منذ إطلاقه في أواخر نوفمبر 2022، وُصف تطبيق/ روبوت الدردشة” أو الـ”Chatbot” الذي أُطلق عليه اسم “تشات جي بي تي” (ChatGPT- Generative Pre-training Transformer) بأنه أفضل ما طرح من نوعه على الإطلاق، لا سيما في ظل قدرته على الإجابة عن جميع الأسئلة المطروحة عليه اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي، ليبدو الأمر على شاكلة التحدث مع إنسان بشري شديد الذكاء. وبهذا المعني، يُعرف (ChatGPT) بأنه برنامج اتصال نصي عبر الإنترنت أو هو روبوت للدردشة والمحادثات أو هو أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو هو برنامج لمعالجة اللغة على الإنترنت أو هو قالب لغوي موسع أو هو نظام ذكاء صناعي مدرب على توقع الكلمة التالية في جملة ما من خلال خوارزميات تحلل كميات ضخمة من النصوص المأخوذة من الإنترنت ثم تحولها إلى الشكل الذي يرغب فيه المستخدم؛ بيد أن تعدد تلك التعريفات قاد إلى مزيد من التساؤلات حول ماهيته وطبيعة استخداماته وأهم مزاياه والتحديات التي قد تنجم عنه.
الماهية والاستخدامات:
طورت شركة “أوبن أيه آي” (OpenAI) الأمريكية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي تطبيق (ChatGPT)، وهي الشركة التي تأسست في عام 2015 بميزانية بلغت مليار دولار أمريكي، ويقع مقرها في مدينة سان فرانسيسكو، ويديرها “سام أولتمان”. وتعد شركة “مايكروسوفت” إلى جانب الرئيس التنفيذي لمنصة “تويتر” ورائد الأعمال العالمي والملياردير “إيلون ماسك” من أبرز داعميها، وإن خرج الأخير من تلك الشركة في عام 2018 في أعقاب الانتشار النسبي الواسع لتطبيق (ChatGPT) حين تمكن من الوصول إلى قاعدة بيانات التدريب الخاصة بمنصة “تويتر”.
وقد طوّرت شركة (OpenAI) ذلك التطبيق باستخدام الذكاء الاصطناعي كي يتحاور مع المستخدم، ويجيب عما يُطرح عليه من أسئلة بشكل مفصل، ويتذكر كل ما طُرح عليه من أسئلة. كما يسمح للمستخدم بتصحيح الخطأ الذي قد يعتذر التطبيق عنه؛ وهو ما يعني تطوير الأخير على نحو مماثل لحديث البشر باستخدام كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغير ذلك من مصادر عامة كي ينتج هو نصوصًا أقرب ما تكون إلى النصوص البشرية مع الالتزام بقواعد الكتابة من خلال الاعتماد على خوارزميات تحلل البيانات الضخمة. فقد صُمم ذلك التطبيق ليتحاور مع المستخدمين، ويجيب بالتفصيل عن أسئلتهم، ويشرح بشكل فائق مفاهيم معقدة بكلمات بسيطة، ويقدم إنتاجًا لغويًا دون الاقتباس المباشر من مصادر أخرى ودون الاتصال بشبكة الإنترنت أيضًا.
وعليه، يعتبر هذا التطبيق أحد أقوى نماذج معالجة اللغة على الإطلاق؛ إذ يمكنه معالجتها والاستجابة لأسئلة المستخدم بأساليب ولغات مختلفة، كما يمكنه أيضًا طرح منظومة متكاملة للحوار والتخاطب على نحو تفوق فعاليته غيره من التطبيقات والبرامج المشابهة؛ فيبتكر برمجيات مشفرة، ويسهم في تعزيز الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات، ويعيد تدوير المحتوى على نحو يوحي للمستخدم بالمعرفة المطلقة على الرغم من عدم قدرته على فهم بعض الموضوعات المطروحة، بخلاف فشله في معالجة الأنماط المختلفة للألعاب الرقمية، وعدم إشارته إلى مصادر بياناته، ومحدودية معلوماته بعد عام 2021 جراء تغذيته بالبيانات حتى ذلك العام فحسب.
ونتيجة لما سبق، وصل عدد مستخدم تطبيق (ChatGPT) مليون مستخدم عقب 5 أيام من إطلاقه. وفي المقابل، استغرق “فيسبوك” ومنصة “نتفيلكس” 10 أشهر و3 سنوات على الترتيب للوصول إلى نفس العدد من المستخدمين. كما وصل عدد مستخدمي تطبيق (ChatGPT) إلى 100 مليون مستخدم نشط شهريًا في يناير2023 أي عقب مضي شهرين فحسب على إطلاقه، ما يجعل منه تطبيق المستهلك الأسرع نموًا في التاريخ. فتبعًا لشركة “سيميلر ويب”(Similar Web) للتحليلات، بلغ عدد مستخدمي تطبيق (ChatGPT) في شهر يناير 2023 نحو 13 مليون زائر يوميًا. وبالمقارنة بتطبيقات أخرى، استغرق تطبيق “تيك توك” نحو 9 أشهر بعد إطلاقه العالمي ليصل إلى 100 مليون مستخدم، في حين احتاج تطبيق “إنستغرام” إلى فترة تراوحت بين العام الواحد والعامين كي يصل إلى هذا العدد من المستخدمين. ولعل تلك المقارنات تفسر إلى حد بعيد تغريدة “ماسك” التي وصف فيها تطبيق (ChatGPT) بأنه “جيد بشكل مخيف”، مشيرًا إلى تعدد مخاطر الذكاء الاصطناعي.
استخدامات متعددة:
يعد تطبيق (ChatGPT) بمثابة طفرة في عالم الدردشة، وهو ما يتجلى بصورة خاصة في استخداماته المتعددة؛ إذ يمكن للمستخدمين أن يتواصلوا من خلاله مع بعضهم البعض أو قد يطرحوا عليه بعض التساؤلات أو ينخرطوا معه في مناقشات أو يطلبوا منه كتابة أكواد برمجية أو حل المسائل الرياضية أو كتابة واجبات مدرسية أو تأليف قصائد شعرية أو غير ذلك. وبشكل عام، يمكن القول إن استخدامات التطبيق تشمل ما يلي:
1- الكتابة وتحرير النصوص: يقوم التطبيق باكتشاف الأخطاء النحوية واللغوية في الجمل التي يكتبها المستخدمون؛ إذ يمكنه التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل، بل وتحديد المخاطب في الجملة؛ ليتحول إلى ألية للتأكد من خلو نص ما من الأخطاء، ووسيلة لإيجاد مرادفات عدة للكلمة الواحدة، بجانب التحقق من أصالة نص ما وخلوه من السرقة العلمية. كما يمكن -من خلال بعض الكلمات المفتاحية أو بعض النصوص المكتوبة- تقديم عدد لا نهائي من الصور التي يمكن من خلالها خلق تصميمات مبتكرة. كما يمكن الاستعانة بالتطبيق في كتابة الرسائل الإلكترونية الرسمية وغير الرسمية من خلال إيجاد محتوى مناسب، بل واختيار صيغة تتلاءم مع احتياجات المستخدم، وتتضمن النقاط التي يرغب في كتابتها. كما ينصرف الأمر أيضًا إلى كتابة القصص وروايتها حسب الموضوع المرغوب، ناهيك بكتابة محتوى الإعلانات وترجمته إلى اللغات الأخرى، إلى جانب كتابة السيرة الذاتية بمجرد إمداد التطبيق بمعلومات المستخدم الشخصية وبيانات التواصل ومكان الإقامة والمؤهلات العلمية وغير ذلك من بيانات يقوم التطبيق بترتيبها بشكل احترافي.
2- الدعاية والتسويق: يوفر التطبيق حملات إعلانية وطرقًا إبداعية عدة تُمكّن المستخدمين من الترويج لحساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ليدعم بذلك صنّاع المحتوى من خلال أفكار مبتكرة تُسوّق أعمالهم. كما يمكن من خلال التطبيق مساعدة المستخدمين على اختيار اسم مناسب لعلامتهم التجارية من خلال تقديم قائمة بالأسماء المقترحة بمجرد تحديد مجالات العمل وعدد الحروف المرغوبة. كما يمكن للتطبيق أن يساعد المستخدمين بشكل غير مباشر في تسويق أنفسهم من خلال كتابة الخطابات التحفيزية وتجميع الكلمات الإيجابية التي تلهم الآخرين وتساعدهم على تركيز اهتماماتهم مع تقديم نصائح تتعلق بالحياة اليومية، بجانب تدريب المستخدمين على اتخاذ القرارات الحياتية للوصول لأهدافهم، وقد يلعب دور المحاور في مقابلة وظيفية لتدريب المستخدمين على خوض مقابلات حقيقية.
3- البحث عن المعلومات ومستجدات الأحداث: يمكن من خلال التطبيق معرفة أحدث ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي من تقنيات لتشخيص أعراض الأمراض وعلاجها، بجانب معرفة أخبار العالم المختلفة والعاجلة، كما يوفر مقالات أكاديمية وغير أكاديمية في شتى الموضوعات، بجانب الاستشارات النفسية اللازمة للمستخدم بمجرد مشاركته حالته النفسية ومشاعره وما يفكر فيه. كما يمكن للتطبيق عرض جميع النتائج من وجهات النظر المختلفة والآراء المخالفة لها، والحجج التي تم ذكرها في سياق الموضوع، كما يمكنه إمداد المستخدمين باستنتاجات مبنية على أدلة وبراهين منطقية.
4- التصميم والبرمجة: يمتاز التطبيق بقدرته على استخدام مبادئ التصميم (UX/UI) ولغات البرمجة وأدوات تطوير المواقع، ويمكنه تقديم استشارات ذات الصلة بتصميم وتطوير مواقع الويب، بجانب اختبار فعالية البرمجيات المكتوبة من خلال تحديد الثغرات الموجودة في النظام وتقديم إرشادات لتعديل الخطأ؛ إذ يمكنه كتابة دوال كاملة مع شرح كل كود وحل المشكلات البرمجية. وعلى صعيد متصل، يمكن توظيف التطبيق لكتابة كلمات المرور صعبة الاختراق بمجرد تحديد طول الكلمة المرغوبة وهل ستتضمن أرقامًا أو رموزًا خاصة.
وعليه، يمكن القول إن استخدامات التطبيق تطال التحليل اللغوي للنصوص الإلكترونية، بجانب مجالات الدعم الفني من خلال الإجابة عن الأسئلة المعقدة وتقديم إرشادات تسهم في حل المشكلات من خلال إنشاء استجابات نصية واقعية تفيد في مجالات خدمة العملاء وإنشاء المحتوى لا سيما في ظل قدرته على التعامل مع مجموعة واسعة من الموضوعات وأنماط الكتابة بما في ذلك الرسائل الإلكترونية، والقصص، والأشعار، والأوامر البرمجية، وكتابة البحوث والمقالات، وغير ذلك. كما قد يضطلع التطبيق بوظيفة المحاسب أو مدير الشؤون المالية من خلال تقديم أليات ابداعية لإدارة المصروفات وإعداد الميزانيات ووضع الاستراتيجيات الاستثمارية، بجانب إدارة المخاطر المالية.
التحديات والتأثيرات المحتملة:
في اتجاه مضاد لمميزات التطبيق التي تشمل: تعدد استخداماته، وقدرته على التعلم الذاتي، والتكيف مع تعدد مصادر معلوماته لكونه نموذجًا للشبكة العصبية الذكية التي يمكن تدريبها، وبراعته في إنشاء استجابات نصية دقيقة، والتحدث الطبيعي الذي يشبه التحدث الإنساني، والتعامل مع العديد من اللغات، وسرعته الفائقة ذات الأهمية في الأغراض الخدمية الخاصة بالنصوص الإلكترونية الحيوية، فإنه يواجه تحديات عدة على شاكلة كل النماذج العصبية الذكية كأخطاء التشغيل التي قد يترتب عليها: تقديم إجابات غير صحيحة، والتعليقات غير المناسبة على الأسئلة المطروحة، والإجابات غير الصحيحة أو غير المطابقة للسؤال المطروح، والخطأ في التحليل اللغوي. وهي الأخطاء التي نبهت إليها الشركة المنتجة للتطبيق بالقول إنه قد يعطي إجابات خاطئة أو تعليمات ضارة أو محتوى متحيز، وقد يقدم أيضًا إجابات تبدو معقولة لكنها غير صحيحة.
وبشكل عام، يمكن الوقوف على أبرز الأثار والإشكاليات التي قد تنجم عن ذلك التطبيق، وذلك على النحو التالي:
1- منافسة الشركات التكنولوجية: سعى عدد من الشركات التكنولوجية الرائدة وفي مقدمتها “جوجل” و”ميتا” إلى تطوير أدوات النماذج اللغوية التي تستخدم برامج تبتكر استجابات معقدة، بيد أن شركة (OpenAI) قطعت خطوات ثورية في هذا المجال، وأنشأت “واجهة مستخدم” (User Interface) تسمح للجمهور بتجربتها مباشرة. ومن ثم، يعتبر التطبيق نقلة نوعية على صعيد محركات البحث التوليدية، على نحو يقلص الفارق بين المحتويين الواقعي والآلي، ولذا دفعت كثير من التحليلات بأنه ينذر بنهاية شركة “جوجل”، لأنه يعطي المستخدم شعورًا بالتحدث إلى متخصص/خبير الأمر الذي لا يقدمه محرك البحث التقليدي من ناحية، ولأنه يغني المستخدم عن تصفح عشرات الصفحات والمواقع الإلكترونية وصولًا لمعلومة ما من ناحية ثانية، ولأنه يقدم إجابات للمستخدمين دون الاتصال بالإنترنت بالضرورة من ناحية ثالثة. وفي المقابل، هناك من يدفع باستمرار صدارة محرك البحث “جوجل”، لأنه يعطي المستخدم قائمة من المواقع التي قد تفيده في بحثه ليقرر بنفسه ماهية النتيجة التي توصل لها ويتأكد من صحتها وبالتبعية يتفادى المعلومات المضللة. بيد أن شركة “جوجل” نفسها تستشعر تهديدًا عبر عنه أحد مسؤوليها التنفيذيين لصحيفة “ذا تايمز” بقوله “إن التطبيق قد يشكل تهديدًا على عمل محركها البحثي الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات الإعلانات والتجارة الإلكترونية”.
2- التأثير في هيكل الوظائف: يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل عام في مختلف المهن والوظائف، ومن المتوقع أن يؤثر تطبيق (ChatGPT) بشكل خاص مستقبلًا في العاملين في مجال المعلومات وخدمة العملاء والبرمجة وكتابة الإعلانات وأعمال السكرتارية. وتبعًا لمجلة “فوربز”، من المتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في وظائف مليار شخص عالميًا خلال العقد المقبل؛ ودون التدريب التحويلي ستتفاقم صعوبة الحصول على فرصة عمل لا سيما مع جهود التحول الرقمي المتسارعة عالميًا من ناحية، وتراجع الأعمال اليدوية لصالح الأتمتة والآلات من ناحية ثانية. فخلال العقود القليلة الماضية، تسارع التحول من مجتمع الآلات إلى مجتمع المعلومات في ظل تطورات تكنولوجية متسارعة بقيادة الذكاء الاصطناعي، وهي التطورات التي تزايدت معها المخاوف على مستقبل البشرية.
3- افتقاد الأصالة والضوابط الأخلاقية: دفعت “ليندا بريس” في مقالها المعنون “ChatGPT: معضلة الذكاء الاصطناعي وتحدي العدالة” بأن التطبيق يفتقر -بطبيعة الحال- إلى “الضمير” أو “النوايا” أو “الضوابط الأخلاقية”؛ فهو مجرد نموذج رياضي يعتمد على الأنماط اللغوية، وبالتالي فإن ردوده واستجابته ليست أصلية بالمعنى الإنساني للكلمة، فهي عبارة عن مجموعات من العبارات والكلمات التي تدرب التطبيق عليها سلفًا دون أن يكون له أي دور في توليدها أو استحداثها من العدم. كما أنه يفتقر إلى القدرة على تطبيق المعايير الأخلاقية في إجاباته، لأنه لا يفهم ماهية تلك المعايير ابتداءً؛ إذ أن الوصول المنظم وغير المحدود إلى جميع أنواع المعلومات يمثل تهديدًا للقدرة البشرية على القراءة والبحث المنهجي عن المعرفة؛ فعوضًا عن استغراق ساعات طويلة في قراءة كتاب ما، يمكن للتطبيق أن يقدم لمحة موجزة عنه تشرح ماهيته، وبدلًا من اهدار الوقت في كتابة نص ما أو بحث محدد، يوفر التطبيق المعلومات اللازمة لذلك دون تدقيق مصادرها، ما يعد انتهاكًا أخلاقيًا لحقوق الملكية الفكرية.
4- دعم خيارات متناقضة: في إطار دراسة موسعة، سأل أكاديميون تابعون لإحدى الجامعات الأوروبية تطبيق (ChatGPT) عن موقفه من قتل شخص ما مقابل إنقاذ خمسة أخرين، وهو ما يُعرف بمعضلة (Switch) الأخلاقية (حيث هناك قطار هارب إما أن يصطدم بخمسة أشخاص مقيدين غير قادرين على الحركة، وإما أن يصطدم بشخص واحد على مسار جانبي أخر، وهو ما يعتمد على قرار من يمسك بما يشبه الرافعة أو التحويلة التي ستحدد أي المسارين سيسلك القطار)، وقد دعم التطبيق كلا المسارين على نحو يُؤكد مدى عشوائيته التي لا يدركها مستخدميه، وهو الأمر الذي يدلل على خطورة الاستعانة به لغرض المشورة لا سيما من قبل الأطفال والشباب وتحديدًا في المسائل التي لا تخلو من أحكام قيمية واختيارات أخلاقية.
5- تأثر العملية التعليمية: تشير قدرة التطبيق على إنتاج محتوى فائق الجودة ودعم منظومة الابتكار إلى تداعياته المحتملة على قطاع التعليم؛ فقد يستخدمه الطلاب في كتابة أبحاثهم وظائفهم وأبحاثهم العلمية، ولذا تتزايد أهمية التفرقة بين نص كتبه الطالب بنفسه وأخر قدمه روبوت المحادثة. ومن المتوقع أن يصاحب ذلك تحولات عدة على صعيد منهجية التدريس حال انتشر التطبيق على نطاق واسع مع التركيز على التعلم الآلي وكيفية استخدام التقنيات التكنولوجية لتحليل البيانات واتخاذ القرارات، أو قد يتعلم الطلاب في المقابل كيفية التحليل والتشكيك في الأسباب الكامنة وراء قرارات الذكاء الاصطناعي على نحو يحفز تفكيرهم النقدي.
6- تزايد العشوائية واحتمالات الخطأ: يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات كبيرة من البيانات والوثائق بسرعة وبدقة مع تحديد الأنماط والعلاقات التي قد يصعب على البشر ملاحظتها؛ بيد أن المعلومات على إطلاقها لا تخلو من تحيزات كامنة، وهي محملة بتوجهات أصحابها، بيد أن الذكاء الاصطناعي قد يكرس بدوره تلك التحيزات ويعظم من أوجه عدم المساواة وصولًا إلى قرارات خاطئة. وتتزايد خطورة ذلك بالنظر إلى صعوبة فهم كيفية وصول الذكاء الاصطناعي إلى قراراته، ما يقوض من إمكانية مراجعتها وتقييمها من ناحية، وينذر بأخطاء محتملة ومعلومات غير دقيقة من ناحية ثانية، وهو ما يعني في مجمله تزايد أهمية تقييم العنصر البشري للمعلومات المقدمة.
ختامًا، تتعدد الآمال المعقودة على التطبيق إلى حد الدفع باستثمارات مكثفة في مجال روبوتات المحادثة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى حد تحدي بعض الشركات التكنولوجية الرائدة والاضطلاع ببعض الوظائف والأعمال البشرية. وفي اتجاه مضاد لذلك، وبالنظر إلى درجة تطوره الراهنة، قد يكون من المبكر الثقة في أصالة وحكمة وقدرات التطبيق الأمر الذي أقرته الشركة المنتجة له، بيد أنه بلا شك يكشف ملامح محتملة لمستقبل صناعة المحتوى والتأليف والكتابة الإبداعية.