شهدت الآونة الأخيرة نموًّا لسلاسل القيمة العالمية، كإحدى الظواهر المهمة المرتبطة بالعولمة وتحرير التجارة العالمية. فأصبحت سلاسل القيمة العالمية تشكل أهمية كبرى، حيث تمثل حاليًا نحو 50% من حجم التجارة العالمية وفق التقديرات الدولية لعام 2019، كما تسهم المشاركة في سلاسل القيمة في تعزيز فرص الاستثمار، وتحسين نمو وتنافسية الاقتصادات النامية وخفض الفقر، إلى جانب تحسين الإنتاج والبنية التحتية، وخفض تكلفة الإنتاج، وإزالة الحواجز الجمركية، والتحول من استراتيجيات التنمية القائمة على إحلال الواردات إلى تلك الموجهة للتصدير.
وتشير الدراسات إلى أن زيادة نسبة المشاركة في سلاسل القيمة العالمية بمعدل 10% يؤدي إلى زيادة متوسط الإنتاجية بحوالي 1.6%، وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 11 و14 %. علاوةً على ما سبق، بيّنت الدراسات أن الاندماج في سلاسل القيمة العالمية يوفر وظائف أكثر وأفضل، كما أن الشركات المُندمجة في سلاسل القيمة العالمية تميل إلى توظيف عدد أكبر من النساء مقارنة بالشركات الأخرى، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتمثل الصناعات الآسيوية نموذجًا ناجحًا في توزيع عمليات التصنيع إقليميًا بين عدد من الدول، وتجميع المنتج النهائي في إحدى تلك الدول والمنتج النهائي موجه لبلد ما محدد سلفًا.
توصلت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO إلى تعريف لسلاسل القيمة العالمية (Global Value Chain, GVC)، باعتبارها الأنشطة المقدمة للمستهلك النهائي، سواء التصميم أو الإنتاج، أو التسويق، أو التوزيع أو الدعم، التي يتم تقسيمها بين شركات وعمال في دول مختلفة، للوصول بالمنتج إلى شكله النهائي.
نتيجة للتقدم التكنولوجي العالمي في العقود الأخيرة، شهدت سلاسل القيمة العالمية تطورًا كبيرًا، حيث باتت تشكل نحو 50% من حجم التجارة العالمية، وفق تقديرات البنك الدولي. وتأتي المشاركة الأكبر من الدول التي لديها أنشطة ابتكارية وإنتاج سلع وخدمات متقدمة، مثل الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، وتأتي مصر ضمن فئة الدول ذات الإسهام المتوسط في سلاسل القيمة العالمية، من خلال السلع الأولية.
مشاركة مصر في سلاسل القيمة العالمية
تشير البيانات العالمية إلى تزايد مشاركة مصر في سلاسل القيمة العالمية، خلال العقدين الماضيين، حيث ارتفعت من نحو 1.9 مليون دولار لتصل إلى حوالي 11 مليون دولار خلال عام 2018.
UNCTAD, 2019, UNCTAD-Eora Global value chain Database
يشير تقرير البنك الدولي لعام 2020 حول التنمية في العالم إلى أن التوسع المذكور في سلاسل القيمة العالمية يرتكز جغرافيًا في معظم دول إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وعدد من الدول الآسيوية، حيث إن معظم تلك الدول تتركز تجارتها الخارجية في المواد الخام والسلع الأولية، كما نلاحظ تركز مشاركة مصر بالأساس في سلاسل القيمة في السلع الأولية. حيث تقع مصر ضمن فئة الدول ذات الإسهام المتوسط في سلاسل القيمة العالمية، وهذا ما يوضحه الشكل التالي.
شكل: خريطة التوزيع الجغرافي للروابط العالمية بسلاسل القيمة لعام 2015
وفي دراسة حديثة لمركز المعلومات ودعم القرار لعام 2021، قدرت مشاركة الصادرات المصرية في سلاسل القيمة العالمية بنحو ٥٠ ٪ تتضمن نحو ١٠ ٪ مساهمة في سلاسل القيمة العالمية من خلال روابط خلفية (مدخلات مستوردة تم استخدامها في الصناعة) ونحو ٤٠ ٪ مساهمة من خلال روابط أمامية تحققت من قيمة مضافة محلية تم تصديرها ودخلت كمدخلات في الصادرات الصناعية في الدولة المستوردة ثم تم بيعها إلى دولة ثالثة.
وفقًا لقيمة المشاركة الخلفية للقطاعات المصرية في سلاسل القيمة والتي تم الاعتماد في تقديرها على مؤشرات مساهمة القيمة المضافة الأجنبية[1] ((FVA)) حسب الصناعة في مصر والتي أصدرتها منظمة UNCTAD لعام 2017، واتضح من البيانات ارتفاع مساهمة قطاعات إعادة التصدير ومعدات النقل والمنتجات البترولية حيث كان لها النصيب الأكبر من مساهمة مصر في سلاسل القيمة العالمية.
نسبة المشاركة الخلفية (%) للقطاعات المصرية في سلاسل القيمة العالمية
[1] القيمة المضافة الأجنبية: هي حصة القيمة المضافة الأجنبية (استيراد وسيط) في الصادرات المحلية، فهي قيمة الصادرات التي تنشأ من المدخلات المستوردة على سبيل المثال: إذا تم استيراد الأسمدة لإنتاج سلع زراعية للتصدير فأنها تعتبر في تحليل سلاسل القيمة العالمية قيمة مضافة أجنبية.
ويتضح من ذلك تراجع نسبة مشاركة القطاعات المصرية في سلاسل القيمة العالمية مقارنة بعدد من الدول والاقتصاديات الناشئة، حيث تتركز نصف الصادرات السلعية المصرية في المنتجات الأولية والسلع القائمة على الموارد، بينما كان حوالي الربع يتألف من صادرات متوسطة وعالية التكنولوجيا. وبالمقارنة بدول مثل: تركيا، وماليزيا؛ تمثل صادرات التكنولوجيا المتوسطة والعالية ٤٢ ٪ و٥٨ ٪ على التوالي، وذلك كما جاء في دراسة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لعام 2021.
ختامًا، يمكن القول إن الاندماج في سلاسل القيمة العالمية له عظيم الأثر على البلدان النامية لتحقيق التنوع الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال تعزيز الاندماج في شبكات التجارة والاستثمار العالمية. ولكن قد يختلف أثر المشاركة في سلاسل القيمة العالمية على التنمية الاقتصادية، من دولة إلى أخرى بناء على المكونات السلعية للصادرات في تلك الدول. وبالرغم من بذل الجهود لتعزيز الاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتحسين مستويات البنية التحتية الخاصة بقطاع النقل، إلا أنه لم تصل إلى المستويات المثيلة في الانخراط سلاسل القيمة العالمية، بما يستدعي معه العمل على تحسين عدد من السياسات، خاصة ما يتعلق بالحواجز الجمركية وغير الجمركية، إلى جانب تبني منهج متكامل في تحرير التجارة، وبصورة خاصة التجارة في الخدمات، هذا بالإضافة إلى تحسين بيئة مناخ الاستثمار وإقامة قاعدة صناعية متطورة بما يحفز وصول المستثمرين الأجانب، وزرع كفاءة العنصر البشري، وإصلاح المنافذ الجمركية من خلال تطبيق أحدث أساليب التقنية الحديثة، بما يؤدي إلى خفض مستويات الوقت والتكلفة.