بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات المكثفة، انتهى مؤتمر الأطراف للمناخ كوب 29 الذي عقد في مدينة باكو بأذربيجان وسط اضطراب وتخوفات عالمية كبيرة بسبب تزامن المؤتمر مع إعلان فوز الرئيس “دونالد ترامب” بفترة ولاية ثانية للولايات المتحدة الأمريكية، القوة الاقتصادية العظمى في العالم وثاني مسبب لانبعاثات الغازات الدفيئة، وموقفه الرافض لمبادرات المناخ. انتهى المؤتمر في هدوء نسبي من حيث الحضور والتأثير والفاعليات، وأيضًا بضجة نسبية من حيث المخرجات والتحديات التي يتعين على العالم مواجهتها مستقبلًا في التعامل مع العمل المناخي ومبادرات التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية المتزايدة على الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
اختتم مؤتمر المناخ في باكو بأذربيجان باتفاق يدعو الدول المتقدمة إلى تقديم 300 مليار دولار سنويًا للدول النامية بحلول عام 2035، للحد بشكل كبير من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وذلك لمواجهة التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ. وناشد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” في بيانه الحكومات أن تنظر إلى هذا الاتفاق كأساس يُبنى عليه للمستقبل. في حين أعلن عدد من القادة الأفارقة ورؤساء بعض الدول أن هذا الهدف مخيب للآمال، وغير طموح، وغير كافٍ وغامض أيضًا. في حين اعتبره البعض الآخر أنه “بداية حقبة جديدة” للتمويل المناخي. حيث يتمثل هذا الالتزام المالي من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا، تحت رعاية الأمم المتحدة، في زيادة القروض والمنح للدول النامية من 100 مليار إلى “300 مليار دولار على الأقل” سنويًا حتى العام 2035.
تقارير دولية حديثة تحذر من تفاقم أزمة المناخ
أظهرت التقارير زيادة غير مسبوقة في مستويات الغازات الدفيئة، وشهدت المحيطات معدلات احترار غير مسبوقة، حيث امتصت حرارة تفوق استهلاك العالم للطاقة بـ 18 مرة في 2023، مع استمرار ارتفاع مستويات سطح البحر وتفاقم فقدان الأنهار الجليدية؛ حيث فقدت الأنهار في بعض المناطق مثل سويسرا 10% من حجمها الإجمالي خلال العامين الماضيين فقط. وجاء تقرير “فجوة التكيف لعام 2024” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يؤكد أن العالم أمام مفترق حاسم. التقرير يشير إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية أصبح على الأبواب، وإذا استمر التباطؤ في اتخاذ الإجراءات اللازمة، فقد تصل درجات الحرارة إلى مستويات كارثية تتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
من جهة أخرى، كشف تقرير صادر عن معهد الموارد العالمية أن الجهود المبذولة للحد من تغير المناخ لا تزال قاصرة. على سبيل المثال، فقط 15% من الغابات المهددة يتم حمايتها بشكل كافٍ، وتحويل أنظمة الغذاء، والتحول إلى وسائل نقل منخفضة الكربون، بعيدة إلى حد كبير عن تحقيق أهداف المناخ، وعلى الرغم من أن التعهدات والمبادرات الجديدة تعد بتحقيق تقدم ملموس، فإنها لن تؤتي ثمارها إلا إذا ارتبطت بسياسات تنفيذية صارمة وخطط تمويل مستدامة. ومع تسارع وتيرة التقلبات المناخية والكوارث الطبيعية، بات واضحًا أن المسار الوحيد نحو المستقبل يتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا، وضغطًا متزايدًا لتحويل وعود القادة إلى أفعال ملموسة.
معضلة تمويل المناخ
وكما كان متوقعًا، كان التمويل محور الاهتمام في مؤتمر المناخ كوب 29. وكانت المخاطر كبيرة؛ نظرًا لأهمية التمويل لتمكين الدول النامية من الانتقال إلى مسار منخفض الكربون ومقاوم لتغير المناخ، والعلاقة الوثيقة بين الطموح والتمويل. إن حجر الزاوية في الاتفاق الجديد هو هدف تمويلي محدث يبلغ 300 مليار دولار على الأقل سنويًا بحلول عام 2035، ليحل محل الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020 وحتى عام 2025. والذي لم يتم تحقيقه حتى الآن، ويتضمن الاتفاق الجديد التمويل العام، بالإضافة إلى التمويل الخاص.
وكما كان الحال مع الهدف السابق، ستتولى البلدان المتقدمة زمام المبادرة في تعبئة التمويل، ولكن على النقيض من الهدف السابق، يعترف الاتفاق الجديد بـ “النية الطوعية” للدول في احتساب كل التمويل المناخي المتدفق عبر بنوك التنمية المتعددة الأطراف نحو تحقيق الهدف، وهذا تحول ملحوظ. كما يعمل الاتفاق على تحسين صيغة اتفاق باريس بشكل طفيف من تشجيع البلدان النامية على “توفير الدعم” طواعية إلى “تقديم الإسهامات” طواعية.
دعت نتائج مؤتمر الأطراف كوب 29، جميع الجهات الفاعلة إلى العمل على تمكين 1.3 تريليون دولار من التمويل للدول النامية بحلول عام 2035، بما في ذلك هدف الـ 300 مليار دولار، بالإضافة إلى التمويل من مصادر أخرى، مثل تدفقات القطاع الخاص الكبيرة. وهذا الرقم البالغ 1.3 تريليون دولار أقرب كثيرًا إلى مستوى التمويل الذي تحتاجه الدول النامية لحماية نفسها من التأثيرات المناخية المتصاعدة والتقدم في مسار الاقتصاد منخفض الكربون. وفي السياق نفسه، كان لنوعية التمويل أهمية بالغة أيضًا، المنح مقابل القروض ومدى سهولة الوصول إليها بأهمية المبلغ نفسه. كما اتفق الأطراف على إطلاق “خارطة طريق باكو إلى بيليم” حول كيفية حشد تريليون دولار إضافية.
وجاء نص القرار النهائي غير متناول هذه القضايا بشكل جيد. فهو يذكر صعوبة الأوضاع المناخية التي تعيشها البلدان الأقل نموًا والدول الجزرية الصغيرة النامية ويحث على تيسير الوصول إلى التمويل. ومع ذلك، فإن الاتفاق يبتعد عن بعض المطالب الأكثر تحديدًا، مثل تحديد أهداف تمويل محددة على أساس المناطق أو مستويات الدخل أو أنواع الإنفاق مثل مشروعات التكيف والتخفيف.
ويتوقع بعد عدم التفاؤل من كثير من الدول النامية والدول الأكثر عرضة لخطر التغيرات المناخية، ضرورة العمل مع المؤسسات التمويل الدولية بشأن المزيد من الإصلاحات، وتعزيز التمويل المبتكر.
أسواق الكربون
أسواق الكربون هي أدوات اقتصادية تهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة من خلال وضع تكلفة مالية على الانبعاثات. تُعتبر هذه الأسواق جزءًا رئيسيًا من الحلول العالمية للتغير المناخي؛ حيث تشجع الحكومات والشركات على تقليل بصمتها الكربونية من خلال الحوافز الاقتصادية وتجارة الكربون. ويمكن أن توفر تمويلًا للمشاريع البيئية خاصة في الدول النامية. في عام 2023، كانت قيمة أسواق الكربون العالمية تزيد عن 900 مليار دولار، مع توقعات بمزيد من النمو بسبب زيادة التشريعات المتعلقة بالمناخ ودور القطاع الخاص في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
وكان أحد الإعلانات الإيجابية التي خرجت من الأسبوع الأول من مؤتمر المناخ كوب 29، هو التقدم الذي تم إحرازه فيما يخص تجارة الكربون. وعلى وجه التحديد، اعتماد المعايير الدولية بشأن سوق الكربون العالمية، وتحسين سلامة برامج ائتمان الكربون بشكل عام -وفقًا للمادة 6 من اتفاق باريس. وتم الاتفاق على المبادئ التوجيهية لأحكام المادة 6.2، التي تنطوي على تجارة الكربون بين البلدان (المعروفة باسم نتائج التخفيف المتداولة دوليًا، أو ITMOs)، وأحكام المادة 6.4 التي تنطوي على ائتمان الكربون بين بلد ومؤسسة أو كيان آخر بموجب آلية ائتمان اتفاق باريس (PACM)، وآلية التنمية النظيفة (CDM).
التكيف مع تغير المناخ
من أهم ممارسات الحد من آثار تغير المناخ هو “التكيف” وخاصة في الدول النامية. لذا تم إطلاق الإطار العالمي للتكيف مع تغير المناخ خلال اتفاق باريس للمناخ 2015، وهو إطار دولي يهدف إلى تعزيز قدرات الدول والمجتمعات على التكيف مع الآثار المتزايدة لتغير المناخ، وضمان استدامة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. يعد التكيف جزءًا أساسيًا من الاتفاقيات والقرارات الدولية المتعلقة بالمناخ، لا سيما اتفاقية باريس للمناخ (2015) وخطة عمل كانكون (2010).
وخلال مؤتمر باكو هذا العام، اتفقت الدول بعد مفاوضات على إطلاق “خارطة طريق باكو للتكيف”، التي تهدف إلى تعزيز تنفيذ الإطار العالمي للتكيف مع تغير المناخ. واتفق المندوبون على إدراج خطة التكيف العالمية باعتبارها بندًا دائمًا على جدول أعمال الاجتماعات المستقبلية.
وخارج المفاوضات، حصل صندوق التكيف، الذي كافح من أجل تحقيق هدفه السنوي المتمثل في 300 مليون دولار منذ عام 2022، على دفعة قوية عندما أعلنت ألمانيا عن تعهد جديد بقيمة 63 مليون دولار. وبذلك يصل المبلغ الإجمالي إلى حوالي 124 مليون دولار.
وبالنسبة لصندوق الخسائر والأضرار (FRLD)، الذي أنشئ في عام 2023 لمساعدة البلدان النامية على معالجة الخسائر والأضرار جراء التغيرات المناخية. أعلنت المزيد من البلدان والكيانات دون الوطنية عن تعهدات جديدة للصندوق؛ حيث تعهدت أستراليا والنمسا ولوكسمبورج ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والسويد بتقديم أموال إضافية بقيمة 85 مليون دولار إلى 674.4 مليون دولار تم التعهد بها بالفعل للصندوق -وهو لا يزال بعيدًا كل البعد عن الخسائر والأضرار السنوية البالغة 580 مليار دولار المتوقعة بحلول عام 2030.
نتائج إضافية
- اتفاق الحد من الميثان
وقعت ثلاثون دولة -تمثل ما يقرب من 50٪ من جميع انبعاثات الميثان من النفايات العضوية- على إعلان COP29 بشأن الحد من الميثان من النفايات العضوية. سيتطلب الوفاء بهذا التعهد معالجة فقدان وهدر الغذاء. ويعتمد إعلان عام 2024 على التعهد العالمي للميثان الذي تم إطلاقه في COP26 في جلاسكو، والذي يضم الآن 159 توقيعًا وقد قدم 100 خطة وطنية بأهداف الميثان والتزم بمنح 2 مليار دولار للحد من الميثان.
- هدف تخزين الطاقة
وافقت أكثر من 100 دولة على زيادة هدف تخزين الطاقة العالمية ستة أضعاف. ويستند هذا إلى النتائج التي توصلت إليها عملية التقييم العالمية لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بدبي، بشأن أهداف زيادة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، واستكمال الثلاثية من الأهداف العالمية التي يحتاجها العالم لبناء نظام طاقة نظيف وآمن ومرن.
- التحالفات الدولية
كما أطلقت رئاسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين العديد من “تحالفات الاستمرارية” لجمع رئاسات مؤتمر الأطراف السابقة والمنظمات الدولية الأخرى، بهدف ضمان بناء التعهدات القطاعية على بعضها البعض وعدم تكرار الجهود. وتشمل مبادرات الاستمرارية هذه العمل مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بشأن العمل المناخي الحضري، ومع منظمة الصحة العالمية بشأن المناخ والصحة، ومع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بشأن دور المزارعين في معالجة تغير المناخ، من بين أمور أخرى.
وخلاصة القول: في ظل تحذيرات أممية وعالمية بل وحقائق واضحة عن التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ في العالم كله إذا استمر العمل المناخي العالمي والتحديات المرتبطة به على المسار التقليدي من المفاوضات وعدم وضوح آليات التنفيذ والتسريع من التنفيذ. يمثل مؤتمر المناخ كوب 29، الذي تم عقده هذا العام في مدينة باكو بأذربيجان، خطوة إضافية في مسار طويل ومعقد نحو تحقيق الأهداف المناخية العالمية، لكن التنفيذ الفعلي على الأرض سيظل التحدي الأكبر.
وسوف تعقد الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف في العام المقبل في بيليم بالبرازيل، وسوف تأتي الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف في وقت يتعين فيه على جميع الأطراف في اتفاق باريس تقديم تحديث للإسهامات المحددة وطنيًا، وهو ما سوف يكشف عن مدى التزام القوى الدولية الكبرى بتحقيق أهداف اتفاق باريس (وما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تقدم إسهامات محددة وطنيًا محدثة على الإطلاق).