تولت الدولة المصرية دراسة بعض التعديلات على القوانين ذات الصلة بقطاع العقارات للعمل على مواجهة التحديات المتوارثة التي يواجهها هذا القطاع، وجاء من بين تلك التعديلات إعداد مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥ المتعلقة بضريبة التصرفات العقارية؛ وذلك بهدف تحديد شكل التعاملات القانونية بين البائع والمشتري، وتقنين الملكيات العقارية وتحقيق الضمان والأمان للملاك، وتيسير إجراءات تسجيل العقارات التي تُعتبر شرطًا للاستفادة من مبادرة التمويل العقاري للبنك المركزي، وحفظ حقوق الدولة في تحصيل إيراداتها الضريبية، مع الأخذ في الاعتبار تخفيف عبء الضرائب المفروضة على المواطنين.
التعديل المقترح بشأن ضريبة التصرفات العقارية
تمثل ضريبة التصرفات العقارية أحد أشكال الضرائب على الدخل، وهي ضريبة يلتزم الممول بسدادها على إجمالي قيمة التصرف في العقارات المبنية أو الأراضي للبناء عليها، عدا القرى، سواء انصب التصرف عليها بحالتها أو بعد إقامة منشآت عليها، وسواء كان هذا التصرف شاملًا العقار كله أو جزءًا منه أو وحدة سكنية منه أو غير ذلك، وسواء كانت المنشآت مقامة على أرض مملوكة للممول أو للغير، وسواء كانت عقود هذه التصرفات مشهرة أو غير مشهرة. وتقدر بنسبة ٢.٥٪ من قيمة التصرف بعد تخفيضها من نسبة ٥٪ المقررة عام ١٩٨١، ويستحق سدادها خلال ٣٠ يومًا من إتمام عملية البيع لتجنب فرض غرامة على الممول. ويتضمن مشروع القانون، الذي وافق عليه مجلس الوزراء وتم رفعه لمجلس النواب لمناقشته وإقراره، استبدال ضريبة ٢.٥٪ بضريبة مقطوعة تتراوح من ١٥٠٠ جنيه إلى ٤٠٠٠ جنيه بالنسبة لعقود البيع التي تمت قبل تاريخ ١٩ مايو ٢٠١٣، وهو تاريخ بدء سريان قانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٣ الذي تضمن آخر تعديل تم إقراره متعلق بضريبة التصرفات العقارية. أي إن ضريبة التصرفات العقارية المقرة حاليًا، قبل إقرار مشروع القانون المعروض على مجلس النواب، تقدر بنسبة 2.5% من قيمة التصرف على كافة عقود البيع الخاضعة للضريبة مهما كان تاريخ تحرير العقود، وبعد إقرار مشروع القانون يتم استثناء فقط العقود التي تمت قبل 19 مايو 2013 لتخضع لضريبة مقطوعة وليست نسبة من عقد البيع.
وتوجد بعض الاستثناءات من ضريبة التصرفات العقارية كما في حالة تقديم العقار كحصة عينية في رأس مال، أي شركة من الشركات المساهمة ولكن بشرط عدم التصرف في الأسهم المقابلة لها لمدة 5 سنوات، بالإضافة إلى التبرع بالشيء أو وهبه للأقارب من الأصول (الأب والأم) أو الفروع (الأبناء) أو الأزواج (الزوج والزوجة) أو البيوع الجبرية والعقارات التي تُنتزع للمنفعة العامة، وفي حالة التبرع بالعقار للجهات الحكومية وأجهزة الدولة يتم الاستثناء أيضًا من ضريبة التصرفات العقارية. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الضريبة يتم فرضها على من يقوم بتصرف عقاري وحيد، أما في حالة تعدد التصرفات العقارية، أي بيع أكثر من عقار، فإنه يتم النظر إليه كنشاط استثمار عقاري ويخضع لضريبة الأرباح التجارية والصناعية، وليس ضريبة التصرفات العقارية.
ضريبة التصرفات العقارية والضريبة العقارية
ينبغي التمييز بين ضريبة التصرفات العقارية والضريبة العقارية؛ إذ تمثل الضريبة العقارية التي تم فرضها منذ الخمسينيات من العقد الماضي وكانت تسمى بالعوايد، ضريبة تفرض على ملاك العقارات باستثناء الوحدة الأولى التي تبلغ قيمتها أقل من ٢ مليون جنيه وما زاد يخضع للضريبة، وتقدر بنسبة (10%) من صافي القيمة الإيجارية السنوية للوحدة العقارية بعد خصم (30%) من هذه القيمة بالنسبة للوحدات المستعملة في أغراض السكن، و(32%) بالنسبة المستعملة في غير أغراض السكن مقابل جميع المصروفات التي يتحملها المكلف بأداء الضريبة بما في ذلك مصاريف الصيانة. ويتم تحصيلها سنويًا كما يمكن تحصيلها على قسطين متساويين بحيث يسدد القسط الأول حتى نهاية شهر يونيو والثاني حتى نهاية شهر ديسمبر من ذات السنة، ويجوز للمكلف سدادها بالكامل في ميعاد سداد القسط الأول وفقًا للقانون رقم 196 لسنة 2008.
ويتم حساب الضريبة العقارية من خلال تحديد القيمة الرأسمالية للعقار والتي تبلغ 60% من القيمة السوقية له، ثم حساب القيمة الإيجارية السنوية للعقار التي تقدر بنسبة 3% من القيمة الرأسمالية للعقار، ثم يتم خصم نسبة 30% للسكني و32% لغير السكني مقابل كافة المصاريف التي يتحملها المالك في صيانة العقار، كما يتم استبعاد حد الإعفاء الضريبي للوحدة الأولى المحدد بقيمة 24 ألف للوحدة السكنية و1200 للوحدة غير السكنية (إداري أو تجاري)، وأخيرًا يتم تطبيق نسبة 10% على القيمة الإيجارية السنوية الصافية.
وتختلف الضريبة العقارية عن ضريبة التصرفات العقارية؛ فضريبة التصرفات العقارية تسدد لمرة واحدة عند التصرف في العقار، أما الضريبة العقارية فتسدد بشكل سنوي وفقًا لتقدير القيمة الإيجارية للوحدة السكنية، ويعاد ذلك التقدير كل خمسة أعوام حتى يتم الأخذ في الاعتبار تغير القيمة الإيجارية للوحدة. وكذلك فإن الضريبة العقارية تفرض على العقارات المبينة وتحصلها مصلحة الضرائب العقارية، بينما ضريبة التصرفات العقارية تفرض على العقارات أو أراضي البناء عند التصرف فيها وتحصلها مصلحة الضرائب المصرية. كما أن الضريبة العقارية تفرض على مالك العقار أو من له حق عيني بالانتفاع أو بالاستغلال وليس المستأجر، أما ضريبة التصرفات العقارية فتفرض على البائع وليس المشتري.
الأهداف المرجوة من ضريبة التصرفات العقارية
تهدف ضريبة التصرفات العقارية، والتعديل المقترح عليها، إلى تحقيق عدد من الأهداف يأتي أولها في تخفيف عبء الضريبة المفروضة على الممول، ويوضح الجدول التالي قيمة الضريبة المقررة بمبلغ مقطوع بالنسبة لعمليات البيع التي تمت قبل 19 مايو 2013 وفقًا لمشروع القانون المطروح حاليًا، ومقارنته بقيمة الضريبة في حالة ما إذا تم حسابها بنسبة ٢.٥٪ من قيمة التصرف:

ويلاحظ أن استبدال نسبة ٢.٥٪ بمبلغ مقطوع بالنسبة للعقود التي تمت قبل تاريخ ١٩ مايو ٢٠١٣ يتضمن تخفيف عبء للضريبة على الموطنين بدرجة كبير مما يحفز الممولين على سدادها، كما يلاحظ فرض تلك الضريبة على البائع الأخير للوحدة العقارية دون النظر لتسلسل الملكية، وذلك لتيسير أمر تسجيل العقارات المباعة قبل عام 2013. وانطلاقًا من أهمية تخفيف العبء الضريبي لتجنب محاولات التهرب الضريبي، فقد أشار عدد من نواب البرلمان المصري لضرورة تخفيض نسبة 2.5% بالنسبة للعقود التي تم تحريرها بعد التاريخ المشار اليه.
ومن جهة أخرى، فإن ضريبة التصرفات العقارية تهدف إلى حصر كافة العقارات الموجودة بالدولة من خلال قيام الأفراد بعملية التسجيل العقاري، وفي هذا الصدد جاء قانون الشهر العقاري رقم ٥ لسنة ٢٠٢١ الصادر في ٦ مارس ٢٠٢١ ليتضمن فك الربط بين سداد ضريبة التصرفات العقارية وتسجيل العقارات بالشهر العقاري، بما يضمن تيسير إجراءات تسجيل العقارات؛ إذ يقوم المشتري بتسجيل العقار بمصلحة الشهر العقاري وتوصيل كافة المرافق للعقار دون تحميله بأي ضرائب، وبموجب عقد البيع المسجل بالشهر العقاري تقوم مصلحة الضرائب المختصة بتحصيل الضريبة من البائع بصفته الطرف الذي حقق إيرادًا جراء عملية البيع.
أما عن تأثير تلك الضريبة على الإيرادات الحكومية؛ ففي حالة إقرار مشروع القانون المقدم من الحكومة يتوقع زيادة إيرادات الدولة بنحو 500 مليار جنيه عند سداد الضريبة المفروضة على عقود البيع التي تمت قبل عام 2013، كما ترتفع إيرادات الدولة نتيجة تحصيل نسبة 2.5% من قيمة عقود البيع الخاضعة للضريبة والتي يتراوح عددها بين 500 ألف إلى 650 ألف عقد بيع سنويًا.
وختامًا، فإنه يتبين مما سبق أن مشروع القانون المطروح يخفف من عبء الضريبة المفروضة على البائع، ويؤدي إلى زيادة حصيلة الدولة من الإيرادات الضريبية، ويضمن تحفيز المشترين على تسجيل عقاراتهم، بما يؤدي إلى حفظ الحقوق والممتلكات، وتحسين كفاءة عملية حصر كافة العقارات بالدولة لتقنين أوضاعها ولتعزيز الاستفادة من مبادرة التمويل العقاري التي تشترط ضرورة تسجيل العقارات. وينبغي التأكيد على أهمية سرعة اعتماد القرارات والقوانين لتحقيق الأهداف المرجوة منها وإتاحة المجال لدراسة آليات مواجهة التحديات الأخرى التي تواجه قطاع العقارات في مصر وعلى رأسها التحديات المتعلقة بعقود الإيجار القديم.