بعيدًا عن التحليلات الاستراتيجية المتدفقة التي تتحدث عن شكل النظام العالمي الجديد في فترة ما بعد انتهاء أزمة كورونا، وجدت نفسي أحاول أن أتخذ منحى آخر في التفكير في آثار هذه الأزمة، ومدى ما يمكن أن تكون قد أدت إليه من ظواهر كاشفة ومؤكدة للعديد من الجوانب المهمة في طبيعة دور الدولة المصرية ومؤسساتها، وكيف يمكن أن تكون هذه الأزمة نقطة انطلاق لإعادة التأكيد على المحددات التي تدعم قوة الدولة ومواطنيها خلال المرحلة المقبلة وفي أعقاب الانتصار على هذا الوباء.
ولا شك أن الدولة المصرية تقدم نموذجًا إيجابيًّا في التعامل مع أزمة كورونا في كافة المجالات الاقتصادية والصحية والاجتماعية. كما أبدت القيادة السياسية كل الاهتمام بالأزمة وجوانبها المختلفة منذ بدايتها. ويتابع الرئيس “عبدالفتاح السيسي” تطورات الأزمة على مدار اليوم حتى يمكن الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، خاصة أن هذا الوباء أصبح أحد معاول الهدم في العديد من الدول المتقدمة في العالم التي أصبحت تعاني أكثر من غيرها من تداعيات هذه الأزمة.
سوف أحاول في هذا المقال التعرض لثلاث عشرة نقطة رئيسية أعتبرها بمثابة دروس مستفادة ومستقاة انطلاقًا من التعامل الجاد والمسئول والإيجابي للدولة مع أزمة كورونا وتطوراتها، وبما يمكن أن يكون مفيدًا لدعم أركان الدولة في مرحلة ما بعد انقشاع هذا الوباء.
النقطة الأولى: أن مفهوم الأمن القومي بمعناه العام الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين لا يرتبط فقط بالتهديدات العسكرية التي قد تتعرض لها الدولة، وإنما يشمل هذا المفهوم كل ما يتعلق بمثل هذه الأزمات والكوارث الطبيعية باعتبارها تؤثر على قوة الدولة وبقائها ومستقبلها، بل ووجودها، ومن ثم كان تعامل الدولة مع هذه الأزمة منطلقًا من كونها قضية أمن قومي.
النقطة الثانية: أن القيادة السياسية كلما كانت قريبة من المواطن وتشعر باحتياجاته ومتطلباته، وقادرة على توصيل كل توجهاتها بمصداقية وشفافية، كان الأمر أكثر سهولة ويسرًا في تحقيق التواصل المطلوب بين القيادة والشعب.
النقطة الثالثة: أن تركيز الدولة ينصب على المواطن وصحته ومعيشته، فهو يمثل اهتمامها الأول وعماد قوتها الحاضرة والمستقبلية، بل يُعد أحد أهم عناصر القدرة الشاملة للدولة، ومن ثم فإن المواطن سوف يظل بمثابة الرقم الأهم في منظومة الدولة، وبالتالي فإن مثل هذه الأزمات تتيح للدولة مساحة كبيرة نحو مزيد من ربط المواطن بها وزيادة ثقته فيها.
النقطة الرابعة: أن الدولة يجب أن تكون على استعداد دائم لمواجهة أية تهديدات تتعرض لها. ومن هنا تأتي أهمية الإعداد المسبق لكافة السيناريوهات المحتملة قبل حدوث الأزمة. أما في حالة حدوث أزمة طارئة ولم تكن هناك فرصة لاستباق الاستعداد لها فمن الضروري أن يتم التعامل مع الأزمة بكل الجدية المطلوبة منذ بدايتها دون أي تأخير أو تأجيل، ووضع البدائل الواقعية الممكنة بما فيها أسوأ الاحتمالات.
النقطة الخامسة: أهمية وجود جيش قوي قادر على الدفاع عن الدولة ضد أي تهديدات محتملة، وفي الوقت نفسه هناك ضرورة لأن تمتلك القوات المسلحة كافة القدرات المادية لمساعدة الدولة في وقت السلم، ومعاونة القطاع المدني في تحقيق الاكتفاء الذاتي قدر المستطاع، وتوفير كل المستلزمات الضرورية لا سيما في أوقات الأزمات.
النقطة السادسة: أهمية وجود مؤسسات أمنية قوية قادرة على أن تؤدي دورها في كل ما يتعلق بفرض وحفظ النظام والقانون، وأن تلبي بعض احتياجات الدولة داخليًّا وخارجيًّا عندما يُطلب منها ذلك.
النقطة السابعة: أن وجود مؤسسات متخصصة في إدارة الأزمة داخل الدولة، وتكليفها بمهام ومسئوليات محددة، أصبح ضرورة ملحة حتى يمكن أن تساهم بدور في توفير المعلومات وطرح البدائل التي تساعد الدولة في مواجهة التهديدات التي يُمكن أن تتعرض لها.
النقطة الثامنة: أن الدولة ستظل هي الملجأ والملاذ الآمن للمواطن كلما استشعر وجود أزمة تهدد حياته أو معيشته، الأمر الذي ينطبق على المواطن المصري في الداخل وفي الخارج، وهو ما يفرض على المواطن أن يتعامل مع الدولة بكل ضمير وجدية ومسئولية، وأن يثق في قيادتها ومؤسساتها التي ستساعده على الخروج من الأزمة مهما كانت حدتها.
النقطة التاسعة: أن البحث العلمي لم يعد أمرًا يمكن النظر إليه على أنه نوع من الترف أو مجرد مؤسسات قائمة في منظومة هياكل الدولة، وإنما أصبح وجودها ودعمها بكل احتياجاتها وتوفير الميزانيات والإمكانيات المطلوبة لها ضرورة لا غنى عنها حتى يمكن أن تؤتي ثمارها عندما تتعرض الدولة لأزمة على غرار كورونا أو أي وباء آخر.
النقطة العاشرة: بالتوازي مع دعم الدولة لكافة مؤسساتها على مختلف تخصصاتها بما فيها المنظومة التعليمية والثقافية وتحقيق التناغم بينها، هناك ضرورة لمزيد من الاهتمام الخاص بدعم القطاع الصحي وتوفير كافة الإمكانيات المادية التي تُمكّنه من مواجهة مثل هذه الكوارث قدر المستطاع مما يساعد بشكل كبير على التخفيف من حدتها.
النقطة الحادية عشرة: أن العلاقات الخارجية الجيدة للدولة -على المستويين الإقليمي والدولي- قادرة على أن تمنح الدولة مزيدًا من الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تجنيها من جراء هذه العلاقات والمساعدة في تخفيف حدة الأزمات التي تتعرض لها، بل يمكن أن تخرج الدولة من هذه الأزمات بمزيد من الدعم والثقل لوضعيتها في المجتمع الدولي.
النقطة الثانية عشرة: أن المنظومة الإعلامية أصبحت شديدة الأهمية في نشر الوعي، ودعم علاقة المواطن بالدولة، وزيادة الانتماء والالتزام، والوصول إلى قلب وعقل المواطن في كل مكان، ومن ثم يجب العمل على تطوير أداء هذه المنظومة بشكل متواصل حتى تكون قادرة على أن تلعب دور الوسيط الجيد والمقبول والمقنع بين الدولة والمواطن.
النقطة الثالثة عشرة: أن الدولة لا تمانع في أن تكون هناك وسائل وأدوات أخرى يمكن أن تساعدها خاصة خلال فترة الأزمات، ومن أهمها: الأحزاب السياسية، ورجال الأعمال، والمؤسسات الدينية ورموزها، ومنظمات المجتمع المدني (الوطنية)، حيث يمكن لها -على سبيل المثال- أن تنتشر في مناطق جغرافية قد لا تصل الدولة إليها. وفي هذا المجال يمكن استثمار هذه الأدوات بالشكل الملائم الذي يحقق أهداف الدولة.
وفي الوقت الذي تتعامل فيه الدولة المصرية بهذا الشكل النموذجي مع أزمة كورونا وتداعياتها المختلفة، وتمنحها أكبر قدر من الاهتمام، فإنها حرصت أيضًا على أن تظل تتعامل بكل الجدية المطلوبة مع كافة القضايا الأخرى المرتبطة بالأمن القومي، ومن بينها قضية سد النهضة الإثيوبي، حيث حرص السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” على أن يوفد وزير الخارجية السيد “سامح شكري” في مهام خارجية متنوعة مؤخرًا لتوضيح موقف مصر تجاه هذه الأزمة وتطوراتها، فضلًا عن الزيارة التي قام بها كل من السيد وزير الري والموارد المائية والسيد رئيس المخابرات العامة للسودان يوم 9 أبريل الجاري. كما تقوم مصر في الوقت نفسه بدعم وتطوير وتحديث قدراتها العسكرية في كافة المجالات، وهذه هي رسالة مصر الواضحة بأن أزمة كورونا لن تطغى على الاهتمامات المتعلقة بدوائر الأمن القومي المصري، خاصة الدوائر المباشرة.