تؤثر أنظمة الحماية الاجتماعية وتصميمها ونطاق تغطيتها في تشكيل التماسك الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وهيكلية سوق العمل ومكافحة الفقر والتخفيف من حدته، إضافة إلى القدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية في أي مجتمع. والحماية الاجتماعية هي “جميع التدابير التي توفر الاستحقاقات النقدية والعينية من أجل ضمان أمان الدخل والرعاية الصحية”، بحسب تقرير إصلاح نظم الحماية الاجتماعية في البلدان العربية الذي صدر عن إحدى لجان الأمم المتحدة في 2019.
وتنقسم نظم الحماية الاجتماعية إلى حماية اجتماعية قائمة على الاشتراكات والتي تضم كلًا من التأمين الصحي، والتأمينات الاجتماعية والمعاشات، والجانب الآخر الحماية الاجتماعية غير القائمة على الاشتراكات، ويأتي في مقدمتها التحويلات النقدية والمساعدات.
وقد أعدت الحكومة المصرية مشروع موازنة العام المالي 2021 /2022 في ظل تفشي وباء كورونا وما تبعه من آثار اقتصادية واجتماعية ضاغطة، لتضع “الحماية الاجتماعية” كأولوية في الموازنة ضمن أولويات الإنفاق الحكومي، أي الصحة والتعليم والدعم، وجدير بالذكر أن ملف الحماية الاجتماعية يحظى باهتمام كبير من قبل الدولة، وتخطت موازنته 300 مليار جنيه من موازنة الدولة في عام 2020/ 2021.
مخصصات الحماية الاجتماعية
تمثل الموازنة العامة للدولة خارطة طريق نحو تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، بما يحقق “خفض معدلات الفقر” و”تحسين مستوى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وتحديث البنية الأساسية”.
فيما يخص قطاع الرعاية الصحية، حظي القطاع خصوصًا على أولوية أولى في مشروع موازنة العام المالي الجديد 2021/2022، إذ يُتوقع نمو بنود الإنفاق عليها في العام المالي الجديد مقارنة بالعام المالي الحالي بمعدل نمو يبلغ 16.27%، حيث سجلت مخصصات قطاع الصحة نحو 108.8 مليارات جنيه خلال عام 2021-2022 مقابل نحو 93.5 مليار جنيه بالموازنة المعدلة للعام المالي الحالي.
وقد تمت زيادة مخصصات التأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة لتصل إلى 10.7 مليارات جنيه مع استمرار التنفيذ التدريجي لمنظومة التأمين الصحي الشامل، والتوسع فيه لتغطى محافظات الأقصر والإسماعيلية وجنوب سيناء وأسوان والسويس.
كما تخصص الموازنة نحو 200 مليون جنيه مخصصات لدعم التأمين الصحي الشامل لغير القادرين من أصحاب معاش الضمان الاجتماعي، ومبلغ 5387 مليون جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية، بالإضافة إلى استمرار المبادرات في مجال الصحة مثل مبادرة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سي، ومبادرة القضاء على قوائم الانتظار ورفع كفاءة المستشفيات وتوفير الأدوية والأمصال وألبان الأطفال والمستلزمات والأجهزة الطبية، وأيضًا إطلاق المبادرة الرئاسية لدعم وزيادة عدد أسرّة العناية المركزة وأيضًا زيادة حضانات الأطفال.
كما يتضمن مشروع موازنة السنة المالية المقبلة مجموعة من المزايا المالية لبعض القطاعات الوظيفية الحيوية، خاصة العاملين بقطاع الصحة، ومنها إثابة الأطقم الطبية والتمريضية والمساعدة العاملة في المبادرات المختلفة بقطاع الصحة لمواجهة فيروس كورونا والمبادرات الأخرى تحت مظلة (100 مليون صحة) بتكلفة تقدر بنحو مليار جنيه.
ويوضح الشكل التالي تطور الإنفاق على قطاع الصحة في مصر خلال الفترة (2018/ 2019 وحتى 2021/ 2022) [القيمة بالمليار جنيه]
وفيما يخص التعليم، فقد حظي بنمو في مخصصاته على نحو إيجابي. إذ يصل هذا النمو إلى 9.56%، فقد تمت زيادة حافز تطوير المعلمين بقطاع التعليم قبل الجامعي، حيث تم تخصيص مبلغ 1.5 مليار جنيه للمراحل السنية (رياض الأطفال، الصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي) بتكلفة إضافية قدرها مليار جنيه لتصل التكلفة الكلية إلى 2.5 مليار جنيه.
كما أن حجم موازنة التعليم العالي خلال السنة المالية الجديدة بلغ نحو 74.7 مليار جنيه، منها نحو 4.4 مليارات جنيه للبحث العلمي، كما أن حجم الموازنة شهد زيادة نسبتها 58.5% خلال عامين، حيث بلغت نحو 47 مليار بموازنة 2019/2020، ونحو 64.7 مليار بموازنة 2020/2021، و74.7 مليار جنيه بمشروع موازنة السنة المالية الجديدة 2021/2022.
وفي المقابل، جاءت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في مرتبة متراجعة في أولويات الحكومة قياسًا إلى غيرها من بنود الإنفاق، إذ شهدت مخصصاتها انخفاضًا، وتتضمن مشروعات الموازنة تخصيص نحو 164 مليارًا و246 مليونًا و875 ألف جنيه للمزايا الاجتماعية، منها نحو 19 مليار جنيه مخصصات معاش الضمان الاجتماعي، و70 مليونًا مخصصات معاش الطفل.
وتشير تقديرات دعم السلع التموينية إلى أن منظومة دعم الخبز تغطي نحو 71 مليون مستفيد، بينما منظومة دعم البطاقات التموينية تغطي نحو 63.6 مليون مستفيد، في مقابل 71 مليون مستفيد في العام المالي 2017/2018، بما يعكس انخفاض عدد المدعومين تموينيًا، كما لم يرافق هذا الانخفاض في أعداد المستفيدين ارتفاع في قيمة الدعم التمويني للأسرة.
وتعمل الموازنة على توفير مخصصات مالية كافية لسداد التزامات الخزانة لصالح صناديق المعاشات، وفقًا للالتزامات الواردة بالقانون الجديد، وزيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة والإسكان الاجتماعى ومستحقات برنامجي “تكافل” و”كرامة”.
أما فيما يخص الدعم فقد خصصت الحكومة في موازنة العام المالي الحالي 326.280 مليار جنيه لبند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وسوف تشهد تلك المخصصات انخفاضًا في موازنة العام الجديد لتبلغ قيمة مخصصات الدعم نحو 321.301 مليار جنيه. حيث تستهدف الحكومة في مشروع الموازنة لعام 2021 2022 خفض دعم المواد البترولية 35% إلى 18.4 مليار جنيه في 2021-2022، كما ستعمل مصر على زيادة دعم السلع التموينية 3.2% إلى 87.222 مليار جنيه.
وكل هذه الأرقام تؤكد أن الدولة جادة في ملف الرعاية والحماية الاجتماعة، وتمت ترجمة ذلك في صورة أرقام في الموازنة العامة، مع الاستمرار في استفادة أوسع شريحة من المجتمع من تحسن الخدمات والمرافق، ودعم مبادرات محددة وإجراءات تعمل على تعزيز مجالات التنمية البشرية، والتوسع في برامج المشاركة بين القطاع العام والخاص في المجالات الاستثمارية، ومساندة بعض المشروعات القومية الخاصة بتحسين الخدمات بالقرى، وتعظيم العائد من استخدام أصول الدولة، وتحسين جودة شبكات الصرف والترع بكافة أنحاء الجمهورية.