تولى ديبي السلطة الانتقالية في تشاد في ظروف استثنائية بعد مقتل والده وذلك بمساعدة قادة الجيش، وسط معارضة داخلية لصعوده لقمة هرم السلطة وتعطيل الدستور، في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الساحل تطورات وتحديات، جعلت من ديبي الابن رقمًا مهمًا بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية.
يحاول هذا التقرير أن يناقش دور تشاد الإقليمي في ضوء صعود ديبي، ومدى دوره في معادلة التوازنات القائمة في المنطقة، وضمن استراتيجية فرنسا لتأمين مصالحها في هذه المنطقة.
أولًا: إجراءات احتواء الوضع الداخلي
كان ديبي يرأس قوات النخبة في الحرس الرئاسي، ولعب دورًا مهمًّا في توطيد علاقاته مع قيادات الجيش التشادي، حيث تلقى في بداية حياته العسكرية تدريبات في الجيش التشادي، ثم التحق بمدرسة “ليسيه ميليتير” في فرنسا، حيث درس فيها فنون الحرب والتخطيط العسكري. وشارك في العديد من العمليات العسكرية ضد الجماعات المتمردة، خاصة عندما كان يقاتل ضد ابن عمه تيمان أرديمي في المناطق الشرقية عام 2009. وفي العام التالي تم ترقيته إلى رتبة لواء لكي يتولى قيادة الفرقة المدرعة في الحرس الرئاسي. وفي عام 2013، تم تعيينه قائدًا للقوات التشادية المشاركة جنبًا إلى جنب مع القوات الفرنسية في دولة مالي لمحاربة الجماعات الجهادية كالقاعدة، وبوكو حرام، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي كانت تتقدم نحو العاصمة باماكو، وبعد عودته من جمهورية مالي بعام واحد انضم محمد ديبي إلى قوات النخبة في الحرس الرئاسي. وقد دفع قتل رئيس تشاد إدريس ديبي الجنرال محمد ديبي إلى الواجهة، ليقوم بعددٍ من الإجراءات المهمة التي تمثلت في:
- تشكيل المجلس العسكري الحاكم
اتّفقت قيادة المؤسسة العسكرية المكوّنة من 14 جنرالًا، على حماية الاستقرار في البلاد، من خلال تعيين الجنرال محمد ديبي رئيسًا للمجلس العسكري الانتقالي، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تتربص بالبلاد، وهو ما يُعد بمثابة مسئولية كبيرة تقع على عاتق الجنرال محمد ديبي ومجلسه، في ضوء الاستقطاب السياسي والاجتماعي في بنية المجتمع التشادي.
وقد وضع المجلس العسكري خارطة طريق للمرحلة الانتقالية لتحقيق الأهداف المرجوة للعملية السياسية، مصحوبة ببرامج وتشريعات تساعد التشاديين على الانتقال إلى المرحلة المقبلة تمهيدًا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي سوف تشهدها تشاد في أواخر عام 2022، وفقًا للإطار الزمني الذي أقره وصادق عليه المجلس العسكري الانتقالي. ويسعى محمد ديبي إلى قيادة حكومة وجيش لكل التشاديين دون تمييز بينهم. ولكن ثمة العديد من التحديات التي تواجه الجنرال الشاب محمد ديبي، من أبرزها حفظ الأمن والاستقرار في تشاد، فضلًا عن إدارة المرحلة الانتقالية بصورة مستقرة وسلمية، وأخيرًا تنظيم انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في غضون عام ونصف العام.
- تشكيل الحكومة الانتقالية
وفي مايو 2021، أصدر الجنرال محمد ديبي مرسومًا بتعيين أربعين وزيرًا وسكرتير للدولة، مع استحداث وزارة جديدة خاصة للمصالحة الوطنية، وبموجب هذا المرسوم أصبح ألبير باهيمي باداكي رئيسًا للحكومة الانتقالية، وبدأ بمشاورات واسعة بهدف اقتراح بعض الأسماء على رئيس المجلس العسكري المؤقت. فيما تولى المعارض السابق أشيك بن عمر، حقيبة المصالحة الوطنية، كما أصبح محمد أحمد الهابو وزيرًا للعدل، وهو السياسي المنتمي لحزب الحريات والتنمية. فيما احتفظ وزراء سابقون في الحكومة الأخيرة لرئيس الراحل ديبي بمناصبهم مع تغيير مناصبهم، حيث تولى شريف محمد زين الخارجية بدلًا من المتحدث باسم الحكومة، فيما تولّت السيدة ليدي باسيمدا (أول امرأة تترشح للانتخابات الرئاسية في أبريل 2021) منصب وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي. كما أصدر الجنرال محمد ديبي مرسومًا، في 28 يونيو 2021، بتعيين بعض الوزراء الجدد وذلك بتعيين السيد بنوجي فيكتورين وزير الشئون القانونية، وحسن بخيت جاموس الشئون الاقتصادية، ومحمد عيسى مستشارًا للشئون الإدارية والمالية، ودكتور عبدالله صابر فضل وزيرًا للصحة العامة والتضامن الوطني، وحامد طاهر نقيلين وزيرًا للمالية والميزانية، والدكتور عبدالرحيم عوض الطيب وزيرًا للثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني.
- الانفتاح على المعارضة
ناشد أكثر من ثلاثين حزبًا سياسيًا في المعارضة بمرحلة انتقالية يقودها مدنيون، من خلال حوار شامل مع القوى السياسية وفقًا لبيان أعلنته تلك الأحزاب سابقًا، كما وجهت هذه الأحزاب رسالة تحذير شديدة إلى فرنسا متهمة إياها بالتدخل في الشأن الداخلي التشادي. كما دعت تلك الأحزاب المجتمع الدولي إلى مؤازرة الشعب التشادي لإعادة دولة القانون والديمقراطية. وفي السياق ذاته، تنظر القوى السياسية المعارضة والنقابات والمجتمع المدني والنشطاء بريبة كبيرة إلى عدم تخلي الجنرال محمد ديبي عن السلطة بعد الفترة الانتقالية، ولكن اعتراف صالح كبزابو، أحد أبرز المعارضين للرئيس التشادي الراحل ديبي، بسلطة المجلس العسكري الانتقالي، الذي شكله الجنرال محمد ديبي وناشده بإرساء النظام المدني في البلاد؛ يمثل دعمًا قويًا من أحد أهم الشخصيات السياسية التشادية المؤثرة في الوقت الراهن.
واستقبل رئيس المجلس العسكري في تشاد، المعارض حسن فضل كتر، الذي عاد إلى تشاد في إطار الدعوة التي وجهها الجنرال محمد ديبي بعودة المعارضين للمصالحة الوطنية في البلاد بهدف المساهمة في التنمية. وبهذا الاستقبال يؤكد رئيس المجلس الانتقالي تعزيز دور بناء الثقة للمعارضين التشاديين في المهجر. من جهة أخرى، أعلن السياسي التشادي مالوم يوبويدي جيراكي، أن أكثر من 40 حزبًا أسسوا تحالفًا سياسيًا لدعم المجلس العسكري الانتقالي من خلال الحركة الوطنية MPS)) للإنقاذ التي يتزعمها حاليًا الجنرال محمد ديبي. وتلك الأحزاب كانت قد اجتمعت في وقت لاحق مع الأمين العام للحركة الوطنية للإنقاذ الدكتور هارون كابادي، وأكدت دعمها للمرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي ساهم في توجه الجنرال محمد ديبي لإصدار مرسوم خاص بإنشاء لجنة لتنظيم الحوار الوطني التشادي.
ثانيًا: الفرص والتحديات أمام المرحلة الانتقالية في تشاد
على الرغم من التقدم المطرد للعملية الانتقالية في تشاد؛ إلا أن المؤشرات الأولية تعكس وجود قدر كبير من التوازن بين ما تواجهه هذه المنطقة من فرص وما يعترضها من تحديات، وذلك على النحو التالي:
1. الفرص:
– جهود السلطات الانتقالية في توحيد الرأي العام التشادي، كضامن للوحدة والتكامل بين أبناء الشعب، من أجل تحقيق التنمية والاستقرار وتجنب انزلاق البلاد في أتون الفوضى، من خلال إطلاقه سراح سجناء الرأي.
– ما يتمتع به الجنرال محمد ديبي من خبرة عسكرية كبيرة، وأيضًا ما يتمتع به من سمعة طيبة بين جنوده وقيادته تُمكّنه من إنهاء الصراع مع الحركات المتمردة في شمال البلاد، سواء عبر المواجهة المباشرة أو عبر بناء توافق يحفظ للسلطات الانتقالية سيطرتها على مقاليد الحكم إلى حين عقد انتخابات عام 2022.
– الدعم الفرنسي والغربي لتشاد باعتبارها حليفًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة لمكافحة الجماعات الإسلامية المتشددة، لضمان الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة. وهو ما أدى إلى تبني فرنسا سياسة هادئة في دعم الإصلاحات في تشاد، من خلال دعم الدعوة التي وجهها رئيس المجلس الجنرال محمد ديبي للقوى السياسية من أجل حوار بنّاء يحقق التنمية والاستقرار للشعب التشادي.
– الأهمية الإقليمية لتشاد في دول الساحل: تشارك تشاد بأكبر قوة عسكرية لمجموعة الساحل بحوالي 2600 فرد، منهم 1400 جندي في القوات الأممية المنتشرة بشمال جمهورية مالي، فضلًا عن 1200 فرد منتشرين بالمناطق الحدودية الثلاث بين كلٍّ من النيجر ومالي وبوركينافاسو.
2. التحديات:
– تنامي ظاهرة الإرهاب في حوض بحيرة تشاد، فضلًا عن ارتفاع بؤر التوتر والصراعات القبلية المتداخلة في المنطقة، وازدياد نشاط الجماعات الإسلامية الراديكالية، التي تستغل الوضع الهش لدول تجمع الساحل في تهريب الأسلحة والتجارة غير المشروعة.
– استمرار المواقف المتعنتة من جانب المعارضة التشادية المسلحة والتي أبدت قدرة كبيرة على استغلال الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في ليبيا.
– التحديات المتعلقة بإدارة التنوع الثقافي والإثني، في ظل تعدد خطوط الانقسام في المجتمع التشادي، والتي سبق وأن كانت هي المحرك الأهم للعديد من التحولات السياسية في تاريخ البلاد.
– صعوبة دفع الأطراف التشادية المنقسمة إلى الالتفاف نحو الأهداف القومية. فعلى الرغم من وضوح ملامح المرحلة الانتقالية التي أعلن عنها الجيش التشادي، لا تزال المعارضة التشادية -بشقيها السياسي والمسلح- مترددة في دعم موقف إيجابي من العملية الانتقالية في البلاد خشية إعادة إنتاج نظام إدريس ديبي من جديد، الأمر الذي يعقد كثيرًا من إجراءات بناء الثقة التي يتعين على السلطات الانتقالية القيام بها بصورة عاجلة.
وفي ضوء الفرص والتحديات التي تواجهها المرحلة الانتقالية في تشاد، فإن بقاء ديبي ممسكًا بزمام الأمور يظل عاملًا مهمًا لتأمين الاستقرار بما يعزز من المصالح الإقليمية والدولية في دول الساحل الإفريقي، الأمر الذي يقدم حافزًا لنجاح المرحلة الانتقالية، في حال التزام السلطات بما أعلنته من إجراءات تصالحية وخارطة طريق ذات ملامح واضحة وأفق زمني محدد.