أثار تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين موجة من الذعر العالمي، خاصة بعد تعثر السلطات الصحية في الصين في السيطرة عليه، وازدياد أعداد المصابين به والضحايا الناتجين عنه بمعدلات سريعة يوميًّا، والتي تعكس التحدي الهائل الذي تواجهه السلطات الصحية الصينية في مواجهة هذا الوباء.
وتتسبب الأوبئة في زعزعة استقرار المجتمعات، بسبب عدد الوفيات الكبير الذي ينتج عنها، وحالة الفزع التي تتسبب فيها، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تخلفها. وبحسب البنك الدولي، فإن الأوبئة تكلف الاقتصاد العالمي سنويًّا أكثر من 570 مليار دولار، وهو ما يوازي 0.7 في المائة من الدخل العالمي. وتتنوع هذه التكاليف بين تكاليف مباشرة يتحملها القطاع الصحي، وأخرى يسببها تغير سلوك المستهلكين وابتعادهم عن التسوق وممارسة نشاطاتهم الطبيعية التي تحرك الاقتصاد، إضافة إلى اختلال سلاسل التوريد العالمية مع انخفاض الطلب. وتعد قطاعات التجارة والسياحة أكثر القطاعات الاقتصادية تضررًا بسبب الأوبئة.
حالات الطوارئ الصحية
عندما يبدأ مرض معين بالتفشي في أي بلد، تقوم لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية والمختصة بمتابعة أوضاع الصحة العامة في البلدان المختلفة، بإعلان حالة طوارئ صحية؛ وذلك من أجل بدء التنسيق الدولي للتصدي لهذا الوباء. لذا يعد التخطيط المسبق لحالات الطوارئ الصحية إحدى أهم الخطوات التي من الممكن أن تقوم بها الدول من أجل التنبؤ بحالات الطوارئ الصحية، والتي من الممكن أن تتحول إلى أوبئة، مع محاولة تخفيف تأثيراتها على المواطنين، وذلك عبر خفض معدلات انتشار الفيروس ومعدلات الإصابة به، وبالتالي خفض معدلات الوفيات الناتجة عنه؛ أي الحد من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للوباء على المجتمعات.
وتقوم الدول بإعداد خطط التأهب للطوارئ الصحية بهدف تمكين الأفراد والمنشآت الصحية والمؤسسات الوطنية من التعامل مع الأوبئة، وتعمل الخطة على توفير المعلومات الكافية للمهام المطلوبة في إطار واضح ومنظم، لضمان التنسيق الكامل بين المشاركين بها في جميع القطاعات (صانعي السياسات، المشرعين، ممارسي الصحة العامة والصحة العلاجية، الأطباء والعلماء داخل المختبرات، مسئولي إدارة الاتصال وإدارة الأزمات) وذلك أثناء تنفيذ الخطة.
لقد تم وضع أول خطة للتأهب من قبل وزارة الصحة والسكان المصرية في عام ٢٠٠٧، وذلك في إطار مواجهة وباء الأنفلونزا (H1N1)، والذي تفشى في عام ٢٠٠٩، وكان بمثابة اختبار حقيقي لجهود خطة التأهب المصرية للطوارئ الصحية. وتسبب الفيروس في وفاة 267 شخصًا في مصر، فيما وصل إجمالي عدد المصابين بالفيروس خلال عامي 2009 – 2010 إلى حوالي 16403 أشخاص، كما هو موضح في الرسم البياني التالي.
ويتم مراجعة هذه الخطة بشكل دوري لتحديد أوجه القوة والضعف، ولتطويرها بشكل يتلاءم مع التطور الدائم في الميكروبات والفيروسات (مسببات الأمراض). وفي إطار التقييم المشترك لتطبيق اللوائح الصحية في دول شرق المتوسط لعام 2018، والذي تنظمه منظمة الصحة العالمية بشكل دوري، حصلت مصر على أعلى تقييم خارجي للقطاعات المتعلقة بالصحة العامة مقارنة مع دول إقليم شرق المتوسط (مثل: جيبوتي، والأردن، والكويت، ولبنان، وعُمان، والإمارات العربية المتحدة)، وأشادت لجنة الخبراء الدوليين المشاركين في التقييم بكفاءة النظام المعمول به في مصر لتطبيق اللوائح الصحية المتفق عليها دوليًّا في مجالات مكافحة الأمراض المعدية والتطعيمات وسلامة الغذاء والحجر الصحي والترصد بأي طارئ.
سريان المعلومات هو أساس بدء التأهب واتخاذ القرار
تمثل عمليات جمع المعلومات والبيانات حجر الزاوية في نظام الوقاية والمكافحة من الأمراض المعدية والأوبئة، فيتم ترصد البلاغات الواردة عن مسببات الأمراض أو الحالات المصابة بالأمراض المعدية من خلال سلسلة تبليغ تتشارك فيها مستويات مختلفة، بدءًا من الطبيب وحتى الإدارة المسئولة بوزارة الصحة. ويتم إرسال العينات للمعامل المركزية بوزارة الصحة، لتأكيد تشخيص المصابين بالفيروسات، وتتم مشاركة البيانات الخاصة بالفيروسات الجديدة والتسلسلات الجينية للفيروسات المكتشفة مع المعامل الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، والتي توجد في دول عديدة، منها: الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وإنجلترا، وأستراليا. وهناك تعاون بين وحدة الأبحاث الأمريكية (النامرو 3) والمعامل المركزية المصرية لضمان التعرف المبكر على السلالات الجديدة من الفيروسات. وتتصل هذه المعامل العالمية بشبكة لمراقبة نشاط الفيروسات، خاصة فيروس الأنفلونزا على مستوى العالم والتبليغ عنها؛ بهدف اتخاذ إجراءات الوقاية والمكافحة والتخطيط والتنفيذ للبرامج الصحية الوقائية. ولا تكتمل عملية المكافحة للفيروسات إلا بتوفير التغذية الراجعة لتقييم مدى فاعلية الاستجابة للحدث الذي تم رصده في المراكز المبلغة عن وجود الفيروس.
ويعد تطوير نظام تسجيل وتداول المعلومات هو حجر الزاوية في تطوير قدرات الوقاية والسيطرة على الأوبئة. فبينما تلتزم المستشفيات الحكومية بالتبليغ عن الظواهر الصحية، فإنه لا يوجد تنظيم واضح لكيفية قيام العيادات والمستشفيات الخاصة -التي تُمثّل جزءًا كبيرًا من نظام الرعاية الصحية في مصر- بالمشاركة في عملية تسجيل وتداول المعلومات، خاصة في غياب تشريع يُلزم مقدمي الرعاية الصحية من القطاع الخاص بذلك، بما يمثل ثغرة في النظام الوطني لمكافحة الأوبئة.
تعزيز خطط التأهب بالحوكمة
يبين تحليل الأزمة الوبائية الحالية التي تعاني منها الصين أن خطط التأهب وحدها قد لا تكون كافية للتصدي للأوبئة، فهناك عوامل رئيسية إضافية تؤثر على قدرة الأنظمة الصحية في أي دولة على مواجهة الأوبئة الجديدة أو المستجدة. العامل الأول يتعلق بنوعية الميكروب المسبب للمرض، وتأثيراته الصحية، ومدى توفر علاج فعال للمرض. أما العامل الثاني فيتعلق بالبنية التحتية والموارد المتوفرة لأنظمة الرعاية الصحية، سواء الموارد الطبية أو البشرية أو المادية. وأخيرًا يتعلق العامل الثالث بسياسات الدول وشفافيتها في التعامل مع الأوبئة، ومدى وعي المواطنين بها.
وعلى الرغم من توفر الموارد البشرية والمادية من خلال المبالغ الضخمة التي رصدتها الحكومة الصينية، بجانب الإجراءات الصارمة التي فرضتها على المواطنين في سبيل حل هذه الأزمة؛ إلا أن شراسة الفيروس والتأخر في توعية المواطنين به قد أعاقت السيطرة على هذا الوباء القاتل؛ ما يستدعي ضرورة أن يتم تعزيز خطط التأهب الموضوعة من قبل الدول للتصدي للأزمات الصحية، وتمتعها بالمزيد من الشفافية والمحاسبة.