مع توافق رغبة الدولة في إفساح الطريق أمام القطاع الخاص لزيادة تواجده في النشاط الاقتصادي، مع رغبة القطاع الخاص في الحصول على مزيد من التيسيرات وإزالة العراقيل التي تحد من قدرته على الإنتاج وتحقيق الأرباح؛ عقدت الدولة عددًا من النقاشات والمؤتمرات، وطرحت قضايا الاستثمار العام والخاص ضمن المحور الاقتصادي بجلسات الحوار الوطني، وقد سبق ذلك طرح وثيقة ملكية الدولة للحوار المجتمعي قبل إطلاقها في صورتها النهائية، كما تمت إعادة تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيد رئيس الجمهورية والذي صدر عنه نحو 22 قرارًا بشأن تحسين مناخ الأعمال. وقد توصّلت كافة تلك الفعاليات إلى عدد من التوصيات لتحسين مناخ الأعمال في مصر، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، وقد حان الوقت لصياغة تلك التوصيات في قرارات تنفيذية وسياسات جادة لتحقيق الهدف المنشود.
تعديل تشريعات الاستثمار
في الحادي عشر من يوليو الجاري أقر مجلس النواب تعديلًا جديدًا بقانون الاستثمار تنفيذًا لما جاء بقرارات المجلس الأعلى للاستثمار، وقد تضمنت تلك التعديلات توسيع نطاق الاستفادة من حوافز الاستثمار العامة المتضمنة بقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2027 بحيث تتمتع بها الشركات التي تم تأسيسها قبل العمل بقانون الاستثمار عام 2017. كما تم مد الفترة التي يجب أن تؤسس خلالها الشركات أو المنشآت الجديدة حتى تتمتع بالحوافز الخاصة الواردة بقانون الاستثمار لمدة تصل إلى تسع سنوات.
وكذلك تم توسيع نطاق الحوافز الإضافية لتشمل الإعفاء من مقابل الانتفاع بالأراضي المخصصة لإقامة المشروع لمدة عشر سنوات كحد أقصى تبدأ من بداية التشغيل. كما يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء إعفاء المشروعات المتمتعة بالحوافز الإضافية من المساهمة في تكاليف إنشاء البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة بنسبة لا تتجاوز (50 %) منها، وفقًا للضوابط التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس الأعلى. ويجوز أن تتحمل الخزانة العامة نسبة لا تزيد على 50% من مقابل استهلاك المشروع للمرافق الأساسية لمدة عشر سنوات كحد أقصى، وذلك وفقًا للضوابط التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس الأعلى.
وتضمنت التعديلات أيضًا معالجة آلية وضع الخريطة الاستثمارية وما تضمنته من بيانات. كما تم توسيع نطاق منح الرخصة الذهبية لتتضمن الشركات التي تم إنشاؤها قبل العمل بالقانون، وكذلك الشركات التي تزاول أيًا من الأنشطة الاستثمارية الخاضعة لأحكام قانون الاستثمار وليس فقط مشروعات محددة دون غيرها. وشملت التعديلات التوسع في نطاق المشروعات الجائز الترخيص بإقامتها بنظام المناطق الحرة بعد الحصول على موافقة المجلس الأعلى للطاقة لتشمل تصنيع البترول، وصناعات الأسمدة، والحديد والصلب، وتصنيع وتسييل ونقل الغاز الطبيعي، والصناعات كثيفة استخدام الطاقة.
وبجانب تعديل قانون الاستثمار، فقد وافقت الحكومة على مشروع قرار بإجراء بعض التعديلات على القانون رقم 7 لسنة 2017 المعني بسجل المستوردين؛ بحيث يتضمن التعديل السماح بقيد المستثمر الأجنبي في سجل المستوردين حتى إذا لم يكن يحمل الجنسية المصرية، وذلك لمدة 10 سنوات، حتى يتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة له في عملية استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام.
تيسيرات خاصة للقطاع الصناعي
وفي سبيل تنشيط القطاع الصناعي، تضمنت تعديلات قانون الاستثمار إضافة حافز استثماري للأنشطة الصناعية يتمثل في رد ما بين 15 – 55% من قيمة الضريبة المسددة بالإقرار الضريبي نقديًا، يتم تسديدها للمطور أو المستثمر الصناعي خلال 45 يومًا من نهاية الأجل المحدد لتقديم الإقرار الضريبي. ويشترط لمنح هذا الحافز أن يعتمد المشروع أو توسعاته في تمويله حتى تاريخ بدء مزاولة النشاط، على النقد الأجنبي من الخارج بنسبة 50% على الأقل من أمواله، وأن يبدأ مزاولة النشاط خلال ست سنوات من تاريخ العمل بهذه المادة، ويجوز مد هذه المدة بحد أقصى ست سنوات بقرار من مجلس الوزراء. ويصدر مجلس الوزراء قرارًا يتضمن الصناعات والمناطق التي تتمتع بالحافز المنصوص عليه في هذه المادة، ومدد منح الحافز لكل منها بما لا يجاوز عشر سنوات، وكذا شروط وقواعد وفئات منح الحافز وآليات صرفه.
وعلى الجانب الآخر، فقد صدر قرار بشأن الموافقة على السماح بتجديد رخص التشغيل للمشروعات الصناعية لمدة خمس سنوات بدلًا من تجديدها سنويًا. كما تم الموافقة على مشروع قرار بدراسة تعديل بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار للسماح بالترخيص لمشروعات الصناعة القائمة على الغاز الطبيعي كأحد مدخلات الإنتاج، للعمل بنظام المناطق الحرة.
كما تم إطلاق مبادرة “القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية” بقيمة 160 مليار جنيه، وتم تفعيل هذه المبادرة والتي يتم بموجبها إعفاء 20 قطاعًا ونشاطًا صناعيًا من الضريبة العقارية لمدة 3 سنوات، بحيث تتحمل الدولة تلك الضريبة، لتخفيف العبء عن كاهل القطاع الصناعي.
تفعيل مبدأ الحياد الضريبي
تضمنت وثيقة ملكية الدولة التأكيد على مبدأ الحياد الضريبي لدعم التنافسية بين القطاع العام والخاص، والذي يعني تطبيق النظام الضريبي نفسه على جميع الشركات العاملة في السوق، مما يعني أن جميع الشركات تخضع لنفس المعدلات الضريبية ونفس الإعفاءات. ويُعد الحياد الضريبي أحد المحاور الهامة لتحقيق الحياد التنافسي بجانب الحياد في المديونيات، والحياد التنظيمي أو التشريعي، والحياد في المشتريات العامة.
وقد وافق مجلس النواب على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات الضريبية الممنوحة لبعض الشركات والكيانات التابعة للدول، وكانت تلك المعاملة التفضيلية تمثل أحد عوائق دخول الأسواق بالنسبة للقطاع الخاص وتحد من المنافسة العادلة بين الكيانات الإنتاجية المختلفة. ويترتب على القانون الجديد زيادة حصيلة الدولة من الضرائب والرسوم، وتحسين مناخ الأعمال، وجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، فضلًا عن تشجيع وحدات القطاع العام على تحسين جودة منتجاتها لزيادة إيراداتها بما يوازي ارتفاع التكاليف ويضمن استمراريتها في الأسواق، بما يصب في النهاية في مصلحة المستهلك.
موقف الطروحات الحكومية
أعلنت الدولة عن استكمال برنامج الطروحات الحكومية من خلال تخارج الدولة من الشركات المملوكة للقطاع العام والقوات المسلحة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص، مستهدفة تحقيق حصيلة دولارية تقدر بنحو 2 مليار دولار، وقد أدت اضطرابات الصرف الأجنبي وتراجع قيمة العملة إلى تعثر عدد من تلك الصفقات بما أثر على تحقيق الهدف النهائي من برنامج الطروحات وأثار العديد من التساؤلات حول مصداقية الدولة في تنفيذ خطة التخارج. وقد شهد شهر يوليو الجاري التزام الدولة بتنفيذ خطة التخارج، حيث تم إعلان إتمام تعاقدات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي بقيمة 1.9 مليار دولار منها حصيلة دولارية بقيمة 1.6 مليون دولار.
وختامًا، لا شك أن كافة تلك الخطوات التنفيذية التي يجري تفعيلها خلال الفترة الحالية من شأنها أن تعزز دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، الأمر الذي يدفع نحو مزيد من الإنتاج والعمالة والتصدير وتخفيض فاتورة الاستيراد، خاصة إذا ما تم منح الحوافز الاستثمارية الجديدة للشركات التي تعمل في مجالات تحد من الاستيراد أو توجه نحو التصدير، بما يحقق مستهدفات الدولة بشأن زيادة الصادرات بنسبة 20% سنويًا. كما تجدر الإشارة إلى أهمية تلك الإجراءات في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 10% سنويًا وفقًا لمستهدفات الدولة ضمن خطة زيادة حصيلة الإيرادات الدولارية، فضلًا عن دور تلك الإجراءات في تحقيق الانضباط المالي وتخفيف الضغوط على الموازنة العامة للدولة. ولا يزال ينتظر استكمال منظومة تحسين مناخ الأعمال في مصر من خلال إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار بعد تعديله، وكذلك تقديم مزيد من التيسيرات ولا سيما فيما يتعلق بالحوافز الضريبية وتقليل مدة إصدار التراخيص والموافقات وتبسيط منظومة تخصيص الأراضي.