في زيارة مفاجئة لم تكن على جدول أعماله، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بزيارة العاصمة الأوغندية “كمبالا”، يوم الاثنين 3 فبراير الجاري، وهي الزيارة الثانية بعد زيارته الأولى لها في عام 2016 بعد فترة انقطاع دامت نحو أربعين عامًا بين الجانبين على خلفية حادث الطائرة الإسرائيلية التي قُتل فيها شقيق “نتنياهو” في هجوم بمطار عنتيبي في عام 1976.
وتأتي أوغندا في مقدمة الدول الإفريقية التي تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها معها على خلفية ما يجمعهما من روابط ومصالح مشتركة متعددة. كما أن دولًا مثل أوغندا وروندا، على سبيل المثال، تُعد نافذة إسرائيل إلى القارة الإفريقية، إذ تسعى إسرائيل في سياق أوسع وتوجه جديد إلى نيل اعتراف كافة الدول الإفريقية بها، ونقل سفاراتها أو فتح سفارات لها بالقدس.
وقد جاءت هذه الزيارة على خلفية تطور مهم على الساحة الدولية تمثل في الإعلان عن خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط القائمة على حل الدولتين، وهي الخطة التي تحتاج إلى الدعم والاعتراف الدولي والإقليمي بها. وبالتالي، تسعى إسرائيل إلى الحصول على اعتراف الدول الإفريقية بها، ومن ثم تعزيز التعاون الاقتصادي في إطار الدولة الجديدة.
وهناك دوافع عدة دفعت “بنيامين نتنياهو” للقيام بهذه الزيارة في هذا التوقيت، نناقشها فيما يلي:
1- مواجهة التحدي الديموغرافي وقضية اللاجئين
في ظل التخوف من تآكل الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية تتأكد الحاجة للتخلص من اللاجئين والمهاجرين الأفارقة، والقاطنين في جنوب تل أبيب، وهو الأمر الذي دفع المسئولين الإسرائيليين للإعلان في أكثر من مناسبة عن نيتهم ترحيل اللاجيئن الأفارقة إلى دولة ثالثة، سواء كانت رواندا أم أوغندا. وفي عام 2017، قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بترحيل الأفارقة اليهود المهاجرين واللاجئين، الأمر الذي قوبل بالرفض من جانب رواندا التي تتحمل أعباء أكثر من مليون لاجئ على أراضيها، وهو الموقف نفسه الذي تبنته أوغندا حينها. لكن في الوقت الحالي، يُرجَّح أن تكون أوغندا بصدد تغيير موقفها، بعد مؤشرات على قبولها استضافة اللاجئين العائدين من إسرائيل مقابل توقيع صفقات عسكرية تقضي بتزويد أوغندا بقذائف الهاون والمدفعية بعيدة المدى، وأنظمة مراقبة جوية، وتحسين أداء طائرات ميج 21، وإدخال تعديلات تقنية وتكنولوجية إسرائيلية الصنع عليها، وطائرات بدون طيار، والإشراف على مراكز تدريب للقوات الأوغندية.
كما يأتي لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي برئيس مجلس السيادة السوداني في عنتيبي ليعكس أهمية كبيرة بشأن قضية إعادة اللاجئين، حيث يعتزم “نتنياهو”، في حال تم ترسيخ تعاون مع السودان، البدء في إجراءات لإعادة نحو 7000 لاجئ سوداني يعيشون في إسرائيل إلى بلادهم.
2- تعزيز العلاقات الاقتصادية
تسعى إسرائيل إلى تعزيز الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، وذلك من أجل خلق أسواق جديدة يمكنها التحرك خلالها عبر توسيع القاعدة الاقتصادية لديها مع أسواق واقتصادات واعدة مثل الاقتصادات الإفريقية. وفي هذا الصدد، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة في عام 2016 إلى دول شرق إفريقيا، ومن بينها أوغندا، من أجل تعزيز علاقاتها الاقتصادية بتلك الدول، لضمان الوصول إلى المواد الخام والأسواق، فضلًا عن إيجاد سوق لتصدير السلاح الإسرائيلي، وكسر طوق العزلة الذي حوصرت به لعقود. فوفقًا للأرقام الصادرة عن معهد التصدير الإسرائيلي، لم تبلغ الصادرات الإسرائيلية لدول إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من 725 مليون دولار في عام 2018، وهو ما يعد في حد ذاته دافعًا قويًّا للدولة الإسرائيلية للسعي نحو تعميق الروابط الاقتصادية.
3- تطوير العلاقات الدبلوماسية
كانت الاستفادة من الكتلة التصويتية الإفريقية في المحافل الدولية -ولا تزال- أحد الأهداف الإسرائيلية التي تسعى لضمانها في سياق الصراع العربي-الإسرائيلي، فقد كانت أوغندا من أولى الدول الإفريقية التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل في عام 1948. وعلى الرغم من انحياز بعض الدول الإفريقية للقضايا الإسرائيلية المثارة في الأمم المتحدة، إلا أن المتابع للسلوك التصويتي الإفريقي في مسار الصراع العربي الإسرائيلي يجد أنه لا تزال إسرائيل بحاجة لاستقطاب المزيد من تلك الدول. ومع التقارب الحادث مع الجانب الإسرائيلي، لم يحدث تحول جوهري في مجمل القارة؛ إذ تبدلت مواقف بعض دول القارة نحو التأييد الصريح لإسرائيل، وكانت توجو هي الدولة الوحيدة في هذا الصدد التي أيدت مشروع القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بينما رفضت خمس دول التصويت، (هي: جنوب السودان، وأوغندا، ورواندا، وبنين، والكاميرون). وبجانب تعزيز روابطها القديمة بعددٍ من الدول الإفريقية في مقدمتها أوغندا، تسعى إسرائيل إلى استقطاب دول جديدة على غرار السودان، إذ ترغب إسرائيل في التطبيع الكامل للعلاقات مع السودان، فيما تريد السودان أن تحسن صورتها في المجتمع الدولي لرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
4- تأسيس ترتيبات أمنية جديدة
لا تزال الدول الإفريقية بحاجة إلى الكثير من الدعم خاصة في المجال العسكري والاستخباراتي، الأمر الذي يجعل من هذا المجال واحدًا من أكثر مجالات التقارب نشاطًا بين إسرائيل والدول الإفريقية. وفي زيارته لدول شرق إفريقيا في عام 2016، حضر “نتنياهو” قمة مصغّرة حول مكافحة الإرهاب بمشاركة كل من: أوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، ورواندا، وزامبيا، ومالاوي، وجنوب السودان، وقد أعلن “نتنياهو” على خلفيتها تقديم الدعم المعلوماتي والاستخباراتي والتدريب في مجال الأمن الوطني لتلك الدول.
خلاصة القول، تتعدد الدوافع الإسرائيلية التي عززت من أهمية الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي لأوغندا، والتي تشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهي الخطوة التي يُنتظر أن تتبعها إسرائيل بالمزيد من الخطوات المتسارعة في إطار انفتاحها الواضح على الدول الإفريقية في الفترة الأخيرة.