في وقتٍ يشهد فيه العالم أزمة حادة نتيجة انتشار فيروس كوفيد-19، يختلف الوضع في الأراضي الفلسطينية، حيث تتضاعف معاناة الشعب الفلسطيني، وذلك في ظل حالة العزلة والحصار المفروضة من قبل السلطات الإسرائيلية، والاستغلال الإسرائيلي للوضع الراهن والتوسع في الاستيطان، فضلًا عن تردي القطاع الصحي الفلسطيني وعدم قدرته على مواجهة انتشار الفيروس بين الفلسطينيين. ولا شك أن ما يحدث اليوم هو نتاج الممارسات الإسرائيلية من تجاهل للحاجات الإنسانية للفلسطينيين، وهو ما قد يسفر عن كارثة إنسانية إذا ما تفاقمت أزمة تفشي الوباء في المناطق الفلسطينية.
وفي كل الأحوال، ستنعكس تداعيات انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية على إسرائيل بشكل مباشر، سواء كانت تلك التداعيات صحية أو اقتصادية أو أمنية، فكافة القطاعات في المناطق الفلسطينية تشهد ترديًا ولن تحتمل مزيدًا الضغط، خاصة في ظل التنبؤات بانهيار السلطة الفلسطينية حال استمرار الأزمة لفترة طويلة، ناهيك عن الآثار الاقتصادية. لذا فمن الضروري إلقاء الضوء على الوضع في الأراضي الفلسطينية في ظل أزمة فيروس كوفيد-19 والتعامل الإسرائيلي مع الأزمة في المناطق الفلسطينية وتداعيات تفشي الوباء في الأوساط الفلسطينية.
حتى 3 أبريل، بلغ عدد الإصابات المؤكدة بين الفلسطينيين 193 حالة، وجاء توزيع الإصابات جغرافيًّا كالتالي: 73 إصابة في قرى القدس، 46 إصابة في بيت لحم، 47 إصابة في رام الله. كما تم رصد 5 إصابات في الخليل، و4 حالات في نابلس، وإصابتين في طولكرم، وإصابة واحدة في كل من أريحا وسلفيت. في حين وصل عدد المصابين في قطاع غزة إلى 12 إصابة.
التحركات في مواجهة الأزمة
على صعيد الإجراءات الفلسطينية، فمنذ ظهور أول حالة إصابة داخل الأراضي الفلسطينية، اتخذت الحكومة كافة الإجراءات الاحترازية لحماية المواطنين الفلسطينيين، حيث أمر رئيس الوزراء الفلسطيني “محمد اشتية” باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع المدنيين الفلسطينيين من التنقل بين المدن أو بين القرى والمدن، ودعا لإجراء مزيد من الاختبارات، خاصة على الفلسطينيين العائدين من إسرائيل أو في الخارج. وتم عزل الأشخاص ذوي الحالات الخطرة، كما تم إنشاء ما لا يقل عن 13 نقطة تفتيش أمنية في المناطق الفلسطينية، وتم إغلاق جميع الكنائس والمساجد، بالإضافة إلى قاعات الزفاف والمطاعم والمقاهي. فضلًا عن ذلك، أعلنت الحكومة الفلسطينية اعتزامها اتخاذ إجراءات وصفتها بـ”الأكثر صرامة” لمواجهة فيروس كورونا المستجد، خاصة تجاه العمال الفلسطينيين العائدين من إسرائيل الذين يشكلون الخطر الأكبر، حيث تشهد الأراضي الفلسطينية خلال الأسبوعين القادمين أكثر المراحل خطورة، بسبب عودة 45 ألف عامل فلسطيني من إسرائيل، خاصة أن معظم الإصابات في الأسبوع الأخير كانت للعمال العائدين للأراضي الفلسطينية.
وفي إطار جهود الحكومة الفلسطينية لمكافحة تفشي الوباء، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني “محمد اشتية” أن الإمكانيات الفلسطينية في الوقت الراهن شهدت تحسنًا، مؤكدًا أن الحكومة الفلسطينية يمكنها إجراء 1500 فحص يوميًّا، كما وجه بضرورة تجهيز مناطق عزل في كافة مستشفيات القطاع الخاص للتعامل مع الحالات المصابة. وأكد “اشتية” أن الأجهزة الأمنية والكوادر الطبية تواصل العمل ليلًا ونهارًا للحفاظ على سلامة الفلسطينيين.
أما بالنسبة للإجراءات الإسرائيلية، ففي سبيل الحد من انتشار الوباء بين الفلسطينيين، وما يمثله ذلك من خطر على إسرائيل، أعلنت الدولة العبرية عن نقل 500 طقم فحص لتشخيص فيروس كورونا إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وقامت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية بنقل أكثر من 7000 شريحة فحص فيروس كورونا إلى الضفة الغربية. ووفقًا لما ذكره موقع دويتش فيله بالعربية، فإن مصادر أكدت إمداد قطاع غزة بألف شريحة فحص لفيروس كورونا.
رغم كل ذلك، هناك مخاوف أمنية متصاعدة في إسرائيل من انتشار الوباء في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وهو ما قد تتحمل إسرائيل تبعاته إلى جانب الأزمة التي تمر بها جراء جائحة كورونا.
التنسيق الإسرائيلي الفلسطيني الاضطراري
دفعت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد كلًّا من السلطات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية للتنسيق لمنع تفشي الوباء، إدراكًا منهما لمدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالجانبين حال انتشار الفيروس في الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية، فاضطرا لعقد اجتماعات متعددة لتنسيق الجهود لاحتواء الأزمة.
في هذا السياق، اتفق الرئيسان الفلسطيني “محمود عباس” والإسرائيلي “رؤوفين ريفلين” على التنسيق لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وذلك رغم عدم وجود اتصالات سياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ 2014. كما أعلن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية “إبراهيم ملحم” عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع الإسرائيليين لمعالجة هذه الجائحة، مؤكدًا أن تداخل الحدود والعلاقة بين فلسطين وإسرائيل لا تسمح بالتردد في اتخاذ إجراءات صارمة والتنسيق على أعلى المستويات لمنع تمدده، وفقًا لوكالة “وفا” الفلسطينية الرسمية. وعلى الجانب الآخر، أكد بعض المسئولين في وزارة الصحة أن حالة الطوارئ التي تمر بها الأراضي الفلسطينية تُحتم التعاون في المجال الطبي بين الجانبين، وذلك بهدف محاربة الوباء الذي لا يعترف بالحدود ولا يميز بين فلسطيني وإسرائيلي، ورأوا أن هذا هو التوقيت المناسب لتجاهل أية خلافات.
كما قامت إسرائيل بتسليم بعض المعدات الطبية لكلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى عقد دورات إرشادية للطواقم الطبية الفلسطينية في المستشفيات الإسرائيلية من أجل تحديد آليات متفق عليها لمواجهة الفيروس، بالإضافة إلى تدريبهم على إجراء الاختبارات للمرضى المشتبه في إصابتهم بالفيروس، وتدريبهم على طرق الوقاية وحماية الطواقم الطبية من العدوى.
نقص الإمكانيات قد يُفضي إلى كارثة إنسانية
يواجه القطاع الصحي الفلسطيني أزمة خانقة جراء تناقص المقومات الدوائية والتجهيزات الطبية ومستلزمات الوقاية والفحوصات المخبرية وأجهزة التنفس الصناعي مما يحد من قدرته على مواجهة انتشار الفيروس، خاصة حال تزايدت أعداد المصابين. وقد تعددت التقارير الأممية التي تؤكد المستويات الكارثية للوضع الصحي والإنساني في قطاع غزة جراء استمرار الحصار الإسرائيلي والتي كان آخرها التحذيرات التي أطلقها مدير عمليات وكالة الغوث “ماتياس شمالي” حول خطورة الواقع الصحي وصعوبة إدارة الأزمة في مواجهة وباء كورونا المستجد.
وتحسبًا لتدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وفي قطاع غزة بشكل خاص، طالبت وزارة الصحة الفلسطينية المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية والإغاثية بالتدخل الفوري لإنقاد الوضع الصحي في قطاع غزة من خلال توفير مبلغ 23 مليون دولار لأجهزة التنفس الصناعي والعناية المركزة والأدوية والمستهلكات الطبية ولوازم المختبرات والمواد الفحص المخبري وقطع غيار الأجهزة الطبية ومستلزمات الوقاية لتحقيق الاستجابة الأولى حال تفشي الفيروس. ووفقًا لتصريح وزيرة الصحة الفلسطينية “مي كيلة” من المتوقع إصابة 800 فلسطيني بحسب أسوأ السيناريوهات.
وحذرت السلطة الفلسطينية من نقص المعدات اللازمة للتعامل مع الوباء في الضفة الغربية إذا لم يتم كبح انتشار المرض، حيث تحتوي كافة مستشفيات الضفة الغربية على 120 جهاز تنفس فقط، في منطقة يبلغ عدد سكانها ما يقارب الثلاثة ملايين وتعاني أقسام العناية المركزة بالضفة عجزًا بنسبة 50%، وعجزًا نسبته 70% في الأطباء، وتبلغ عدد أسرّة العناية المركزة قرابة 150 سريرًا في المستشفيات الحكومية والخاصة، أي بمعدل سرير لكل 20 ألف مواطن. أما في قطاع غزة، فإن متوسط عدد الأسرّة في مستشفيات قطاع غزة الذي يعيش فيه حوالي مليوني فلسطيني، يبلغ حالي 13 سريرًا لكل 10 آلاف مواطن، بينما يقدر عدد الأطباء العاملين في العناية المركزة والصدرية بـ60 طبيبًا على مستوى القطاع.
وقد تعددت الدعوات داخل الأراضي الفلسطينية لمواجهة انتشار الوباء، حيث دعا المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية، إلى الضغط على إسرائيل من أجل إجبارها على الالتزام بواجباتها، والسماح بإدخال كافة الاحتياجات الطبية إلى قطاع غزة، خاصةً الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لفحص المشتبه في إصابتهم بالفيروس. وأكد المركز أن الجهاز الطبي لن يكون بمقدوره التعامل مع المرضى المصابين بفيروس كورونا، إذا ما وصل عددهم لبضع عشرات، بسبب نقص الإمكانيات الخاصة اللازمة لعلاج هؤلاء المرضى، لا سيما أن علاجهم يحتاج لأجهزة طبية ومخبرية ومستلزمات وأدوية من نوع خاص، لا تتوفر في المستشفيات والمراكز الطبية في القطاع. وأكد المركز أن هشاشة القطاع الطبي هي نتاج لسياسات الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن استعدادات قطاع غزة لمواجهة فيروس كورونا في الوقت الحالي تكفي لعدد حالات، يصل إلى 100 أو 150 حالة، أما إذا ما زادت الحالات فالنظام الصحي لن يكون قادرًا على الاستجابة لأعداد كبيرة من المرضى، والأمر يستدعي تدخلًا للمؤسسات الأممية والدولية لتضافر الجهود وتوفير ما يلزم من المعدات والأجهزة والمستهلكات والأدوية والطواقم الطبية.
ماذا لو تفشى الوباء في المناطق الفلسطينية؟
بقراءة المشهد في المناطق الفلسطينية، فإن الفلسطينيين على مشارف كارثة مأساوية كبرى في ظل الظروف المتدهورة ونقص الإمكانيات التي يعانون منها؛ فالشعب الذي طالما عانى من الحصار والعزلة والدمار نتيجة السياسات الإسرائيلية والحروب المتتالية، يشهد الآن واقعًا يفتقر إلى الحد الأدنى من المتطلبات الإنسانية الأساسية وعلى رأسها الرعاية الصحية. فبالرغم من تطبيق السلطة الفلسطينية بعض الخطوات لمكافحة تفشي الوباء، إلا أن الأمر ليس شديد الصعوبة في ظل الحصار الإسرائيلي والقطاع الطبي الذي يعاني خللًا وظيفيًا حادًا.
فضلًا عن ذلك، فإن السلطة الفلسطينية لا تملك تقديم المساعدة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين في المنطقة (ج) من الضفة الغربية التي تخضع بالكامل لسيطرة الجيش الإسرائيلي، والتي يعيش فيها ما يقرب من 300 ألف فلسطيني، وتضم نحو 125 مستوطنة و100 بؤرة استيطانية.
إن تفشّي فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية سيؤدي إلى كارثة بحجم مروّع؛ فالاكتظاظ السكّاني في ظل انهيار جهاز الصحة والفقر المُدقع والاعتماد على الإغاثة الإنسانية وانهيار البنى التحتية وظروف الحياة الصعبة التي تؤثر على الوضع الصحّي قد يدفع بالأمور إلى حافة الهاوية. فبالنسبة لقطاع غزة، تأتي هذه الكارثة المتوقعة بعد الحصار الإسرائيلي الذي استمر 13 عامًا، بسبب الاكتظاظ الشديد والبنية التحتية المنهارة. أما بالنسبة للضفة الغربية، فهناك مخاوف إسرائيلية من تدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية في الضفة نتيجة تفشي الفيروس وهو ما قد ينعكس على شكل مواجهة مع إسرائيل.
في هذا الإطار، طالب أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس “دونالد ترامب”، بتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا التي تضرب العالم، ودعا النواب في رسالة وجهوها إلى وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، قالوا فيها إن عرض الرئيس “ترامب” مساعدة دول تكافح فيروس كورونا بما فيها إيران وكوريا الشمالية، ينبغي أن ينطبق على الشعب الفلسطيني، وطالبوا باتخاذ خطوات جادة لتوفير الدواء والمعدات الطبية والمساعدات الضرورية الأخرى للضفة الغربية وقطاع غزة لمنع وقوع أزمة إنسانية.
وأكد النواب أن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن 38٪ من المواطنين في غزة يعيشون تحت خط الفقر، و54٪ يفتقرون إلى الأمن الغذائي، كما أن 35٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في غزة بالإضافة إلى 85% من المياه الصالحة للصيد لا يمكن الوصول إليها بسبب الإجراءات العسكرية الإسرائيلية، كما أن أكثر من 90% من المياه غير صالحة للشرب. وأضافوا أن القطاع يفتقر إلى ثلث الأدوية الأساسية. وأشاروا إلى أحد التقارير الإخبارية التي نشرت بخصوص فيروس كورونا أكد أن إصابة شخص واحد فقط بهذا الفيروس في غزة، يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وأنه لا يوجد إمكانية لعزل المرضى أو منع تفشي المرض، وجميع تلك العوامل إلى جانب جائحة كورونا التي تفتك بالمنطقة يمكن أن تعرّض الفلسطينيين في غزة للخطر.
التداعيات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا في الأراضي الفلسطينية
حذر رئيس الوزراء الفلسطيني من أزمة اقتصادية جراء انتشار الوباء، واستعرض الوضع المالي للحكومة التي تعاني موازنتها من عجز مالي سنوي يصل إلى مليار دولار، مؤكدًا أن إيرادات السلطة ستنخفض بشكل كبير إلى أكثر من 50%، سواء بفعل تراجع الضرائب المحلية أو المقاصة أو غيرها بسبب توقف عجلة الاستيراد والتصدير والاستهلاك، فضلًا عن مضاعفة عجز الموازنة. وأشار إلى أن خسائر الاقتصاد الوطني المترتبة على أزمة كورونا ستكون كبيرة. وأوضح “اشتية” أن الحكومة بدأت بدراسة الآثار المترتبة على هذه الأزمة مع البنك الدولي وفريق من المؤسسات والوزارات ذات العلاقة لإعادة إنعاش الاقتصاد بعد الأزمة، كما أكد على أنه ثمة حاجة إلى 120 مليون دولار لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
علاوة على ذلك، أعلن “اشتية” أنه من المقرر أن يتم صرف 100% من أجور الموظفين خلال شهر مارس، والذين يبلغ عددهم نحو 133 ألف موظف عمومي، وهو ما يستحيل تطبيقه حال استمرار الأزمة في شهر أبريل، خاصة في ظل انخفاض الإيرادات، لذا فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني أزمة سيولة، بالإضافة إلى أزمة بطالة مستفحلة. فيما طالب وزير المالية الفلسطيني “شكري بشارة”، خلال لقاء تم مع نظيره الإسرائيلي “موشيه كحلون”، بالإفراج عن كامل عائدات الضرائب الفلسطينية المحتجزة منذ العام الماضي لاستخدامها في مواجهة فيروس كورونا المستجد؛ حيث صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في يناير الماضي على اقتطاع 43 مليون دولار من أموال عائدات الضرائب الفلسطينية كعقاب على دفعها مخصصات شهرية للأسرى وعائلات القتلى الفلسطينيين، وفي فبراير من العام الماضي اقتطعت إسرائيل مبلغ 502 مليون شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية لذات السبب، ما أدى إلى نشوب أزمة مالية اقتصادية للسلطة الفلسطينية استمرت عدة شهور ولا تزال تداعياتها مستمرة.
وفي إشارة إلى الخسائر الاقتصادية منذ بدء الأزمة، أكد رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، النائب “جمال الخضري” أن قطاع غزة تكبد خسائر اقتصادية خلال شهر مارس الماضي بلغت 200 مليون دولار، بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي وإجراءات مواجهة فيروس كورونا. كما أشار إلى أن الوضع الكارثي الحالي يستدعي العمل باتجاهين، الضغط الدولي على الاحتلال لإنهاء الحصار، وتكاتف عربي وإسلامي دولي لإغاثة غزة، وإمدادها بالاحتياجات الطبية والغذائية والإنسانية. وطالب “الخضري” وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” بزيادة المخصصات الغذائية، والعمل لدى المانحين لحثهم على الوفاء بالتزاماتهم وزيادة مخصصات الغذاء والدواء.
على الجانب الآخر، تخشى إسرائيل انعكاس تداعيات انتشار فيروس كورونا في الأوساط الفلسطينية عليها، فالانهيار الاقتصادي قد يتزامن مع اندلاع أحداث عنف وسيناريوهات متطرفة، مما يؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي، فقد بدأ الأمر بمحاولة آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة الهرب إلى إسرائيل لإنقاذ حياتهم، لذا، سارعت إسرائيل بتحويل مبلغ 120 مليون شيكل (33.3 مليون دولار) من أموال الضرائب الفلسطينية كمساعدة طارئة للسلطة الفلسطينية في ضوء أزمة كورونا. وفي ظل التباطؤ الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني، يتوقع الخبراء أن فيروس الكورونا سيؤدي إلى مزيد من التباطؤ وربما إلى خسائر وإلى إفلاس الكثير من الشركات خاصة في مجال السياحة.
ممارسات عنصرية واستغلال إسرائيلي للأزمة
لم تتخلَّ السلطات الإسرائيلية عن سياساتها العنصرية تجاه الفلسطينيين، حتى في ظل أزمة تفشي وباء كورونا المستجد، حيث استثنت العمال الفلسطينيين من الطوق الأمني الذي فرضته ضمن تدابير مواجهة كورونا، وتركت لهم المجال للعبور عبر ثغرات في جدار الفصل العنصري، ولم يتم اتخاذ أية إجراءات وقائية بشأنهم، ما جعلهم عرضة للإصابة ويزيد من احتمالات نشر الوباء في الأوساط الفلسطينية.
علاوة على ذلك، استغلت إسرائيل أزمة انتشار الوباء، واعتبرته نافذة يمكن من خلالها إحراز تقدم في ملف الأسرى لدى حركة حماس عبر رزمة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي “نفتالي بينيت” قد أشار إلى الموضوع ذاته من خلال تصريحه حول المجال الإنساني في غزة، والذي أكد فيه أن لإسرائيل احتياجات إنسانية تتمثل أساسًا في استعادة من سقطوا في الحرب. وربط “بينيت” بين تقديم المساعدات الإنسانية لغزة باستعادة جنديين إسرائيليين فُقدا عام 2014، ولا تزال حماس تحتفظ برفاتهما.
ولم تقف الممارسات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل تطور الاستغلال الإسرائيلي للأزمة ليصل إلى محاولات ترمي إلى عرقلة الجهود الفلسطينية لمكافحة فيروس كورونا؛ فقد قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال وزير شئون القدس “فادي الهامي”، بعد اقتحام منزله بطريقة وحشية، فيما اعتبرته وزارة الخارجية الفلسطينية إجراء يهدف إلى عرقلة الجهود الفلسطينية الرسمية والشعبية المبذولة في مواجهة وباء كورونا، واعتبرت ما حدث استهدافًا لجميع الفلسطينيين في القدس المحتلة، ويقع ضمن إطار المحاولات الإسرائيلية لتهويد القدس وضمها وإفراغها من مواطنيها الفلسطينيين.
وفي إطار الممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا أشارت فيه إلى أن الخريطة التي عرضتها الصحة الإسرائيلية حول أماكن المصابين بفيروس كورونا، أظهرت عدم إجراء اختبارات كافية للفلسطينيين في الداخل ومناطق شرقي القدس. وذكرت الصحيفة أن أعداد المرضى الذين تم تشخيصهم في المناطق الفلسطينية منخفض جدًا مقارنة بالإسرائيليين، وهو ما يدلل على أن الفحوصات التي تُجرَى للفلسطينيين قليلة.
فضلًا عن ذلك، استغلت السلطات الإسرائيلية الوباء لتستمر في فرض سياساتها الجائرة بحق الشعب الفلسطيني، حيث تم إصدار قرارات بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، بحجة حماية المستوطنين ووقايتهم من خطر انتقال فيروس كورونا إليهم، فأصدرت أوامر عسكرية بإغلاق المعابر، ومنع انتقال العمال والتجار والمرضى ومرافقيهم، وتم إغلاق حركة الشاحنات ونقل البضائع إلى قطاع غزة، وشددت الحصار المحكم المفروض عليه، بالرغم من عدم جاهزية القطاع الصحي للتعامل مع الأزمة.
وأكد مركز “أبحاث الأراضي” بمحافظة الخليل في الضفة الغربية، أنه في الوقت الذي يكافح العالم فيه فيروس كورونا، تكافح فلسطين ضد وباءين؛ الأول المتمثل بالفيروس نفسه، والآخر جائحة الاحتلال ومستوطنيه. ونبه المركز إلى أن السلطات الإسرائيلية لا تزال تواصل توسيع المستوطنات، وتصدر أوامرها بهدم وإخلاء المباني الخاصة بالفلسطينيين، وقد انعكس ذلك في توسيع مستوطنة “إفرات” شمالي بيت لحم في الأيام الأخيرة.
وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية الممارسات الإسرائيلية، وأكدت من خلال بيان نشرته، أنه في الوقت الذي تنشغل به دولة الاحتلال في محاربة وباء كورونا، تطلق يد قواتها ومستوطنيها الإرهابية لتعيث خرابًا وتنشر الدمار في الواقع الفلسطيني، في إعاقة متعمدة ومقصودة للجهود الفلسطينية المبذولة لمحاربة هذا الوباء. ودعت منظمة الصحة العالمية وهيئات حقوق الإنسان الأممية والجنائية الدولية ومجلس الأمن الدولي إلى الإسراع في نجدة الشعب الفلسطيني ومساعدته وحمايته.
وفي السياق ذاته، وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير له، 207 عمليات اقتحام نفذتها القوات الإسرائيلية منذ إعلان السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ في الخامس من مارس، ضمن الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كورونا، واعتبر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكرر للمدن الفلسطينية، يمثل ثغرة خطرة في إجراءات الوقاية من خطر تفشي فيروس كورونا. كما ذكر التقرير أن عمليات الاقتحام تخللها اعتقال 191 فلسطينيًا، وهدم منازل، دون اتخاذ أي إجراءات وقائية أو ارتداء الجنود ملابس واقية ومناسبة لمنع انتقال العدوى بالفيروس. وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بممارسة مسئولياته في حماية الفلسطينيين، وإلزام إسرائيل بوقف عمليات الاقتحام التي تُهدد بإفشال الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كورونا.
وعلى صعيد آخر، تعددت المطالبات بحماية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في ظل أزمة كورونا المستجد، حيث يقبع حوالي خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجون إسرائيل، يعانون من إهمال طبي متعمد، ولا يتم فحصهم أو اتخاذ أية تدابير وقائية لحمايتهم. وفي هذا الصدد، طالبت جامعة الدول العربية مؤسسات المجتمع الدولي المعنية بحقوق الإنسان بممارسة المزيد من الضغوط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وضرورة توفير الحماية اللازمة والضرورية لهم في هذه الظروف الصعبة جراء الانتشار السريع والواسع لفيروس كورونا، في حين أوصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها بتقليص عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في ظل انتشار الفيروس، وشددت على ضرورة قيام إسرائيل بمسئوليتها من خلال اتخاذ التدابير المناسبة وضمان توفير العلاج لضمان رعاية المعتقلين.
وتصاعد الاهتمام بأوضاع المعتقلين الفلسطينيين في ظل إعلان السلطات الإسرائيلية عن إصابة سجانين إسرائيليين بفيروس كورونا، أحدهما في سجن عوفر والآخر في سجن الرملة.
السيناريوهات الإسرائيلية للتعامل مع الأزمة
كشف موقع “والا” الإسرائيلي، النقاب عن استعدادات الجيش الإسرائيلي للتعامل مع سيناريوهات وصفها بالمتطرفة، في حال تفشي فيروس كورونا في مناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية. وأكد المحلل العسكري بالموقع “أمير بوخبوط”، أن الجيش الإسرائيلي وضع خططًا عسكرية للتعامل مع انتشار الوباء في الضفة، منها فرض حصار على بلدات أو قرى فلسطينية، في حال أصبحت موبوءة.
وأضاف، أن الجيش الإسرائيلي يستعد لسيناريوهات متطرفة يحدث فيها تدهور صحي وأزمة اقتصادية شديدة في مناطق السلطة الفلسطينية، تقود إلى تصعيد العنف الشعبي تجاه إسرائيل. وبحسب المحلل العسكري، يستعد الجيش الإسرائيلي لعدة سيناريوهات متطرفة بالضفة، بينها خروج الوضع الصحي عن السيطرة، في حال تفشي الكورونا في إحدى مدن أو قرى الضفة الغربية ما قد يقود إلى احتجاجات عنيفة ضد السلطة والجيش الإسرائيلي. كما يدرس الجيش الإسرائيلي إمكانية إعادة 50 ألف عامل فلسطيني موجودين في إسرائيل إلى بيوتهم في الضفة الغربية، بالرغم من أن مثل تلك الخطوة يمكن أن تشل قطاع البناء في إسرائيل وتثير موجة معارضة من الأوساط الاقتصادية.
كما راعت الخطة ما سيحدث مع قوات الأمن الفلسطينية، في حال بقي ملايين المواطنين الفلسطينيين محاصرين في منازلهم، ولم تُحَلّ الأزمة الاقتصادية، وخلصت إلى أن أوضاعًا كهذه ستثير حتمًا توترًا يضاف إلى التوتر القائم بسبب التخوف من الانتشار المحتمل للفيروس. كما شددت على أهمية دعم السلطة الفلسطينية في هذه الحقبة بالذات، وعدم الإقدام على خطوات لاستفزازها بمشاريع ذات طابع سياسي.
***
ختامًا، فإن استمرار أزمة كوفيد-19 تُنذر بكارثة إنسانية قد تطال الفلسطينيين، فتداعيات الأزمة صحيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا قد تهدد حياة الملايين من الفلسطينيين الذين يعانون من نقص الإمكانيات وتدهور البنية التحتية، جنبًا إلى جنب مع ظروف الفقر ونقص الاحتياجات الأساسية التي نتجت عن الممارسات الإسرائيلية طوال الأعوام الماضية، فضلًا عن خلل القطاع الصحي وانعدام قدرته على مواجهة أزمة انتشار الوباء. كل ذلك يدفع إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي للضغط على الجانب الإسرائيلي لتحمله المسئولية الكاملة كدولة احتلال تجاه المناطق الفلسطينية. ولا شك أن تزايد الإدراك الإسرائيلي بمدى أهمية حماية الفلسطينيين هو عامل مهم للحفاظ على حياة الإسرائيليين ومنع انتشار الوباء بينهم. وعلاوة على ذلك، فقد حان الوقت لأن يدرك المجتمع الدولي وإسرائيل، أن الظروف غير الإنسانية التي يعاني منها السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تحمل نتائج كارثية في أي وقت، لذا فإعادة النظر في الأوضاع المتدهورة للفلسطينيين وتقديم كافة أوجه الدعم قد بات ضروريًا خاصة في ظل أزمة فيروس كورونا التي كشفت عن مدى خطورة الأمر، وألقت الضوء على إمكانية خروج الأمور عن السيطرة في مناطق لطالما عانت من التهميش والعزل جراء السياسات الإسرائيلية.