لا تزال الانتخابات الإثيوبية تواجه تعثرًا تلو آخر. ففي الخامس عشر من مايو أصدرت برتوكان ميديكسا، رئيسة المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، قرارًا متوقعًا بتأجيل موعد الانتخابات العامة من الخامس من يونيو لأجل غير مسمى، وذلك بزعم وجود مشكلات لوجستية ذات صلة بالجوانب الفنية المختلفة لإجراء العملية الانتخابية، سواء ما يتعلق منها بتسجيل الناخبين أو بطباعة بطاقات الاقتراع.
وقد صدر قرار تأجيل الانتخابات بعد يوم واحد فقط من انتهاء المهلة الممددة لتسجيل الناخبين في مراكز الاقتراع المختلفة في عموم الأقاليم الإثيوبية باستثناء إقليم تيجراي. وعلى الرغم من أن ميديكسا قد اقترحت في مؤتمرها الصحفي تمديدًا أوليًا لثلاثة أسابيع، إلا أن المؤشرات الأولية ترجح تأجيلًا لفترة أطول في ظل ما شددت عليه رئيسة مجلس الانتخابات من عدم تمتعها بصلاحية إعلان الموعد الجديد للانتخابات بسبب حاجتها للتشاور مع الأحزاب السياسية المختلفة قبل تحديد الموعد الجديد لدراسة مقترحات هذه الأحزاب، فضلًا عن التصريح بأن المجلس سيأخذ في اعتباره موسم الأمطار الذي يمتد من يونيو وحتى سبتمبر في عملية تحديد الموعد الجديد للانتخابات.
يذكر أن هذا التأجيل يعد التأجيل الثالث للانتخابات العامة في إثيوبيا التي كان من المفترض أن تعقد في مايو من عام 2020 قبل أن يتم الإعلان عن أول تأجيل لها قبل موعد انعقادها بنحو شهرين بسبب وجود عقبات أمنية ولوجستية، ليتم تحديد موعد لها في نهاية أغسطس من العام نفسه. ومع اقتراب الموعد الثاني المحدد لإجراء الانتخابات تذرعت الحكومة الإثيوبية بتداعيات انتشار فيروس كورونا لتعلن عن تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، مع إصدار المجلس الفيدرالي الذي يعد الغرفة الأعلى للبرلمان قرارًا بتمديد ولاية مؤسسات الحكم التشريعية والتنفيذية على المستويين المركزي والإقليمي. وقد قوبل قرار التمديد دون إجراء انتخابات برفض واسع، دفع حكومة إقليم تيجراي لإجراء الانتخابات على مستوى الإقليم في التاسع من سبتمبر غير مكترثة بتحذيرات الحكومة الفيدرالية، مما كان سببًا جوهريًا لاندلاع الصراع المسلح في إقليم تيجراي مطلع نوفمبر الماضي. وفي محاولة لاحتواء الأزمة المتفاقمة تم الإعلان عن موعد جديد لإجراء الانتخابات في الخامس من يونيو من عام 2021، وهو الموعد الذي كان موضعًا للتأجيل الثالث المعلن عنه مؤخرًا.
وفي المشهد الحالي، تبرز خمسة أسباب رئيسية لتفسير القرار الأخير بتأجيل موعد الانتخابات للمرة الثالثة، والتي تتضمن أسبابًا لوجستية وأخرى سياسية وأمنية، بجانب الأسباب المتعلقة بالضغوط الدولية، وذلك على النحو التالي:
تعثر عملية تسجيل الناخبين
لأسباب سياسية وإجرائية متعددة يشترط القانون الإثيوبي قيام المجلس الوطني للانتخابات، باعتباره الهيئة المسئولة، عن تنظيم الانتخابات في البلاد بتسجيل أسماء الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات قبل كل دورة انتخابية. على هذا الأساس، بدأ مجلس الانتخابات الإثيوبي عملية تسجيل الناخبين في السادس والعشرين من مارس الماضي، معلنًا أن هذه العملية ستستمر لمدة أربعة أسابيع، وذلك لتسجيل أسماء نحو خمسة وخمسين مليون مواطن في جداول الناخبين ممن تتوافر لديهم الشروط الأولية للتصويت في الانتخابات. وسرعان ما أكد المجلس قيامه بإمداد مقار الانتخابات بكافة الاحتياجات اللوجستية بما يضمن إتمام عملية تسجيل الناخبين بنجاح في أكثر من 50 ألف مقر انتخابي مع نشر أكثر من 150 ألف موظف تابع للجنة للمساعدة على تيسير عملية تسجيل الناخبين في أسرع وقت.
لكن مع نهاية المدة المحددة، أعلن مجلس الانتخابات الإثيوبي في السادس والعشرين من أبريل عن تعذر تنفيذ عملية تسجيل الناخبين بأكثر من أربعة آلاف مركز انتخابي من أصل خمسين ألف مركز لتدهور الأوضاع الأمنية في العديد من الدوائر في خمسة أقاليم إثيوبية. وحتى المراكز التي تمكن المجلس من مباشرة عملية التسجيل فيها، شهدت إقبالًا ضعيفًا حيث لم يتجاوز عدد الناخبين المسجلين في نهاية أبريل 18 مليون ناخب، الأمر الذي اضطر مجلس الانتخابات إلى الإعلان عن تمديد فترة تسجيل الناخبين لتنتهي في السابع من مايو.
وأخيرًا، جاءت تصريحات برتوكان ميديكسا في الثامن من مايو لتؤكد استحالة إجراء الانتخابات في موعدها بعد أن أعلنت وجود إمكانية حقيقية للتأجيل في ظل اقتصار عدد الناخبين المسجلين على 31 مليون ناخب، وهو ما أعقبه الإعلان عن تمديد جديد لموعد انتهاء عملية تسجيل الناخبين لمدة أسبوع أسفر وفق ما أعلن عنه مجلس الانتخابات عن تسجيل نحو خمسة ملايين ناخب إضافي، لكنه لم يكن كافيًا لتجاوز أزمة عجز المجلس عن تسجيل ما يمثل نحو 35% من إجمالي الناخبين في مناطق الصراع والتوترات الأمنية.
مشكلة طباعة بطاقات الاقتراع
منذ وقت مبكر أعلن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا اعتزامه تأمين نزاهة العملية الانتخابية عبر طباعة بطاقات الاقتراع خارج البلاد. ففي ديسمبر من عام 2019، أعلن المجلس توقيعه مذكرة تفاهم مع إحدى الشركات المتخصصة في طباعة بطاقات الاقتراع والتي يقع مقرها في دبي لإمداد المجلس بمختلف احتياجاته لتنظيم الانتخابات على أعلى مستوى ممكن من الدقة والشفافية. وبمرور الوقت أعلن المجلس الوطني للانتخابات في نهاية مارس الماضي عن تفاصيل جديدة بشأن تولي شركتين أجنبيتين عملية طباعة بطاقات الاقتراع لانتخابات عام 2021، بحيث تتولى مؤسسة رين-فورم للطباعة Ren-Form Publishing Association الجنوب إفريقية طباعة 45% من بطاقات الاقتراع، وهي تلك الخاصة بأقاليم أمهرا وسيداما وإقليم الأمم والشعوب الجنوبية، على أن تتولى شركة الغرير للطباعة والنشر الإماراتية طباعة 55% من بطاقات الاقتراع، وهي تلك الخاصة بأقاليم أوروميا والعفر وبني شنقول-جوموز وجامبيلا والإقليم الصومالي.
واللافت أن برتوكان ميديكسا رئيسة المجلس الوطني للانتخابات قد وضعت التأخر في تسلم بطاقات الاقتراع في مقدمة الأسباب الداعية لتأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر في الخامس من يونيو من العام الجاري على الرغم من الاستعدادات المبكرة التي أعلن عنها بشأن طباعة بطاقات الاقتراع، على الرغم من إسناد هذه المهمة لشركتين صاحبتي خبرة واسعة في طباعة بطاقات الاقتراع في الانتخابات للعديد من الدول حول العالم، فضلًا عن تبعيتهما لدولتين من أهم الدول الداعمة لحكومة آبي أحمد منذ توليه السلطة. وتجتمع هذه الحقائق لتنفي أي شبهة تعمد من الطرف الخارجي لعرقلة العملية الانتخابية في إثيوبيا عبر التباطؤ في تسليم بطاقات الاقتراع، مما يشير لاحتمالية وجود خلل إجرائي من جانب مجلس الانتخابات نفسه في متابعة عملية طباعة بطاقات الاقتراع.
تفشي الاضطرابات الأمنية
لم يفصح المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا عن تصوره للآلية التي يمكن من خلالها إجراء الانتخابات في يوم واحد في أربعة آلاف مركز اقتراع أخفق في أن يجري فيها عملية تسجيل الناخبين على مدار سبعة أسابيع كاملة. ففي الواقع، تظهر المعضلة الأمنية في العديد من الأقاليم الإثيوبية لتجعل من أي تصور لإجراء انتخابات شاملة وشفافة ونزيهة أمرًا بعيد المنال. فبعيدًا عن إقليم تيجراي الذي تعصف به حرب شرسة تجاوزت الستة أشهر دفعت الحكومة لإعلان استبعاده من الانتخابات المقبلة، لم تسلم باقي الأقاليم الإثيوبية من تداعيات هذا الوضع الأمني المتدهور على الرغم من سعي الحكومة الإثيوبية لإجراء الانتخابات فيها.
فبالنظر لخريطة مراكز الاقتراع التي عجز المجلس الوطني للانتخابات عن مباشرة مهام تسجيل الناخبين فيها، يلاحظ انتشارها في أقاليم بني شنقول-جوموز، وأوروميا، وأمهرا، وهي الأقاليم التي تشهد أعمال عنف متصاعدة بدأت نذرها المبكرة في يوليو الماضي في واحدة من أسوأ موجات العنف في الأعوام الأخيرة في مدن إقليم أوروميا، فتحت الباب لنشاط أحد الأجنحة المسلحة لجبهة تحرير أورومو التي باتت تسيطر على عدد من قرى غرب الإقليم. كما امتدت التوترات الأمنية في نوفمبر الماضي لإقليم بني شنقول-جوموز نتيجة اشتعال المواجهات بين سكان الإقليم الأصليين وأبناء جماعة الأمهرا المتوطنين فيه، قبل أن تفتح جبهة جديدة داخل إقليم أمهرا نفسه بين السكان المنتمين لجماعة أمهرا الغالبة والأقلية المنتمية لجماعة أورومو.
وفي شرق البلاد، تسببت عمليات تسجيل الناخبين في إنهاء الهدنة الهشة بين الإقليم الصومالي وإقليم العفر، حين ألحق المجلس الانتخابي الدوائر الانتخابية في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين الإقليمين بإقليم العفر من دون الرجوع لحكومة الإقليم الصومالي، الأمر الذي اعتبرته الأخيرة انحيازًا غير مبرر يسعى لتعظيم تمثيل العفر على حساب الصوماليين في الانتخابات المقبلة، وهو ما ردت عليه مفوضية الانتخابات بأنها ليست الجهة المخولة دستوريًا بترسيم الحدود بين الأقاليم الإثيوبية باعتبار أن مثل هذا النشاط يتجاوز صلاحياتها المعنية فقط بتنظيم العملية الانتخابية. ومع بدء مجلس الانتخابات عمليات تسجيل الناخبين في ثلاثين مركز اقتراع في المناطق المتنازع على السيادة عليها بين الإقليمين نشب صدام مسلح في السادس من أبريل بعد أن قامت القوات الخاصة للإقليم الصومالي بمهاجمة إقليم العفر المجاور مما أسفر عن مقتل أكثر من مائة قتيل أغلبهم من المدنيين، وذلك وفق تصريحات أحمد حميد نائب مفوض الشرطة في إقليم العفر الإثيوبي.
العجز عن احتواء أزمة إقليم تيجراي سياسيًا
مع تحول إقليم تيجراي إلى ساحة حرب مستمرة تدور دون انقطاع منذ نوفمبر الماضي على الرغم من استعانة القوات المسلحة الإثيوبية بالجيش الإريتري والقوات الخاصة لإقليم أمهرا، أعلن المجلس الوطني للانتخابات منذ وقت مبكر أن إقليم تيجراي سيتم استبعاده من إجراء الانتخابات المقبلة بزعم خضوعه لحالة الطوارئ.
وقد شكل هذا الإعلان بديلًا غير مفضل للحكومة الإثيوبية التي كان خيارها المثالي يقوم بالأساس على احتواء إقليم تيجراي سياسيًا بعد “نجاح” الحملة العسكرية من خلال سياسة مزدوجة تقوم أولًا على تنصيب إدارة موالية من أبناء الإقليم، وثانيًا على تعزيز دور فرع حزب الازدهار في الإقليم والذي لم يتمكن من تأسيس مقر دائم له في ميكيلي عاصمة الإقليم إلا بعد نحو شهرين من تفجر الصراع. لكن ردود الأفعال على هذه السياسة أكدت عجز الحكومة الفيدرالية عن اختراق الإقليم سياسيًا، الأمر الذي تجسد في الانشقاقات المتكررة التي تعرضت لها الإدارة المؤقتة للإقليم التي عينها البرلمان الفيدرالي، فضلًا عن عدم تمكن فرع حزب الازدهار الذي يرأسه آبي أحمد من إحداث أي اختراق حقيقي لقواعد الناخبين في الإقليم المنكوب بعد أن توحدت كافة القوى السياسية في إقليم تيجراي وراء النضال الساعي لخروج القوات الإريترية والأمهرية، ووقف الاعتداءات على أبناء الإقليم، الأمر الذي أكد صعوبة احتواء الإقليم بالأدوات السياسية وفق المخطط الأصلي للحكومة الفيدرالية.
فقد جاءت محاولات احتواء إقليم تيجراي سياسيًا بنتائج عكسية من خلال تحفيزها تشكل موقف موحد بين جبهة تحرير تيجراي التي حكمت الإقليم منذ عام 1991 وبين أحزاب المعارضة في الإقليم على نحو ما جسده البيان المشترك الصادر في الثاني من فبراير الماضي عن ثلاثة من أبرز الأحزاب التي عارضت جبهة تحرير تيجراي، والذي أعلن فيه حزب استقلال تيجراي Tigray Independence Party، وسالساي وياني تيجراي Salsay Weyane Tigray (SAWET)، والمجلس الوطني لتيجراي الكبرى National Congress of Great Tigray (Baytona)، معارضتهم الكاملة لكافة الإجراءات الأمنية والسياسية التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية في إقليم تيجراي والتي تفتقد للدستورية وترتقي لمستوى التطهير العرقي.
الضغط الأمريكي المتصاعد
بعد شهور من تجنب الاشتباك المباشر مع الوضع السياسي الداخلي في إثيوبيا، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا منهجًا أكثر حسمًا في تعاملها مع الأوضاع في إثيوبيا. وقد بدأ هذا التحول بتسمية السفير جيفري فيلتمان مبعوثًا أمريكيًا للقرن الإفريقي، والذي كلف بإحراز تقدم في عدد من المشكلات التي تهدد أمن واستقرار الإقليم، والتي تعد إثيوبيا القاسم المشترك فيها جميعًا، بداية من الصراع الدائر في تيجراي الذي تحول لصراع إقليمي بعد انخراط القوات الإريترية في تفاعلاته، مرورًا بالنزاع الحدودي المتفاقم بين السودان وإثيوبيا، وانتهاءً بأزمة سد النهضة التي تحولت لإحدى أكثر الأزمات الدولية إلحاحًا.
وقد أطلق تعيين فيلتمان سلسلة من التفاعلات السريعة التي عكست تصاعدًا في حدة الموقف الأمريكي. فبعد أقل من أسبوع على تعيينه، وجه خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة لجيفري فيلتمان في التاسع والعشرين من أبريل لحثه على الضغط على الجانب الإثيوبي لتأجيل الانتخابات. ففي الخطاب الذي أرسله كل من بنجامين جاردين وتيم كاين وجاكي روزن وكوري بوكر وإدوارد ماركي أعضاء مجلس الشيوخ، وصفت الانتخابات الإثيوبية المخطط لإجرائها في الخامس من يونيو بأنها لا ترقى لتلبية الحد الأدنى من المعايير الدولية للحرية والنزاهة والشفافية في ظل مقاطعة العديد من أحزاب المعارضة لها نتيجة غياب الثقة في الحكومة الفيدرالية. وقد أعرب الأعضاء الخمسة لمجلس الشيوخ الأمريكي عن خشيتهم من تحول الانتخابات الإثيوبية حال إجرائها دون إصلاحات حقيقية لمصدر لتأجيج التوترات الإثنية والسياسية في البلاد والتي قد تجرها للمزيد من العنف.
وقد بادرت الحكومة الإثيوبية بتكليف سفيرها في واشنطن فيتسوم أريجا بإرسال خطاب مضاد في الرابع من مايو للمبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي أبرز فيه أهمية إجراء الانتخابات في موعدها باعتبارها “علامة تاريخية فارقة للتحول السياسي في إثيوبيا”؛ إلا أن تنامي الضغوط الأمريكية في الفترة التالية أسفر في النهاية عن إذعان الحكومة الإثيوبية والإعلان عن تأجيل الانتخابات. فقد عبرت الولايات المتحدة عن موقفها المتشدد خلال المؤتمر الصحفي الذي أجراه ند برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في العاشر من مايو والذي تطرق فيه للأوضاع في إثيوبيا، مشددًا على التزام بلاده بالدعم الكامل للتحول الديمقراطي في إثيوبيا والذي لن يتم -من وجهة نظره- إلا من خلال انتخابات حرة وعادلة وموثوق بها، والتي لا بد لضمان تحققها من توافر بيئة انتخابية ملائمة من خلال احترام الحكومة الإثيوبية لحقوق التجمع، والمشاركة السياسية، وحرية النقاش، وإتاحة الاتصال بالإنترنت، وتداول المعلومات.
ولم تكن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية هي التعبير الوحيد عن الموقف الأمريكي الرافض لإجراء الانتخابات الإثيوبية في ظل الأوضاع السياسية الحالية بما تشهده من انغلاق تام وتوظيف مكثف للانتماءات الإثنية والدينية والمذهبية في تعبئة الناخبين، ففي الثاني عشر من مايو أعلن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالخارجية الأمريكية عن فرصة تمويلية بقيمة مليون دولار لمشروع “دعم الانتخابات السلمية في إثيوبيا” تحمل رقم SFOP0007583، سوف تمتد فترة تنفيذه بين اثني عشر وثمانية عشر شهرًا. ووفقًا للإعلان يفتح باب التقدم أمام المنظمات المدنية الأمريكية المعنية بنشر ثقافة التعددية وتعزيز أمن الانتخابات، والحد من مخاطر العنف الانتخابي في إثيوبيا من خلال تأهيل كافة أطراف العملية السياسية في إثيوبيا. وقد شكل هذا الإعلان من حيث مضمونه ومدته مؤشرًا دالًا على الرفض الأمريكي لأي إجراء للانتخابات الإثيوبية في ظل السياق القائم حاليًا.وإجمالًا، تكشف الأسباب الخمسة عن التحولات السريعة في المشهد الداخلي الإثيوبي، فإذا كان التأجيل الأول والثاني قد تم بناءً على رغبة آبي أحمد لتجنب الدخول في تحالف مع معارضيه لتشكيل الحكومة الجديدة نتيجة تأكده من عجزه عن حسم الانتخابات لصالحه في مختلف الأقاليم، فقد جاء التأجيل الثالث ليقطع عليه الطريق في إجراء انتخابات صورية جزئية تستبعد منها معاقل معارضته الرئيسية بما كان يمكن أن يضمن له حسم ملف الانتخابات سريعًا والتفرغ للتعامل مع تداعيات الفوضى الداخلية والإقليمية التي أطلقتها سياساته خاصة منذ اندلاع الصراع في إقليم تيجراي. ومع تصاعد الضغط الدولي والأمريكي على وجه الخصوص، يبقى من المهم متابعة سلوك الحكومة الإثيوبية بدقة في الفترة القادمة للوقوف على حقيقة ما إذا كان قرار تأجيل الانتخابات يعكس بالفعل توجهات جديدة بتعديل آليات إدارة الأزمة الداخلية، أو مجرد “مناورة” وقتية أصبحت تشكل واحدة من عادات صانع القرار الإثيوبي في السنوات الثلاث الأخيرة.