من المفارقات أن الكثير من دول الشرق الأوسط -حكومات وأفرادًا- أنفقت وتنفق المليارات على دعم الإخوان وعموم الإسلاميين في الغرب، في حين أنها تحاربهم في الشرق الأوسط. حدث هذا، ولا يزال، انطلاقًا من فكرة خاطئة هي أنهم “يدعمون الإسلام والمسلمين” في الغرب، لكن الحقيقة أن الذي يسيطر على أغلب المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب هم الإخوان، والبقية تتوزع بين أنواع أخرى من الإسلاميين، يقودهم الإخوان لأنهم الأكثر تنظيمًا والأكثر دأبًا.
لقد تواجد الإخوان في الغرب منذ ستينيات القرن الماضي، كما يقول الباحث “لورينزو فيدينو”؛ فاستفادوا من التمويلات السخية القادمة من دول الشرق الأوسط. فأسسوا شبكة منظمة جدًّا من المساجد والمراكز في كل البلاد الغربية. بل حصلت المنظمات المرتبطة بالإخوان على مواقع مهمة. ففي فرنسا أصبح “اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية”، وهو منظمة متطرفة، عضوًا مهمًّا في المجلس الإسلامي الحكومي. وفي إيطاليا أصبح “اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا”، المتطرف أيضًا، هو الشريك الرئيسي للحكومة في الحوار المتعلق بالقضايا الإسلامية في إيطاليا.
في الاتجاه ذاته، أكدت دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أن جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي يعتمدان على قائمة كبيرة من الكيانات والتنظيمات التي تنفذ مخططات الإخوان في الخارج، وعلى رأسها “المعهد العالمي للفكر الإسلامي”، ومنظمة “كير الإسلامية الأمريكية”، و”اتحاد المنظمات الإسلامية” في أوروبا، و”الجمعية الإسلامية الأمريكية”، و”المجلس الثوري بتركيا”. هذا بالإضافة إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومعهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن الذي يديره “عزام التميمي”، أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان، والاتحاد الإسلامي في الدنمارك، الذي يرأسه “سمير الرفاعي” عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتحالف المنظمات الإسلامية الذي يتولاه “إبراهيم الزيات”، القيادي في التنظيم الدولي.
كل هذه المؤسسات والمراكز والمساجد والمدارس والجامعات أغلبها تم تمويله بأموال من الشرق الأوسط، حكومات وأفرادًا، وهي التي شكلت البنية التحتية لجماعة الإخوان وعموم الإسلاميين في الغرب. هذه البنية التحتية يتم استخدامها طوال الوقت لنشر مشروع “الإسلام السياسي”، والذي أصبح الآن هناك إدراك لخطورته على العالم وعلى الشرق الأوسط.
مؤسسات الإخوان في كندا نموذجًا
بعض الدول من المنطقة العربية تبرعت بملايين الدولارات من أجل إقامة المركز الإسلامي في تورنتو، ومثيله في مقاطعة كيبك. كما تبرعت بعض الدول لإنشاء مركز الفجر الإسلامي. وتم التبرع لمساجد ومراكز تعلن أنها تابعة للإخوان بأموال خليجية، منها مسجد تورنتو في كندا، المعروف أيضًا باسم مسجد شارع دونداس، وهو جزء من مؤسسة المسلم في كندا (MAC). المدير التنفيذي للمسجد “د. الطنطاوي عطية” قال بوضوح: “نحن هنا نتبع تعاليم الإخوان المسلمين”.
هناك أيضًا مدرسة الأبرار التابعة لمؤسسة المسلم في كندا التي تؤكد على موقعها أنها تتبع نهج “حسن البنا” مؤسس الإخوان. وقد دعمت هذه المؤسسة منظمة حماس بمبلغ 296 ألف دولار، وهو ما جعل الحكومة الكندية تلغي عنها صفة الخيرية (أي تلقي تبرعات يتم خصمها من ضرائب المتبرعين)؛ بسبب وقوع حماس على قائمة التنظيمات الإرهابية الكندية.
وبحسب الباحث الكندي “توم كويجان”، فإن مؤسسة الشباب المسلم في كندا هي فرع من الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا – ICNA)، التي لديها مكاتب في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، ويوفر موقعها على شبكة الإنترنت لقرائه قائمة طويلة من كتب قيادات الإخوان المسلمين، مثل: مؤسس الجماعة “حسن البنا”، و”يوسف القرضاوي”، والأب الروحي للإرهاب في العالم “سيد قطب”.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من المراكز والمؤسسات التي تنكر تبعيتها للإخوان. على سبيل المثال، في كندا هدد “ياسر هدارة”، مستشار العلاقات الخارجية للرئيس الإخواني الأسبق “محمد مرسي”، بمقاضاة الباحث الكندي الشهير “توم كويجان” لأنه قال إنه عضو قيادي في جماعة الإخوان، رغم أن والده “محمود هدارة” أحد مؤسسي العديد من فروع الإخوان في أمريكا الشمالية، وكان هو نفسه منسقًا برابطة الطلبة المسلمين MSA عندما كان طالبًا بالجامعة، وعمل كمدير لمنظمة “عرفان كندا” المدرجة على قوائم الإرهاب حاليًّا. كما عمل “هدارة” مستشارًا للرئيس المعزول “محمد مرسي” رغم أنه غير مقيم بمصر، وهذا المنصب من المستحيل أن يتولاه عضو غير إخواني.
وبغضّ النظر عن الإعلان عن الانتماء للإخوان أم لا، فإنهم في النهاية جميعًا يحملون تقريبًا نفس الخطاب الديني ونفس الخطاب الأيديولوجي. وبحكم أن الإخوان هم الأكثر تنظيمًا والأكثر استمرارية في العمل العام، فهم الذين يقودون كل هؤلاء؛ هم الذين قادوا -على سبيل المثال- محاولة تجريم ما يسمونه “الإسلاموفوبيا” في كندا، وكان من بين حلفائهم شيعة وسلفيون وغيرهم.
موقف الحكومات الغربية
الدعم المالي للمساجد والمراكز والمدارس في الغرب أصبح مزعجًا بالنسبة للعديد من الحكومات الغربية، وهو ما سوف يؤثر سلبًا بالتأكيد على علاقاتها بالدول التي تمولها. فقد دعت ألمانيا إلى وقف تمويل المساجد “الأصولية” المتهمة بتغذية التطرف، فقد قال “سيغمار غابرييل”، نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد: “في ألمانيا العديد من الإسلاميين الذين يُعتبرون أشخاصًا خطرين.. فهذه الأصولية المتطرفة المتواجدة في المساجد السلفية ليست أقل خطورة من التطرف اليميني”.
وقد اتخذت النمسا إجراءات حاسمة، حيث قررت الحكومة المضيّ قدمًا في إقرار قانون يحظر التمويل الأجنبي للمنظمات المسلمة، ويجعل استخدام نسخ موحدة من القرآن باللغة الألمانية أمرًا إلزاميًّا. وتقول الحكومة إن القانون يهدف إلى منع تحول المنظمات النمساوية إلى أماكن تجنيد للجهاديين، وسيطبق على مؤسسات مثل المساجد أكثر مما سيطبق على المدارس.
كذلك هناك انزعاج في فرنسا، فالتمويل الخارجي للمساجد يؤرق الحكومة الفرنسية، التي ثبت لديها –على ما يبدو- أن هذا الدعم يشكل عصبًا مهمًّا لـ”تفريخ الإرهابيين”، عبر خطاب متشدد لا تملك هي السيطرة عليه، إذ إن “من يمول يقرر”. وعلى وقع العمليات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا خلال الأعوام الخمسة السابقة، قامت السلطات الفرنسية بإغلاق العديد من المساجد، وقاعات الصلاة، كما تعمل على استبعاد الأئمة الذين تعتبرهم فرنسا متطرفين.
هناك إدراكٌ متنامٍ بخطورة الإخوان والإسلاميين في الغرب. لكن لا يجب أن ننسى أنهم أيضًا يعملون ضد دول الشرق الأوسط. على سبيل المثال، استطاع الإخوان في البرلمان الكندي في الدورة السابقة وعبر الحزب الليبرالي الحاكم، تمرير قرار ضد الدولة المصرية، حيث وضعت وزارة الخارجية الكندية مصر ضمن الدول غير الآمنة، وساوت بينها وبين أفغانستان واليمن وسوريا. نعم هذا حدث، والنتيجة هي الإساءة بالتأكيد للسياحة وللاستثمار الأجنبي، في حين استفاد الإخوان والإسلاميون من القرار.
في الشرق الأوسط هناك ما يمكن أن نسميه إدراكًا متناميًا بخطورة الإخوان في الغرب، فقد حذر وزير الخارجية الإماراتي “عبدالله بن زايد” من انتشار الإسلام الراديكالي في أوروبا، وحذّر ولي عهد إمارة أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” من انزلاق المزيد من الشباب المسلم إلى التطرف في مساجد ألمانية.
ومن المؤكد أن هذا سوف يسبب أضرارًا كبيرة للشرق الأوسط. لا بد من الاعتراف بأن كل الأطراف أخطأت، فالغرب تحالف مع الإخوان والإسلاميين ضد الاتحاد السوفيتي سابقًا، منذ زمن “هتلر” الذي كوّن فيلقًا من مسلمي القوقاز. كما أخطأت بعض دول الشرق الأوسط في نشر ودعم نسخة من الإسلام هي في جوهرها إخوانية.
الحل هو الوقف الكامل للدعم المالي. فمن ناحية، فإن مسلمي الغرب ليسوا فقراء، وعليهم أن ينفقوا بأنفسهم على عبادتهم مثلما تفعل باقي الأقليات غير المسلمة، وبالتالي يمكن إلى حدٍّ ما تحريرهم من سيطرة الإخوان. من ناحية ثانية، فإن إخوان الغرب لديهم قدرة كبيرة على التخفي بين المسلمين هناك، وقدرة كبيرة على الانتشار بين الجاليات المسلمة.
الدول التي تناهض مشروع الإخوان اتخذت الكثير من الإجراءات، منها إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي، ومحاولة تفكيك أيديولوجيتهم، وفي سياسات مصر والسعودية دليل على هذا الاتجاه. وبصفة عامة، يجب التأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات جدية بوقف الدعم المالي عن المراكز الإسلامية في الغرب التي يسيطر على معظمها الإخوان، فليس منطقيًّا أن نحاربهم في الشرق الأوسط وندعمهم في الغرب.