عندما تولّى “آبي أحمد” منصب رئيس وزراء إثيوبيا في مطلع أبريل 2018، كان من المتوقع أن يستمر في منصبه لمدة عامين ينتهيان بعقد انتخابات جديدة في موعدها الطبيعي في مايو 2020، وذلك اتساقًا مع الدستور الإثيوبي الذي يقضي بعقد الانتخابات العامة بصفة دورية كل خمسة أعوام، والذي عقدت بموجبه الانتخابات العامة في مايو من أعوام 1995 و2000 و2005 و2010 و2015.
ومنذ وقت مبكر أبدت القيادة الإثيوبية الجديدة إشارات واضحة تعكس تخوفها من إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في مايو، في ظل احتمالات قوية بحصول المعارضة على نصيب مهم من مقاعد البرلمان يسمح لها بمشاركة قوية في الحكومة الجديدة. وأمام هذا التحدي الكبير، انتهج “آبي أحمد” سياسة شراء الوقت، بما يسمح له بالبقاء أطول فترة ممكنة في السلطة –من دون انتخابات- يسعى خلالها للقيام بأكبر قدر من “الإنجازات” التي قد تُعزز فرص فوز حزب “الازدهار” (الذي أسسه مؤخرًا على أنقاض الجبهة الديمقراطية الثورية) في الانتخابات المقبلة، بعدما تآكلت شعبيته بشدة، خاصة في العام الثاني لتوليه السلطة.
وقد طبق “آبي” سياسته لكسب الوقت في البداية عبر الدعوة لتأجيل الانتخابات من موعدها الأول الذي كان مقررًا في مايو الماضي لأسباب أمنية ولوجستية، وهو ما استجابت له اللجنة الوطنية للانتخابات بالإعلان عن موعد جديد للانتخابات في التاسع والعشرين من أغسطس. وبعد انتشار فيروس كورونا عالميًا، عادت اللجنة لتعلن عن تأجيل الانتخابات العامة لأجل غير مسمى. وعلى الرغم من أن التأجيل الثاني قد جاء في صالح الحكومة الإثيوبية في وقت سعت فيه لتجنب المخاطرة بمستقبلها السياسي، إلا أن هذا التأجيل قد وضع البلاد في مأزق دستوري غير مسبوق نظرًا لنهاية ولاية البرلمان الحالي -ومن ثم الحكومة- بنهاية سبتمبر المقبل.
أولًا- أزمة دستورية متصاعدة
في ظل الخلافات الكبيرة بين الحكومة ومختلف أحزاب وقوى المعارضة بشأن التصرف الأمثل لتجاوز الفراغ الدستوري الذي ستدخله البلاد بدءًا من أكتوبر 2020، سعى “آبي أحمد” لاستباق الأزمة بأن عقد لقاءً مع المعارضة للتوافق على حل سياسي. لكن مجريات اللقاء الذي عُقد في الثلاثين من أبريل لم تساعد في التوصل إلى حل توافقي بقدر ما عمقت الخلافات بين رئيس الوزراء ومعارضيه؛ فبجانب الاتهامات المباشرة التي وجهها لجبهة تحرير أورومو بسعيها للعودة للعمل المسلح، ولجبهة تحرير تيجراي بممارسة القمع داخل إقليمها، وجه “آبي أحمد” انتقادًا لأحزاب سياسية لم يُسمّها بالتآمر مع أعداء البلاد ضد إثيوبيا.
وفي جلسته الاستثنائية المنعقدة في الخامس من مايو، ناقش مجلس نواب الشعب في إثيوبيا البدائل المختلفة للتعامل مع الأزمة الدستورية، مخيرًا النواب بين أربعة بدائل لتحديد كيفية حكم البلاد في الفترة التالية على انتهاء ولاية البرلمان والحكومة وبين عقد انتخابات جديدة. وقد تمثلت هذه البدائل في حل البرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال، أو تمديد حالة الطوارئ، أو تعديل الدستور، أو البحث عن تفسيرات دستورية للوضع المستجد. وقد حاز البديل الرابع قبول غالبية أعضاء مجلس نواب الشعب، الأمر الذي استوجب رفع الملف منه باعتباره الغرفة الأدنى للبرلمان، إلى المجلس الفيدرالي باعتباره الغرفة الأعلى وذلك لاتخاذ القرار النهائي بعد استشارة مجلس التحقيق الدستوري.
وفي الوقت الذي سعت فيه أطراف عديدة لتجنّب تصاعد الأزمة عبر التوصل إلى حل سياسي لا إلى حل يستند إلى “التفسيرات الدستورية” لما يتضمنه ذلك من غموض وتجاوز لنصوص الدستور، قابلت الحكومة جميع البدائل القائمة على المواءمات السياسية بالرفض. ففي الثامن من يونيو، رفض رئيس الوزراء “آبي أحمد” مقترحًا أيدته بعض قوى المعارضة يقضي بتشكيل حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال بداية من أكتوبر المقبل، متذرعًا بكون هذا الإجراء غير دستوري. على هذا، جاء العاشر من يونيو ليشهد قيام غالبية أعضاء المجلس الفيدرالي بالموافقة على مد ولاية البرلمان الحالي بغرفتيه، ومن ثم الحكومة الفيدرالية، وكذلك المجالس التشريعية والتنفيذية في الأقاليم، وذلك إلى حين إعلان المنظمات الصحية العالمية عن نهاية الخطر من فيروس كورونا. وقد جاءت هذه القرارات بعد استفتاء مجلس التحقيق الدستوري الذي يتكوّن من خبراء دستوريين وقانونيين، والذي أفتى في نهاية مايو الماضي بتمديد ولاية المجالس ومن ثمّ الحكومة الفيدرالية.
ثانيًا- ردود الأفعال المباشرة
تسبّب إصرار “آبي أحمد” على اللجوء إلى المجلس الفيدرالي للتصويت على تمديد ولاية الحكومة لحين انتهاء خطر فيروس كورونا في عدد من ردود الأفعال التصعيدية من جانب معارضي القرار والتي تجسّد أهمها فيما يلي:
1- تصاعد التوترات بين حكومة إقليم تيجراي والحكومة الفيدرالية
عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” عن خططه لتأسيس حزب سياسي جديد يحل محل “الجبهة الديمقراطية الثورية” التي حكمت البلاد منذ عام 1991، كانت جبهة تحرير تيجراي هي الرافض الوحيد للانضمام لحزب “الازدهار” من الأحزاب الأربعة المشكلة للجبهة، لتتحول جبهة تحرير تيجراي إلى أحد أهم معارضي “آبي أحمد” وسياساته الرامية لتجاوز مبدأ الفيدرالية الإثنية الذي تأسس عليه النظام السياسي الإثيوبي بموجب دستور عام 1995.
ومنذ أن لاحت الأزمة الدستورية في الأفق، كانت جبهة تحرير تيجراي من أبرز معارضي تأجيل الانتخابات من موعدها الأصلي في مايو، ثم التأجيل المفتوح عن موعدها المحدد لاحقًا في أغسطس. وقد بلغ تصعيد الجبهة ضد “آبي أحمد” حده الأقصى في الثالث من يونيو حين أعلنت اللجنة المركزية لجبهة تحرير تيجراي عن قرارها بإجراء الانتخابات في الإقليم، وهو القرار الذي اتخذ خلال اجتماعات اللجنة التي عقدت بين الثالث والعشرين والثلاثين من مايو الماضي. وقد تضمن الإعلان تأكيد جبهة تحرير تيجراي أنها لن تساوم على حق شعب تيجراي، حيث تعتبر أن إجراء الانتخابات الإقليمية والوطنية حق أصيل لا يمكن التفريط فيه.
ويأتي هذا القرار استكمالًا لمسار بدأته الجبهة مبكرًا في حماية تمتعها بأكبر قدر من الاستقلالية عن هيئات الحكم الفيدرالي في العاصمة أديس أبابا، حيث سبق لحكومة إقليم تيجراي أن أعلنت بصورة منفردة حالة الطوارئ الصحية على مستوى الإقليم مع بداية انتشار فيروس كورونا من دون الرجوع للمركز. على هذا النحو، تشهد الأسابيع الأخيرة تراكمًا غير مسبوق في مسببات التوتر بين حكومة إقليم تيجراي وبين الحكومة الفيدرالية، خاصة مع ما يواكبها من تصعيد إعلامي، بعد نشر وسائل الإعلام التابعة للحكومة الفيدرالية تقارير عن مظاهرات احتجاجية في إقليم تيجراي، اعتبرتها حكومة إقليم تيجراي بمثابة أخبار كاذبة تسعى لزعزعة الاستقرار في الإقليم.
2- استقالة رئيسة المجلس الفيدرالي
في الثامن من يونيو استقالت “خيرية إبراهيم” رئيسة المجلس الفيدرالي الذي يشكل الغرفة البرلمانية الأعلى في إثيوبيا، وهي السياسية المنتمية إلى جبهة تحرير تيجراي وتم انتخابها لرئاسة المجلس في أبريل 2018. وقد قدمت “خيرية إبراهيم” استقالتها عبر تلفزيون تيجراي الإقليمي، مرجعة إياها إلى رفضها التعاون من نظام آخذ في التحول إلى نظام ديكتاتوري، يسعى للبقاء في السلطة دون حسم لقضية الانتخابات، ما اعتبرته انتهاكًا للدستور.
وجاءت هذه الاستقالة قبل يومين فقط من عقد الجلسة الحاسمة التي اتُّخذ فيها القرار بتمديد ولاية البرلمان والحكومة، من دون تحديد موعد لعقد الانتخابات العامة. وعلى الرغم من أن استقالة “خيرية إبراهيم” لم تَحُل دون عقد الجلسة المرتقبة، إلا أنها شكلت موقفًا تصعيديًّا من جانب جبهة تحرير تيجراي التي تنتمي إليها، بحيث يمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة بداية حقيقية لــ”تخارج” كامل لجبهة تحرير تيجراي من كافة صور المشاركة في أجهزة الحكم الفيدرالي، اتساقًا مع التوجهات الانفصالية المتصاعدة في الإقليم، والتي أكدها اعتزام الجبهة تنظيم الانتخابات على مستوى الإقليم على الرغم من الرفض الحاد من جانب رئيس الوزراء “آبي أحمد” ومن جانب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
3- تفاقم حدة الانقسامات داخل إقليم أوروميا
يختلف الوضع في إقليم أوروميا عن الوضع في إقليم تيجراي بدرجة كبيرة، حيث يعد أكبر أقاليم البلاد سكانًا وأكثرها تمثيلًا في مقاعد مجلس نواب الشعب، وهو الإقليم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء “آبي أحمد”. لكن إقليم أوروميا يشهد انقسامات سياسية تقليدية بين تيارين، أحدهما انفصالي يسعى لتأسيس كيان سياسي مستقل أو الحصول على الحد الأقصى من الحكم الذاتي، والآخر اندماجي يقوم مشروعه السياسي على تعزيز الوحدة والتكامل بين الأقاليم الإثيوبية وسكانها من الأمم والقوميات المختلفة. وبينما يسيطر حزب أورومو الديمقراطي -المندمج لاحقًا في حزب “الازدهار”- على أجهزة الحكم الإقليمي في أوروميا، تتمتع المعارضة بقدر كبير من الشعبية في الإقليم، لكنها لا تتمتع بحضور بارز داخل أجهزة الحكم فيه.
وفور الإعلان عن بدء البحث عن بدائل دستورية للأزمة الناتجة عن تأخير الانتخابات، قام مجلس الأورومو الفيدرالي الذي يضم عددًا من الأحزاب المعارضة بالتعبير عن رفضهم هذا الخيار، داعين لنقاش موسع بشأن الحل السياسي للأزمة، وهو الموقف الذي اتسق مع مواقف جبهة تحرير تيجراي على الرغم من التوترات الحادة ذات الجذور التاريخية العميقة بين الجماعتين.
وفي السادس من يونيو، اتهمت حكومة إقليم أورومو جبهة تحرير تيجراي بتقديم الدعم العسكري بالسلاح والمقاتلين لجبهة تحرير أورومو ذات التوجهات الانفصالية، والتي عادت من منفاها في إريتريا بعد اتفاق للسلام بادر بطرحه رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في منتصف عام 2018 وبعد أشهر قليلة من توليه المنصب. وتأتي هذه الاتهامات بعد مرور يومين من إعلان شرطة إقليم أوروميا عن إلقاء القبض على 48 عنصرًا مشكوكًا في انتمائهم لتنظيم مسلح يستهدف تنفيذ اغتيالات لمسئولي الإقليم السياسيين والأمنيين، وهو التنظيم الذي يعتقد كونه على علاقة وثيقة بجبهة تحرير أورومو.
ومن المتوقع أن يثير قرار المجلس الفيدرالي الصادر في العاشر من يونيو بتمديد ولاية الحكومة موجة من التصعيد داخل إقليم أوروميا، خاصة بعد ردود الأفعال السريعة التي عبرت عنها المعارضة في الإقليم. فعلى سبيل المثال، قام “داود إبسا” رئيس جبهة تحرير أورومو باعتبار ما قام به المجلس الفيدرالي لا يستند إلى أي أساس دستوري، مشيرًا إلى اعتزام حزبه الاجتماع قريبا لتحديد طبيعة رد الفعل الملائم على قرار التمديد المفتوح لحكومة “آبي أحمد”.
ثالثًا- التداعيات المستقبلية
على الرغم من حصول “آبي أحمد” على تأييد المجلس الدستوري للتفسير الذي يتيح له ولحكومته الاستمرار في السلطة، يحمل هذا المسار الذي انتهجته إثيوبيا تداعيات مستقبلية بالغة الخطورة تتمثّل في:
1- تمديد حالة عدم التيقن بشأن مستقبل البلاد السياسي
في الوقت الذي تعاني فيه إثيوبيا من حالة من عدم التيقن بشأن المستقبل السياسي للبلاد منذ التأجيل الأول للانتخابات، جاءت الصياغة الغامضة لقرار المجلس الفيدرالي بمد ولاية البرلمان والحكومة إلى حين إعلان “المنظمات الصحية العالمية” لزوال خطر فيروس كورونا، لتمدد حالة عدم التيقن لأمد مفتوح. حيث تعني هذه الصياغة أن تمديد ولاية الحكومة لن ينتهي بتراجع عدد الإصابات محليًّا، بل بإعلان زوال خطر الفيروس على مستوى العالم. ومن الجدير بالذكر أن الأرقام المعلنة رسميًّا تشير إلى انتشار محدود للفيروس في إثيوبيا، حيث بلغ العدد الإجمالي للحالات المؤكدة منذ بداية تسجيل الحالات في مارس وحتى العاشر من يونيو يوم صدور قرار التمديد 2506 حالات من بينها 401 حالة تعافي، و35 حالة وفاة فقط. وتبدو هذه الأرقام ضئيلة للغاية إذا ما تم نسبتها لإجمالي عدد سكان إثيوبيا الذي يتجاوز المائة مليون نسمة.
2- الكشف عن مخاوف حقيقية من حزب “الازدهار” من خوض الانتخابات
عكس مسار الأزمة رغبة كبيرة من “آبي أحمد” في تجنب خوض الانتخابات في العام الجاري، وهو ما تسبب في تأجيل الانتخابات ابتداءً من موعدها الطبيعي في مايو إلى أغسطس لأسباب لم تقنع الكثيرين في صفوف المعارضة. وأكد هذه الحقيقة رغبة رئيس الوزراء في إرجاع القرار النهائي بشأن آلية معالجة هذا الوضع الاستثنائي إلى المجلس الفيدرالي الذي يسيطر على مقاعده حزبه الجديد. وبهذا المنطق يكون “آبي أحمد” قد استغل حقيقة أن أحزاب الجبهة الديمقراطية الثورية وحلفائها التي قبلت جميعها الانضمام لحزب “الازدهار” باستثناء جبهة تحرير تيجراي هي الأحزاب المسيطرة على مقاعد البرلمان بغرفتيه، وهو الوضع الذي نشأ نتيجة انتخابات عام 2015 بما شابها من أوجه عديدة للقصور دفعت الكثير من المراقبين المحليين والدوليين للتشكيك في كونها تمثل تعبيرًا حقيقيًّا عن إرادة الشعب الإثيوبي. هذا الواقع الذي تدركه جيدًا المعارضة الإثيوبية يزيد من شكوكها بشأن استمرار حزب الازدهار في تعطيل المسار الانتخابي أطول وقت ممكن وتحت ذرائع متعددة، الأمر الذي يعكس ضعفًا حقيقيًّا في الحزب الجديد ومشروعه السياسي، ويؤكد اتهامات المعارضة لآبي أحمد بالسعي للاستئثار بالسلطة والاستمرار فيها بأي ثمن.
3- تعميق الفجوة بين الحزب الحاكم والمعارضة
منذ بداية الجدل بشأن الأزمة الدستورية تمسك “آبي أحمد” بموقف رافض لكافة الحلول التي من شأنها أن تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تضم أكبر قدر ممكن من الأحزاب السياسية تتولى تسيير الأعمال، وتكون مهمتها الرئيسية التحضير للانتخابات الجديدة. هذا الاقتراح القائم أساسًا على المواءمة السياسية والتنازلات المتبادلة بين الحزب الحاكم والمعارضة كان من شأنه تجنيب البلاد انقسامًا سياسيًّا حادًّا من شأن تصاعده أن يشكك في شرعية الحكومة بصورة كبيرة. ولا تقتصر آثار رفض “آبي أحمد” تشكيل حكومة وحدة وطنية على المرحلة السابقة على الانتخابات، بل تمتد لتؤثر على العملية الانتخابية ذاتها ما ستسفر عنه من مخرجات. ففي ظل عدم قدرة أي طرف مشارك أو مراقب للعملية السياسية الحالية في إثيوبيا الجزم بحقيقة الأوزان النسبية للأحزاب السياسية الداعمة لآبي أحمد أو المعارضة له، يأتي الموقف الأخير لرئيس الوزراء ليقلل كثيرًا من فرص تشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات، وهو ما قد يكون المخرج الوحيد من أزمة سياسية جديدة قد تُنتجها الانتخابات القادمة حال عجز أي طرف عن حسم المنافسة لصالحه بهامش كبير.
4- الحدّ من فرص الحلول السياسية في المستقبل
ما أقره المجلس الفيدرالي من المد المفتوح لولاية حكومة “آبي أحمد” سيدفع المعارضة إلى المزيد من التطرف نحو تبني مواقف أكثر حدية. ومن الجدير بالذكر أن فترة حكم “آبي أحمد” -على قصرها- قد شهدت العديد من مظاهر تعبير الخلافات السياسية عن نفسها بوسائل غير سلمية، كان أبرزها ما شهده شهر يونيو 2019 من حادثتين متزامنتين لاغتيال رئيس أركان القوات المسلحة، ولتمرد مسلح لبعض منتسبي القطاع الأمني في إقليم أمهرا. كما شهد أكتوبر من عام 2019 موجة احتجاجات واسعة في إقليم أوروميا خلفت أكثر من 80 قتيلًا وأكثر من 800 جريح. وإذا كانت هذه الوقائع –وغيرها- قد حدثت في وقت لم تثر فيه أي شكوك بشأن دستورية تولي “آبي أحمد” رئاسة الحكومة، وفي وقت تكررت فيه مبادراته التصالحية مع المعارضة المسلحة في المنفى؛ فإن المستقبل قد يشهد تصاعدًا في حدة هذه المظاهر، خاصة بعد تصريح العديد من الأطراف الرئيسية في المعادلة السياسية الإثيوبية عن اعتبارها تمديد ولاية الحكومة قرارًا يفتقد إلى الدستورية.
إجمالًا، قد يكون “آبي أحمد” قد حقق انتصارًا تكتيكيًّا بتمرير قرار المجلس الفيدرالي بمد ولاية حكومته لحين انتهاء أزمة انتشار فيروس كورونا، لكن هذا الانتصار جاء بثمن مرتفع سيدفعه مستقبلًا، إما بالاضطرار لتقديم تنازلات كبرى لمعارضيه خاصة في إقليمي تيجراي وأوروميا، أو بخسارة الانتخابات المقبلة بعدما شوه بنفسه صورته كقائد إصلاحي، أو حتى بتعريض العملية السياسية في البلاد لخطر التداعي الكامل.