تبنّت الدولة المصرية هدفًا يقوم على تلبية الطلب المتزايد باستمرار على الكهرباء وبدرجة عالية من الكفاءة والاستدامة، بالإضافة إلى تحديد برامج متابعة كفاءة الطاقة في قطاع الكهرباء، واتخذت في سبيل تحقيق ذلك استراتيجية تركزت على تنويع مزيج الطاقة في القطاع. وقدمت استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة حتى عام 2035 والتي تمت الموافقة عليها في عام 2016؛ اتجاهًا جديدًا لنمو وتطوير صناعة الكهرباء وقطاع الطاقة الأوسع، آخذة في الاعتبار سياستها القائمة على تقليل استهلاك الوقود الأحفوري لتقليل إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري، كما وضعت حدود تلوث الهواء والماء المتعلقة بمشروعات محطات توليد الكهرباء، وهو الأمر الذي مكّنها من تحقيق عدة إنجازات في القطاع، ومن ثم سدّ احتياجاتها من الكهرباء والتخطيط لأهداف تقوم على ترسيخ مكانتها كمركز للطاقة يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا من خلال توسيع شبكات الربط الكهربائي عبر المنطقة العربية وخارجها.
ونظرًا لأن مصر من أغنى الدول من حيث مصادر الطاقة المتجددة، وبشكل خاص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ فإن هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، تقوم حاليًا بتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهناك المزيد من المشاريع قيد التنفيذ، وهو الأمر الذي مكّنها من زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة وإعطاء دفعة جديدة لبدء برنامج الكهرباء النووية. وفيما يلي تسلّط الورقة الضوء على عددٍ من النقاط المتعلقة بأهم مؤشرات أداء قطاع الكهرباء في مصر:
أولًا- قدرات توليد الكهرباء من المحطات:
بفضل الخطة الوطنية التي نفذتها الدولة لتحسين كفاءة قطاع الطاقة الكهربائية، تمكنت وزارة الكهرباء والطاقة من تحقيق إنجازات ملموسة في تعزيز الإنتاج ورفع كفاءة القطاع، جنبًا إلى جنب بالتنسيق مع قطاع البترول والغاز الطبيعي والذي يساهم الغاز الطبيعي فيه بنسبة 95.9%، بغرض سد احتياجات محطات توليد الكهرباء. ويبين الشكل التالي تطور قدرات التوليد التي كانت عند معدلات تكفي لتوفير احتياجات القطاعات المختلفة في الدولة:
شكل رقم (1): تطور قدرات التوليد الكهربائي خلال الفترة 2016/2017 – 2019/2020
المصدر: وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
نلاحظ ارتفـاع إجمالـي القـدرة الاسمية المرتبطـة بالشـبكة القوميـة الموحـدة للمحطات من 38.8 ألف ميجاواط عام 2015/2016 لتصل إلى 59.5 ألف ميجاواط عام 2019/2020، ليبلغ أقصى معدل النمو في إجمالـي القـدرة الاسمية 22.4% عامي 2016/2017 و2017/2018. وتجدر الإشارة إلى أنه اتخذت القدرات الاسمية لتوليد الكهرباء عن طريق مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة اتجاهًا تصاعديًا على حساب أنواع التوليد الأخرى، حيث ارتفعت القدرات الاسمية للطاقة الجديدة والمتجددة من 887 ميجاواط عام 2015/2016 لتسجل 3016 ميجاواط عام 2019/2020.
وفيما يتعلق بالتغذية الكهربائية للمشتركين والبالغ عددهم 37.1 مليون مشترك فقد ارتفع الحمل الأقصى من 31.4 ألف ميجاواط عام 2018/2019 ليصل إلى 32 ألف ميجاواط عام 2019/2020 وبنسبة تطور بلغت 2%.
ثانيًا- حجم الإنتاج والاستهلاك من الكهرباء:
بحسب تقرير صادر عن البنك المركزي المصري، فقد ارتفع إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة بمعدل 16.4% خلال شهر مايو 2021 مقارنة بشهر إبريل 2021، كما سجلت الطاقة الكهربائية المشتراة من المشروعات الاستثمارية المنتجة للطاقة بمعدل 9.7% في الفترة نفسها، ويمكن متابعة إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة وإجمالي الاستخدامات من الكهرباء من خلال الشكل التالي:
شكل رقم (2): إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة وإجمالي الاستخدامات من الكهرباء خلال شهر يناير 2021 – مايو 2021
القيمة: مليون كيلوواط/ساعة
المصدر: البنك المركزي المصري.
نلاحظ الاتجاه التصاعدي لإجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة والذي ارتفع من 15166 مليون كيلوواط/ساعة في يناير 2021 ليصل إلى 18223 مليون كيلوواط/ساعة في مايو 2021، أما إجمالي الاستخدامات من الكهرباء فيظهر الشكل السابق التذبذب الحادث ما بين الصعود والتراجع، حيث بلغ 11878 مليون كيلوواط/ساعة في يناير ليتراجع ويصل إلى 11796 مليون كيلوواط/ساعة في إبريل ثم يعاود الصعود مره أخرى ليسجل 13193 مليون كيلوواط/ساعة في مايو 2021. أما الشكل التالي فيوضح توزيع استخدامات الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة على القطاعات المختلفة:
شكل رقم (3): توزيع استخدامات الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة على القطاعات المختلفة خلال شهر مايو 2021
المصدر: البنك المركزي المصري.
ثالثًا- تطور كمية الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة (رياح وشمسي):
وضعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة خطة تقوم على زيادة استخدام الطاقة المتجددة لتصل إلى 20% عام 2022 من إجمالي الحمل الأقصى، وذلك من خلال وضع سياسات من شأنها جذب القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة. ويبين الشكل التالي تطور كمية الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة (رياح وشمسي):
شكل رقم (4): تطور كمية الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة (رياح وشمسي) خلال الفترة 2014/2015 – 2018/2019
جيجاواط/ساعة
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء/وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
نلاحظ الاتجاه التصاعدي لتطور كمية الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، والتي ارتفعت من 1444 جيجاواط/ساعة عام 2014/2015 لتسجل 4543 جيجاواط/ساعة عام 2018/2019، ومنه إلى 8663 جيجاواط/ساعة عام 2019/2020، حيث بلغت نسبة الزيادة في كمية الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة خلال السنة الأخيرة 90.7%.
رابعًا- الاستثمارات في مشاريع توليد الكهرباء وإجراءات تطوير القطاع:
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري فقد بلغ إجمالي الاستثمارات المنفذة في قطاع الكهرباء ما يقارب 20 مليار جنيه، وذلك في الربع الأول من عام 2019/2020، منها 11.1 مليار جنيه استثمارات القطاع الخاص في القطاع عن شهر فبراير، كما ضخت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة استثمارات بما يفوق 8 مليارات جنيه.
وبشكل عام، فقد قامت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بتخصيص مبلغ تريليون جنيه لتطوير ودعم قطاع الكهرباء، شمل إنشاء أكبر 3 محطات لتوليد الكهرباء بالعالم بقدرة 4800 ميجاواط ببني سويف والبرلس والعاصمة الإدارية الجديدة بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية، وإنشاء محطات محولات وإنتاج وخطوط نقل ومراكز تحكم وتحويل الشبكة القومية للكهرباء إلى شبكة ذكية، بحسب وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
وضمن الخطة التي وضعتها الوزارة فإن هناك عددًا من المشروعات المستقبلية الجاري تنفيذها، ومنها إنشاء محطة توليد الحمراوين بقدرة 6 آلاف ميجاواط بتكلفة 4 مليارات و400 مليون دولار، بالإضافة إلى محطة عيون موسى بقدرة 2640 ميجاواط، وإنشاء 6 مراكز للتحكم القومي والتوسعات التي تمت في شبكة توزيع الكهرباء.
وفي قطاع النقل تم تنفيذ إنشاء 29 محطة محولات جديد بقدرة 40 ألفًا و750 ميجاواط بتكلفة 20 مليار جنيه خلال السنوات الأخيرة، فضلًا عن إنشاء خطوط نقل جديدة “خط الساحل الشمالي، العوينات، الساحل الجنوبي الشرقي”.
أيضًا حققت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والشركة المصرية لنقل الكهرباء طفرة بإنشائها أكبر تجمع في العالم لمحطات الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان لتضم 40 محطة شمسية بقدرة 50 ميجاواط للمحطة باستثمارات تبلغ 2 مليار دولار، فضلًا عن إنشاء وتشغيل أكبر وأحدث محطة لتوليد الكهرباء من الرياح بمنطقة جبل الزيت بمحافظة البحر الأحمر بقدرة 580 ميجاواط بتكلفة 12 مليار جنيه.
كما طبقت مصر سياسة خفض الدعم الحكومي على الكهرباء، وذلك بهدف ترشيد الإنفاق ومن ثمّ الحد من الضغط على الموازنة العامة للدولة والسيطرة على الدين، كما أعادت توجيه مخصصات الدعم لضمان وصوله لمستحقيه وإنفاقه على الخدمات الأكثر أهمية، كالصحة والتعليم وتطوير وسائل النقل وتحسين جودة الطرق وغيرها. ويبين الشكل التالي تطور مخصصات دعم الكهرباء بالموازنة العامة للدولة:
شكل رقم (5): تطور مخصصات دعم الكهرباء بالموازنة العامة للدولة منذ إقرار الخطة وحتى عام 2019/2020
المصدر: وزارة المالية.
من الشكل السابق، نلاحظ أنه وفقًا لخطة خفض دعم الكهرباء فقد حددت وزارة المالية مبلغًا قُدر بحوالي 27,2 مليار جنيه لدعم الكهرباء عام 2014/2015، وبلغ دعم الكهرباء الفعلي خلال العام المالي 2014/2015 نحو 23,6 مليار جنيه، وبمعدل نمو في الإنفاق على دعم الكهرباء بمقدار 77,9% مقارنة بمعدل الدعم الفعلي خلال عام 2013/2014 والذي بلغ 13,3 مليار جنيه، ويرجع الارتفاع في معدل الدعم الفعلي المقدم إلى استخدام الدولة المبلغ لحل مشاكل الانقطاع المتكرر في الكهرباء من خلال إنشاء محطات جديدة للكهرباء، والقيام بصيانة المحطات القائمة التي بحاجة للصيانة، حيث قامت الحكومة بالإبقاء على أسعار الكهرباء المدعومة، ورفع الأسعار على شرائح الاستهلاك العالية للأسر ذات القدرة المالية الجيدة.
وفي موازنة عام 2019/2020 تم تخصيص مبلغ 4 مليارات جنيه لدعم الكهرباء، وذلك كما هو مخطط له منذ بداية إقرار برنامج تخفيض دعم الكهرباء تمهيدًا لإلغائه بشكل نهائي ابتداءً من العام المالي 2021/2022، إلا أنه تم تعديل الخطة على إثر جائحة كورونا، والتي أدت إلى تراجع الطلب العالمي على البترول وتباطؤ الاقتصاد وخفض الإنتاج، وهو الأمر الذي دفع بالجهات المسئولة لأخذ قرار بتعديل خطة تخفيض الدعم النهائي على الكهرباء من 2022 إلى 2025، وذلك بهدف تخفيف العبء عن المواطنين، الأمر الذي أدى إلى خفض نسبة الزيادة التي كانت مقررة في أسعار شرائح الكهرباء.
وبتضافر تلك الجهود التي قامت بها الجهات المسئولة استطاعت الدولة مؤخرًا تحقيق إنجازات متعددة في قطاع الكهرباء، لتتحول مصر من دولة تعاني من الانقطاع الكهربائي المتكرر وبشكل يومي لمرحلة لبّت فيها الاحتياجات الداخلية من الكهرباء، بل وتحقيق فائض إنتاج مكّنها من التصدير الفعلي، بجانب التخطيط لتنفيذ مشاريع ربط كهربائي مع عدد من دول الجوار، وهو الأمر الذي سيمكنها مستقبلًا من تحقيق الحلم المنشود في أن تصبح مصر مركزًا محوريًا للطاقة.