البعثات الخارجية للمعلمين هي أحد أشكال التدريب أثناء الخدمة، وتمثل استثمارات طويلة المدى، فهي تسهم في التنمية المهنية المستدامة للمعلمين عبر تكوين مجتمعات للتواصل عن بعد وتبادل الخبرات، وقد شهدت بعثات المعلمين للخارج قرارات متواترة بين توقف مؤقت وانقطاع جبري لأسباب مختلفة، فما واقع البعثات التدريبية للمعلمين المصريين، وهل يتناسب عائد الاستثمار البشري من البعثات مع حجم تكلفة الإيفاد؟، وما حدود أثر التدريب في الخارج على جودة التعليم؟.
تحولات سياسات البعثات التدريبية للمعلمين
بعد توقف لفترة طويلة، أعدت وزارة التربية والتعليم أول خطة بعثات للمعلمين في التسعينات، وتحديدًا عام 1993، حيث استهدفت إيفاد (400) معلم سنويًا للتدريب بالخارج في مجالات التربية، وتوظيف التكنولوجيا في التعليم، وتطبيق طرائق التدريس الحديثة، والتعرف على نظريات التعلم واستراتيجياته، وكيفية استخدام الأدوات التدريسية الميسرة، وغيرها من المجالات التربوية، وقد حددت هذه الخطة أربعة أشهر كمدة تدريبية لكل مبعوث.
تم تنفيذ خطة الوزارة عام 1995، حيث أرسلت نحو 400 معلم من معلمي الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية إلى جامعات أسكتلندا وإنجلترا لتأهيلهم على تطبيق طرق التدريس الحديثة في هذه التخصصات. تضاعفت أعداد المعلمين المبتعثين في أوائل الألفية الثالثة، وسجلت نحو 9 آلاف معلم مقسمة على ثلاث أفواج كل عام، واتسعت الوجهات الجغرافية وتضمنت أمريكا، وفرنسا، وأيرلندا، والمملكة المتحدة، كما تنوعت الرتب المهنية لتشمل المعلمين والموجهين ومديري المدارس، وكذلك التخصصات العلمية لتضم رياض الأطفال والتربية الخاصة إلى جانب الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية.
جدول (1) إجمالي عدد المعلمين المبعوثين للتدريب بالخارج حتى سبتمبر 2002 بحسب التخصص
التخصص | علوم | رياضيات | لغة إنجليزية | لغة فرنسية | رياض أطفال | تربية خاصة | توجيه فني | إدارة مدرسية | الإجمالي |
عدد المعلمين | 3108 | 2210 | 2245 | 567 | 150 | 50 | 434 | 55 | 8819 |
المصدر/ تقرير مبارك والتعليم، مبارك والتعليم المشروع القومي لتطوير التعليم، 2002
انتظمت أفواج بعثات المعلمين التدريبية للخارج، وبلغت أعدادهم حتى عام 2006 أكثر من 10,700 معلم ومعلمة، ونحو 800 موجه فني، و99 مدير مدرسة، بإجمالي 11,647 مبتعث وفق إحصائيات إدارة البعثات بوزارة التربية والتعليم، وفي عام 2010 قررت وزارة التربية والتعليم إيقاف البعثات التدريبية الخارجية للمعلمين، وعلل الوزير أسباب توقف البعثات بدعوى إعادة النظر في جدوى البعثات التدريبية للمعلمين، ووصفها بإهدار المال العام، ثم ما لبث وأصدر قرارًا باستئناف بعثات المعلمين شريطة أن تتحمل الجهات المانحة -والتي تستقبل المعلمين المبتعثين- كافة النفقات بما فيها السفر والانتقال الداخلي والمعيشة.
جدير بالذكر أن مصادر تمويل البعثات والمنح والإعارات تختلف باختلاف الجهة المسئولة، وبشكل عام تتحمل الدولة نفقات البعثات من خلال قطاع الشئون الثقافية والبعثات والإدارة المركزية للبعثات التابعة لوزارة التعليم العالي، والذي ينظم سياسات البعثات في كافة التخصصات، وتخضع المنح والبعثات والإعارات الخاصة بالمعلمين إلى جملة من الإجراءات الإدارية وفق معايير عامة موحدة، وتفضي في النهاية إلى اعتماد الإدارة المركزية للبعثات التابعة لوزارة التعليم العالي.
في أكتوبر 2013، عادت بعثات المعلمين بعد توقف دام نحو ثلاث سنوات وفق خطة تمويل تحت إشراف إدارة البعثات والإعارات في ديوان عام الوزارة، فأعلن وزير التربية والتعليم حينها استئناف البعثات التدريبية للمعلمين، في دول إنجلترا وفرنسا وإيطاليا للاستفادة من الخبرات الخارجية في مجالات اللغات والعلوم والرياضيات، ودول إيطاليا وألمانيا لتدريب معلمي المجالات الفنية، وذلك لمدة تتراوح من 3 إلى 9 أشهر للبعثة الواحدة في كل تخصص.
انتعشت حركة البعثات التدريبية للمعلمين مع بداية تطبيق برنامج إصلاح التعليم بالتعاون مع البنك الدولي عام 2018، حيث يتم عقد شراكة بين حكومتي مصر واليابان تحت مسمى شراكة التعليم بين مصر واليابان ” Egypt-Japan Education Partnership: EJEP ” بهدف تدريب 680 من معلمي المدارس المصرية اليابانية (EJS) على أنشطة التعليم الياباني والمعروفة بالتوكاتسو “Tokkatsu”.
رصد تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم في 31 ديسمبر 2019 أعداد البعثات التعليمية المصرية، وشملت ابتعاث عاملين في مجال الإدارة التعليمية، فقد أوضح التقرير إيفاد 2 من الموظفين بالديوان العام للوزارة ضمن منحة هيئة اليابان للتنمية الدولية الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ” JICA”، و2 معلم ضمن منحة “الإبداع المشترك للمعرفة: القادة الشباب”، وموظف واحد ضمن منحة الهند لبناء القدرات البشرية، و7 معلمين لغة عربية وإنجليزية ضمن منحة اللغات الحرجة” TCLP”، و3 معلمين ضمن منحة البرنامج التدريبي من كوريا الجنوبية “القيادة العالمية في التعليم” للحصول على شهادة الماجستير من إحدى الجامعات الكورية، وأخيرًا، موظف واحد ضمن منحة فرنسا “صناعة السياسات العامة من التصور إلى التقييم”.
لم تصدر أي بيانات أو إحصائيات رسمية من وزارة التربية والتعليم عن بعثات المعلمين بعد عام 2019 سوى بعض التصريحات الإعلامية، لكن بعض الجهات الدولية، مثل: الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ” JICA” ووزارة التعليم والبحث العلمي اليابانية قد أعلنتا عن أعداد المعلمين المصريين المبتعثين للتدريب في جامعة فوكوي على مدار أربعة سنوات 2019-2023، حيث بلغ عددهم نحو 200 معلم ومعلمة مقسمين على 7 أفواج.
في 2020، صدر قانون 149 بشأن تنظيم البعثات والمنح والإجازات الدراسية، واتسع بموجبه نطاق استحقاق البعثات ليشمل كل العاملين بالدولة سواء معينين أو متعاقدين، كذلك تحددت العلاقة بين الدولة وجهة الابتعاث بما يضمن تلقي تقارير عن مدى استجابة الموفد لبرنامج البعثة وتحقيق الغرض منها، وذلك من خلال مكتب البعثات المختص بهدف متابعة تقدم المبتعثين دراسيًا ومهنيًا.
شكل (1): التتبع الزمني لتحولات سياسات البعثات التدريبية للمعلمين في مصر
معايير الترشيح وحدود الأثر
تحتاج البعثات التعليمية والتدريبية بشكل عام إلى تكلفة مالية ضخمة، فقد تخطت ميزانية البعثات 1.6 مليار جنيه عام 2019 وفق تصريح وزير التعليم العالي، لذا من الضروري أن تتناسب هذه التكلفة مع تحقيق الجودة في منظومة التعليم، وهذا الأمر يحتاج إلى ضوابط ومعايير تضمن توجيه هذه النفقات إلى مستحقيها، علاوة على ضرورة قياس أثر وفاعلية مخرجات البعثات التدريبية للمعلمين على جودة التعليم بحسب أهداف كل بعثة على حد سواء.
تنقسم ضوابط ومعايير ترشيح المعلمين للبعثات التدريبية إلى معايير وضوابط عامة مدرجة بالمادة رقم 9 بقانون البعثات 149، وأخرى خاصة يتم إعلانها مع كل بعثة تدريبية. أما عن الضوابط العامة فتشمل:
- التمتع بالجنسية المصرية.
- حُسن السيـرة والسمعـة، وخلو صحيفة الأحوال الجنائية من أي حكم في جناية، أو في جنحة مخلة بالشرف، أو في إحدى الجرائم الإرهابية، أو الجرائم المرتبطة بها.
- التمتع باللياقة الصحية التي تتطلبها البعثة.
- استيفاء شروط الترشيح بحسب المجال والتخصص والمستوى.
- أن يكون المرشح للبعثة على قوة العمل.
- ألا يكون قد عاد من إيفاد سابق، أو ألغي إيفاده لأسباب ناشئة عن تقصيره، أو عدم قدرته على التحصيل العلمي، أو لسوء السلوك.
- ألا يكون على منحة أو بعثة أو إجازة دراسية لذات غرض الإيفاد خلال فترة التقدم للإعلان.
- ألا يكون قد سبق إيفاده في بعثة لذات الغرض.
- الحصول على موافقة السلطة المختصة بالجهة التابع لها المبعوث.
أما عن الضوابط والمعايير الخاصة، فيتم إعلانها من قبل وزارة التربية والتعليم مع كل منحة، أو بعثة، أو برنامج تدريبي، وتتضمن بشكل عام اشتراطات الحد الأدنى من المهارات اللغوية بحسب اللغة الرسمية للبعثة، وتكون بمثابة معيار المفاضلة الأول بين المرشحين.
تتولى المديريات التعليمية بشكل عام ترشيح المدرسين الأكفاء للبعثات التدريبية للخارج، وتتولى المكاتب الثقافية في الدول المانحة والمضيفة للمبتعثين استقبال المعلمين وتيسير إجراءات إتمام مدة البعثة التدريبي، وصرف الحوافز المالية خلال فترة التدريب.
من جهة أخرى، بينت بعض الدراسات والأبحاث ضعف عوائد البعثات التدريبية للمعلمين على جودة التعليم، حيث برهنت دراسة ميدانية بعنوان “سياسة بعثات المعلمين التدريبية ودورها في تطوير التعليم بالمدارس المصرية” أن هناك جملة من التحديات التي تسهم في ضعف فاعلية البعثات التدريبية للمعلمين منها:
- قصور البرنامج التدريبي على المحاضرات النظرية فقط، ومحدودية التدريب الميداني في مدرسة واحدة، أو مدرستين بحد أقصى، ويعتمد على استخدام أسلوب الملاحظة المباشرة فقط.
- ضعف الإمكانيات المادية في المدارس المصرية (خاصة في القرى والمحافظات النائية) تحول دون تطبيق الاستراتيجيات التي تم تدريب المعلمين المبتعثين عليها.
- تمثل بعض القيادات التربوية عائق أمام المعلمين المبتعثين، حيث يمارس بعضهم سلطات تقييد فرص تطبيق ما تدرب عليه المعلمون في البعثات، نتيجة لقلة وعي القيادات التربوية بأهداف وأهمية البرنامج التدريبي للمعلمين المبتعثين.
- الجمود الفكري للتوجيه الفني بالمديريات والإدارات التعليمية يتسبب في تحجيم محاولات المعلمين المبتعثين في تطبيق ما تدربوا عليه داخل فصولهم الدراسية.
في السياق ذاته، حددت دراسة بعنوان ” تدريب المعلمين بالخارج: دراسة في التخطيط للتنمية المهنية”، ودراسة أخرى بعنوان “تقويم البعثات التدريبية للمعلمين بالخارج” بعض سلبيات برامج البعثات الخارجية للمعلمين على النحو التالي:
- عدم وجود أهداف محددة للمبتعثين قبل سفرهم، ليتعرفوا على المطلوب منهم خلال فترة التدريب.
- عدم وجود تقييم في نهاية البرنامج التدريبي للبعثة، والاكتفاء بحصول المتدربين على شهادة إتمام البعثة.
- عدم وجود خطة للاستفادة من المتدربين في المستقبل.
- إغفال التنسيق بين جهات الابتعاث والوزارة لتحديد المهارات المطلوبة في المبتعثين.
- ضعف مستوى المبتعثين لغويًا.
- ضعف المهارات التكنولوجية لدى المعلمين المبتعثين.
- سوء تخطيط الزيارات الميدانية أثناء البعثة لتتحول إلى جولات سياحية بدلًا من التدريب العملي الميداني.
بناءً على ما تقدم يمكن القول إن البعثات التدريبية للمعلمين في مصر قد شهدت تحولات، تبرهن جميعها على اهتمام الدولة المصرية برفع كفاءة المعلمين وتحقيق التنمية المهنية لهم، واطلاعهم على مستجدات التعليم في العالم، بيد أن هذه الجهود تحتاج إلى خطط تضمن الاستفادة من المعلمين المبتعثين للتدريب في الخارج بعد عودتهم، وتحقق نقل الخبرات الدولية إلى المدارس المصرية، وتراعي قياس أثر هذه التدريبات بما يحقق الارتقاء بجودة التعليم المصري.