مضى عام، أو أكثر قليلًا، على خسارة تنظيم “داعش” الإرهابي مدينةَ الرقة السورية (17 أكتوبر 2017). وفي التاسع من ديسمبر المقبل (2018) ستحل ايضا الذكرى الأولى لإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي “النصر الكبير” على التنظيم. ولا شك أن الذكرى الأولى لتلك الأحداث تمثل فرصة مناسبة لاختبار “رواية الانتصار” تلك التي صدّرتها ليست الحكومة العراقية فقط، وإنما أطراف أخرى في داخل “التحالف الدولي ضد داعش” بقيادة الولايات المتحدة. كما تمثل فرصة مهمة للتعرف على حدود هذه “الهزيمة” المفترضة للتنظيم.
وعلى الرغم من تحرير “عاصمة خلافة” تنظيم “داعش”، وتطهير القوات المسلحة العراقية آخر معاقل التنظيم، ورفع علم العراق فوق مناطق غربي الأنبار، التي كانت آخر أرض عراقية واقعة تحت سيطرة التنظيم؛ فإنه يتعين الاعتراف بأن الانهيار الإقليمي لـ”خلافة داعش” لا يشكل هزيمتها الكاملة، إذ لا تزال الأسباب الجذرية لهيمنتها بين عامي 2014 و2016 موجودة، وفي بعض الحالات ازدادت الأمور سوءًا، لذا يبقى الوضع الجيوسياسي مواتيًا للحركة الجهادية. بعبارة أخرى، فإن تحطم “داعش الدولة” لا يعني زوال أيديولوجيا التنظيم الإرهابية، لذلك لا يمكننا أن نتحدث عن هزيمة تنظيم “داعش” الكاملة.
بين “داعش الدولة” و”داعش التنظيم”:
أفضى الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي المتواصل، قبل عام تقريبًا، إلى خسارة تنظيم “داعش الدولة” أو “الدولة الإسلامية”، حوالي 98٪ من أراضيها السابقة في العراق وسوريا. وقد بدأ فصل جديد في تاريخها بعد تجريدها من بصمتها المادية وقيادتها العليا. ومنذ ذلك الحين أُجبِرَ التنظيم على العمل من الأطراف مثل أي جماعة إرهابية مسلحة أخرى تعمل وفق تكتيك “الكر والفر”.
والحاصل أن خسارة التنظيم لمدينة “الرقة” كانت بمثابة ضربة قوية لصورته التي تم بناؤها خلال الفترة ما بين 2014 و2016، وكان لها تأثيرها الفوري على آلته الدعائية سيئة السمعة، حيث ولى الوقت الذي كانت فيه إصدارات الفيديو الدعائية لـ”داعش” تتباهى بالبلدات والمدن الواقعة تحت سيطرته، وتوفير الخدمات لسكانها، والعائلات التي تستمتع بالنزهات تحت “حكم الخلافة” المزعومة، وإمدادات لا نهاية لها من المقاتلين الأجانب الذين كانوا يحثون الآخرين بدورهم على أن يحذوا حذوهم.
بيد أن التنظيم الإرهابي حتى هذه اللحظة أبعد ما يكون عن الانتهاء أو التقويض شبه الكامل، حيث لا يزال يعمل باستمرار في رسائله الإعلامية للمؤيدين على وصف هزيمته بأنها “نكسة مؤقتة”، وأنه سيتعافى تمامًا. ويبدو أن مجرد التمسك بالتنظيم بات هو الرسالة الدعائية المقصودة الآن. وتعكس التطورات الميدانية كيف أن تنظيم “داعش” يشن حملة فعالة لإعادة تأسيس مناطق دعم دائمة له، مع جمع الأموال، وإعادة بناء القيادة والسيطرة على ما تبقى من قواته.
في هذا السياق، يبدو أن التنظيم نجح خلال الشهور القليلة الماضية في إعادة ترتيب عملياته عبر الحدود، رغم الجهود التي يبذلها التحالف الدولي لتأمين الحدود السورية-العراقية. والشاهد على ذلك تلك الغارة الجوية التي نفذتها القوات العراقية والتي استهدفت “قيادة عمليات” التنظيم في موقع مجهول في سوريا في 16 أغسطس ٢٠١٨، حيث أفاد مسئولون عراقيون بأن الضربة الجوية أدت إلى تعطيل هجوم انتحاري كان سيُنفذ في داخل العراق، وقد خُطط له في داخل سوريا. كما أشار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية في الشهر ذاته إلى أن تنظيم “داعش” ما زال يسيطر على ما بين 15500 إلى 17000 مقاتل في العراق، و14 ألف مقاتل في سوريا.
صحوة عملياتية:
تُشير الأرقام إلى أن نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي حدثت له “صحوة” جزئية مقارنة بأدنى مستوى وصل إليه في أواخر عام 2017. وفي هذا السياق، يمكننا أن نقارن بين 159 هجومًا إرهابيًّا ادّعى التنظيم مسئوليته عنها على مستوى العالم في نوفمبر 2017، الشهر الذي تلا خسارته مدينةَ الرقة مباشرة، وبين 467 هجومًا إرهابيًّا زعم التنظيم مسئوليته عنها خلال سبتمبر 2018 فقط، بزيادة تقارب ثلاثة أضعاف تقريبًا. ورغم الارتفاع في عدد الهجمات، فإن تأثيرها لم يعد له نفس مستوى الخطورة والتهديد كما كان عليه في السابق، حيث عاد التنظيم إلى تكتيكات حرب العصابات، وباتت قوته البشرية أقل بكثير.

وبينما تتناوب البلدان على المركز الأول والثاني من حيث مستوى النشاط الإرهابي لتنظيم “داعش” منذ أواخر عام 2017، بدأ العراق يتصدر قائمة الهجمات التي أطلقها التنظيم في مارس 2018. فعلى سبيل المثال، زعم التنظيم تنفيذ (228) و(١٧٢) عملية إرهابية في العراق وسوريا على الترتيب من أصل (467) هجومًا إرهابيًّا زعم “داعش” مسئوليته عنها في جميع أنحاء العالم في سبتمبر 2018، وذلك استنادًا إلى إحصاء نشره التنظيم ذاته.
خريطة توضح التوزيع الجغرافي لعمليات “داعش” خلال الفترة (1/1/2018 – 1/10/2018)

وقد نفّذ تنظيم “داعش” ما يُمكن أن نسميه بـ”هجوم العودة” في مدينة الرقة في يونيو 2018، والذي كان أول هجوم له منذ خسارته لها. ومنذ ذلك الحين (يونيو 2018) وحتى الأول من أكتوبر 2018، ادعت “داعش” مسئوليتها عن 74 هجومًا صغيرًا في المدينة وريفها. وفي حين أن هذه الهجمات غير ملحوظة في معظمها ولم تُلحِق الكثير من الضرر، فمن المرجح أن تكون ذات قيمة رمزية للتنظيم؛ لإثبات قدرته على العودة إلى المناطق التي فقدها. ويزعم التنظيم تنفيذ هجمات مشابهة أيضًا في معقله السابق بمدينة الموصل العراقية.
غير أنّ هجمات التنظيم الإرهابي الأكثر دموية وقسوة هذا العام، وقعت في أفغانستان، حيث أثبتت “ولاية خراسان” الداعشية أنها الأكثر فعالية من بين جميع فروع “داعش”. كذلك شهدت كل من الصومال والفلبين زيادة في نشاط التنظيم هذا العام، ولهذا أعطت قيادة التنظيم كلا البلدين وضع “الولاية”، أي الفرع الرسمي، في يوليو 2018، مما يشير إلى تطور وضع الأفرع في البلدين على سلم توابع “داعش” في العالم.
وكانت إحدى عملياته الرئيسية هذا العام خارج نطاق نشاطه المعتاد، حيث استهدف التنظيم عرضًا عسكريًّا في مدينة الأحواز الإيرانية الجنوبية الغربية في 22 سبتمبر 2018، مما أسفر عن مقتل 25 شخصًا على الأقل. وكان هذا خرقًا أمنيًّا كبيرًا استغلته “داعش” بشدة في دعايتها للتأكيد على التهديد المستمر الذي تزعُم أنها تشكله.
من ناحية أخرى، لم يتمكن تنظيم “داعش” خلال عام 2018، خلافًا للمخاوف والتوقعات التي ترددت أواخر عام 2017، من تركيز الهجمات على الغرب كرد فعل انتقامي، سواء وفق تكتيك الهجمات المنسقة أو الذئاب المستوحدة، مقارنة بالسنوات السابقة.
محاولات لزيادة الإيرادات:
لا يزال تنظيم “داعش” يعثر على مصادر جديدة للإيرادات، وإعادة بناء القيادة والسيطرة على ما تبقى من قواته المتباعدة والمتفرقة؛ من أجل الإعداد لحملة مستقبلية واسعة النطاق في كلٍّ من العراق وسوريا، وأماكن أخرى في الإقليم. فقد تمكن التنظيم من تهريب ما يصل إلى 400 مليون دولار من العراق، وإعادة استثمارها في أعمال “مشروعة” عبر إقليم الشرق الأوسط الأوسع. كما أنه يواصل الانخراط في نشاط إجرامي مربح، بما في ذلك الابتزاز، والتهريب، والسرقة، وغسيل الأموال. فضلًا عن مؤشرات عدة على الجهود التي يبذلها التنظيم لتحقيق إيرادات إضافية، منها:
1- اتهام تنظيم “هيئة تحرير الشام” السوري، لتنظيم “داعش” باحتجاز رهائن وابتزاز عائلاتهم مقابل مبالغ تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات في شمال سوريا.
2- قيام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد “داعش” باعتراض كميات كبيرة من المخدرات، بما في ذلك عقار كبتاجون وغيره من الأمفيتامينات التي يتم تهريبها من قبل التنظيم في جنوب سوريا.
3- تفيد بعض المعطيات بأن تنظيم “داعش” أسس شبكة من الشركات، بما في ذلك توكيلات سيارات، ومحلات إلكترونيات، وصيدليات، وتغيير العملات، لغسل الأموال في العراق.
4- سرق التنظيم في منتصف سبتمبر 2018 كمية غير محددة من المخدرات خلال غارة على منشأة للرعاية الصحية بالقرب من كركوك في العراق. وقد تكون لديه نية لبيع هذه الأدوية لتحقيق ربح. ولكن قد يكون الهدف هو الحصول على مواد لإسعاف المقاتلين المصابين قبل تنفيذ العمليات.
استعادة جزئية للقيادة والسيطرة:
بعد أن أجبرت حملة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” بعض الخلايا التابعة له على الاختباء تحت الأرض، لا يمكن أن يشن التنظيم حملة إرهابية فعالة إلا إذا حافظ على القيادة والسيطرة على عشرات الآلاف من المقاتلين المتبقين. ولا تتوافر بيانات محددة حول عدد المقاتلين الخاضعين مباشرة لقادتهم الكبار. وفي إطار محاولات التنظيم لاستعادة سيطرته، بث أمير تنظيم “داعش” الإرهابي “أبو بكر البغدادي” رسالة صوتية في 22 أغسطس 2018 دعا فيها أتباعه إلى “شن الهجوم بعد الهجوم” و”التوحد والانتظام” ضد خصومهم. وبالمثل، دعا التنظيم في منشورات خلال شهري مارس – أبريل 2018 إلى تفعيل الخلايا النائمة. وتشير تلك الرسائل إلى قيام “داعش” بزرع عملاء مندمجين وسط المدنيين للقيام بهجمات مستقبلية في المناطق التي أُعيد الاستيلاء عليها في جميع أنحاء العراق وسوريا.
ومع ذلك، فإن الأوامر العامة تُشير إلى أن التنظيم قد يفتقر إلى آليات التحكم اللازمة لإصدار أوامر مباشرة لقواته. لكنّ هناك عددًا من المؤشرات على أن “داعش” يُعيد تشكيل هيكل القيادة على مستوى العمليات في العراق وسوريا وذلك حتى أكتوبر 2018، ومن تلك المؤشرات ما يلي:
1- أعلن التنظيم عن تشكيل ولايتيْن جديدتين للعراق وسوريا في 20 يوليو الماضي (٢٠١٨)، حيث تشير بعض التقارير الغربية إلى أن هذين الهيكلين التنظيميين الجديدين هما المقران التنفيذيان المسئولان عن توجيه الحملة العسكرية لـ”داعش” وإدارة وظائفه البيروقراطية في العراق وسوريا. ولدى التنظيم قوتان قتاليتان مماثلتان من حيث العدد تقريبًا في كلٍّ من العراق وسوريا، وفقًا لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية في أغسطس الماضي (٢٠١٨).
2- بدأت وسائل الإعلام الرسمية التابعة لتنظيم “داعش” في نشر شكل جديد من البيانات الخاصة بالهجمات، تتماشى مع الولايات الجديدة التي أعلن عنها التنظيم في 20 يوليو. وكانت البيانات السابقة قد حافظت على هيكل قيادة الولايات قبل فقدان عواصم “داعش” الفعلية في الموصل ومدينة الرقة. ويشير هذا التماثل في المبادئ التوجيهية للنشر والاتصالات إلى حملة إعلامية خاضعة لسيطرة مركزية في جميع أنحاء العراق وسوريا، وأن هناك قيادة عسكرية موازية تقدم تقارير وتخول إصدار المحتوى المصاحب لهذا النوع من النشاط الإعلامي. كما أن توحيد نمط دعايات التنظيم وبياناته يسمح لـ”داعش” بقياس مدى التقدم في حملاته الخاصة بشكل أكثر فاعلية.
3- أطلق تنظيم “داعش” تقريرًا أسبوعيًّا جديدًا عن أنشطته العسكرية في 2 أغسطس 2018 يتضمن تفاصيل وإحصائيات عن الهجمات في العراق وسوريا، بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان ومصر ونيجيريا والصومال والفلبين. وهذا التقرير المفصّل مشابه للتقارير السنوية الصادرة عن التنظيم خلال فترة صعوده بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011. وهو ما يثبت أن تنظيم “داعش” لا يزال قادرًا على تتبع حملاته في العراق وسوريا، بالإضافة إلى الولايات الأخرى الأنشط في الخارج.
الجهاز الدعائي للتنظيم:
اشتُهر تنظيم “داعش” بأمرين هما: وحشيته، وأسلوبه الإعلامي المتطور. بل يمكن للمرء أن يجادل بأن إدارة التنظيم لوسائل الإعلام هي أحد أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها الوقوف على “قدرته”، أو ما تبقى له من قدرة على الفعل والتنظيم. في هذا السياق، يمكن القول إن إنتاج “داعش” الإعلامي قد شهد انخفاضًا حادًّا خلال الأشهر التي أعقبت خسارته للرقة، حيث بلغ إجمالي الإنتاج الشهري 345 رسالة في أكتوبر، و307 في نوفمبر، و326 في ديسمبر 2017. وبشكل عام، بث “داعش” في عام 2017 حوالي 947 مادة إعلامية في الشهر خلال الفترة بين يناير إلى سبتمبر، مقارنة بـ616 للفترة نفسها في عام 2018.
لكن بحلول يناير 2018، بدأت الآلة الإعلامية للتنظيم تُظهر علامات على الانتعاش التدريجي، من حيث مدى تواجدها، ومن حيث جودة الإنتاج. وفي سبتمبر 2018، بث تنظيم “داعش” إجمالي 894 رسالة عبر وسائل الإعلام (ادعاءات بهجمات، وصورًا، ومقاطع فيديو، وغيرها)، مقارنة بـ774 في سبتمبر 2017، أي قبل شهر من فقدان مدينة الرقة.

وفي حين أن الأرقام تصاعدت واستأنف تنظيم “داعش” بث أشرطة الفيديو الدعائية، فقد تغير المحتوى والطابع بشكل كبير. ويأتي هذا نتيجة طبيعية لفقدان التنظيم للأراضي؛ إذ لم نعد نرى مقاطع فيديو تدعي أنها تُظهر “الحياة الجيدة” في ظل حكم “داعش”، أو أطفالًا يبدءون فترة دراسية جديدة مصاغة وفق مبادئ التنظيم، أو الأسواق الصاخبة والمتاجر مع السلع المكدسة، أو قيام الشرطة الدينية (الحسبة) بالتجول في الشوارع لإنفاذ الشريعة وقواعد السلوك الصارمة لداعش، أو قيام مهنيي التنظيم بإصلاح الطرق، وتوفير الرعاية الصحية المجانية. فضلًا عن المقاتلين الأجانب الذين يستمتعون بعطلات مع عائلاتهم في متنزهات الرقة والموصل، والصور الموسمية التي أصبحت عنصرًا رئيسيًّا للدعاية الإعلامية، مثل: اللقطات الخلابة لفصل الربيع أو الصيف في “أرض الخلافة”، وقد حلت محل هذه الصور مقاطع الفيديو للمعارك والهجمات.
ومنذ خسارته في الرقة، فشل تنظيم “داعش” في إصدار مجلة غير عربية، والتي اعتادت أن تكون سمة رئيسية للعملية الإعلامية لدى التنظيم، فتم إيقاف المجلة الشهرية متعددة اللغات “رومية”، والتي كانت تُنشَر باللغة الإنجليزية و10 لغات أخرى في أكتوبر 2017. وكانت “رومية” قد حلت محل “دابق” التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية قبل عام على بدء صدور “رومية”، في سبتمبر 2016.
وعلى الرغم من أن “داعش” تمكنت من الحفاظ على نشر صحيفة “النبأ” الأسبوعية باللغة العربية، إلا أنها لا تملك حاليًّا أي مطبوعات لغير الناطقين باللغة العربية، وهو ما يمثل خسارة كبيرة لتنظيم يسعى للوصول إلى جمهور عالمي. كما فقدت “داعش” محطتها الإذاعية “البيان” التي كانت تُبث إذاعيًّا من الرقة والموصل. وكان البث المباشر هو أوضح مظاهر محاكاة “داعش” لنموذج الدولة فيما يتعلق بالإدارة الإعلامية. ومع ذلك، فقد تمكن التنظيم من الاحتفاظ بنشرات أخبار البيان، وهي جولة إخبارية عن عملياتها في يوم معين، يتم تقديمها يوميًّا في ملفات صوتية ونصية عبر قنوات تليجرام الخاصة بها.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت قيام “داعش” بتحسين وتنويع إنتاجها الإعلامي. فعلى سبيل المثال، يقوم التنظيم منذ أبريل 2018 بتقديم ترجمات باللغة الإنجليزية بشكل منهجي لإنتاجه اليومي من الوسائط العربية عبر شبكة تابعة له من قنوات تليجرام تسمى “وكالة أنباء الناشر-الإنجليزية”. كما يتم توفير الترجمات الفرنسية الآن من قبل وسيلة إعلامية شبه رسمية تُدعى مركز النور للإعلام. وتهدف هذه الجهود إلى توصيل أخبار “داعش” ورسائلها لجمهور أوسع.
وفي أغسطس 2018، قدمت “داعش” منتجًا جديدًا، يتمثل في سلسلة فيديو أسبوعية للبيانات، أنتجها مركز حياة الإعلامي البارز متعدد اللغات التابع للتنظيم. وتقدم السلسلة التي تحمل اسم “حصاد الجنود” إحصائيات عن هجمات “داعش”، مقسمة حسب الوقت، والبلد، ونوع الهجوم، والأهداف، باستخدام الرسوم البيانية المتحركة.
وعلى المنوال ذاته، أصدرت إذاعة “البيان” التابعة لـ”داعش” منتجًا جديدًا في الأول من أكتوبر 2018 تحت عنوان “حصاد الجنود” الذي عرضت فيه تقريرًا صوتيًّا عن هجمات “داعش” خلال السنة الهجرية الماضية. وتبالغ مثل هذه المنتجات والبيانات بوضوح في قدرة التنظيم الفعلية على التعويض عن النكسات.
ولهذا، ليس من قبيل المبالغة القول بأن “داعش” بعد عام من خسارة عاصمته لا يزال أكثر التنظيمات الإرهابية صخبًا، وأعلاها صوتًا على الأرض وعلى الإنترنت. والأكثر من ذلك أنه وبسبب خسارته الكبيرة للأراضي، من المحتمل أن يواصل الاستثمار بكثافة في جهوده الإعلامية جزئيًّا لتضخيم تواجده المتضائل على الأرض، وإبقاء مقاتليه ومؤيديه، وتوجيه نداءات للمجندين الجدد.