وصل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى سدة الحكم في مشهد سياسي بالغ التعقيد والتشابك، وعبر سباق رئاسي استثنائي حمل معه اختبار للأسس والقيم والثوابت التي تستند إليها الساحة الأمريكية؛ الأمر الذي اعتبرته بعض التحليلات بداية لحقبة أمريكية جديدة داخليًا وخارجيًا. واستنادًا إلى ذلك، تُثار التساؤلات بشأن حصاد العام الأول لإدارة “بايدن”.
الساحة الداخلية
تولى الرئيس “بايدن” الحكم في وقت تعج فيه الساحة الأمريكية بالعديد من المشكلات المتشابكة والمتداخلة التي بدأت بالدراما السياسية التي غلفت السباق الرئاسي، وبلغت ذروتها في اقتحام مبنى “الكابيتول هيل” في 3 يناير الماضي. وفي غضون ذلك، فقد شكّل الاستقطاب والوباء والاقتصاد بيئة السياسة الأمريكية بطريقة جعلت منهم أكبر التحديات لإدارة “بايدن” في عامها الأول. ونتيجة لذلك، وضع الرئيس “بايدن” قضايا الداخل على رأس أولوياته، وشغلت الحيز الأكبر في تركيز واهتمام إدارته. ويمكن تفكيك ذلك على النحو التالي:
حالة الاستقطاب
أدرك “بايدن” منذ أيامه الأولى في المكتب البيضاوي خطورة استمرار حالة الاستقطاب العنيفة التي تضرب الساحة الأمريكية. لذا، فقد اتجه إلى تشكيل إدارة متنوعة تعكس تنوع الساحة الأمريكية؛ إذ ضمت أول وزيرة للخزانة، وأول وزير دفاع من أصول إفريقية، وأول وزيرة داخلية من السكان الأصليين، وأول وزير نقل مثلي الجنس. كما عمد إلى العودة إلى دولة المؤسسات وتجاوز حالة الشخصنة التي فرضها الرئيس “دونالد ترامب” على الساحة السياسية الأمريكية.
إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى وجود مؤشرات على استمرار حالة الاستقطاب؛ إذ يبدو أن الدور المتزايد للتيار التقدمي الذي دعم فوز “بايدن” قد أغضب ليس فقط المعسكر الجمهوري، وإنما الديمقراطيين المعتدلين أيضًا. ومن جانب آخر، فقد عمل “ترامب” على تعزيز سيطرته على الحزب الجمهوري؛ فبينما انتقده بعض الجمهوريين البارزين في أعقاب هجوم الكابيتول هيل، إلا أنه يبدو أن الحزب قد احتشد حول “ترامب” في وجه المعتدلين. ويرتبط بهذه الحالة أيضًا الدعم الكثيف الذي يقدمه رموز الإنجيلية الأصولية “الإيفاجيلكيين” للرئيس “ترامب”، وتأكيد بعضهم على أن السباق الرئاسي كان عبارة (حرب الرب ضد الشيطان) معتبرين أن “ترامب” في معسكر الرب.
العنصرية والعنف
نتيجة لتزايد نطاق الاتهامات الموجهة لإدارة “ترامب” والتي ربطت بين سياساته وخطابه العنصري من جانب وعمليات العنف التي تجري على أراضي الولايات المتحدة من جانب آخر؛ سعى “بايدن” إلى اتّخاذ خطوات من شأنها مناهضة العنصرية ومواجهة العنف المتزايد. وفي غضون ذلك، شدّدت الإدارة مرارًا وتكرارًا على أن تصاعد العنف هو نتيجة مباشرة للوباء الذي سبق وصول إدارة “بايدن” للحكم. في مايو الماضي، وقّع الرئيس “بايدن” تشريعًا يُعالج جرائم الكراهية المرتبطة بجائحة كورونا، مع التركيز بشكل خاص على العنف الموجه ضد الأمريكيين الآسيويين. وفي يونيو الماضي، طرحت إدارة “بايدن” خطة جديدة سيتم بموجبها السماح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بتوجيه 350 مليار دولار من أموال الإغاثة من فيروس كورونا لدعم الشرطة.
إلا أن الوضع الحالي يُشير إلى استمرار الجرائم العنيفة في الارتفاع في جميع أنحاء الولايات المتحدة في ظل إدارة “بايدن”، سيما في المدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون، مثل بالتيمور وشيكاجو. كما ذكر موقع “ذا هيل The Hill”، أن الحاكم الديمقراطي السابق لولاية نيويورك “أندرو كومو” قد صرّح قائلًا: “يموت الآن عددٌ أكبر من الناس بسبب العنف المسلح والجريمة أكثر من جائحة كورونا”.
التعامل مع الجائحة
اتجهت بعض التحليلات إلى اعتبار جائحة كورونا بمثابة السبب الأهم للإطاحة بالرئيس “ترامب”؛ ومن ثمّ كان على الإدارة الجديدة أن تصب جانبًا كبيرًا من تركيزها على مواجهة الوباء، سيما بعدما أصبحت الولايات المتحدة في صدارة الدول من حيث أعداد الإصابات والوفيات. وعلى الرغم مما يبدو كرضا عام عن أداء إدارة “بايدن” تجاه الوباء، إلا أن الرئيس “ترامب” كان هو المسئول عن النجاح في تصنيع الدُفعات الأولى من اللقاحات بمساعدة قانون الإنتاج الدفاعي Defence of Production Act، لكن يكمن نجاح “بايدن” في تعزيز المساعدات للولايات ومضاعفة مراكز التطعيم الفيدرالية.
وعلى صعيد آخر، يتضح أن الوباء قد امتزج بحالة الاستقطاب السياسي الجارية على الساحة الأمريكية، مما أدى إلى انقسام سياسي قوي في المواقف تجاه التطعيم والأقنعة والعديد من تدابير الصحة العامة الأخرى. فعلى الرغم من النجاح الذي أبدته إدارة “بايدن” في تلقيح سريع للعديد من الأشخاص الذين رغبوا في الحصول عليه؛ إلا أن تردد الجمهوريين تجاه اللقاحات، وكذا استثناء الإنجيليين الأصوليين من التلقيح لأسباب دينية؛ لا يزال يمثل عقبة رئيسية أمام مسألة التعافي الكامل. لذا، تجادل بعض التحليلات بأن التأثير المستمر للوباء على الحياة اليومية والاقتصاد سيساهم بشكل كبير في انخفاض مستوى التأييد لإدارة “بايدن”، كما تعتبر أن مسألة التعامل مع الوباء ستصبح المؤثر الأساسي على نتائج التصويت في انتخابات التجديد النصفي 2022.
التعافي الاقتصادي
يُعد التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الوباء عاملًا حاسمًا آخر في تشكيل السياسة على الساحة الأمريكية، فقد ألحق الوباء أضرارًا بالغة بالاقتصاد الأمريكي في عام 2020 أدت إلى التهام الإنجازات الاقتصادية التي حققتها إدارة “ترامب” على مدار 3 أعوام. استطاعت إدارة “بايدن” تمرير خطة الإنقاذ الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار في مارس الماضي، بناءً على إجراءات التحفيز السابقة في عام 2020 لمساعدة الاقتصاد الأمريكي خلال الوباء. وفي نوفمبر الماضي، وقع الرئيس “بايدن” مشروع قانون البنية التحتية الذي تتجاوز قيمته تريليون دولار. كما يعمل الديمقراطيون حاليًا على تمهيد الطريق لتمرير مشروع القانون المرتبط بالرعاية الاجتماعية والذي يُطلق عليه “إعادة البناء بشكل أفضل” (بيلد باك بيتر) في الكونجرس.
وبشكل عام، سار التعافي خلال عام 2021 –بقدرٍ ما – على ما يرام، على الرغم من الضربة التي أحدثها متغير “دلتا”. ومع ذلك، فقد شهد التعافي الاقتصادي انتعاشًا متفاوتًا جغرافيًا وديمغرافيًا. ومن جانب آخر، تستمر اضطرابات سلاسل التوريد في التأثير سلبًا على الأداء الاقتصادي العام. ويمثل التضخم مصدر قلق كبيرًا للأمريكيين وتحديًا سياسيًا رئيسيًا في عام 2022؛ وإذا حمل متغير “أوميكرون” حالة خطيرة، فقد يؤدي أيضًا إلى إبطاء التعافي الاقتصادي.
السياسة الخارجية
وصل الرئيس “بايدن” إلى سدّة الحكم في وقت شهدت فيه الدبلوماسية الأمريكية حالةً من الانحسار كنتيجة لسياسة الرئيس “ترامب” القائمة على شعار “أمريكا أولًا”. وفي خطابه الرئاسي الأول حول السياسة الخارجية، في 4 فبراير الماضي، شدد “بايدن” على استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة، وعبّر عن ذلك قائلًا: “أمريكا قد عادت، والدبلوماسية قد عادت”، متعهدًا بـ”بناء تحالفات دولية جديدة”. وفي هذا السياق، يتضح أن إدارة “بايدن” ركزت بشكل أساسي على عددٍ من الملفات الخارجية، يمكن توضيحها على النحو التالي:
العودة للمؤسسية الدولية
تركت ولاية الرئيس “ترامب” بصمات سلبية في عمل المنظمات الدولية التي اعتادت على قيادة واشنطن لها؛ فقد انسحبت واشنطن أو هددت بالانسحاب من عدة اتفاقات ومنظمات دولية، مثل انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، كما انسحبت من معاهدة باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية. بجانب خروجها من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، والاتفاق النووي الإيراني. إضافةً إلى إطلاق مفاوضات جديدة بشأن اتفاق دول أمريكا الشمالية (النافتا).
وفي أعقاب فوز الرئيس “بايدن” قرر العودة إلى المنظمات الدولية تأكيدًا للدور القيادي للولايات المتحدة، ودعمًا لمسار التعددية على الصعيد العالمي. فقد عادت واشنطن إلى منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، واتفاقية باريس للمناخ، كما تسير في طريقها من أجل العودة لليونيسكو، وتشارك كذلك في المسار التفاوضي الجاري في فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني.
رأب الصدع عبر الأطلسي
مثّلت فترة حكم الرئيس “ترامب” مرحلة تراجع في العلاقات عبر الأطلسي بالنظر إلى اتساع الهوة الواضح على جانبي الأطلسي. فقد ساهمت إدارته في تصدر عددٍ من القضايا الخلافية، أبرزها: الإنفاق الدفاعي على “الناتو”، وقضايا المناخ والاقتصاد الأخضر، والحرب التجارية مع الصين، والاتفاق النووي الإيراني، والنظام الدولي والتعددية، والموقف من روسيا والصين، ودعم الشعبوية.
لذا، مثّل فوز “بايدن” بادرة أمل لرأب الصدع عبر الأطلسي، وخصوصًا مع التخلي عن الخطاب السلبي الذي تبناه “ترامب” تجاه أوروبا؛ إضافة إلى المزيد من المشاركة الإيجابية بشأن بعض الملفات كتغير المناخ. وفيما يتعلق بالقضايا الأمنية، يعد “بايدن” من أشد مؤيدي “الناتو”، إذ وصفه بـ”أهم تحالف عسكري في تاريخ العالم”. واستنادًا إلى ذلك، بدت بعض مؤشرات الارتياح في أوروبا من إدارة “بايدن”، وحرصه على التنسيق المشترك في القضايا المختلفة.
الانسحاب من أفغانستان
طفت مسألة إنهاء الحروب “الأبدية” والوجود العسكري الخارجي في مقدمة أولويات السياسة الخارجية، انطلاقًا من كونها تمثل انعكاسًا لرغبة الشارع الأمريكي. أعلن الرئيس “بايدن” انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في موعد لا يتجاوز 11 سبتمبر، ولكن يتضح أن الفضل الأكبر في هذا المضمار يعود لــ”ترامب” كونه الذي وقع الاتفاق مع طالبان، وحدد موعد الانسحاب في 1 مايو.
وارتباطًا بذلك، أصر الرئيس “بايدن” على الانسحاب غير المشروط من أفغانستان، أي دون وجود ضمانات تفرض التزامات على حركة طالبان. ومن ثم، مثل مشهد الانسحاب الفوضوي الأمريكي من أفغانستان مؤشرًا على فشل الحسابات الأمريكية في التعامل مع الساحة الأفغانية، وتذبذب قيمها، واتجاه دورها صوب الانحسار، الأمر الذي قد يضرب صورة النموذج الأمريكي بشكل عام، ويدحض مصداقية إدارة “بايدن” وقيمها –بشكل خاص– حول حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة.
الاهتمام بقضية المناخ
لم تكن قضية المناخ بذات أولوية أو أهمية بالنسبة لإدارة الرئيس “ترامب”، إلا أنه على النقيض من ذلك عبرت إدارة الرئيس “بايدن” عن اهتمامها الواضح بهذا الملف منذ أيامها الأولى. فقد قام “بايدن” بإلغاء خط أنابيب النفط Keystone XL، وحماية محمية القطب الشمالي الوطنية للحياة البرية، والعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ. كما دعا الرئيس “بايدن” الكونجرس إلى المصادقة تعديل كيجالي لبروتوكول مونتريال للحد من مركبات الكربون الهيدروفلورية الضارة.
علاوةً على ذلك، فقد عقد الرئيس “بايدن” قمة مناخ دولية افتراضية في إبريل 2021، تعهدت خلالها واشنطن بخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 بنسبة تتراوح ما بين 50-52 في المائة مقارنة بمستويات عام 2005. ويزيد هذا التعهد الأمريكي بمقدار الضعف عن وعد سابق. كما أشار “بايدن”، في كلمته بقمة المناخ “كوب 26” بجلاسكو، إلى أن بلاده ستقلص الغازات الدفيئة بنحو كبير حتى عام 2030، كما ستعمل على توليد الطاقة من الرياح. مشددًا على أن واشنطن ستعمل على مساعدة الدول النامية في مواجهة تغير المناخ.
تطويق الصين
بدت قضية المواجهة مع الصين بمثابة الأساس الذي قامت عليه السياسة الخارجية للرئيس “ترامب”، وشن في سبيل ذلك حربًا تجارية قوية. إذ قامت إدارته بفرض التعريفة الجمركية من جانب واحد، وكذا القيام بجهود دبلوماسية كبيرة لمنع اعتماد تقنيات صينية مثل (Huawei G5) في دول حليفة مثل بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى الضغط على الحلفاء من أجل تبني رؤية مماثلة للرؤية الأمريكية المُتشددة تجاه بكين، من أجل عرقلة مبادرة “الحزام والطريق”. كما اعتبر أن الصين هي مصدر الوباء، محملًا إياها المسئولية عما حدث في العالم.
وفي خضمّ هذه الأجواء، سار الرئيس “بايدن” على نفس الخط المتشدد انطلاقًا من كون الصين باتت هي مصدر التهديد الرئيسي للولايات المتحدة. إلا أن هذا الخط المتشدد استند إلى سياسة الاحتواء وليس الصدام المباشر. فمن جانب، سعى إلى فتح قنوات للتواصل مع الصين، وعقد في سبيل ذلك أو قمة افتراضية مع نظيره الصيني في نوفمبر الماضي؛ معتبرًا أن هناك مسئولية على الدولتين لضمان عدم تحول المنافسة بينهما إلى صراع مفتوح. ومن جانب آخر، سعت إدارة “بايدن” إلى تطويق الصين في محيطها القريب عبر الزيارات المتكررة للمسئولين الأمريكيين، والمشاركة في اجتماعات مجموعة “الكواد”؛ كما تتجلى أحدث مظاهر هذا النهج في تشكيل شراكة أمنية ثلاثية AUKUS في المحيطين الهندي والهادئ، والتي بموجبها ستحصل إستراليا على غواصات تعمل بالطاقة النووية، بالاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية والبريطانية.
مواجهة روسيا
اتخذت مجالات المواجهة بين واشنطن وموسكو أنماطًا غير تقليدية؛ فقد اعتبر بعض المراقبين أن فوز الرئيس “ترامب” في 2016، قد جاء بناءً على تدخلات سيبرانية روسية. ومن ثم، اتسع نطاق المخاوف بشأن تكرار التدخلات الروسية في الساحة الأمريكية ليس فقط أثناء السباق الرئاسي، وإنما بشكل مستمر. فعلى النقيض من بعض الإشادات التي قدمها “ترامب” لنظيره الروسي، تبنى “بايدن” نهج أكثر تشددًا تجاه موسكو، واصفًا الرئيس الروسي بــــــــ”القاتل”.
ولا تنحصر الملفات الخلافية في التهديدات السيبرانية، وإنما تتسع لتشمل قضايا متعددة مثل: قضية أوكرانيا، والأوضاع في بيلاروسيا، والتهديدات الروسية ضد الحلفاء الأوروبيين، والسلوك الروسي المزعزع للاستقرار في عدد من الساحات، وملف حقوق الإنسان وقضية اعتقال اعتقال “أليكسي نافالني”. وعلى الرغم من اللقاء الذي جرى بين الرئيسين “بايدن” و”بوتين” بجنيف في يونيو الماضي، إلا أن مساحة التقارب والتهدئة لم تتسع بشكل يؤثر على مسار العلاقات بينهما. والدليل على ذلك، ما جرى خلال القمة الافتراضية الأخيرة في ديسمبر الجاري، بشأن التطورات الخاصة بالأزمة الأوكرانية، والتي قد تتسبب في مزيد من العقوبات على روسيا.
قضايا الشرق الأوسط
يمكن القول بشكل عام، إن إقليم الشرق الأوسط قد احتل مرتبة متراجعة في أولويات إدارة “بايدن”، لذا، بدا أن هدف الإدارة الأساسي يكمن في تهدئة الساحة وتقليل الانخراط الأمريكي في قضاياها. فقد عبرت إدارة “بايدن” في شهورها الأولى عن دعمها لوقف الحرب الجارية في اليمن، وإنهاء الدعم للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية. في حين يتضح أن القضية الفلسطينية شهدت بعض الخطوات الإيجابية، ولكن من دون الدفع في عملية التسوية السلمية. إذ حرص “بايدن” على استعادة العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، مُلغيًا قرار إدارة “ترامب” مقاطعة السلطة الفلسطينية سياسيًا عبر استعادة العلاقات الدبلوماسية، واقتصاديًا عبر إعادة المساعدات إلى “الأونروا”، بجانب تجديد دعمه لحل الدولتين بدون اتخاذ أي خطوات عملية لتحريك المياه الراكدة بعملية السلام. إلا أن التطورات العنيفة التي ضربت الساحة الفلسطينية في مايو الماضي، قد دفعت إدارة “بايدن” نحو مزيد من الإنخراط، وكذا تثمين الجهود المصرية التي ساهمت في التوصل إلى وقف إطلاق النار.
أما ما يتصل بالملف الإيراني، والذي يبدو أنه يحظى على أكبر قدر من الاهتمام من قبل الإدارة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فقد انطلقت الجولة الأولى من مباحثات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني في 6 أبريل الماضي بين إيران ومجموعة “4+1″، التي تضم روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، على مستوى الخبراء. ولا تشارك واشنطن في المباحثات بشكل مباشر، من خلال مبعوثها الخاص للشئون الإيرانية “روبرت مالي”، لكنها –أي المباحثات– هي عمليًا مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران يقوم الإتحاد الأوروبي فيها بدور المنسق. إلا أن هذه المحادثات دخلت في جولتها الثامنة دون إحراز تقدم كبير، على الرغم من الحرص الواضح لإدارة “بايدن” على التوصل إلى اتفاق مع طهران.
أما ما يتعلق بتركيا، فعلى الرغم من التصريحات العدائية المتكررة التي أطلقها “بايدن” ضد تركيا؛ مثل إدانته قيام “ترامب” بسحب القوات من شمال سوريا، واعتبار التحرك خيانة للأكراد، وتشديده على ضرورة أن تدفع أنقرة ثمنًا باهظًا لحملتها العسكرية على الأكراد، ووصف “أردوغان” بالمستبد، والاعتراف بمذابح الأرمن؛ إلا أن واقع السياسة الأمريكية تجاه أنقرة يدلل على استمرار رؤية واشنطن لتركيا كحليف مهم. فخلال اللقاء الذي جرى بين “بايدن” و”أردوغان” عبر “بايدن” عن “تقديره لمساهمات تركيا لما يقرب من عقدين في مهمة الناتو في أفغانستان”. وقد ناقش الرئيسان العملية السياسية في سوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الأفغان المحتاجين، والانتخابات في ليبيا، والوضع في شرق البحر المتوسط، والجهود الدبلوماسية في جنوب القوقاز.
مجمل القول، إن العام الأول لإدارة “بايدن” قد حوت سجلًا مختلطًا من التغير والاستمرارية في سياسة الولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا؛ كما ضمت أيضًا مزيجًا من النجاح والإخفاق في التعامل مع القضايا والملفات. ومن الملامح البارزة في حصاد العام الأول للإدارة الأمريكية الحالية، إنه على الرغم من أولوية قضايا الداخل والتي حازت على جانب كبير من اهتمام الإدارة، إلا أن التطورات الخارجية المتسارعة قد دفعت الإدارة نحو مزيد من الانخراط السياسي والدبلوماسي الخارجي.