أثبتت المشكلة التي يمر بها طلاب الدبلومة الأمريكية في مصر مؤخرًا أن استيراد نظم تعليمية بالكامل وتطبيقها دون سيادة لوزارة التربية والتعليم عليها، لا يمثل حلًّا جذريًّا لمشكلات نظام التعليم الوطني، فقد باتت السلبيات الإدارية لنظام الدبلومة الأمريكية واضحة بعد أن تكرر تسريب امتحان SAT الذي يؤهل الطلاب للالتحاق بالجامعات، وهو ما دفع الهيئة المسئولة (College Board) لإلغاء الامتحان في مصر حتى يونيو 2021. وقد طالب أولياء أمور طلاب الدبلومة الأمريكية وزارة التربية والتعليم بالتدخل لإيجاد حل بعد أن كانت علاقتهم بالهيئة الأمريكية مباشرة لا دور للوزارة فيها، وهو ما سمح بفتح آفاق جديدة أمام الوزارة لاستعادة سيطرتها على السياسة التعليمية وتطوير آليات تساعدها في تحقيق هذا الهدف.
نظام الدبلومة الأمريكية كبديل سهل للثانوية العامة
تزايد الطلب على نظام الدبلومة الأمريكية في السنوات العشر الأخيرة بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد المدارس التي تقدم هذا النوع من التعليم بشكل ملحوظ في 14 محافظة على مستوى الجمهورية، لكن التركيز الأكبر كان في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، حيث بلغ عددها في المحافظات الثلاث 330 مدرسة في 2019-2020. وترجع الزيادة في الأعداد بهذا الشكل إلى إقبال فئة من المجتمع قادرة على تحمل نفقات التعليم الدولي على نظام الدبلومة الأمريكية نظرًا لسهولته مقارنةً بالثانوية العامة بنظامها القديم.
وتتضح سهولة النظام الأمريكي من خلال نقاط محددة هي
– لا يعتمد تقييم طلاب الدبلومة الأمريكية على الامتحان النهائي (SAT) بنسبة 100% كما يحدث في الثانوية العامة، ولكن يتم تقسيم مجموع الطالب إلى 40% لمتوسط الدرجات التراكمي الذي يحصل عليه الطالب في جميع المواد (GPA) على مدار سنوات المرحلة الثانوية الثلاث، و60% للامتحان النهائي الذي يُعد شرطًا للالتحاق بالجامعات.
– يمكن أن يكتفي الطلاب بامتحان SAT1 للالتحاق بالكليات النظرية في الجامعات، وهو امتحان لمادتين فقط، هما: اللغة الإنجليزية والرياضيات، ولكن في حالة أرادوا الالتحاق بإحدى الكليات العلمية كالطب والهندسة، فهم مطالبون بخوض امتحان SAT2 الذي يختارون فيه مادتين أو ثلاثًا من بين مواد الأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات المتقدمة. ويعني ذلك أن هذا النظام يتسم بالمرونة، ولا يفرض ضغوطًا على الطلاب كما يحدث في الثانوية العامة.
– يسمح نظام الدبلومة الأمريكية للطلاب بأداء الامتحان أكثر من مرة، حيث يُعقد أربع مرات سنويًّا يحق للطالب خوضها جميعًا منذ بداية الصف العاشر وحتى نهاية الصف الثاني عشر، على أن يحصل الطالب على أعلى درجة يحققها في جميع محاولاته. ويمنح هذا النظام فرصة أكبر للطلاب لتحسين درجاتهم على عكس الثانوية العامة بنظامها القديم الذي كان يعتمد على الامتحان مرة واحدة في نهاية الصف الثالث الثانوي.
ومثّلت الأسباب الثلاثة سالفة الذكر عوامل جذب للطلاب في المرحلة الثانوية طمعًا في الالتحاق بالكليات التي يرغبون فيها بجهد أقل. لكن يبدو أن الأزمة الحالية ستمثل دافعًا لأولياء الأمور لإعادة التفكير في إلحاق أبنائهم بهذا النظام.
تدخل إيجابي لوزارة التربية والتعليم
يُعد تخلي وزارة التربية والتعليم عن دورها في الإشراف على الامتحانات الدولية أحد أسباب المشكلة التي يواجهها طلاب الدبلومة الأمريكية في مصر، وهي عدم قدرتهم على الالتحاق بالجامعات دون اجتياز امتحان SAT. كما أنها لم تكن تعترف بنتائج امتحان بديل بالرغم من اعتماده في عدد كبير من الدول وهو امتحان ACT، ولم تعمل على تقديم امتحان مصري لهذه الفئة من الطلاب إلا بعد ظهور الأزمة الحالية. ومن أجل إنقاذ العام الدراسي لطلاب الدبلومة الأمريكية، اتخذت الوزارة إجراءات سريعة تمثلت في اعتماد امتحان ACT المكافئ لامتحان SAT منذ يوليو الماضي، ولكن الفرق بين الامتحانين يتمثل في كون امتحان ACT هو امتحان إلكتروني على عكس امتحان SAT الورقي. وأعلنت الوزارة عن المواعيد المتاحة لأدا الامتحان، وسمحت بالتوسع في مراكز تقديمه لإعطاء فرصة أكبر للطلاب من أجل اللحاق بالعام الدراسي الجامعي الجديد.
وفي خطوة إيجابية لاستعادة دورها الفعال، أطلقت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع شركة بيرسون Pearson العالمية امتحانًا مصريًا (Egyptian Scholastic Test) مكافئًا لامتحاني (SAT) و(ACT) لمساعدة طلاب الدبلومة الأمريكية في مصر. وتصف الوزارة امتحان EST بأنه امتحان إلكتروني صُمم خصيصًا لقياس المهارات والمعارف التي اكتسبها طلاب الدبلومة الأمريكية في مصر، ويؤهلهم للالتحاق بالجامعات المصرية. ويعني ذلك أن هذا الامتحان لا يمكن تعميمه خارج مصر، ولا يُقبل به بديلًا عن الامتحانات الدولية الأخرى للالتحاق بالجامعات غير المصرية. بذلك تعود الوزارة لممارسة دورها في توفير بديل مصري للامتحانات الدولية تحت إشرافها، بما يراعي مصلحة الطلاب وحقوقهم في الالتحاق بالجامعات المصرية.
وتُعد الشراكة بين الوزارة وشركة بيرسون في تصميم وتصحيح امتحان EST مؤشرًا قويًّا على استهداف الوزارة أن يُعترف بهذا الامتحان دوليًّا، بحيث يُسمح للطلاب الذين اجتازوه بالالتحاق بالجامعات خارج مصر دون الحاجة إلى خوض اختبارات معادلة.
هل يصبح امتحان EST الصيغة الموحدة لتقييم طلاب التعليم الثانوي في مصر؟
لا يمكن اعتبار التنوع الموجود حاليًا في مصر فيما يتعلق بالمدارس الدولية التي تقدم نظم تعليم مختلفة أمرًا سلبيًا، فالتنوع يسمح بالمنافسة بين هذه النظم لإثبات أفضليتها من خلال تقديم خريجين مؤهلين للالتحاق بالجامعات الكبرى وسوق العمل في مختلف دول العالم. ولكن تطبيق نظم التعليم الدولية بفلسفة مصرية لا تشبه فلسفة المجتمعات الأصلية لهذه النظم يمكن أن ينتج عنه مشكلات كالتي يمر بها طلاب الدبلومة الأمريكية حاليًّا. لذلك، لا بد أن يكون الوضع الحالي لتطبيق نظم التعليم الدولية هو وضع مؤقت ينتهي باكتمال عملية تطوير نظام التعليم المصري.
وبالرجوع إلى ما تم إعلانه بشأن نظام الثانوية العامة في العام الدراسي الجديد، يتضح أن امتحان EST يتناسب مع الشكل المُعلن عنه، حيث ستصبح امتحانات الثانوية العامة إلكترونية بالكامل، وتعتمد على أسئلة الاختيار من متعدد. كما أن الطالب يحق له بدءًا من العام القادم خوض الامتحان مرتين بدلًا من مرة واحدة. وقد يمثل هذا التعديل دافعًا قويًا للطلاب الذين انتقلوا إلى النظم التعليمية الأخرى للعودة مرة أخرى إلى الثانوية العامة.
وإذا نجحت الوزارة في تنفيذ امتحان EST لطلاب الدبلومة الأمريكية، فقد يدفعها هذا النجاح إلى الضغط بقوة من أجل اعتماد هذا الامتحان كمؤهل للالتحاق بالجامعات دوليًّا. وإذا نجحت في تحقيق ذلك، فقد يتطور الأمر إلى تعميم امتحان EST على طلاب الثانوية العامة بنظامها الجديد. لكن هذا السيناريو سيتطلب من الوزارة إجراء بعض التعديلات على الامتحان، بحيث يتم تقديمه باللغتين العربية والإنجليزية ليناسب جميع الطلاب، وتُضيف المواد التي يمتحنها طلاب الثانوية العامة بالكامل، حيث يعتمد تقييمهم على الامتحان النهائي وليس التقييم التراكمي كما يحدث في الدبلومة الأمريكية.