عقد الاتحاد الأفريقي قمته السنوية العادية رقم (36) لرؤساء الدول على مدار يومي 18 و19 فبراير 2022 بالعاصمة الإثيوبية (أديس أبابا)، حيث شهدت القمة انتقال رئاسة الاتحاد من السنغال إلى جزر القمر، وركّزت القمة على مناقشة القضايا الاقتصادية والأمنية المُلحّة، وتحديدًا الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية والأوضاع الأمنية في مالي وبوركينافاسو وغينيا–كونكاري، بالإضافة إلى مناقشة تداعيات المجاعة والجفاف في منطقة القرن الأفريقي، والعديد من القضايا القارية الأخرى بالتركيز على موضوع تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCTA)، وهو موضوع يعكس الإجماع القاري على أن مستقبل أفريقيا يكمن في زيادة الاستثمار وتعزيز التجارة داخل أفريقيا من خلال خفض التعريفات الجمركية وحرية تنقل الشعوب والأفراد والبضائع، وتسريع التجارة البينية.
ارتباطًا بالسابق، يسعى موضوع الاتحاد لعام 2023 إلى حشد التزام سياسي أكبر في التجارة كأجندة إنمائية لأفريقيا من خلال تعزيز الحلول والتضامن لتحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس، بهدف خلق روابط متبادلة مع الدول الأعضاء، وهيئات الاتحاد الأفريقي، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، وشركاء التنمية. كانت القمة بحضور تمثيل واسع من الأمين العام للأم المتحدة “أنطونيو جوتيرش”، ورئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، وما يعكسه ذلك من الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية في خريطة التحالفات الدولية، والتحوّلات في النظام الدولي. في هذا السياق، يتيح اجتماع القادة الأفارقة فرصة لتقييم استعداد الاتحاد الأفريقي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية العديدة التي تواجهها القارة في العام المقبل. كما يأتي انعقاد القمة بعد عشر سنوات من اعتماد الاتحاد الأفريقي أجندة 2063 (أفريقيا التي نريدها).
قضايا مُلحّة ومخرجات محدودة
تعتبر أهم القضايا التي كانت على أجندة القمة، الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي، وحالة السلم والأمن القاري، وعضوية الاتحاد الأفريقي داخل مجموعة العشرين، وإصلاح مجلس الأمن الدولي، وتداعيات الأزمة الغذائية العالمية، والتعافي من جائحة (كوفيد-19)، وقضية التغيرات المناخية، وتنفيذ خارطة الطريق الرئيسية للاتحاد الأفريقي بشأن الخطوات العملية لمُبادرة إسكات البنادق في أفريقيا، وإدارة السياسات العالمية في المجالات السياسية والمالية والطاقة وأزمة الغذاء. بالإضافة إلى، القضايا الموضوعية مثل تقرير حالة السلام والأمن في أفريقيا، والتعيينات في مختلف أجهزة الاتحاد، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
• تقارير الرؤساء حول قضايا مختلفة: قدم رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوزا” ورئيس مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي تقريرًا عن حالة السلام والأمن في القارة الأفريقية؛ إذ تتولى جنوب أفريقيا حاليًا رئاسة المجلس لشهر فبراير 2023. كما قدم “بول كاجامي”، رئيس جمهورية رواندا تقرير الإصلاحات المؤسسية في الاتحاد الأفريقي، وتقرير عن حوكمة السياسة العالمية والمالية وسياسة الطاقة، الذي قدمه الرئيس السنغالي “ماكي سال”.
• التغير المناخي: حضر “أحمد عفيف” نائب رئيس دولة سيشل اجتماع رؤساء الدول والحكومات بشأن تغير المناخ (CAHOSCC) في 18 فبراير 2023، ممثلاً الرئيس “وافيل رامكالاوان”، رئيس لجنة المناخ لدول الجزر الأفريقية (AISCC). وقدم تقريرًا موجزًا عن الأنشطة التي تم الاضطلاع بها في عام 2022 لتعزيز عمل الدول الجزرية الأفريقية من أجل التنمية المستدامة المقاومة للمناخ، وتمت الإشادة بقرار نتائج قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ بإنشاء صندوق جديد لمواجهة الخسائر والأضرار في مصر، بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ، وأشار إلى أن سيشيل تُعاني مثل باقي القارة الأفريقية من تداعيات التغيرات المناخية إلى جانب تزايد عدد الكوارث المناخية.
• قضايا السلم والأمن: شارك رئيس رواندا “بول كاجامي” في المناقشات حول الوضع الأمني في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك قمة مصغرة جمعت الأطراف ومجموعة شرق أفريقيا في نيروبي وخريطة طريق لواندا. وأخبر “موسى فقي” المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي أن أفريقيا تعتمد على جهود السلام الإقليمية الجارية (عملية السلام في نيروبي التي تقودها مجموعة شرق أفريقيا وعملية لواندا) لحل الأزمة الأمنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. فيما دعا الرئيس النيجيري “محمد بخاري” الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي إلى تعزيز أنظمة الإنذار المبكر لكبح جماح الصراعات في القارة الأفريقية في حدث رفيع المستوى على هامش القمة حول الإنذار المبكر في إطار مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ولجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية (سيسا-CISSA)، وأشار “بخاري” إلى تبادل المعلومات في الوقت المناسب لنجاح عمليات الإنذار المبكر، وتعزيز التعاون بشكل أكبر مع مفوضية الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وتبني الإطار القاري لمنع النزاعات الهيكلية (CSCPF)، وتقييم الضعف الهيكلي القطري والمرونة (CSVRA).
• التغييرات غير الدستورية للحكومات: حث رئيس دولة غانا “نانا أكوفو-أدو” المجتمع الدولي على إرسال رسالة واضحة إلى مدبري الانقلاب مفادها أن الانقلابات لم تكن ولن تكون أبدًا حلولًا دائمة للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في أفريقيا. كما طلب الرئيس الكيني “ويليام روتو” من الاتحاد الأفريقي إيجاد سبل لوقف انتشار الإرهاب والانقلابات في أفريقيا. وأشار إلى أنه في عام 2022 شهدت القارة تصاعدًا غير مسبوق في العمليات الإرهابية وأعمال التطرف العنيف والتغييرات غير الدستورية للحكومات.
فيما أسفرت القمة عن بعض النتائج والقرارات بشأن القضايا والملفات ذات الاهتمام الأفريقي المشترك وفي مقدمتها تنظيم مؤتمر بشأن المصالحة الليبية، وتكليف لجنة من أجل حشد رؤية أفريقيا في العالم من أجل إصلاح قطاعات الحوكمة العالمية مثل مجلس الأمن الدولي، وفيما يلي تفصيل لبعض النتائج الأخرى:
• تسريع التنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارة الأفريقية: من خلال اعتماد سلسلة من البروتوكولات لتنفيذها والتي بموجبها بدأت التجارة رسميًا عام 2021، وتعزيز التجارة بين الدول الأفريقية، شرعت القارة في الإلغاء التدريجي للتعريفات الجمركية على90 % من السلع، وتقليل الحواجز أمام التجارة في الخدمات بهدف زيادة دخل الدول الأفريقية بمقدار 450 مليار دولار بحلول عام 2035.
• مشاريع الصكوك القانونية: تم الاتفاق على تنفيذ مشروع النظام الأساسي لمركز التدريب الأفريقي للإحصاء (PANSTAT)، ومشروع النظام الأساسي لمعهد الاتحاد الأفريقي للإحصاء (STATAFRIC)، وبروتوكول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بشأن سياسة المنافسة، ومشروع النظام الأساسي للوكالة الإنسانية الأفريقية، وبروتوكول الاستثمار لاتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وبروتوكول حقوق الملكية الفكرية لاتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
• تمديد مُبادرة إسكات البنادق: كان من المفترض تحقيق إنهاء لكافة الصراعات المسلحة والحروب الأهلية في الدول الأفريقية، ولكن لم يتحقق ذلك بحلول الموعد المحدد خلال عام 2020، وأعلنت القمة عن تمديد المُبادرة لعام 2030، والخطوات اللازمة لتسريع تنفيذ هذه المُبادرة، وتسوية النزاعات داخل دول القارة.
إنجازات منقوصة وأولويات واجبة
جاءت بعض إنجازات الاتحاد الأفريقي مصحوبة بالمحاذير، حيث حظي اتفاق وقف الأعمال العدائية الشامل لإثيوبيا بترحيب كبير، لكن مفوضية الاتحاد الأفريقي وجهت انتقادات كبيرة لعدم تحركها بسرعة أكبر لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات، في حين أن العديد من الحكومات قد صدقت على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وقد تكون على استعداد للسماح بحرية حركة البضائع، لكن عدد قليل من الدول التي صادقت على الاتفاقية. في عام 2023، يجب على الاتحاد معالجة العديد من الأولويات الأمنية بما في ذلك تجدد الاشتباكات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأزمة التغييرات غير الدستورية للحكومات، وكيفية تمويل عمليات دعم السلام والإصلاحات المؤسسية داخل الاتحاد، ويمكن توضيح أهم أولويات الاتحاد الأفريقي، كما يلي:
• تعزيز القدرة المؤسسية للاتحاد الأفريقي: تأتي القمة في لحظة حاسمة مع تأثر القارة بالصدمات الاقتصادية والتحديات الأمنية المتعلقة بالتغير المناخي، والتحديات الداخلية بما في ذلك جهود الإصلاح المؤسسي، في ظل تآكل معايير العضوية الأساسية لقدرة الاتحاد على تعزيز الحكم الرشيد والاستقرار الإقليمي، وصعوبة التنسيق مع الكتل الإقليمية لتحقيق الاستقرار. وتأتى أهم القضايا الإصلاحية المتعلقة بتعزيز توافق لومي من خلال موقف الاتحاد من الدول الأعضاء التي تحدث فيها تغييرات غير دستورية للحكومات، وضرورة إعادة تأكيد التزام القادة الأفارقة بمبادئ لومي ومالابو. بالإضافة إلى التغلب على آثار عملية إعادة الهيكلة والإصلاح التي بدأها الاتحاد عام 2021، وتضمن أحد التغييرات الرئيسية دمج إدارات الشؤون السياسية والسلام والأمن، مما نتج عنه نقص في عدد من الموظفين، مع التحديات الواضحة لعملية صنع السلام الأساسية للاتحاد. ومن ناحية أخرى، ضرورة إعادة تنشيط الإصلاحات المالية المتوقفة، حيث تصادف القمة الذكرى الخامسة لتجمع 2018، حيث التزم رؤساء الدول بإجراء قائمة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحقيق منظمة أكثر فاعلية وتعزيز الاستقلال المالي والشفافية.
• التنسيق المشترك مع التكتلات الإقليمية: يحتاج الاتحاد الأفريقي إلى تطوير طريقة عمل أفضل مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية التي غالبًا ما تكون في طليعة جهود التخفيف من حدة الأزمات؛ إذ يعيق الارتباك الدائم حول التقسيم المناسب للعمل بين الاتحاد الأفريقي والكتل الإقليمية، وبين الكتل الإقليمية نفسها، خطوات متماسكة في الحل. تماشيًا مع مبدأ التبعية، من المتوقع أن تقدم التكتلات الإقليمية الاستجابة الأولى للأزمات الناشئة، لكن في بعض الأحيان تكون غير قادرة على التعامل مع التطورات التي تهدد السلام والأمن. في مثل هذه الحالات، يتحمل الاتحاد الأفريقي مسئولية التدخل كما حدث في جمهورية أفريقيا الوسطي.
• الدبلوماسية التوجيهية في جمهورية أفريقيا الوسطى: يُظهر الوضع في جمهورية أفريقيا الوسطى علامات تدهور مقلقة، حيث يحتدم القتال بين الجماعات المسلحة وقوات الأمن الوطني، فيما يقع المدنيون في مرمى النيران المتبادلة. أدت رغبة الرئيس “فوستين تواديرا” بشأن تعديل الدستور والسعي إلى فترة ولاية ثالثة، بدلاً من التخلي عن السلطة بانتهاء ولايته الثانية في عام 2025 إلى انقسام مواطني أفريقيا الوسطى وأثارت رد فعل من المعارضة والمجتمع المدني. عليه، لعب الاتحاد الأفريقي دورًا مهمًا في جهود تحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى على مدار العقد الماضي، وينبغي أن يستخدم مساعيه الحميدة للمساعدة في تهدئة التوترات بين الفصائل المتناحرة.
• دعم المرحلة الانتقالية في تشاد: أخذت التطورات في تشاد منعطفًا قاتمًا خلال الآونة الأخيرة. على الرغم من أن المجلس العسكري الحاكم كان قد وعد في البداية، تماشيًا مع مطالب الاتحاد الأفريقي، بالتخلي عن السلطة بعد ثمانية عشر شهرًا من وفاة “إدريس ديبي”، إلا أن هذا الموعد النهائي لم يتحقق. بدلاً من ذلك، في أوائل أكتوبر 2022، تم تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين آخرين، والإعلان عن أن جميع أعضاء المجلس العسكري مؤهلون لخوض الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2024.
• تهدئة التوترات ودعم الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية: أدى تجدد أعمال العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى تصعيد التوترات الدبلوماسية في منطقة البحيرات العظمى وفرض تحديات على إجراء الانتخابات المقرر عقدها في أقل من أحد عشر شهرًا. يتعين على الاتحاد الأفريقي تنسيق الجهود لتهدئة الخلافات بين الدول المجاورة ودعم الاستعدادات للانتخابات الوطنية المقبلة، والتنسيق بين مختلف المبادرات الدبلوماسية الهادفة إلى نزع فتيل التوترات في الشرق.
• رعاية اتفاق السلام في إثيوبيا: في 2 نوفمبر 2022، وقعت حكومة رئيس الوزراء “آبي أحمد” والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي (TPLF)- اتفاقًا شاملاً لوقف الأعمال العدائية في بريتوريا -عاصمة جنوب أفريقيا. كان الاتفاق إنجازًا كبيرًا للاتحاد الأفريقي الذي عقدت المحادثات تحت رعايته، بعد أن واجه الاتحاد انتقادات شديدة لتقاعسه في وقت سابق. مع ذلك، ما مدى التزام الأطراف، بالنظر إلى أن وقف إطلاق النار السابق قد انهار في غضون أشهر. ولتعظيم احتمالات نجاح الاتفاق، سيحتاج الاتحاد الأفريقي إلى أن يظل مشاركًا بشكل كامل في دعم التقدم نحو سلام مستدام.
• السعي لتسوية المأزق السياسي في ليبيا وإنجاح مفاوضات المرحلة الثانية في السودان: منذ مارس 2022، دخلت ليبيا مرحلة من الانقسام بين حكومتين متناحرتين، تدعي كل منهما الشرعية، وتوقفت الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في البلاد من خلال توحيد قوات الأمن المتنافسة، ويسعي الاتحاد الأفريقي إلى دور أكبر في حل الجمود. على الرغم من عدم وجود حل مثالي للتحديات التي تواجه ليبيا، فإن إعطاء الأولوية للحوار السياسي المؤدي إلى الانتخابات بدلاً من تشكيل الحكومة. فيما أبرم المكون العسكري اتفاق إطاري مع قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” في 5 ديسمبر 2022، لكن هذا الاتفاق يحتاج إلى تقويته، وستكون المرحلة التالية من المفاوضات حاسمة.
حاصل ما تقدم، هناك ضرورة لتعامل الاتحاد الأفريقي من منظور شامل مع التحديات والتهديدات الأمنية في القارة الأفريقية من أجل معالجة الأسباب الجذرية لهذه التحديات وأسبابها الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الإدارة عبر الحدود من خلال تسهيل متطلبات التجارة ورقمنة الإجراءات الإدارية ووجود نقاط حدودية شاملة، وتعزيز أولويات العمل الأفريقي المشترك لضمان توفير السلام والأمن لدول القارة، بما في ذلك تضافر الجهود الأفريقية لاحتواء أوضاع الصراعات في القارة وإيجاد حلول دائمة.