[responsivevoice_button buttontext=”استمع إلى المقالة ” voice=”Arabic Male”] يختم عامُ 2019 عقدًا غير مسبوق من الاحترار العالمي، وانحسار الجليد، وارتفاع مستويات سطح البحر بسبب غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن فعل الإنسان. ومن شبه المؤكد أن متوسطَ درجات الحرارة خلال الفترة (2015-2019) والسنوات العشر الممتدة خلال الفترة (2010-2019) سيكونان الأعلى على الإطلاق. وبذلك، فإن عام 2019 على وشك أن يكون العام الثاني الأكثر دفئًا بعد تسجيل أعلى معدلات لدرجات الحرارة في عام 2016، وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) التي أصدرت تقريرًا في ديسمبر 2019 عن حالة المناخ العالمي والمخاطر والآثار المترتبة على تغير المناخ عالميًّا.
عرض التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تفاصيلَ عن حالة المناخ العالمي، واتجاهات الانبعاثات الكربونية، ودرجات الحرارة، وذوبان الجليد، وغيرها من ظواهر التغيرات المناخية المحتملة. مشيرًا إلى أن متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2019 كان حوالي 1.1 درجة مئوية أعلى من فترة ما قبل العصر الصناعي. وسوف نعرض في هذا المقال أهم ما جاء في التقرير للفت الأنظار إلى خطورة التطورات الجارية في هذا المجال.
كما بلغت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستوى قياسيًّا بتركيز 407.8 أجزاء في المليون في عام 2018، واستمرت في الارتفاع على مدى عام 2019. ويُسهم ثاني أكسيد الكربون في تغير المناخ بسبب بقائه في الغلاف الجوي قرونًا وفي المحيطات فترات أطول.
وأشار التقرير أيضًا إلى تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر منذ بدء القياسات الساتلية (أي بواسطة الأقمار الصناعية) في عام 1993، بسبب ذوبان الصفائح الجليدية في جرينلاند والمنطقة القطبية الجنوبية، كما ارتفعت درجة حرارة القطب الشمالي وأصبحت أكثر دفئًا بشكل ملحوظ عما سبق.
ويأتي كل ذلك على حساب المحيط الذي يلعب دور الوقاية بامتصاصه الحرارة وثاني أكسيد الكربون، فقد بلغت حرارة المحيط مستويات غير مسبوقة مع انتشار واسع لموجات الحرارة البحرية، وأصبحت حموضة مياه البحار أعلى بنسبة 26% عما كانت عليه في بداية العصر الصناعي. وتدهورت النظم الإيكولوجية البحرية الحيوية. وكان الحد الأدنى لرقعة الجليد البحري اليومي في شهر سبتمبر 2019 ثاني أدنى مساحة في سجل القياسات الساتلية، وشهد شهر أكتوبر انحسارًا أكبر. وفي المنطقة القطبية الجنوبية شهدت بعض أشهر عام 2019 أقل رقعة جليدية.
شواهد متطرفة للمناخ
تتجلى آثار تغير المناخ يومًا بعد يوم في الظواهر الجوية “المتطرفة” غير الطبيعية، إذ باتت موجات الحرارة والفيضانات التي كانت تحدث مرة كل قرن ظواهر منتظمة، وظهرت في العديد من دول العالم (مثل: جزر البهاما، واليابان، وموزمبيق) التأثيرات المدمرة للأعاصير المدارية، واجتاحت حرائق الغابات القطب الشمالي وأستراليا. كما يظهر أحد أهم الآثار السلبية لتغير المناخ في هطول الأمطار غير المنتظمة التي تهدد المحاصيل، وتكشف مع الزيادة السكانية تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي أمام البلدان الضعيفة في المستقبل. أضف إلى ذلك تأثيرات الطقس والمناخ على صحة الإنسان، والهجرة، والنظم الإيكولوجية، والحياة البحرية، وغيرها.
كما لوحظ أن التقلبات المتطرفة للمناخ من العوامل الرئيسية لتفاقم ظاهرة الجوع العالمي مؤخرًا. فبعد 10 سنوات من الانخفاض المنتظم، ارتفعت ظاهرة الجوع مجددًا، مع معاناة أكثر من 820 مليون نسمة من الجوع في عام 2018. ومن بين 33 بلدًا عانى أزمات في المجال الغذائي خلال عام 2018، كانت التغيرات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة، فضلًا عن الصدمات الاقتصادية ونشوب الصراعات؛ من عوامل التفاقم الرئيسية في 26 بلدًا، والعوامل الرئيسية في 12 من تلك البلدان الستة والعشرين، وذلك حسب تقارير “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” IPCC.
وقد سجلت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” أكثر من 10 ملايين حالة نزوح داخلي جديدة خلال عام 2019، منها 7 ملايين نتجت عن ظواهر جوية خطرة، مثل إعصار “إيداي” في جنوب شرق إفريقيا، وإعصار “فاني” في جنوب آسيا، وإعصار “دوريان” في منطقة البحر الكاريبي، وفيضانات في إيران والفلبين وإثيوبيا، وأدت إلى ظهور احتياجات إنسانية ومتطلبات حماية كبيرة.
ويؤكد الخبراء أنه إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة بشأن المناخ الآن؛ فإننا نتجه نحو زيادة درجات الحرارة إلى أكثر من 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مع تأثيرات ضارة للإنسان. ويخشى الخبراء أننا بعيدون كل البعد عن تحقيق أهدف اتفاقية باريس للمناخ.
عام 2019 يختم أدفأ عِقد على الإطلاق
أشار التقرير إلى أنه من شبه المؤكد أن متوسطَ درجات الحرارة لفترتَيْ الخمس سنوات (2015-2019) والعشر سنوات (2010-2019) سيكونان الأعلى على الإطلاق. فمنذ الثمانينيات وكل عقد يكون أدفأ من سابقه. كما أن متوسط درجة الحرارة العالمية للفترة الممتدة من يناير إلى أكتوبر 2019 كانت أعلى بمقدار 1.1 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل العصر الصناعي (1850-1900). ومن المتوقّع أن يكون عام 2019 هو العام الثاني الأكثر دفئًا على الإطلاق، حيث لا يزال عام 2016 الذي بدأ بظاهرة “النينيو” الشديدة بشكل استثنائي أدفأ عام مسجَّل. وتصف هذه الظاهرة التقلبات في درجة الحرارة بين المحيط والغلاف الجوي في الوسط الشرقي الاستوائي، والذي ينشأ عنه الطقس المتطرف في جميع أنحاء العالم.
وكانت مساحات شاسعة في القطب الشمالي دافئة بشكل غير عادي في عام 2019. وكانت معظم المناطق البرية أكثر دفئًا، بما في ذلك في أمريكا الجنوبية وأوروبا وإفريقيا وآسيا، وكانت ولاية ألاسكا الأمريكية دافئة بشكل استثنائي أيضًا. وفي المقابل، كانت مساحة كبيرة من أمريكا الشمالية أبرد من المتوقع.

مؤشرات خطرة للتغير المناخي
هناك خمسة مؤشرات خطيرة للتغير المناخي:
1- غازات الاحتباس الحراري
سجلت تركيزات غازات الاحتباس الحراري مستويات غير مسبوقة في عام 2018، فقد بلغ متوسط التركيز العالمي لثاني أكسيد الكربون 407.8 أجزاء في المليون، وللميثان 1869 جزءًا في المليار، وأكسيد النيتروز 331.1 جزءًا في المليار، أي ما يعادل على التوالي 147% و259% و123% من مستويات ما قبل العصر الصناعي في عام 1750. وتشير معظم الدراسات إلى أن مستويات ثاني أكسيد الكربون استمرت في الارتفاع خلال عام 2019.
2- ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر
ارتفع مستوى سطح البحر في جميع المناطق المشمولة بسجل القياسات الساتلية للارتفاعات، غير أن معدل الزيادة قد ارتفع على مدى تلك الفترة. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى ذوبان الصفائح الجليدية في جرينلاند والمنطقة القطبية الجنوبية. وفي أكتوبر 2019، بلغ المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر أعلى قيمة له منذ بداية قياس الارتفاعات العالي الدقة في عام 1993.

3- حرارة المحيط
يمتص المحيط أكثر من 90% من الطاقة الزائدة المتراكمة في النظام المناخي، ونتيجة لزيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري عن المستوى الطبيعي بفعل أنشطة البشر في عام 2019، ظل المحتوى الحراري للمحيط في عمق 700 متر وحتى عمق 2000 متر عند مستويات غير مسبوقة تجاوزت متوسط الأعوام السابقة، حيث شهد المحيط في المتوسط قرابة 1.5 شهر من درجات الحرارة الدافئة أعلى من عام 2018، وشهدت مناطق أكثر من المحيط موجة حرارة بحرية صُنِّفت على أنها قوية بنسبة 38% بدلًا من أن تكون متوسطة بنسبة 28%. وفي شمال شرق المحيط الهادئ شهدت مناطق واسعة موجة حرارة بحرية من الفئة “شديدة”، الأمر الذي يمكن أن يُسبب موجات حارة بحرية بإمكانها أن تؤدي إلى خسارة كبيرة في الحياة البحرية وتتسبب في حدوث أعاصير.
4- حموضة المحيط
امتص المحيط خلال الفترة (2009-2018) نحو 22% من الانبعاثات السنوية لثاني أكسيد الكربون، ولكن تؤثر زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في كيمياء المحيط، فقد أظهرت عمليات رصد المحيطات زيادة في المتوسط العالمي لحموضة سطح المحيطات pH، بمعدل (0.017 – 0.027) لكل عقد منذ أواخر الثمانينيات، وهو ما يعادل زيادة في الحموضة بنسبة 26%، الأمر الذي يسبب الكثير من المشكلات والآثار السيئة، والتي أهمها وأكثرها خطورة هو تهديد الشعب المرجانية والكائنات البحرية.
5- الصفائح الجليدية في جرينلاند
يُظهِر التوازن الكلي للكتلة الجليدية في جرينلاند فقدانًا صافيًا في الجليد قدره 329 جيجا طن بين شهرَي سبتمبر 2018 إلى أغسطس 2019، أي إن جرينلاند فقدت نحو 260 جيجا طن من الجليد في السنة على مدى الفترة 2002-2016، بحد أقصى 458 جيجا طن في 2011/2012.
الظواهر شديدة التأثير
هناك أربع ظواهر أساسية للتغيرات المناخية، ستكون شديدة التأثير خلال المرحلة المقبلة:
1- الفيضانات
شهدت مناطق وسط الولايات المتحدة الأمريكية، وشمال كندا، وشمال روسيا، وجنوب غرب آسيا، ارتفاعًا غير عادي في هطول الأمطار، وكان معدل هطول الأمطار على مدى 12 شهرًا فوق الولايات المتحدة في عام 2019 (962 ملم) أعلى معدل على الإطلاق، وتأخرت بداية الأمطار الموسمية الهندية ونهايتها مما تسبب في نقص كبير في هطول الأمطار في شهر يونيو مع زيادة هطول الأمطار في الأشهر التالية.
كما شهدت أجزاء من أمريكا الجنوبية أحوالًا جوية رطبة للغاية في يناير، وحدث فيضان كبير في شمال الأرجنتين وأوروجواي وجنوب البرازيل، مع تكبد الأرجنتين وأوروجواي خسائر تُقدَّر بنحو 2.5 مليار دولار أمريكي بسبب ذلك، وأثرت فيضانات كبرى في العديد من المناطق المتضررة من حالات الجفاف في شرق إفريقيا.
2- الجفاف
أثرت حالات الجفاف في أجزاء عديدة من جنوب شرق آسيا وجنوب غرب المحيط الهادئ في عام 2019، وسادت حالات جفاف استثنائية ابتداءً من منتصف السنة في إندونيسيا والبلدان المجاورة لها، وكذلك في أجزاء من حوض نهر ميكونغ شمالًا، وشهدت حالات الجفاف طويل الأجل التي أثرت في أجزاء عديدة من شرق القارة الأسترالية في عامَي 2017 و2018 توسعًا خلال عام 2019، حيث سجلت أكثر فترة جفافًا منذ عام 1902. وشهدت أجزاء عديدة من وسط أمريكا حالات جفاف، إذ شهدت كل من هندوراس وغواتيمالا ونيكاراغوا والسلفادور جفافًا أكبر من العادة، وشهد وسط شيلي أيضًا سنة استثنائية من الجفاف، مع بلوغ هطول الأمطار خلال العام 82 ملم فقط، وهو معدل أقل بنسبة 25% عن المتوسط على الأجل الطويل.
3- حرائق الغابات
شهد عام 2019 عدد حرائق أعلى من المتوسط في العديد من مناطق خطوط العرض العليا، بما في ذلك سيبيريا وألاسكا، مع حدوث نشاط حرائق في بعض مناطق القطب الشمالي مع أن ذلك كان نادرًا للغاية في الماضي. وأدى الجفاف الشديد في إندونيسيا والبلدان المجاورة لها إلى أكبر موسم حرائق منذ عام 2015، فكان عدد الحرائق المبلغ عنها في منطقة الأمازون من البرازيل أعلى بقليل من متوسط السنوات العشر السابقة، وبلغ نشاط الحرائق الكلي في أمريكا الجنوبية أعلاه منذ عام 2010، وكانت بوليفيا وفنزويلا من البلدان التي شهدت سنوات نشطة من الحرائق بشكل خاص.
4- الأعاصير المدارية
كان نشاط الأعاصير المدارية على مستوى العالم في عام 2019 أعلى بقليل من المتوسط، إذ شهد نصف الكرة الشمالي حتى الآن 66 إعصارًا مداريًّا مقابل المتوسط العالمي السنوي البالغ 56 إعصارًا، وكان نصف الكرة الجنوبي في عامي 2018-2019 أيضًا أعلى من المتوسط بعدد 27 إعصارًا.
وقد وصل إعصار “إيداي” المداري إلى أراضي موزمبيق، وكان من أشد الأعاصير التي شهدها الساحل الشرقي لإفريقيا. فقد أدى إعصار “إيداي” إلى التدمير الكامل لقرابة 780 ألف هكتار من المحاصيل في ملاوي وموزمبيق وزمبابوي، مما أدى إلى تفاقم الوضع غير المستقر للأمن الغذائي في المنطقة. وأدى الإعصار أيضًا إلى نزوح أكثر من 50 ألف شخص في زمبابوي، و53 ألف شخص في جنوب ملاوي، و77 ألف في موزمبيق.
وكان إعصار “دوريان” من أشد الأعاصير المدارية التي سُجِّلت هذا العام، إذ وصل إلى يابسة جزر البهاما بشدة من الفئة 5، وتفاقمت آثار الدمار لأن الإعصار كان بطيئًا بشكل استثنائي، وظل شبه ثابت لمدة 24 ساعة تقريبًا. كما وصل إعصار “هاغيبيس” إلى يابسة غرب طوكيو وتسبب في فيضانات كبيرة.
المخاطر المرتبطة بتغير المناخ
هناك ثلاثة مخاطر أساسية ترتبط بتغير المناخ:
1- الصحة
أكدت منظمة الصحة العالمية الآثار السلبية لتغيرات المناخ، وأظهرت -في تقريرٍ لها- عدد الوفيات الناتج عن الظواهر المتطرفة للمناخ خلال عام 2019، وكذلك الأوبئة والأمراض التي انتشرت نتيجة موجات الحرارة.
2- الأمن الغذائي
طبقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، من المتوقع أن يكون إنتاج الحبوب إقليميًّا في إفريقيا أقل بنحو 8% عن متوسط السنوات الخمس السابقة، مع توقع أن يتعرض 12.5 مليون شخص في المنطقة لنقصٍ حادٍّ في الأمن الغذائي خلال عام 2020، وهي زيادة بنسبة 10% عن السنة السابقة.
3- النزوح الجماعي للسكان
سُجِّلت أكثر من 10 ملايين حالة نزوح داخلي في 2019، منها 7 ملايين نتجت عن كوارث مثل إعصار “إيداي” في جنوب شرق إفريقيا، وإعصار “فاني” في جنوب آسيا، وإعصار “دوريان” في منطقة البحر الكاريبي، وفيضانات في إيران والفلبين وإثيوبيا. ولا تزال منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر مناطق العالم عرضةً للنزوح بسبب الكوارث المفاجئة والبطيئة.
ويُمكن أن يتضاعف عددُ حالات النزوح الجديدة المرتبطة بالظواهر الجوية المتطرفة ثلاثة أضعاف ليصل إلى نحو 22 مليون حالة بحلول 2020، الأمر الذي تنتج عنه احتجاجات للسكان ونشوب صراعات، طبقًا لما جاء به تقرير (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة).
هذه الظواهر الخطيرة تتطلب تعاون كل الحكومات والشعوب للتعامل معها، كونها مخاطر لا تستثني أحدًا على سطح الكوكب.
للاطلاع على نص التقرير، انظر الرابط التالي:
http://library.wmo.int/index.php?lvl=notice_display&id=21626