تحتل ارض سيناء مكانة خاصة في نفوس المصريين على مر العصور، وقد شهدت ارضها العديد من المعارك التي اجتازتها بجدارة. ومنذ عام 2014 وضعت القيادة السياسية خطة واضحة لتنمية سيناء بدأت بالقضاء على الإرهاب، وتعزيز التنمية المجتمعية للمواطنين، وتهيئة البنية التحتية وانشاء الشركات الوطنية لضخ الاستثمارات. وتحمل ارض سيناء العديد من المقومات التي تؤهلها لجذب الاستثمارات في عدد كبير من القطاعات كالزراعة والصناعة والسياحة والطاقة والتعدين والتجارة وغيرها، وتشهد المرحلة الحالية استمرار تنفيذ الاستراتيجية القومية للتنمية المتكاملة لشبة جزيرة سيناء والتي تتطلب التعاون والتنسيق بين كافة الأجهزة المعنية بالدولة بالإضافة لمشاركة القطاع الخاص ليبدأ عهد جديد من التطوير والتنمية.
الاستراتيجية القومية للتنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء
استحوذت خطة تنمية سيناء على اهتمام الدولة منذ تحريرها؛ ففي أكتوبر 1994 أقر مجلس الوزراء خطة شاملة لتنفيذ مشروع، أطلق عليه المشروع القومي لتنمية سيناء يستهدف تقوية سياسة مصر الزراعية وتدعيمها بزيادة الرقعة الزراعية والإنتاج الزراعي وإعادة توزيع السكان وتوطينهم في صحراء مصر، وربط سيناء بمنطقة شرق الدلتا وجعلها امتداداً طبيعيا للوادي. وفي عام 2012، أصدر رئيس مجلس الوزراء مرسوم قانون رقم 14 لسنة 2012 بشأن تشكيل الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، كهيئة عامة اقتصادية تابعة لمجلس الوزراء، ليحل محل المشروع القومي لتنمية سيناء، ويهدف إلى إحداث تنمية حقيقية على أرض الواقع. وفي 7 مارس 2016 أعلن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عن استكمال خطته لبناء مجتمع عمراني متكامل في سيناء، وفي اليوم التالي تم اعلان تأسيس شركة جديدة وهي الشركة الوطنية لاستثمارات سيناء، وهي شركة استثمارية حرة تهدف إلى الربح والتنمية معا. وقد تم فتح باب الاكتتاب العام في أسهم الشركة في نوفمبر 2016 لزيادة رأسمالها وتوسيع قاعدة ملكيتها. وقد تضمنت خطة التنمية الشاملة التي تنفذها الدولة لتنمية سيناء ثلاث محاور رئيسية، هي تحسين مستوى الخدمات الأساسية، والتنمية العمرانية المتكاملة، والتنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات. ويلاحظ ترابط الثلاث محاور مع بعضهم البعض؛ إذ يؤدي تحسين مستوى الخدمات إلى زيادة جذب السكان وتحقيق التنمية العمرانية، والتي بدورها تساعد على جذب الاستثمارات من خلال توسيع حجم السوق وزيادة الطلب.
وقد استحوذت مشروعات التنمية في سيناء على ما يزيد عن 600 مليار جنية منذ عام 2014، وقد توزعت على عدد من القطاعات منها التعليم والصحة والطرق والإنارة، والكهرباء، والصرف الصحي، وغيرها.
وتضمنت مشروعات الربط البري إقامة 7 كبار عائمة اعلى قناة السويس، و5 أنفاق للعبور على جانبي القناة، وتطوير 5 مطارات هم مطار البردويل الدولي ومطار طابا ومطار شرم الشيخ ومطار الطور ومطار سانت كاترين، بالإضافة لتطوير 5 موان بحرية وجافة وانشاء المناطق اللوجستية بها، وهي ميناء شرق بورسعيد البحري وميناء القنطرة شرق البري وميناء العريش البحري وميناء طابا البري وميناء نويبع البحري، فضلا عن تطوير وإقامة طرق مترابطة.
وعلى مستوى مشروعات البنية التحتية فقد تضمنت 52 مشروع مياه شرب، و27 محطة تحلية مياه البحر، و25 مشروع صرف صحي، و92 مشروع كهرباء، بجانب توصيل التيار الكهربائي للتجمعات التنموية بجنوب سيناء.
اما بالنسبة للتجمعات التنموية من المدن الجديدة فقد بلغت نحو 17 تجمعا تنمويا و12 ألف وحدة إسكان اجتماعي و49 ألف وحدة إسكان في 4 مدن عمرانية جديدة.
وبالنسبة لمشروعات تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين فقد تم انشاء 203 مشروع لصالح التعليم قبل الجامعي، بالإضافة لإنشاء 8 جامعات، وانشاء وتطوير 50 مستشفى مركز صحي، و141 مشروع لصالح الشباب والرياضة.
كما تم ضخ استثمارات في عدد من المشروعات التنموية والتي تمثلت في مشروعات استصلاح الأراضي للزراعة لمساحة بلغت 674 ألف فدان، ومشروعات مد المياه إلى سيناء، ومشروعات تنمية الثروة السمكية، وتم تطوير 5 مناطق صناعية، وتم منح قروض المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في المجالات التي تمثل ميزة نسبية للمنطقة بنحو 2.1 مليار جنية.
وقد ساهمت تلك المشروعات في تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي في سيناء من خلال توفير فرص عمل وإتاحة الخدمات المختلفة الصحية والتعليمية والثقافية والرياضية، وتحقيق التمكين الاقتصادي للمواطنين، ومن ثم رفع المستوى المعيشي للمواطنين وأهالي سيناء.
المخطط التنموي لسيناء …نظرة مستقبلية
بعد نجاح تنفيذ عملية التنمية الشاملة في سيناء والتي استمرت منذ عام 2014 حتى عام 2022، وقيام الدولة بتنفيذ عدد من المشروعات التنموية، فإن الأمر يستلزم ضخ مزيد من الاستثمارات العامة، والخاصة لتسريع ،وتيرة التطويروالتنمية. ونظرا لخصوصية الوضع في سيناء والتي لها أهمية استراتيجية خاصة وتعد مسألة أمن قومي للبلاد بالدرجة الاولى، فإن استمرار تنفيذ المخطط الأمني أمر هام لضمان تأمينها وتعزيز البعد الأمني بها، بما يؤدي إلى زيادة جاذبيتها للسكان وتوفير البيئة الآمنة المناسبة لجذب للاستثمارات الوطنية والأجنبية. وقد يتطلب ذلك تقديم مزيد من الحوافز يتم اضافتها للتشريعات الاقتصادية المتعلقة بتنمية سيناء لتعويض الوقت والإجراءات الإضافية اللازمة للوفاء بالاشتراطات الأمنية الخاصة بالمنطقة. وكذلك هناك ضرورة لتقديم حوافز اجتماعية لزياد جذب السكان وتعزيز التنمية العمرانية وذلك من خلال التوسع في انشاء كافة الجهات الخدمية التي يحتاج إليها المواطنين وتأهلهم لقيادة العملية التنموية، فيتم التوسع في انشاء مدارس متطورة ومستشفيات ومراكز ثقافية ورياضية ودينية ومراكز تدريب وتأهيل لتطوير الصناعات المتطورة والحديثة جنب إلى جنب مع الصناعات التي يتميز بها المجتمع السيناوي؛ مثل المنتجات البيئية اليدوية والتي تسهم في خلق صورة ذهنية خاصة للمنطقة.
وتتعدد القطاعات الإنتاجية التي تتميز بها سيناء ويمكن أن تقوم عليها التنمية الاقتصادية بها؛ فبالنسبة لقطاع الصناعة فإن أرض سيناء غنية بالموارد الطبيعية التي يمكن أن تقام عليها قاعدة صناعية مثل الصناعات المعدنية والمحاجر، وصناعة الأسمدة ومواد البناء والرخام والصناعات الكيماوية والصناعات الغذائية والثروة السمكية وصناعة الاثاث المنزلي وتصنيع منتجات جريد النخيل وغيرها. ومع اهتمام الدولة بتوطين الصناعة المحلية يمكن التركيز على الصناعات التي تتوفر المواد الخام اللازمة لإنتاجها أو التي تستورد منها الدولة بنسبة كبيرة أو تلك الصناعات اللازمة للتصدير.
وبالنسبة لقطاع الزراعة؛ فتتوفر في سيناء الأراضي الزراعية وتشتهر بإنتاج بعض الحاصلات الزراعية مثل التمور والزيتون والتين، ومع الاهتمام بتطوير أساليب الزراعة فضلا عن التوسع في مشروعات توفير مصادر الري يمكن زيادة الإنتاجية، كما يمكن أن تقوم عليها بعض الصناعات الغذائية المتميزة.
وعلى مستوى قطاع السياحة، فتتعدد أنواع السياحة التي يمكن جذبها إلى أرض سيناء فبالإضافة لجاذبيتها للسياحة الشاطئية والترفيهية، فإن لها جاذبيتها الخاصة للسياحة الدينية خاصة في ظل اهتمام الدولة بمشروع إحياء مسار العائلة المقدسة، كما إنها تتميز بالمناطق الاثرية والتاريخية التي تجعلها جاذبة للسياحة الاثرية، فضلا عن جاذبيتها للسياحة العلاجية وسياحة المغامرات وسياحة المؤتمرات. وبصفة عامة فإن قطاع السياحة من القطاعات المحورية في التنمية الاقتصادية؛ إذ يتميز بعلاقته التشابكية وتعدد الروابط الامامية والخلفية مع عدد كبير من القطاعات الاقتصادية، فضلا عن إنه قطاع كثيف العمالة ويوفر دخل للبلاد من العملة الصعبة ويسهم في إعادة تشكيل الصورة الذهنية للدولة في الخارج. وفي هذا الإطار، يوصى بضرورة تشجيع السياحة من خلال تنفيذ برامج سياحية متميزة وتشغيل خطوط طيران مباشرة وبأسعار تنافسية.
وعلى صعيد قطاع الطاقة، فتتمتع سيناء بتوفر مصادر الطاقة المتجددة، ومع حرص الدولة على التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، فقد تم انشاء عدد من مشروعات الطاقة النظيفة والكهرباء في سيناء وعلى خليج السويس ومدن القناة مثل محطة أبو غرادق للطاقة الشمسية، ومشروعات نقل وتأمين الطاقة الكهربائية، ومحطة توليد كهرباء العريش. وتعد تلك المشروعات من المشروعات الجاذبة للقطاع الخاص وتتطلب رؤوس أموال ضخمة وبالإضافة لعائدها الاقتصادي فإن لها عائد بيئي كبير الأمر الذي يتطلب زيادة الحوافز المقدمة لمثل تلك المشروعات.
أما بالنسبة لقطاع التجارة، فإن الموقع المتميز لمنطقة شبة جزيرة سيناء، وقيام الدولة بالتوسع في انشاء الموانئ والمطارات ومشروعات الربط البري يمهد الطريق لتصدير منتجاتها المتميزة داخليا وخارجيا.
وأخيرا وليس اخرا، فإنه يلاحظ قيام الدولة بإدراج منطقة شبة جزيرة سيناء ضمن خطط التنمية الوطنية، وتم تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية وعدد من المشروعات في القطاعات الإنتاجية والخدمية، الأمر الذي يجعلها أحد أهم الأقاليم المصرية الجاذبة للسكان والاستثمارات لا سيما بعد انتصار الدولة في حربها ضد الإرهاب، ومع التوصية بضرورة تقديم حوافز اقتصادية واجتماعية خاصة بسيناء لتعميق مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية بسيناء سوف يبدأ عهد جديد من التطوير والتنمية.