عقد قادة الاتحاد الأفريقي القمة الاستثنائية الخامسة عشرة حول “الأوضاع الإنسانية الحرجة في أفريقيا” ومؤتمر تعهدات، يوم الجمعة 27 مايو2022، في مالابو بغينيا الاستوائية، وذلك كجزء من حدث أكبر تشهده الدولة، يضم إلى الجانب القمة الإنسانية قمة استثنائية أخرى حول “الإرهاب والتغييرات غير الدستورية في أفريقيا”، والتي عقدت في 28 مايو، بالإضافة لمجموعة فعاليات أخرى.
وكانت غينيا الاستوائية قد عرضت في بداية عام 2021 استضافة قمة إنسانية قارية ومؤتمر تعهدات، وتم تأجيل النظر في هذا العرض، لكن الظروف الطارئة التي تشهدها أفريقيا خلال هذه الفترة دعت إلى ضرورة انعقاد مثل هذه القمة، حيث تأتي القمة الإنسانية الاستثنائية في وقت تشهد فيه القارة الأفريقية أوضاعًا إنسانية غير مسبوقة، مما استدعى التحرك السريع للحكومات الأفريقية والشركاء الدوليين لتقييم الوضع ورسم استراتيجيات لمعالجة الأسباب الجذرية، حيث ناقشت القمة الإنسانية الاستثنائية ومؤتمر التعهدات ثلاث قضايا رئيسية: التحديات الإنسانية التي تواجهها شعوب القارة الأفريقية، والعوامل التي أدت إلى تفاقمها، بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها القادة آلافارقة للتصدي لهذه التحديات.
أبعاد الأزمة الإنسانية الملحة في أفريقيا
ركزت مناقشات القمة على التحديات الإنسانية التي تواجهها أفريقيا، حيث تواجه القارة الأفريقية أسوأ أزمة إنسانية، مدفوعة بالآثار الاجتماعية والاقتصادية المركبة لانتشار وباء كورونا، والتغيرات المناخية، والصراع الروسي الأوكراني، الذي أدى إلى تفاقم أزمات الغذاء والطاقة، وتفاقم الوضع المتردي بالفعل، حيث قدرت الأمم المتحدة ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في الدول الأفريقية من 77 مليونًا إلى 130 مليون شخص بين عامي 2019 و2022، وهو ما يمثل أكثر من 45% من الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية في العالم. وفي الإطار الزمني نفسه، زادت المتطلبات المالية للاستجابات الإنسانية في البلدان الأفريقية من 12 مليار دولار إلى 15 مليار دولار، ولكن ما يتم الحصول عليه فعليًا أقل من نصف هذا المبلغ. على سبيل المثال، منذ بداية عام 2022، أطلقت المنظمات الإنسانية 6 نداءات لتقديم المساعدات في منطقة الساحل بإجمالي 3.8 مليارات دولار، ومع ذلك بحلول شهر مايو لم يتم تمويل النداءات إلا بنسبة 12% فقط.
وفي هذا السياق، ناقشت القمة بعض التحديات الإنسانية الخطيرة التي تواجهها أفريقيا، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب كارثة إنسانية، أبرزها:
- الهجرة والنزوح الداخلي:
وفقًا لمركز رصد النزوح الداخلي، نزح أكثر من 27 مليون شخص داخليًا في أفريقيا في عام 2021 بسبب الصراع والعنف والكوارث المناخية، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق في المنطقة، وما يقرب من نصف عدد النزوح الداخلي العالمي، وتستضيف منطقة شرق أفريقيا، على سبيل المثال، حاليًا أكثر من 8.3 ملايين نازح داخلي وأكثر من 4.6 ملايين لاجئ، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصراع في إثيوبيا والصومال وجنوب السودان والسودان. ويقدر البنك الدولي أنه بحلول عام 2050، يمكن أن يتشرد 216 مليون شخص داخليًا في ست مناطق بسبب تغير المناخ.
ويمثل اللجوء والنزوح الداخلي أزمة إنسانية حرجة، لأشخاص تركوا منازلهم وفقدوا مصادر رزقهم، ويحتاجون بشكل عاجل ومستمر إلى مساعدات إنسانية لتوفير الغذاء والدواء والملبس. وتتفاقم هذا الأزمة في ظل عدم كفاية المساعدات، وانتشار الأوبئة، مع عدم معرفة الأعداد الحقيقية لهم، وهي الحالة التي يعاني منها اللاجئون في القارة الأفريقية.
- انعدام الأمن الغذائي والمجاعات:
في ضوء الحالة المروعة للأمن الغذائي في أفريقيا بشكل عام، فإن إحدى القضايا التي نالت حيزًا كبيرًا من مناقشات القمة الاستثنائية هي طرق ووسائل ضمان التمويل المستدام، وتعبئة الموارد بما يتناسب مع فجوات الأمن الغذائي في القارة الأفريقية، حيث تعاني القارة الأفريقية من أزمة انعدام أمن غذائي مزمنة تتفاقم وتزداد حدة مع الوقت، فقد أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن 346 مليون شخص (واحد من كل أربعة أفارقة) يواجهون درجة من درجات انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 113 مليون مقارنة بعام 2019، مع ما يقرب من 5.7 ملايين طفل يواجهون سوء تغذية حادًا حتى نهاية هذا العام، مع تحذير الأمم المتحدة من أن أكثر من 350 ألفًا قد يموتون إذا لم نتحرك.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 33.8 مليون شخص في شرق أفريقيا يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة فأعلى)، بينما في غرب ووسط أفريقيا يصل هذا الرقم إلى نحو 58 مليون شخص، مما يمثل أعلى مستوى لانعدام الأمن الغذائي في المنطقة منذ عام 2016، كما حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، يوم 20 مايو، من أن 18 مليون شخص إضافي في منطقة الساحل الأفريقي يتأرجحون على حافة الجوع الشديد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وعلى الرغم من أن دول شمال أفريقيا أفضل نسبيًا، إلا أنهم يواجهون أيضًا تحديات إنسانية كبيرة، حيث يحتاج أكثر من 14 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية.
- تداعيات التغيرات المناخية:
يُعد تغير المناخ سببًا رئيسيًا في كثير من حالات الاحتياجات الإنسانية الطارئة، وعاملًا أساسيًا في انتشار انعدام الأمن الغذائي والنزوح الداخلي في أفريقيا، حيث أدى تغير المناخ إلى جعل الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيا في القرن الأفريقي أكثر حدة وطولًا. فعلى سبيل المثال، أثر الجفاف في منطقة القرن الأفريقي على أكثر من 18 مليون شخص في إثيوبيا والصومال وكينيا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام في الأسابيع المقبلة، لأن معدل سقوط الأمطار في الموسم الحالي، الذي يستمر عادةً من مارس إلى مايو، كان أقل من المتوسط، وهو أطول جفاف في القرن الأفريقي منذ أربعة عقود على الأقل، ويذكر أنه في السنوات العشر الماضية وحدها، عانى القرن الأفريقي من ثلاث موجات جفاف شديدة (2010-2011 / و2016-2017 / و2020-2021)، مما أدى إلى تآكل الاحتياطيات الاقتصادية، ونفوق عشرات الآلاف من الماشية، وخسارة ملايين الهكتارات من المحاصيل الزراعية، مما ضاعف من أزمة انعدام الأمن الغذائي، وساهم في زيادة أعداد اللاجئين والنازحين داخليًا بحثًا عن المياه والأراضي الخصبة والطعام، ودفع المزيد من الأفارقة نحو الفقر المدقع.
وبهذا الصدد، يتوقع تقرير حالة المناخ في أفريقيا 2020، الذي نُشر تحت رعاية المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والاتحاد الأفريقي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، أنه بحلول عام 2030، سيتعرض 118 مليون أفريقي لخطر الوقوع في حالة من الفقر المدقع، تحت التأثير المشترك لارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والجفاف والظواهر الأخرى المرتبطة بها.
- تفشي الصراعات وانتشار العنف:
لا يزال الصراع هو المحرك الرئيسي للأوضاع الإنسانية الطارئة، بما في ذلك انتشار المجاعات وزيادة حالات الهجرة والنزوح الداخلي في البلدان المتضررة من النزاعات، حيث يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي ويسرعه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق تدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية ومصادر الغذاء الأخرى، وتعطيل إنتاج الغذاء، ووقف تدفق البضائع إلى مناطق النزاع، فضلًا عن القيود المباشرة أو غير المباشرة التي تفرضها أطراف النزاع على وصول المساعدات الإنسانية للسكان المتضررين من النزاع، بما في ذلك الغذاء والدواء والرعاية الصحية المنقذة للحياة.
وتشير التقارير إلى أن الكثير من المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أفريقيا، تقع في الأراضي المتضررة من النزاعات. كما أفاد تقرير “نقاط الجوع الساخنة” بأن الصراع والعنف المنظم من الدوافع الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في بلدان/ أقاليم القارة، ولا سيما جمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وشمال موزمبيق، وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشمال إثيوبيا، ووسط الساحل، وشمال نيجيريا، والسودان وجنوب السودان. كما أدت الصراعات الطويلة وانتشار انعدام الأمن والعنف في بعض المناطق، إلى تشريد ملايين الأشخاص هذا العام، بما في ذلك 15 مليونًا في غرب ووسط أفريقيا وحدها.
- الآثار الاجتماعية والاقتصادية المستمرة لكوفيد-19:
في الوقت الذي تكافح فيه القارة أزمة إنسانية متصاعدة بشكل حاد، تم تقييد الاستجابة الوطنية والإقليمية والدولية على مدى العامين الماضيين، بسبب الآثار الاجتماعية والاقتصادية لوباء كوفيد 19، مما أدى إلى تصعيد المشاكل الإنسانية القائمة. فبجانب الخسائر الاجتماعية والاقتصادية المباشرة في الناتج المحلي الاجمالي، وارتفاع نسبة الديون، التي عانت منها الدول الأفريقية بسبب قيود الإغلاق، وخسر ملايين الأفارقة وظائفهم، ودفعت الجائحة ملايين إلى الفقر المدقع، كما خفضت العديد من الدول المانحة مساعداتها الموجهة للوضع الإنساني في أفريقيا، وتم توجيه الأموال عوضًا عن ذلك لدعم القطاع الصحي لديهم، كما أدت عمليات إغلاق الحدود غير المسبوقة والقيود المفروضة على الحركة إلى إجبار المنظمات والحكومات على تكييف جهودها لمساعدة اللاجئين والنازحين داخليًا، مما أسهم في تفاقم الأزمة.
- تداعيات الصراع الروسي الأوكراني:
أصبحت الحرب في أوكرانيا عاملًا آخر من العوامل التي تسهم في تفاقم الأزمة الإنسانية في أفريقيا، وذلك عن طريق عدة قنوات، منها: انخفاض واردات القمح والذرة من طرفي الصراع (روسيا وأوكرانيا) اللذين يعدان من أكبر مصدري القمح للعالم وللقارة الأفريقية، بالإضافة إلى القيود التي فرضتها العديد من الدول على صادراتها من القمح، فضلًا عن ارتفاع أسعار الغذاء والأسمدة، حيث ارتفعت تكلفة سلة المواد الغذائية بالفعل بنسبة 23% في شرق أفريقيا بشكل عام، وبنسبة 66% في إثيوبيا و36% في الصومال، مما ترك الأسر غير قادرة على تحمل حتى المواد الأساسية، وأجبرها على بيع ممتلكاتها وأصولها التي حصلوا عليها بشق الأنفس مقابل الغذاء والاحتياجات الأخرى، هذا إلى جانب سحب الاهتمام الدولي بعيدًا عن القضايا الإنسانية الملحة في أفريقيا.
وما يجعل الوضع في أفريقيا خطيرًا بشكل خاص هو أنه حتى برنامج الغذاء العالمي يعتمد على أوكرانيا وروسيا فيما يقرب من 50٪ من القمح والذرة، وهذا يعني أن الاستجابة الإنسانية ستزداد تكلفة وتعقيدًا بمجرد نفاد المخزونات الموجودة، والأسوأ من ذلك أنه من المرجح أن تُظهر الاستجابة الإنسانية في القارة مزيدًا من التراجع في المستقبل القريب إذا استمرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في التصعيد، ففي الوقت الذي تكافح فيه الحكومات الأفريقية لتلبية الاحتياجات التنموية والإنسانية في ظل هذه الظروف، فقد تواجه المزيد من التحديات بسبب تخفيض المساعدات الإنسانية والإنمائية القادمة من شركاء التمويل من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة في أوكرانيا.
فعاليات على هامش القمة الإنسانية الأفريقية
سبقت أعمال القمة الإنسانية الاستثنائية عدة فعاليات متصلة بشكل رئيسي بموضوع القمة، على رأسها:
- اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “موسى فكي”، يوم 25 مايو، بالتزامن مع الاحتفال بيوم أفريقيا، وقام المجلس بإعداد الوثائق لاجتماعات المؤتمر للقمتين الاستثنائيتين للاتحاد الأفريقي، ونظر في جداول أعمال القمتين، والإعلانات النهائية لهما.
- الاجتماع الوزاري للدورة العادية الرابعة للجنة الفنية المتخصصة (STC) حول الهجرة واللاجئين والمشردين داخليًا، الذي انعقد يومي 23 و24 مايو، وركزت المناقشات خلال الاجتماع على المصادقة على صك قانوني مهم من شأنه أن يسهم في تفعيل الوكالة الإنسانية الأفريقية، وإدارة الهجرة داخل القارة وخارجها والعديد من السياسات والوثائق التي من شأنها تعزيز الحوكمة الفعالة لقضايا الهجرة واللاجئين والمشردين داخليًا في القارة، بالإضافة إلى النظر في تقرير مرحلي عن تنفيذ بروتوكول حرية تنقل الأشخاص في أفريقيا، وكذلك تقرير كبار المسئولين عن تنفيذ الاتفاق العالمي بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، من بين تقارير أخرى.
- مؤتمر الوقاية من سوء التغذية في السياقات الإنسانية، حيث نظمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مع شركائها حدثًا جانبيًا بشأن الوقاية من سوء التغذية في السياقات الإنسانية، شاركت في استضافته مفوضية الاتحاد الأفريقي، كجزء من فعاليات القمة الإنسانية الاستثنائية للاتحاد الأفريقي ومؤتمر التعهدات، ودعت اليونيسف من خلال هذا الحدث إلى زيادة تمويل الاحتياجات الإنسانية لدعم الأطفال في أفريقيا، وحثت الحكومات الأفريقية وشركاء التنمية على اغتنام فرصة القمة وسنة التغذية للاتحاد الأفريقي (2022).
- المنتدى الشبابي الإنساني، وذلك بهدف إدماج الشباب في النتائج الإجمالية للقمة، من خلال إتاحة الفرصة لسماع أصواتهم بشأن القضايا الرئيسية التي تم تداولها في القمة، وتناول منتدى الشباب وضع تصور لخطة طوارئ إنسانية تركز على الشباب، وبروتوكول بشأن حرية تنقل الأشخاص، والعديد من الفعاليات الأخرى.
الدور المنتظر للوكالة الإنسانية الأفريقية (AUHA)
سيطرت على مناقشات القمة الإنسانية الاستثنائية، مسألة تعزيز دور الاتحاد الأفريقي في الدبلوماسية الإنسانية كأداة لمنع ظهور الظروف التي تؤدي إلى الأزمات الإنسانية والتخفيف منها أو معالجتها بمجرد ظهورها، ويشمل هذا الدور الدعوة إلى حشد الدعم المالي والإغاثي للأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي، واستخدام البعثات الدبلوماسية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلًا عن ضمان تأمين المرور الآمن للمدنيين في حالات النزاع إلى المناطق التي يمكنهم فيها الحصول على المساعدة.
كما شهدت القمة الدعوة لتوطين العمل الإنساني في أفريقيا من خلال تسريع التفعيل الكامل للوكالة الإنسانية للاتحاد الأفريقي (AUHA)، والتي من المنتظر أن تسهم في تنسيق وتسهيل المساعدة الإنسانية في الدول الأعضاء المتضررة، ويذكر أن فكرة إنشاء الوكالة تعود لعام 2010، عندما دعا مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي إلى إنشاء آلية أفريقية للعمل الإنساني في أفريقيا وخارجها، وبعد ست سنوات، في يناير 2016، دعت الدورة العادية السادسة والعشرون للمؤتمر إلى إنشاء وكالة إنسانية لعموم أفريقيا، ومن المقرر بدء العمل بها في 2025.
تتمثل مهمة الوكالة الإنسانية للاتحاد الأفريقي في تعزيز قدرات الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي والآليات الإقليمية للتنسيق الفعال للعمل الإنساني في أفريقيا، والتنبؤ بالحالات التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات إنسانية من خلال أنظمة الإنذار المبكر، ومساعدة الدول في تصميم استراتيجيات للاستجابة الفعالة للأزمات الإنسانية، على أن تمول الوكالة من خلال الموارد الأفريقية لضمان الملكية الأفريقية الكاملة للوكالة، وقد حصلت الوكالة بالفعل على دعم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.
ومع ذلك تواجه الوكالة تحديات عدة، على رأسها: الحاجة إلى توفير موارد كافية من حيث التمويل واللوجستيات والموظفين، والقدرة على إدارة حجم الكوارث في القارة، بحلول الموعد النهائي لإطلاق الوكالة في عام 2025، بالإضافة إلى الحاجة إلى تنسيق العمل الإنساني بين الهيئات الوطنية المعنية للدول الأعضاء؛ والمنظمات الإقليمية، والمجموعات على مستوى القارة، حتى لا يتحول الأمر إلى منافسة بينها تؤدي إلى سحب التمويل من AfHA إلى المخططات الوطنية ودون الإقليمية، هذا إلى جانب أزمة السيادة، حيث يُنظر عادةً إلى إدارة الكوارث الإنسانية وحماية اللاجئين من خلال عدسات الأمن القومي، وهو ما يجعل بعض الدول ترفض تدخل أي طرف، وهو ما يعرقل عمل الوكالة.
تعهدات محدودة
على الرغم من إعراب المشاركين في القمة عن قلقهم البالغ إزاء ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي في القارة والأزمة الإنسانية المصاحبة له، أثمرت القمة الإنسانية الاستثنائية عن تعهدات متواضعة، لا تتناسب مع حجم الاحتياجات والتحديات التي تواجهها الاوضاع الإنسانية في القارة، وهو ما يتضح من خلال نتائج القمة، وأبرزها:
- تعهد المشاركون بتعبئة 140 مليون دولار لمواجهة الأزمات الإنسانية في القارة، وهو ما يمثل 1% من الاحتياجات الإنسانية الطارئة للقارة هذا العام، والتي تزيد عن 14 مليار دولار.
- بالإضافة لذلك، دعم القادة المشاركون في القمة تسريع تفعيل الوكالة الأفريقية الإنسانية، من خلال تبرعات مالية محدودة (نيجيريا 3 ملايين دولار، والسنغال 3 ملايين دولار، وغينيا الاستوائية 4 ملايين دولار، وموريتانيا 1 مليون دولار، والكاميرون 500 مليون فرانك).
- وكذا أكد المشاركون على المسئولية القانونية للدول المضيفة للاجئين في تسجيل هؤلاء اللاجئين والنازحين داخليًا، بهدف تجنب أي شكل من أشكال الاستغلال لهم.
- ودعت القمة إلى الحرص على أن تكون النظم الصحية أكثر استجابة لظروف المهاجرين واللاجئين والنازحين داخليًا.
- كما دعا البيان الختامي للقمة إلى تفعيل المبادرات الأفريقية للتكيف مع التغيرات المناخية، وتفعيل عمل اللجان المناخية الثلاث (لجنة خاصة بحوض الكونغو، ولجنة لمنطقة الساحل، والثالثة خاصة بالدول الجذرية).
- فضلًا عن الدعوة إلى إرساء أنظمة حوكمة على الصعيد الوطني والإقليمي والقاري، بهدف إرساء خدمة مدنية على الصعيد القاري للتأهب والاستجابة للكوارث ومساعدة الأشخاص المتضررين من التغيرات المناخية.
ختامًا، تواجه القارة الأفريقية أوضاعًا إنسانية حرجة، تتفاقم بفعل عوامل خارجة عن السيطرة، وتحتاج إلى تكاتف الجهود الإقليمية والقارية والدولية لمجابهتها، ومع ذلك لم تحظَ القمة الإنسانية الأفريقية بالاهتمام الدولي المطلوب، وقد ترجع التعهدات الضعيفة التي قدمتها القمة الإنسانية الاستثنائية، إلى غياب الكثير من الفاعلين، سواء الإقليميين أو الدوليين عن القمة، خاصة مع انشغال العديد منهم في منتدى دافوس الاقتصادي الذي انعقد على مدار الـ5 أيام السابقة على القمة الاستثنائية، بالإضافة إلى توجيه الاهتمام العالمي نحو الحرب في أوكرانيا، وهو ما يؤثر بشكل كبير على تمويل الاحتياجات الإنسانية في أفريقيا، وينذر باستمرار الأوضاع الحرجة، وتفاقمها خلال الشهور القادمة، ما لم تحصل أفريقيا على الاستجابات اللازمة. ولتحقيق ذلك، يحتاج الاتحاد الأفريقي إلى استكشاف فرص تمويل جديدة، أكثر استدامة، ولا سيما في مواجهة انخفاض المساعدة الإنسانية من الشركاء التقليديين، وتزايد الإرهاق من المانحين.