يرتبط تعبير ترتيب البيت الفلسطينى عادة بالجهود التى بذلتها ومازالت تبذلها مصر من أجل حل القضية الفلسطينية، وليس من قبيل المبالغة التأكيد أن مصر تعد الدولة الأكبر على المستويين الإقليمى والدولى التى تحمل الهم الفلسطينى، ومع تقديرى لكل الدول التى تبدى اهتماماً بالقضية الفلسطينية إلا أنه يمكن القول إن الدور المصرى فى هذه القضية يُعد دوراً متميزاً يتسم بالإيجابية والاستمرارية .
وتأكيداً لفاعلية وتفرد الدور المصرى من المهم أن ألقى نظرة سريعة على الخطوات الإيجابية التى قامت بها مصر ابتداء من توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 ومروراً بالتفاهمات الأمنية فى شرم الشيخ عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 ثم الإشراف على الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة عام 2005 وتوقيع اتفاق المصالحة وإنجاز صفقة شاليت عام 2011 وكذا نجاح التهدئة خلال الحروب الإسرائيلية الست على غزة منذ عام 2008 وحتى عام 2023 وانتهاء بماتقوم به الدولة المصرية حالياً من إعادة إعمار القطاع بصورة غير مسبوقة .
وحتى تكون المفاهيم واضحة فإن ترتيب البيت الفلسطينى يعنى بصورة مختصرة إعادة ترميم الموقف الفلسطينى الذى تعرض إلى ما أسميه بالنكبة الثانية نتيجة الانقسام الذى حدث فى منتصف عام 2007 وأصبح هناك كيانان منفصلان أحدهما فى غزة والثانى فى الضفة الغربية، كما أن هذا الترميم يتطلب الاتفاق على مبادئ عامة تشكل منظومة السياسة الفلسطينية على المستويين الداخلى والخارجى وتكون ملزمة للقادة الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدولة المصرية لم تتوان فى أى وقت من الأوقات عن التحرك الجاد لترتيب البيت الفلسطينى مهما تكن الصعاب التى تعانيها مصر، وفى هذا الشأن أود أن أشير إلى مثالين فقط أولهما النجاح فى توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية فى القاهرة فى 4/5/ 2011 فى الوقت الذى كانت فيه الدولة المصرية تعانى حالة سيولة كاملة عقب أحداث يناير، والمثال الثانى اجتماعات الفصائل الفلسطينية فى القاهرة فى فبراير ومارس عام 2021 والاتفاق على العديد من الخطوات المهمة لدعم الموقف الفلسطينى ولكن للأسف لم تتحقق النتائج المرجوة من هذه الاجتماعات .
وكم أرجو جاهداً أن يراجع الساسة الفلسطينيون مواقفهم وأن يفكروا بواقعية فى النقاط الثمانى التالية : –
• أنه لا أمل فى ترتيب البيت الفلسطينى على أسس سليمة إلا إذا احتلت المصلحة العليا للشعب الفلسطينى الأولوية الأولى عن المصالح الحزبية الضيقة التى لايمكن لها أن تبنى الدولة الفلسطينية المرتقبة .
• أن فلسطين مازالت تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلى بكل مساوئه، ومن ثم فإن كل من يبحث عن مزايا أو مكاسب فى ظل الاحتلال فإنه يبحث عن أوهام لن تتحقق .
• أن الحكومة الإسرائيلية الحالية عاقدة العزم على تكثيف احتلالها للضفة الغربية والقدس وحصار قطاع غزة وتقوم بكل عمليات الاغتيال والاعتقال والاستيطان دون أن يردعها أحد، مع تقديرى لرجال المقاومة الفلسطينية.
• أن الانقسام الفلسطينى يعد مصلحة إسرائيلية تحرص على استمراره بل تسعى إلى فصل غزة تماما عن الضفة، ولكن فى النهاية لن تستطيع إسرائيل الوقوف أمام المصالحة إذا قرر الفلسطينيون إنجازها.
• أن الدول العربية طرحت مبادرة السلام عام 2002 دون أن تنجح فى فرضها، ومن الواضح أنه ليس فى جعبة العرب حالياً أكثر من ذلك، بل إن هناك دولاً عربية قامت بالتطبيع مع إسرائيل دون أن يكون للقضية الفلسطينية أى موقع فى اتفاقات التطبيع.
• أن الدور المصرى المتفرد يعد دورا مساعدا بقوة ولكنه لن يكون بديلاً عن الدور الفلسطينى الأساسى .
• أن المجتمع الدولى أصبح يتعامل مع القضية الفلسطينية من المنظور الأمنى والإنسانى وأن أقصى المواقف الدولية لاتتجاوز تأكيد مبادئ عامة غير مؤثرة.
• أن المسئولية الرئيسية لتغيير معادلة الوضع الفلسطينى تقع أولاً على الفلسطينيين أنفسهم ثم نبحث بعد ذلك عن الأدوار الداعمة.
وإذا انتقلنا إلى اجتماعات الأمناء العامين للتنظيمات الفلسطينية المزمع عقدها فى القاهرة خلال الفترة القادمة، ففى التقدير أن هذه الاجتماعات أو أى اجتماعات مماثلة من الصعب أن تحقق نتائج إيجابية دون أن يمتلك القادة الفلسطينيون أنفسهم – وقبل مجيئهم للقاهرة – إرادة تغيير الوضع الراهن والتوافق الحقيقى على إنهاء الانقسام بخطوات جادة نراها على الأرض وليس مجرد تفاهمات عامة ينتهى مفعولها بانتهاء الاجتماعات.
وكم أتمنى أن تأتى الاجتماعات المقبلة تتويجاً حقيقياً لتوافق الإرادة الفلسطينية لإنهاء الانقسام، وأن يتم التركيز على بلورة آليات واقعية لإنجاز المصالحة، وهنا لابد أن يتفق الفلسطينيون فى نهاية الاجتماعات على استئناف مصر مفاوضات إنهاء الانقسام فوراً، ولامانع من تشكيل لجنة محايدة لمتابعة تنفيذ مايتم الاتفاق عليه من خلال جدول زمنى محدد . كما يبدو من المهم أن يتفق الفلسطينيون أيضاً خلال هذه الاجتماعات على نقطتين رئيسيتين الأولى وهى محددات ترتيب البيت الفلسطينى بمشاركة الجميع بما فى ذلك إجراء الانتخابات فى كل من الضفة اوغزة والقدس عندما تكون الظروف مواتية لإجرائها، والنقطة الثانية هى التوافق على رؤية سياسية لحل القضية الفلسطينية تكون مقبولة من المجتمع الدولى ويمكن التحرك على أساسها مستقبلاً بالتنسيق مع الدول العربية . وبالرغم من أننى لا أؤيد تعبير الفرصة الأخيرة فإننى أرى أن الاجتماعات المقبلة تمثل الفرصة الأهم للتوافق على محددات ترتيب البيت الفلسطينى فى مواجهة موقف إسرائيلى شديد التطرف يجب أن يدفع الفلسطينيين للتوافق وليس للاختلاف، كما أنه من المهم أن يقوم الأمناء العامون بتوجيه رسالة لإسرائيل والولايات المتحدة بأنهم أصبحوا على قلب رجل واحد وأنهم يمثلون بالفعل الرقم الأصعب والأهم فى معادلة الصراع والحل.