كشفت الحكومة المصرية عن ملامح الموازنة العامة للعام المالي الجديد 2020/2021، الذي سيبدأ في الأول من يوليو المقبل 2020. وعبّرت مخصصات الموازنة الجديدة عن توجهات الحكومة المصرية في مواجهة فيروس كورونا المتفشي عالميًّا.
ونظرًا لما أثاره مشروع الموازنة الجديد من جدل واسع حول ما تضمنه من مؤشرات اقتصادية مستهدفة وتوقعات بشأن هيكل المصروفات والإيرادات، ومدى ملاءمة هذه المؤشرات للظروف الحالية عالميًّا ومحليًّا تأثرًا بانتشار فيروس كورونا المستجد، وأيضًا لأهمية التخطيط المالي ومدى مساهمته في تقديم المساعدة لاتخاذ القرارات المناسبة أثناء وقت الأزمة، مما يؤدي إلى تحقيق المستهدفات التنموية الخاصة بالاقتصاد المحلي؛ يحاول هذا المقال الإجابة عن تساؤل مهم في الوقت الراهن، وهو: هل أثرت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد عالميًّا على الموازنة المصرية للعام المالي الجديد 2020/2021؟
1- المصروفات
بلغ إجمالي المصروفات المقدرة لموازنة 2020/2021 نحو 1.7 تريليون جنيه، بارتفاع قدره 126 مليون جنيه تقريبًا مقارنة بموازنة العام الحالي. وتقدر الأجور وتعويضات العاملين -التي تحتل دائمًا المركز الأول في النصيب الأكبر من المصروفات- بنحو 335 مليار جنيه، بزيادة قدرها 34 مليار جنيه عن العام المالي الحالي، أي بنسبة 11.3% لصرف العلاوات الدورية والحافز الإضافي، مع زيادة بنسبة 75% في بدل المهن الطبية الذي سيصرف للأطباء وهيئات التمريض.
وبلغت مخصصات قطاع الصحة في الموازنة الجديدة نحو 96 مليار جنيه، بزيادة قدرها 24 مليار جنيه عن العام المالي الحالي، كما زادت مخصصات قطاع التعليم والبحث العلمي بنحو 55 مليار جنيه.
وبلغت الاعتمادات المخصصة للسلع والخدمات نحو 100 مليار جنيه، والدعم بنحو 326 مليار جنيه، حيث زادت مخصصات دعم الإسكان الاجتماعي إلى نحو 5.7 مليارات جنيه مقارنة بـ3.9 مليارات جنيه للعام الحالي، وذلك لتوسيع قاعدة المستفيدين من وحدات الإسكان الاجتماعي. وذلك بالإضافة إلى زيادة المخصصات المالية المقررة لمساندة الصادرات بنحو مليار جنيه مقارنة بالعام الحالي لتصبح 7 مليارات جنيه.
2- الإيرادات
بلغ إجمالي الإيرادات المقدرة نحو 1.3 تريليون جنيه، مقارنة بنحو 1.134 تريليون جنيه للعام الحالي، أي بزيادة قدرها 200 مليار جنيه تقريبًا. وتسعى الحكومة في الموازنة الجديدة لتحصيل ضرائب -باعتبارها الركيزة الأساسية للإيرادات العامة للدولة- بقيمة تبلغ 1.03 تريليون جنيه بزيادة تبلغ 173 مليار جنيه عن العام المالي الحالي. كما تستهدف الموازنة أيضًا تحصيل 3.842 مليارات جنيه في صورة منح بزيادة تبلغ 37 مليون جنيه عن العام المالي الجاري، بالإضافة لإيرادات أخرى بـنحو 217.54 مليار جنيه.
وعلى مستوى الإيرادات المتوقعة في مشروع الموازنة، تجدر الإشارة إلى أنه في ظل السيناريوهات الأقل تشاؤمًا للأزمة الحالية تذهب توقعات “المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية IFPRI” إلى أنه في حال استمرار أزمة تفشي الفيروس عالميًّا من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر فسوف تتأثر جميع البلدان في جميع أنحاء العالم، مع تباطؤ التجارة العالمية بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة. وبالتالي قد تنخفض عائدات قناة السويس بنسبة 10%، كما يتوقع أن ينخفض حجم التحويلات المالية للسنة المالية 2019/2020 بنسبة 10% أيضًا، وهو ما يماثل الانخفاض في التحويلات المالية في أعقاب الأزمة المالية في 2008.
ووفقًا للسيناريو ذاته، يتوقع المعهد خسارة الأسر الريفية الفقيرة في مصر ما بين 104 و130 جنيهًا مصريًّا للشخص الواحد في الشهر، أو ما بين 11.5 و14.4 في المائة من متوسط دخل هذه الأسر، بينما تشهد الأسر الفقيرة في المناطق الحضرية انخفاضًا في دخلها ما بين 80 و94 جنيهًا مصريًّا للفرد الواحد في الشهر، أو ما بين 9.7 و11.5 في المائة من متوسط دخلها. كما يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض دخل الفرد عالميًّا على مستوى 170 دولة.
3- العجز الكلي
عند إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الجديد، تم استخدام متوسط سعر الصرف السائد في السوق خلال الفترة من أول يناير حتى نهاية مارس 2020، وكذلك سعر برميل البترول عند 61 دولارًا، مقارنة بالسعر المعتمد عند 68 دولارًا في الموازنة الحالية. وتعد أسعار البترول العالمية حاليًّا أقل بكثير من تلك التوقعات، إذ يتداول خام برنت عند مستوى أعلى قليلًا من 30 دولارًا. وتبرر وزارة المالية ذلك بأن سعر البترول المرتفع المعتمد في الموازنة مقارنة بالأسعار الفعلية حاليًّا يأتي للتحوط ضد أي زيادات محتملة في سوق النفط العالمية. كما تستهدف الموازنة تخفيض نسبة العجز الكلي للناتج المحلي إلى 6.3%، وتحقيق فائض أولي بنسبة 2% (أي زيادة الإيرادات عن النفقات قبل حساب قيمة فوائد الدين العام). كما خفضت الحكومة معدل النمو المستهدف في الموازنة الجديدة إلى 3.5% حال استمرار الأزمة حتى منتصف العام المقبل. وتحقيق معدل نمو اقتصادي قدره 4.5% خلال العام المالي القادم.
وحول الاستثمارات الكلية، من المتوقع انخفاض حجم الاستثمارات الخاصة مما سيؤثر بدوره في حجم الاستثمارات الكلية، وفي حال استمرار الأزمة حتى منتصف العام المالي المقبل، تنخفض الاستثمارات الكلية من 960 مليار جنيه إلى 740 مليار جنيه، بانخفاض قدره 220 مليار جنيه بما يوازي 23%.
4- الدين العام
بحسب مشروع الموازنة الجديد، فإنه من المستهدف خفض معدل الدين العام كنسبة من الناتج المحلي ليصل إلى 82.7% مقارنة بـنسبة مستهدفة وصلت إلى 89% للعام الحالي، وهو ما يتوافق ويتطلب تحقيق فائض أولي نسبته 2% من الناتج خلال العام المقبل. كما تستهدف الموازنة خفض معدل العجز الكلي ليصل إلى 6.3% من الناتج المحلي.ختامًا، يمكن القول إن الموازنة المصرية بها بعض البنود التي تأثرت تأثرًا كبيرًا بتفشي فيروس كورونا مما أدى لتعديل هذه البنود، كمخصصات الصحة والدعم والأجور، ولكن يبقى التحدي الأكبر هو ليس تخصيص مبلغ أكبر فقط، وإنما الكيفية التي سيتم استخدام وتوزيع هذا المبلغ بها حتى تتحقق الغاية المرجوة منه.