تُعتبر ذكرى هذا اليوم من عام 2001 هي الأشد إيلامًا لذاكرة الشعب الأمريكي منذ مطلع هذا القرن، حيث سجل هذا التاريخ جرحًا غائرًا في الكرامة الأمريكية على أرض الولايات المتحدة، يُضاف إلى جرح ميناء بيرل هاربور عام 1941، مع انكشاف كبير لأمنها القومي في مجاله العسكري، خاصة أن صدمة سبتمبر المُزلزلة حدثت إبان حكم الصقور برئاسة الرئيس “جورج بوش الابن”. وكان هذا العمل العقابي من قِبَلِ تنظيم القاعدة بأفغانستان بقيادة أسامة بن لادن ردًا على تجاهل أمريكا للتنظيم بعد ما قدمه لها من حرب بالوكالة نيابة عنها ودعم قتالي كبير ضد السوفيت لإخراجهم من أفغانستان، والذي استغرق طيلة عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث انتهى بتفكك الاتحاد السوفيتي ذاته في ديسمبر 1991.
كانت الولايات المتحدة هي التي شكّلت تنظيم (قاعدة المجاهدين) في باكستان وأفغانستان، وتولت التسليح والتدريب مع تمويل مشترك مع بعض الدول الخليجية، وكان التخلي الأمريكي عن القاعدة خطأ كبيرًا بعدما اكتسبته من خبرات قتال متعددة، وخاصة في المناطق الوعرة، مما غير توجه فائض هذه القوة إلى عقيدة قتال جديدة تستهدف الولايات المتحدة ذاتها، بالإضافة إلى إسرائيل، حيث تمّ استهداف السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا ثم المدمرة (كول) جنوب اليمن، ولاحقًا السفير الأمركي في ليبيا، ولكن تبقى الضربة الأقوى غير التقليدية باستخدام 4 طائرات ركاب مدنية يتم اختطافها واستهدفت بُرجي التجارة العالمي في نيويورك، ووزارة الدفاع (البنتاجون)، ومبنى الكابيتول (مقر الكونجرس حيث مجلسا النواب والشيوخ في واشنطن).
التخطيط والتنفيذ للعملية
التخطيط: بدأت الفكرة عام 1996 بواسطة الباكستاني “خالد شيخ محمد” (بسجن جوانتنامو الأمريكي منذ 2006)، وهو أحد أهم معاوني “أسامة بن لادن” الذي اختار بنفسه 20 انتحاريًا بمعدل 5 لكل طائرة وهدف، وكانوا: 16 سعوديًا، 2 إماراتي، لبناني، مصري هو محمد عطا الذي تم اختياره قائدًا للعملية، وكان قائدًا لخلية هامبورج في ألمانيا، حيث كان يدرس التخطيط العمراني قبل تجنيده. وتم إيفاده وآخرين من المجموعة تباعًا إلى الولايات المتحدة للحصول على رخصة الطيران المدني ركاب وتجاري، وهو ما تم من خلال معهدين في فلوريدا وأريزونا، وتم التركيز على طائرات البوينج طراز 767 و757 لسببين: الأول أنها الأكبر في الطيران الداخلي الطويل، وبالتالي ذات خزان وقود كبير يسع 38 – 40 ألف لتر من الوقود النقي قوي الاشتعال، والسبب الثاني أن الطيران الداخلي سيكون معظمه أو كله من الأمريكيين (المطلوب معاقبتهم) عكس الخطوط الدولية التي يكون معظمها من الأجانب غير الأمريكيين.
على أن يتم الاختطاف من مطارات قريبة من الأهداف لتقليل زمن الاختطاف أو مقاومة الركاب اعتمادًا على المفاجأة، وأيضًا لعدم إرهاق الخاطفين، وكذلك لاستخدام طاقة خزانات الوقود كاملة لعملية التفجير والاشتعال. ولذلك تم اختيار مطاري نيويورك وبوسطن، وكانت الطائرات الأربع تتبع شركتي “يونايتيد إير لاينز” و”أميركان إيرلاينز” وكانت كلها متوجهة إلى مطارات كاليفورنيا في أقصى الغرب الأمريكي. كما تم اختيار توقيتات الإقلاع المتقاربة من جدول الطيران الدولي (خلال 50 دقيقة) للتنفيذ المتزامن أو المتتالي، حيث استغرق التنفيذ الفعلي ضد الأهداف الأربعة ساعة و17 دقيقة.
ثانيًا- التنفيذ: تم حجز الانتحاريين على الرحلات المحددة كمسافرين، ووصل معظمهم فرادى إلى مطارات الإقلاع بعربات مستأجرة بهويات معظمها مزورة، وكان تسليحهم سكاكين صغيرة من البلاستيك المقوى! ولا تظهر في مسح أجهزة الأشعة، وتم التنفيذ ضد الأهداف صباح يوم 11 سبتمبر بالتسلسل الآتي:
1- الهدف الأول: برج التجارة العالمي الشمالي بارتفاع 110 طوابق، وتمت مهاجمته الساعة 8:46 بقيادة المصري محمد عطا، وأسفر عن مقتل كل من على متن الطائرة وهم 76 راكبًا و11 الطاقم، والخاطفون الخمسة، غير ضحايا انهيار البرج.
2- الهدف الثاني: البرج الجنوبي بارتفاع 110 طابق، وتم الهجوم الساعة 9:09 بقيادة الإماراتي مروان الشحى، وكان القتلي كل الركاب 51 والطاقم 9 والخاطفون الخمسة غير ضحايا إنهيار البرج .
3- الهدف الثالث: مبنى وزارة الدفاع (البنتاجون – أي المبنى المثمن الشكل) بواشنطن، وتم الهجوم الساعة 9:37، بقيادة السعودي هاني حنجور وقتل كل الركاب الـ53، والطاقم المكون من 6، والخاطفين الخمسة، وعدد 125 من وزارة الدفاع، ونظرًا للارتفاع المحدود للمبنى فقد هبطت الطائرة قبله على الأرض العشبية وزحفت حتى الارتطام بالمبنى من الواجهة الغربية.
4- الهدف الرابع والأخير: مبنى الكابيتول (مقر الكونجرس بواشنطن) بقيادة اللبناني زياد جراح، ولم تتمكن الطائرة من الوصول إلى هدفها نظرًا لاشتباك الركاب مع الخاطفين، وسقطت في حقل بولاية بنسلفانيا الساعة 10:03 وقتل كل من عليها من الركاب والطاقم، والخاطفين الأربعة حيث تخلّف أحدهم.
ولوحظ أن البرجين تم استهدافهما من قرب قمتهما لتفادي ارتفاعات المباني المحيطة، وقد تم توجيه الطائرتين إلى الأدوار 85 و93 على الترتيب، حيث ستعمل النيران القوية على إعطاب وثني الأعمدة المعدنية الحاملة، ويكون ثقل الأدوار العليا كافيًا لاستكمال السقوط المتتالي إلى أسفل، وهو ما استغرق حوالي 45 دقيقة من بدء العملية ليتم تسوية البرجين بالأرض. حيث لم ينجُ منهما إلا القليل، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية في المنطقة المحيطة بالانهيار.
بعد يومين من تلك الصدمة المؤلمة للشعب الأمريكي، وانكشاف أمنه القومي العسكري في عقر داره، وقف الرئيس الأمريكي “بوش الابن” على ركام البرجين يحمل ميكروفونًا يدويًا ويخاطب الشعب الأمريكي الحانق على قيادته المتغطرسة، ويعدهم بالقصاص من الجناة وتتبع الإرهاب واجتثاثه، وهو ما أسفر عن غزو أفغانستان مع بداية عام 2001 التي كانت تسيطر عليها طالبان منذ 1996 بتقارب مع القاعدة في أفغانستان وباكستان، ثم ما تلا ذلك من غزو العراق عام 3003 للقضاء على أسلحة الدمار الشامل به والتي يمكن أن يستخدمها الإرهابيون في الإقليم ضد الولايات المتحدة (على حد زعم القيادة الأمريكية)، وهكذا تم تسويق الفكرة للشعب الأمريكي مبطنة بأن بناء ديمقراطية بصبغة أمريكية في هذين البلدين يمكن أن يقضي على الإرهاب من منبعه وموطنه، بتغيير نمط الحياة والمزيد من الحرية. ولكن إدارة الرئيس “بوش الابن” نسيت أو تناست أن هناك اختلافات جوهرية، وأن عقدين من الزمان لا يكفيان لذلك، فقد استغرقت أمريكا ذاتها زمنًا طويلًا تخللته حرب أهلية مريرة بين الشمال والجنوب لتستقر الولايات المتحدة الحديثة، رغم استمرار العنصرية إلى منتصف القرن الماضي.
فماذا كان حصاد الولايات المتحدة لمحاصرة الإرهاب والقضاء عليه؟ الإجابة أن النتيجة عكسية، فقد زادت وتيرة وانتشار الإرهاب منذ التخلي عن القاعدة بعد إخراج السوفيت من أفغانستان، كما خرجت داعش من رحم القاعدة في بلاد الرافدين، وازدادت انتشارًا خارج الدولة الأم، وواكب ذلك أزمات النازحين واللاجئين التي تهدد مناطق كثيرة من العالم، وخاصة غرب أوروبا (حليف الولايات المتحدة).
كما عادت طالبان لتحكم أفغانستان مرة أخرى بعد أن فاوضت أمريكا ندًا لندّ. حيث خرجت الأخيرة بشكل مهين ذكّرنا بخروجها من فيتنام، وربما يحدث في العراق مع نهاية العام الحالي. كما أنفقت الولايات المتحدة في أفغانستان قرابة 200 مليار دولار، منها حوالي 88 مليار دولار إنفاق عسكري ونظم تسلح ذهب معظمها إلى طالبان! وهي قيمة أكثر مما أعطته الولايات المتحدة كمعونات عسكرية لمصر أو حتى لإسرائيل خلال 42 عامًا من اتفاق السلام عام 1979. فعلى الولايات المتحدة أن تدرك أنها لم تعد شرطي العالم، وأن تدرك أيضًا أن العالم قد تغير اعتبارًا من 11 سبتمبر 2001.