تُشِّكل الأقلية العربية نحو 20% من مواطني الدولة العبرية. وعلى مدار السنوات الماضية، أخفقَت الأحزاب العربية المُمَثِّلة لتلك الفئة في تحقيق آمالها ومطالبها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى على المستوى الاجتماعي. فلم تنجح هذه الأحزاب في تحقيق أهدافها الرئيسية التي تُعد أساسًا لمشاركتها في الحياة السياسية في إسرائيل، بل بالعكس أضرت بمصالح الأقلية العربية، وساهمت في مزيدٍ من عزل العرب داخل المجتمع الإسرائيلي.
ورغم دخولها المعترك السياسي الإسرائيلي بقوة بعد رفع الحكم العسكري عام 1966 (الذي فُرض على من تبقى منها داخل الدولة العبرية بعد حرب عام 1948)؛ إلا أن عدد المقاعد التي حصل عليها العرب خلال تلك الفترة لم يكن يتناسب مع نسبتهم في الدولة العبرية، ربما بسبب حجم المقاطعة الكبيرة من جانبهم لانتخابات الكنيست؛ حيث لم تزد نسب المشاركة بينهم في كل الانتخابات التي أُجريت حتى عام 1977 عن أقل من 50%، حتى وإن تجاوزت نسبة مشاركة المواطنين العرب ذروتها في انتخابات عام 2015، بسبب خشيتهم من فوز اليمين المتطرف الذي يُطالب بترحيل العرب، ويدعو إلى اتّباع سياسات أكثر حزمًا تجاههم، بالإضافة إلى أنها كانت المرة الأولى التي تخوض فيها الأحزاب العربية الانتخابات ضمن قائمة موحدة.
ومع اقتراب انتخابات الكنيست القادمة، اتفقت الأحزاب العربية على خوض انتخابات الكنيست 22 المزمع إجراؤها غدًا الثلاثاء 17 سبتمبر، ضمن قائمة واحدة مرة ثانية.
ولكي نحدد موقع فلسطينيي الداخل في هذه الانتخابات، نعود قليلًا لإلقاء الضوء على وضع الأحزاب العربية هناك في السنوات الأخيرة، ومدى تأثير تلك الأحزاب على الوضع السياسي في الداخل الإسرائيلي. ومن ثمّ نطرح بعض التساؤلات مثل: كيف يمكن أن يلعب النواب العرب دورًا في تشكيل الحياة السياسية في إسرائيل من خلال تأثيرهم على تمرير القوانين والتشريعات في الدولة العبرية وضغطهم من أجل تحقيق مصالح الأقلية العربية في إسرائيل؟ وهل من الممكن أن تتغير توجهات الأحزاب العربية في الدورة القادمة للكنيست؟ وهل من المتوقع أن تزيد نسب الإقبال من المصوتين العرب في الانتخابات القادمة أم إن إحباط الناخبين العرب لا يمكن تداركه؟
الأحزاب العربية.. تمثيل شكليّ
حتى عام 1988 ظل تمثيل العرب داخل الكنيست مقصورًا على قوائم انتخابية، أو عبر أحزاب صهيونية، ولم تظهر أحزاب عربية مكتملة الأركان إلا في فترة متأخرة في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي. والأهم أن التمثيل العربي في الكنيست لم يحقق هدفًا واحدًا من أهداف الفلسطينيين، خاصة في ظل وجود حكومات تدعو إلى تكثيف الوجود اليهودي وإقصاء العرب. ومن خلال التجربة استقر لدى أغلب الفلسطينيين أن الزعماء الإسرائيليين يستغلون وجود نواب عرب بالكنيست لتحسين صورة دولة إسرائيل فقط وليس من أجل مصالح الفلسطينيين في الداخل.
ومنذ انتخابات الكنيست الأولى عام 1949 وحتى عام 1988، بقيت الكتلة العربية في المعارضة، ولم تدخل يومًا في الائتلافات الحكومية؛ إما لرفضها لذلك من الناحية المبدئية، أو لرفض الأحزاب اليهودية نفسها إشراكها في مثل هذه الائتلافات. وقد بلغ عدد النواب الذين شاركوا بالكنيست خلال الفترة (1949-2013) نحو 74 نائبًا، منهم 45 انتُخبوا عن الأحزاب والقوائم العربية والباقي عبر الأحزاب الصهيونية. أما انتخابات عام 2015، فقد شهدت انطلاقة جديدة لاستراتيجية الأحزاب العربية بإعلانها خوض الانتخابات في قائمة موحدة، ربما ليقينها بعدم وجود استراتيجية موحدة لها.
والواقع أن عدم خوض هذه الأحزاب للانتخابات بقائمة موحدة ربما يكون قد ساهم في إضعاف تأثيرها، ولكن حتى رغم تجربة الوحدة يبدو أن هناك العديد من الخلافات بينها بسبب سعي بعض ممثلي تلك الأحزاب لتحقيق أهدافهم الشخصية وليس لتحقيق مصالح الفلسطينيين. وتُعد مشاركة النواب العرب في سن التشريعات في الكنيست كاشفة لإيضاح مدى تدني إسهاماتهم في خدمة الناخب العربي؛ إما بسبب خلافات داخلية بينهم، أو بسبب طبيعة الدولة العبرية، حيث وُجد أن عدد اقتراحات القوانين التي تقدم بها الأعضاء العرب مجتمعين بلغ 468 من أصل 6684 اقتراحًا لكل أعضاء “الكنيست”. أما عن عدد الاقتراحات التي مرّت بالقراءات الثلاث وأصبحت قوانين سارية المفعول فقد بلغت 6 قوانين من أصل 624 (أقل من 1%، مقابل نسبتهم بالكنيست 10%). ولا يرجع ذلك فقط لتقصير النواب العرب، بل إن غالبية الاقتراحات التي يتقدم بها هؤلاء النواب لا يتم التصويت عليها ولا تُترجم لقوانين بسبب إصرار أعضاء الكنيست على تحييد النواب العرب عن عملية صنع القرار.
ولم يمنع التشتت والاختلافات القائمة بين الأحزاب العربية من وجود بعض القضايا المشتركة التي تعد إطارًا عامًّا لعمل تلك الأحزاب، فهي ترتكز في توجهاتها على القضايا التي يعاني منها المواطنون العرب منذ عقود، مثل إقصاء العرب في مجالات عديدة في الحيّز العام الإسرائيليّ، وليس أدل على ذلك من قضية التمثيل في القطاع الحكومي بحيث يتناسب مع نسبة من السكان، بالإضافة إلى التقسيم غير العادل للميزانيّات. كما تناضل أيضًا ضد المستوى المتدنّي للخدمات العامة في البلدات العربيّة، بالإضافة إلى أزمة انتشار السلاح غير المرخص في المناطق العربية، فضلًا عن التحدي الأكبر الذي يواجه تلك الأحزاب وهو الحفاظ على الهوية الفلسطينية في ظل نظام عنصري يسعى لطمس الهوية الفلسطينية.
الجدل حول المشاركة السياسية
شكلت مشاركة فلسطينيي الداخل في انتخابات الكنيست خلافًا وجدالًا في مختلف الأوساط الفلسطينية في الداخل، وذلك حول جدواها ومشروعيتها. وقد انقسم العرب في تلك المسألة إلى قسمين؛ الأول هم المؤيدون، وضمنهم النواب العرب، حيث يرون أن دخولهم الكنيست شرط مهم للحفاظ على مصلحة الأقلية العربية التي تعاني الكثير بسبب سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي والقوانين العنصرية التي سنّتها الأحزاب اليمينية المتطرفة، إضافة إلى التمييز الذي تتعرّض له في كافة المجالات. ومن وجهة نظرهم، فإن المشاركة سترفع صوت العرب وقضاياهم في الكنيست الإسرائيلي.
في المقابل يرى أصحاب الرأي الآخر أن الأعضاء العرب في الكنيست لم يقدّموا الكثير للفلسطينيين في الداخل أو للقضية الفلسطينية بشكل عام، فهم لم يستطيعوا سنّ أي قانون لمصلحة العرب في الداخل، ولم يحدث في تاريخ إسرائيل أن تمّ التحالف مع أي حزب عربي لتشكيل الحكومة. وقد لعب أداء النواب العرب في الكنيست تاريخيًّا دورًا رئيسيًّا في ظاهرة مقاطعة نسبة كبيرة من الفلسطينيين للانتخابات الإسرائيلية، حيث لا يؤمن الناخب العربي هناك بقدرة النواب العرب على تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم لانعدام قدرتهم على التأثير في عمليّة صنع القرارات ووضع السياسات في الدولة. كما يرى هؤلاء أن التمثيل العربي داخل الكنيست يُسهم في إظهار الادعاءات الإسرائيلية بديمقراطية الدولة، من منطلق أن المشاركة في الانتخابات هي عنصر أساسي للحكم الديمقراطي، فكلما زادت مشاركة المواطنين في الانتخابات زادات قوة الحكم الديمقراطي؛ لذا فإنه خلال الانتخابات الماضية، تضاءلت نسب المشاركة من المواطنين العرب، خاصة في السنوات الأخيرة، عندما أصابت فلسطينيي الداخل حالةٌ من الإحباط وفقدان الأمل في ممثليهم في الكنيست.
وتُشير دراسة نُشرت في جامعة تل أبيب أواخر مارس 2019 إلى أن 42% من المستطلعين العرب يرون أن أداء النواب العرب سيئ، ويرى %24 منهم أنه سيئ جدًّا. وعادة ما يتوجه أصحاب التوجه الأخير للمشاركة في انتخابات السلطات المحليّة باعتبارها مكوّنة من أعضاء محليين معروفين للناخبين بشكل شخصيّ بعكس غالبيّة المرشحين لانتخابات الكنيست، بالإضافة إلى كون السلطات المحليّة العربيّة هي المزوّد الأساسيّ للخدمات للمواطن العربيّ في إسرائيل.
العفو الدولية تنتقد تقييد النواب العرب
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا في 4 سبتمبر 2019 تنتقد فيه استهداف النواب العرب بالكنيست عبر أنظمة وقوانين تمييزية تقيد عملهم وتقوض قدرتهم على تمثيل الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم. وقبيل انتخابات الكنيست المقررة غدًا الثلاثاء 17 من الشهر الجاري، أوضح التقرير المعنون “منتخبون لكن مقيدون: تضييق المجال أمام البرلمانيين الفلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي”، كيف يتم تقييد عمل أعضاء الكنيست الفلسطينيين ومنعهم من حرية التعبير من خلال التغييرات التشريعية ومشاريع القوانين المقترحة، وأنظمة الكنيست التي تنطوي على التمييز.
كما شدد التقرير على الخطاب التحريضي الذي يستخدمه الوزراء الإسرائيليون للتشهير بأعضاء الكنيست الفلسطينيين، وأوضح كيفية التعامل مع مشاريع القوانين التي يقدمها أعضاء الكنيست الفلسطينيين والتي غالبًا ما يتم شطبها إجحافًا. كما أشار إلى تعرّض النواب الفلسطينيين لهجمات تقوم على التمييز على نحو متزايد. وشدد على أنه برغم كونهم منتخبين بشكل ديمقراطي، شأنهم شأن نظرائهم الإسرائيليين، فإن أعضاء الكنيست الفلسطينيين يشكِّلون هدفًا للتمييز المتجذِّر والقيود غير المبررة التي تَشُلُّ قدرتهم على رفع صوتهم دفاعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني. كما أشار التقرير إلى أنه مع قيام إسرائيل بانتهاك الحقوق الإنسانية للفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 بشكل ممنهج، فإنه من المهم للغاية أن يتم الاستماع إلى أصوات الفلسطينيين في البرلمان، وأخذها بعين الاعتبار واحترامها.
النواب العرب مضطهدون في عصر “نتنياهو”
في أغلب الأحيان لا تخلو جلسات الكنيست من المشادات الكلامية بين النواب العرب والإسرائيليين، حول مواضيع عدة، إما بسبب نص قانون ما، أو بسبب سب الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين واتهامهم بالتحريض على العنف. ولعل أبرز ما جاء في هذا الإطار واقعة اعتراض النواب العرب على “قانون القومية” الذي تم إقراره داخل الكنيست في يوليو 2018، والذي أقر بأن إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي، وهو ما أثار غضب نواب القائمة العربية المشتركة، وقاموا على إثر ذلك بتمزيق نص القانون وإلقائه بوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، ما ترتب عليه طردهم من القاعة. وفي واقعة أخرى أثار ذكر النائب العربي “أحمد الطيبي” لأسماء الشهداء الفلسطينيين غضب أعضاء الكنيست الإسرائيلي، إضافة إلى قيامه باتهام وزيرة القضاء الإسرائيلي “إيليت شاكيد” بالكذب، وتزويرها للحقائق ودعمها لقانون يجرّم كل من ينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ديسمبر 2011، حدثت مواجهة حادة بين النائب “أحمد الطيبي” من القائمة الموحدة العربية للتغيير، وبين أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف وذلك في إطار نقاش حول اقتراح القانون الذي تقدمت به “أنستاسيا ميخائيلي” لمنع رفع الأذان. وفي عام 2010، اضطر حراس في البرلمان الإسرائيلي لحماية عضو الكنيست من عرب 48 “حنين زعبي”، عندما حاول مشرعون يهود انتزاع الميكروفون منها حينما انتقدت الهجوم الذي شنته إسرائيل على قافلة مساعدات كانت في طريقها إلى غزة.
لقد شهد الكنيست الإسرائيلي أيضًا مشادات كلامية بين النواب العرب واليمين المتطرف في أعقاب التصريحات العنصرية التي أطلقها وزير السياحة الإسرائيلي “عوزي لانداو” ووصف فيها النواب العرب بـ”الحثالة”، خلال جلسة جرت في عام 2009. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم رفع الحصانة جزئيًّا عن النائب “باسل غطاس”، في سابقة هي الأولى في تاريخ الكنيست، وذلك بعد أن جمع الوزير “زئيف أليكين” من حزب الليكود 72 توقيعًا وسلمها إلى رئيس الكنيست “يولي أيدلشتاين” مطالبًا بإقصاء “غطاس” -حيث يشترط توفر 70 توقيعًا على الأقل للتصويت على إقصائه- كما طالب المستشار القضائي للحكومة بتقديم لائحة اتهام ضده، وذلك إثر اتهامه بنقل هواتف نقالة لمعتقلين أحدهما فلسطيني والآخر من عرب إسرائيل. كما قام “أفيجدور ليبرمان” بوصف كل من النائبين “أحمد الطيبي” و”محمد بركة” بـ”أعداء الدولة”، واعتبرهما ممثلين للمنظمات الإرهابية، وطالب بوضعهما أمام صف من رماة الرصاص لإعدامهما.
وفي 19 يوليو 2016، صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون “إقصاء النوّاب العرب”، أو المعروف بقانون “التجمع”، ويتيح القانون تعليق عمل أي عضو في الكنيست بسبب نشاطات أو أقوال معادية للممارسات الإسرائيلية أو داعمة للمقاومة والتي وصفها القرار بـ”الإرهاب”، وذلك في حال تأييد 90 نائبًا من أصل 120، وهو قانون يستهدف النواب العرب تحديدًا.
انتخابات سبتمبر في ظل دعوات المقاطعة
من اللافت للنظر أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في أبريل 2019 قد شهدت تراجعًا ملحوظًا في إقبال الناخبين بشكل عام، والعرب بشكل خاص، على المشاركة في العملية الانتخابية، فقد صوت 49.2٪ فقط من الناخبين المؤهلين في المجتمعات العربية والدرزية في هذه الانتخابات، وذلك بالرغم من التوقعات بزيادة الإقبال بعد ما حدث عام 2015 من إقبال كبير من العرب، إلا أنه اتضح أن ذلك كان يعد حدثًا استثنائيًّا. ففي انتخابات 2015، فازت القائمة المشتركة بـ387810 أصوات في المجتمعات العربية والدرزية، والتي شكلت 52٪ من الناخبين المؤهلين و82٪ من الناخبين الفعليين في هذه المجتمعات. في المقابل، وفي الانتخابات الأخيرة، فاز التحالفان (الأحزاب الأربعة التي شكلت ذات مرة القائمة المشتركة) بـ292500 صوت في المجتمعات العربية والدرزية، وهو ما يمثل 34٪ فقط من الناخبين المؤهلين و71٪ من الناخبين الفعليين في تلك مجتمعات. وهكذا، وعلى الرغم من أن عدد الناخبين المؤهلين في المجتمعات العربية والدرزية قد ارتفع بنسبة 14٪ بسبب النمو السكاني الطبيعي، وبتحليل نسب المشاركة يتضح أنه لو كانت نسبة إقبال الناخبين من المواطنين العرب في الانتخابات الأخيرة كما كانت في انتخابات عام 2015، لكانوا قد فازوا بـ16 مقعدًا في الكنيست الحادية والعشرين ولكان عدد أعضاء الكنيست العرب سيكون الأعلى في تاريخ البلاد في هذه الحالة.
لكن الشعور بخيبة الأمل إزاء العملية الانتخابية والتهميش المتنامي لفلسطينيي الداخل قد ساهم في تراجع العرب عن المشاركة. وقد تزامن ذلك مع الدعوات المتزايدة داخل المجتمعات العربية لمقاطعة الانتخابات، من منطلق أن المشاركة في الانتخابات تمنح شرعيةً للديمقراطية الإسرائيلية، فضلًا عن تنامي اليقين لديهم بتزايد عجز ممثليهم لدى الكنيست عن تحقيق أيٍّ من الأهداف المرجوة، مهما كان عدد المقاعد التي سيحصلون عليها؛ حيث يعتبر الكثيرون أنّ الطبقة السياسية العربية تُحَرّكها مصالحها الخاصة أكثر منها رغبتها في خدمة المصلحة العامة. وقد أدّت وجهات النظر تلك ببعض المجموعات في المجتمع، مثل حركة أبناء البلد والجناح الشمالي للحركة الإسلامية، إلى مقاطعة الانتخابات النيابية، مركّزةً بدلًا من ذلك على الانتخابات المحلّية وتنمية المجتمع.
وبالنسبة لوضع الأحزاب العربية في الانتخابات المقبلة، فقد أعلنت الأحزاب العربية في إسرائيل عن تشكيل تحالف لخوض الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر، ويأتي ذلك في إطار مساعي تلك الأحزاب للحيلولة دون فوز رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، الذي يُصّر على قمع المجتمع العربي داخل إسرائيل، حيث جاء قرار “نتنياهو” بزرع كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت في المناطق العربية بالداخل خلال انتخابات الكنيست المقبلة ليثير غضب العرب وممثليهم بالكنيست، واعتبروا أن ذلك يُعد استهدافًا واضحًا للمواطنين العرب.
وقد أكد النائب “أيمن عودة”، انضمام حزب القائمة العربية الموحدة إلى “القائمة العربية المشتركة” التي تضم أيضًا حزب “الجبهة” وحزب “الحركة العربية للتغيير”، في تحالف مماثل لتحالف انتخابات عام 2015، وأكد حزب الجبهة أن التحالف سيستخدم كل ثقله السياسي من أجل إسقاط حكومة “نتنياهو”، واعتبر أن القائمة هي الأقدر على إسقاط الحكومة اليمينية، ومن المرجّح أن تشجع تلك الخطوة بعض الناخبين العرب للمشاركة في الانتخابات القادمة، ما قد ينتج عنه زيادة في نسب الإقبال مقارنة بالانتخابات الماضية في أبريل 2019.
جديرٌ بالذكر أنه في عام 2015 سجلت الأحزاب العربية الأربعة داخل التحالف أكبر انتصار انتخابي لها؛ إذ حصلت على 13 مقعدًا في البرلمان (12 نائبًا عربيًّا ونائبًا يهوديًّا) من أصل 120 مقعدًا في البرلمان الإسرائيلي، وباتت بذلك القوة الثالثة فيه. وفي أبريل الماضي، كانت القائمة العربية الموحدة موزعة على قائمتين حازتا معًا 10 مقاعد.
مما سبق تناوله يتضح أن السمة العامة هي إحباط المجتمع العربي من الوضع السياسي القائم في إسرائيل. ومن المرجح أن تَضر السياسات الإسرائيلية بهم في ظل تعمدها تهميش فلسطينيي الداخل في المقام الأول. غير أن عدم احتواء المواطنين العرب من جانب السلطات الصهيونية يجعلهم قنبلة موقوتة داخل المجتمع الإسرائيلي، ويضع الدولة في عداء مع حوالي خمس سكانها. كما أن ذلك يتنافى مع المحاولات الإسرائيلية لعكس الصورة الديمقراطية لإسرائيل أمام المجتمع الدولي. لذا، فإن الفرصة لا تزال متاحة أمام الأحزاب العربية داخل إسرائيل لتلعب دورًا أكثر فعالية في الحياة السياسية في إسرائيل عبر استخدام قوتها لخلق جبهة عربية قوية داخل الكنيست في مواجهة اليمين المتطرف من خلال إقامة جسور للتفاهم مع أحزاب الوسط واليسار الصهيوني.