في عام ٢٠٠٩ وخلال مؤتمر كوبنهاجن (دولة الدنمارك) قطعت الدول المتقدمة على نفسها وعودا بتقديم العون للدول النامية بما لا يقل عن ١٠٠ مليار دولار سنويا لمدة ١٠ سنوات يتم تمديدها إلى عام ٢٠٢٥، لكن ذلك الهدف يبدو أنه لم يتحقق. حيث أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير لها أنه في عام ٢٠١٩ تم توفير ٨٠ مليار دولار فقط من المبلغ المستهدف (١٠٠ مليار دولار)، تشير العديد من التقارير إلى أنه وعلى الرغم من صغر حجم المبلغ بالنسبة لميزانيات الدول المتقدمة لم تقم تلك الدول بالوفاء به، لكن تلك ليست المشكلة الوحيدة، حيث أن غياب عدالة توزيع تلك الأموال مشكلة أخرى تواجه الدول، والمشكلة الثالثة والتي تعد الأكبر أن الجزء الأكبر من تلك الأموال (الثلثين تقريبا) يأتي في شكل قروض وليس في شكل منح، وهو ما يضع الدول النامية في فخ الديون المناخية، ليأتي عام ٢٠٢٠بفيروس كوفيد -١٩ ويتسبب في تخمه استدانة للدول للإنفاق على سياسات الصحة العامة لاحتواء الفيروس، لتجد الدول نفسها أمام أزمات مركبة وديون كبيرة لمعالجة تغيرات مناخية لم تتسبب بها في المقام الأول.
ديون المناخ
تعتبر الديون المناخية أول تلك الموضوعات، وهي مبادرة أطلقتها منظمة الاسكوا “ESCWA” التابعة للأمم المتحدة، تلك المبادرة تم إطلاقها باسم “مبادرة تمويل التنمية في عصر كوفيد-١٩ وما بعده” والتي اقترحت على رؤساء الدول والحكومات خيارات عدة من ضمنها مقايضة ديون البلدان التي تواجه أعباء ديون مرتفعة باستثمارات التنمية المستدامة التي يتم انفاقها والتي تصب بنهاية الأمر في تحسين المناخ. طرحت المانيا تلك الفكرة لإيجاد حلول للنمو الكبير في حجم الديون للدول النامية، والتي يجب أن يتم إعادة سدادها بالعملات الأجنبية، تجد الدول النامية نفسها عاجزة عن القيام بذلك خاصة في الفترة منذ بداية فترة كورونا والتي تسببت في تأثر اقتصادات الدول بشكل كبير، وحيث أن الدول ليس لديها مشكلات في الدفع بالعملات المحلية، فإن تلك المبادرة تقترح أن تقوم الدول النامية بالإنفاق على المبادرات والمشروعات التي تساهم في التكيف المناخي محليا بعملاتهم المحلية وفي المقابل تعفي الدول المتقدمة (الدول المانحة للديون) الدول النامية من سداد الديون بالعملات الأجنبية.
تأتي تلك المبادرة بأهداف سامية وهو علاج أهم مشكلتين تواجههما الدول النامية عالميا، والتي تتمثل في ارتفاع وتفاقم الديون على تلك البلاد ومن ثم تهديد قدرتها على التعافي من الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كوفيد-19، تقدم تلك الآلية حلول مبتكرة للدول ل”ضرب عصفورين بحجر واحد”، وهي تحفيز الدول على المساهمة بشكل إيجابي في الجهود العالمية لاحتواء الآثار السلبية لتغير المناخ وتخفيض الانبعاثات الكربونية الضارة، وبين المسؤولية الاجتماعية تجاه تلك الدول المثقلة بالديون لتمكينها من التعافي من جائحة كورونا. وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف خطط كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإطلاق منصة لتقديم المشورة للدول الفقيرة بشأن تمويل أنشطة المناخ وحماية البيئة، ومن المتوقع أن يتم إطلاق تلك المنصة خلال مؤتمر تغير المناخ 26.
الاستثمار المستدام
يعرف الاستثمار المستدام على أنه استثمار يأخذ في الاعتبار معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحكومة الشركات (ESG) بهدف توليد عوائد تنافسية طويلة الأجل وتأثير مجتمعي إيجابي، تأتي صناعة الاستثمار المستدام كأحد أهم المتغيرات الجوهرية على الساحة العالمية التي بالطبع ستتعرض لها قمة تغير المناخ، تتمثل أهمية تلك الاستثمارات في أن حجمها تعاظم لدرجة كبيرة تصل إلى 3.6 تريليون دولار وفقا لما أشار إلية صندوق النقد الدولي في تقريره النصف سنوي الذي يحمل عنوان الاستقرار المالي العالمي، والذي أشار إلى أنه من المقدر أن تصل الاحتياجات الاستثمارية في ذلك القطاع ما يصل إلى مبلغ 20 تريليون دولار بحلول عام 2050 لتحقيق هدف خفض انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم إلى صفر صافي بحلول منتصف القرن الحالي. وتشير التقديرات إلى أن هناك حاجه ماسة لإشراك القطاع الخاص في ذلك التمويل الإضافي خاصة أنه من المنتظر أن يساهم بنسبة تتراوح بين ٦٠ – ٧٠%. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن المستثمرين من القطاع الخاص لا يدركون المفهوم الصحيح لكيفية استخدام أموالهم خاصة وأن صندوق النقد الدولي يُساوره الشك حول مشاركة الشركات المالية بالفعل فيما يمكن تسميته ب “الغُسل الأخضر” وأشار إلى ضرورة أن يناقش المؤتمر آليات الرقابة التنظيمية وسياسات التحقق الضرورية لتجنب مثل تلك الممارسات، ووفقا للصندوق فإن النمو في صناديق الاستثمار ذات التوجه المستدام يمكن تعزيزه في حال إدراك صانعي السياسات الحاجة إلى مواءمة المعايير المتعلقة بالإفصاح عن المناخ ووضع أُطر عمل خضراء جديدة للمساعدة في توجيه التدفقات الاستثمارية نحو مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة.
استهداف خفض الميثان
نظرا لفشل محاولات التعامل مع ثاني أكسيد الكربون عالميا، توجد العديد من الآراء التي انتشرت في الآونة الأخيرة أن جهود الاستهداف لم تكن صائبة وأنه كان يجب التركيز على الميثان نظرا لتكلفته الأقل وسرعه إمكانية التخلص منه في حال مقارنته بثاني أكسيد الكربون، حيث إن ثاني أكسيد الكربون هو جزء من خليط كبير يسبب الاحتباس الحراري، هذا فضلا عن أن الميثان يحبس الحرارة بقدر أكبر على المدى القصير. تُشير الدراسات إلى تغير تركيزات الميثان في الغلاف الجوي، حيث أنه أصبح أكثر بمقدار 2.5 مرة مما كان عليه قبل الثورة الصناعية عالميا، تسببت فيما يقرب من ربع الاحتباس العالمي المرصود على مدار القرنين ونصف القرن الماضيين، لكن السيطرة على الميثان ليس أمر صعب مثل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولذلك السبب يضغط كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية على الدول لتقديم هدف خفض غاز الميثان على الهدف الحالي، ومن ثم فإنه في حال اشتراك عدد كافي من الدول والوصول إلى خفض في انبعاثات ذلك الغاز بنسبة ٣٠% عند مستويات العام الماضي، فقد تكون الحركة العالمية تجاه خفض الميثان هي إحدى الإنجازات الحاسمة التي يمكن لمحادثات COP26 أن تكون مصيريه بشأنها. خاصة وأن لدينا بالفعل الأدوات اللازمة للتخلص من ٥٨% من انبعاثات الميثان العالمية بحلول عام ٢٠٣٠ من خلال نشرها في قطاعات مثل الزراعة والنفط والغاز.
وفي النهاية، لازال العالم يحاول التوافق حول جهود احتواء تغير المناخ، لم ينجم عن السياسات التي تم اتخاذها في الأوقات السابقة نجاحات كبيرة، لكن لا توجد خيارات سوي الاستمرار في محاولة السيطرة على التغير المناخي، خاصة وأن الظواهر الطبيعية Natural hazards أصبحت تتكرر بشكل كبير وفي عديد من الدول، وتخلف كوارث كبيرة تتسبب في إتلاف كبير في الممتلكات، وإزهاق الكثير من الأرواح، وتدمير بني تحتية لدول كثيرة، ولذا فإن الآمال كلها تنتظر نتائج ذلك المؤتمر، خاصة وأنه يأتي بعد عام كورونا الذي رسم ملامح جديدة لعالمنا وأشار إلى ضرورة التعاون والتكاتف للنجاح في مجابهة تلك التغيرات.