال الدولي، فيما تبحر بارجات حربية أمريكية بالقرب من بعض الجزر المتنازع عليها وعبر مضيق تايوان.
كما دعت الولايات المتحدة الصين إلى “التوقف عن تقويض سيادة الدول الأخرى”، مشيرةً إلى عدم التزام الصين بالوعد الذي قطعه الرئيس الصيني “شي جينبينغ” لباراك أوباما، بعدم عسكرة جزرٍ صغيرة باتت الآن تحت سيطرة بكين. وشدد “شاناهان” على أن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى أي صراعات، لكنها تعلم أن امتلاك القدرات لكسب الحرب هو أفضل وسيلة لتجنبها”.
وفي المقابل، رحب “شاو يوانمينغ”، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة التابعة للجنة العسكرية المركزية الصينية، بجهود الولايات المتحدة في المحافظة على استقرار العلاقات العسكرية، لكنه ندد بتصريحات شاناهان “المغلوطة” -حسب تعبيره- بشأن تايوان التي تعد -من وجهة نظر الصين- جزءًا لا يتجزأ منها. وهدّد “يوانمينغ” بتدخل الجيش الصيني عسكريًّا ضد كافة المحاولات التي من شأنها أن تفصل تايوان عن الصين، بغض النظر عن التكاليف المادية المترتبة على ذلك.
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، أكد “شاناهان” أن الولايات المتحدة من شأنها أن تستثمر بشكلٍ كبير في تكنولوجيات عسكرية جديدة لمواجهة مختلف التهديدات، والمحافظة على تفوقها وقدرتها على الدفاع عن حلفائها الآسيويين، خاصة ضد كوريا الشمالية التي تشكل تهديدًا استثنائيًّا. وأعاد المسئولون الأمريكيون التأكيد على خطورة كوريا الشمالية على أمن المنطقة، والتزام الولايات الولايات المتحدة الحيلولة دون هيمنتها على المنطقة أو تحقيقها أهدافًا سياسية بقوة السلاح. وأعاد المسئولون الأمريكيون التأكيد على حرية الملاحة والطيران في منطقة المحيط الهادئ، مشددةً على ضرورة عدم السماح لأي دولة السيطرة عليها.
ختامًا، وعلى الرغم من تعدد قضايا الصراع الصيني-الأمريكي، تكرر التأكيد على قضايا التعاون المشترك، والتي شملت مراقبة احترام العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية لثنيها عن مواصلة برنامجها النووي، وسبل تعميق العلاقات العسكرية المشتركة. كما دعت الولايات المتحدة الصين للحفاظ على علاقاتٍ جيدة معها، تحقيقًا لمصالح بكين.