سوف تُطلق مصر أحد أبرز الفعاليات العسكرية الدولية بتدشين النسخة الأولى من “المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية” (إيديكس 2018)، خلال الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر القادم (٢٠١٨)، كأحد مخرجات برنامج التحديث والتطوير العسكري المصري الذي حقق طفرات هائلة خلال السنوات الأربع الماضية، انعكست على ميزان القوة المصرية الشاملة. وسيكون هذا الحدث بمثابة تأسيس لتجربة واعدة لاستثمار فائض هذه القوة محليًّا ودوليًّا.
وعلى خلاف الانطباع الشائع بأن المعارض العسكرية تُمثل مجرد سوق لعرض المنتجات العسكرية الحديثة، فإنها أصبحت منصة تفاعلية لإظهار مدى القدرات التي تتمتع بها الدول التي تعرض منتجات تُظهِر مدى استيعابها للتقدم التقني الهائل في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية، وتقييم مدى كفاءة قواعد التصنيع الوطنية في تلبية الاحتياجات المحلية، ومواجهة المخاطر والمهددات غير النمطية التي فرضت عليها تقديم منتجات دفاعية وعسكرية غير تقليدية، أضف إلى ذلك إبرازها حجم ما تتمتع به الدولة من سمعة دولية تجعلها قادرة على تنظيم حدث جاذب يستقطب الكبار والمتميزين والمنافسين في هذه الأسواق، وهو أمر يصعب توافره لغير الدول التي تمتلك مؤهلات وقدرات خاصة لطرق أبواب هذا المجال.
التميز العسكري المصري
ثمة مؤشرات عديدة تؤهل مصر لكي تُشكِّل مقصدًا للاستثمار الدفاعي والعسكري، تتركز بالأساس في ثقل قدرات المؤسسة العسكرية المصرية، فضلًا عن عراقتها التاريخية، والقدرة على المعاصرة والتحديث بشكل دائم، بناء على ما شكّلته خبراتها التراكمية في الحفاظ على كيان وقوام الدولة المصرية وصيانة مقدراتها، ما منحها فرصًا لتعظيم مكاسب قوتها الشاملة، وهو ما يمكن تناوله في خمسة مؤشرات أساسية.
1- تحديث البنية التحتية العسكرية، فخلال السنوات الأربع الماضية (2014-2018) شهدت مصر طفرات نوعية في مجال التسليح، ظهرت في إبرام صفقات تسلح نوعية في كافة المجالات العسكرية البرية والجوية والبحرية. ولعل أبرز هذه الصفقات حاملتا الطائرات الميسترال “عبدالناصر” و”السادات”، والفرقاطات الجويند والفريم، والغواصات 902 الألمانية، وطائرات الرافال. كما شهدت طفرة في بناء وإعادة تأهيل القواعد العسكرية، كتأسيس قيادة الأسطول الجنوبي وبناء قاعدة محمد نجيب العسكرية.
2- تطوير البنية الأساسية العسكرية لتنمية قدرات المقاتل المصري، وذلك من خلال عدة مسارات، منها مسار تطوير المؤسسات التعليمية العسكرية وفق أحدث برامج العلوم العسكرية الدولية، وتأهيلها لتشكل قاعدة لدعم بناء الصناعة العسكرية الوطنية، وهو ما ظهر في إقامة العديد من المعارض الخاصة بالابتكارات، والمشاركة في الفعاليات العلمية الدولية في المجال العسكري، ومسار رفع الكفاءة القتالية من خلال التدريبات النوعية.
3- بناء قاعدة تصنيع عسكرية وطنية متقدمة في ظل تبني مصر لاستراتيجية توطين الصناعات العسكرية التكنولوجية المتقدمة، وكان من أبرز ما أنتجته نسخة مصرية من الفرقاطة جويند بالتعاون مع نافال جروب الفرنسية، وصناعة العديد من القطع البحرية الصغيرة والمتوسطة لسد احتياجات الأسطول البحري المصري.
4- توسيع آفاق التعاون العسكري الإقليمي والدولي التي شملت عدة مسارات على الصعيدين الإقليمي والدولي بمعدلات غير مسبوقة، ومنها: إبرام اتفاقيات وتوقيع بروتوكولات تعاون عسكري مع القوى الدولية والإقليمية، وإبرام صفقات تسلح في إطار استراتيجية تنويع مصادر السلاح، ثم التصنيع العسكري المشترك، وكذلك التوسع في التدريبات والمناورات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف الدولية كمناورة “النجم الساطع” و”تحية النسر” مع الولايات المتحدة، و”حماة الصداقة” مع روسيا، ومناورة “ميدوزا” مع قبرص واليونان، و”كليوباترا” مع فرنسا، وأخرى عربية أبرزها “رعد الشمال”، و”درع العرب”.
5- التقدم في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يظهر من مؤشرات انحسار ظاهرة الإرهاب في مصر، وأبرزها حاليًّا “العملية الشاملة سيناء 2018”. فضلًا عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب إقليميًّا ودوليًّا من خلال تبادل الخبرات والمعلومات الاستخبارية.
أهداف إقامة المعرض
ثمة أهداف رئيسية تبتغيها مصر من تدشين نسختها الأولى من المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية “إيديكس 2018″، يمكن حصرها فيما يلي:
1- تعزيز مكانة مصر عالميًّا: لا شك أن إقامة مصر لمعرض “إيديكس 2018” كحدث عالمي لاحقٌ لتنظيمها حدثًا عالميًّا دوريًّا آخر هو “منتدى شباب العالم” خلال الفترة من ٣ إلى ٦ نوفمبر من الشهر الجاري (نوفمبر ٢٠١٨)، الأمر الذي يشير إلى قدرة مصر على تنظيم فعاليات دولية بهذا الحجم، إذ يصل حجم زائري معرض “إيديكس 2018” إلى نحو 10 آلاف زائر من مختلف دول العالم. ومما لا شك فيه أن ذلك يُعزز من مكانة مصر في العالم، خاصة وأن “إيديكس 2018” يُعد المعرض الأول من نوعه في منطقة شمال ووسط إفريقيا.
2- إقامة ملتقى دولي متميز: يستقطب المعرض نحو 41 دولة من جميع أنحاء العالم كمؤشر على اتساع مساحة المشاركة، وبالتالي تشكيل ملتقى دولي في مجال تنافسي دولي متخصص، بما يؤهله لأن يكون أحد أهم المعارض على الصعيدين الإقليمي والعالمي، حيث يمثل ملتقى لتبادل الخبرات التكنولوجية بين المشاركين من الهيئات والأنظمة المختصة بالتسليح والصناعات الدفاعية. كما يستعرض أعمال التطوير والتحديث الهائلة التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية لتطوير مركز السوق المصرية في تجارة الأسلحة الدفاعية والتكنولوجيا الأمنية. فضلًا عن تخصيص جناح للأمن ومكافحة الإرهاب لعرض أحدث المعدات والحلول التقنية التي تدعم التسليح ضد الإرهاب.
3- تعظيم فرص الاستثمار في المجال العسكري: حجم الإنفاق العسكري الهائل في المنطقة يمثّل فرصة في هذا المجال، وبالتالي يشكل المعرض فرصة لاستقطاب الاقتصاديات العسكرية، وهو ما يمنح مصر فرصة لاحتلال مركز دولي في هذا المجال الذي أصبحت معظم الدول تعتمد عليه، مع اتجاه مؤشرات التسلح الدولي لتنويع مصادر السلاح، خاصة وأن هذه الأسواق أصبحت مصدرًا للتعرف على مسارات التسلح في العالم وطبيعته.
4- دعم التوجهات الاستراتيجية المصرية العسكرية التي تستهدف توسيع مجال تبادل الخبرات والمعرفة الخاصة بالتطور في المجال العسكري والدفاعي، بما ينعكس على مصر وتوجهها الخاص بمواكبة التحديث والتطور الدفاعي والشراكة التصنيعية. فوجود نحو 316 شركة عارضة يعني مزيدًا من التفاعل مع الوكلاء، وليس مجرد التعرف على المنتجات الدفاعية بشكل نظري، ويتيح فرصة عملية للبحث عن الأفضل في تلك المنتجات، وأيضًا فرصة لتقييم المعروضات التي يستضيفها المعرض.
5- تنمية قدرات واكتساب خبرات عالمية، إذ غالبًا ما تشكل التجربة للمرة الأولى فرصة لاختبار القدرات التي شرعت الدولة في تبينها أو تدشينها، لكن تكرار الحدث يؤسس لتراكم خبرات للدولة المصرية يمكن البناء عليها في المستقبل. وبالتالي تنمية القدرات المصرية تباعًا، وهو ما ينعكس على التنمية في المجال العسكري والدفاعي، وتحقيق هدف الاستعداد والجاهزية لمواجهة المخاطر والتهديدات القائمة والطارئة.
طبيعة الاستعدادات الخاصة لإقامة المعرض
وأخيرًا، يمكن الإشارة هنا إلى طبيعة الاستعدادات الجارية لإقامة المعرض، والتي تؤكد الفرصة الكبيرة لتحقيق الأهداف السابق الإشارة إليها. فعلى مدار عام كامل، استعدت مصر لإقامة هذا المعرض في مركز مصر للمعارض الدولية، والذي تنظمه وزارة الدفاع والإنتاج الحربي تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة. وشهدت تلك الاستعدادات:
1- تجهيز موقع للعرض يليق بالحدث، حيث يضم المعرض 3 صالات عرض كبيرة. كما يشمل أجنحة دولية تمثل 21 دولة، وتخصيص جناح للأمن ومكافحة الإرهاب لعرض أحدث المعدات والحلول التقنية التي تدعم التسليح ضد الإرهاب، إلى جانب صالة لاستضافة كبار الزوار العسكريين والممثلين الصناعيين على مدار أيام المعرض الثلاثة.
2- شراكة دولية متميزة في التنظيم، حيث يتم تنظيم المعرض بالتعاون مع مؤسسة كلاريون العالمية التي تعد أكبر منظم للمعارض العسكرية والأمنية على الصعيد الدولي، والتي شاركت في تنظيم أكثر من 200 فاعلية في القطاعات المختلفة.
3- الدعاية والإعلام محليًّا وعالميًّا، عبر كافة الوسائل الإعلامية وحجز مساحات إعلانية في كبريات الصحف والمحطات الفضائية العالمية، ودعوة الصحفيين والخبراء المتخصصين في المجال العسكري. ويقوم على رعاية المعرض 15 شركة عالمية ومحلية. وبالتالي توفير كافة الاستعدادات اللوجستية لإخراج الحدث بشكل لائق.
إجمالًا، تُعد إقامة مصر معرض الصناعة العسكرية والدفاعية “إيديكس 2018” أحد مؤشرات مسار التقدم المصري. فالحديث عن ازدهار المؤسسة العسكرية المصرية لا تتوقف انعكاساته عليها فقط، بل قيمة مضافة لازدهار الدولة المصرية بشكل عام باعتباره إحدى أهم ركائز قوتها الشاملة.