قرر البنك المركزي المصري في اجتماعه الاستثنائي اليوم الأربعاء الموافق 6 مارس 2024 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75%. ويأتي ذلك بالتزامن مع تأثر الاقتصاد المحلي في الآونة الأخيرة بنقص العملات الأجنبية مما أدى إلى ظهور سوق موازية لسعر الصرف وتباطؤ النمو الاقتصادي.
مُحفزات متعددة
تتخذ البنوك المركزية قرارات السياسة النقدية عادةً بناء على العديد من العوامل، أبرزها معدل النمو والتضخم والاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة. فإذا ما أراد البنك المركزي جذب المزيد من الاستثمارات غير المباشرة أو السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة فمن المرجح أن يرفع معدل الفائدة. أما إذا كان يسعى لرفع معدل النمو فإنه سيلجأ إلى خفضها من أجل تشجيع المستثمرين على الاقتراض، وإطلاق المزيد من المشروعات، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وزيادة معدلات التشغيل، وتعزيز النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.
ومنذ بداية عام 2023 وحتى فبراير 2024 تم اتخاذ قرارات برفع سعر الفائدة ثلاث مرات مقابل الإبقاء عليها ست مرات، وهو ما يوضحه الجدول الآتي:

ويُمكن تفسير تحركات البنك المركزي الموضحة بالجدول أعلاه على النحو الآتي:
• البيئة العالمية: يجتاح العالم منذ انتشار جائحة كورونا حالة من عدم التوازن في جانبي العرض والطلب ناتجة عن تراجع إمدادات العديد من السلع بفعل حالات الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي شهدها العالم، بالتزامن مع زيادة الإقبال عليها عقب إعادة افتتاح الاقتصاد العالمي وانتشار عمليات التلقيح على نطاق واسع؛ ولهذا شهدت غالبية الدول حول العالم ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات التضخم، ولا سيما أسعار المواد الغذائية والطاقة. وما فاقم الأمر سوءًا الغزو الروسي لأوكرانيا فبراير 2022 وما تلاه من عقوبات متصاعدة من الأطراف الدولية المنخرطة في الحرب.
وقد استمرت التداعيات الخارجية الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية في التراكم تزامنًا مع تعرض الاقتصاد العالمي لصدمات متتالية. وقد أدت تلك الصدمات وتداعياتها إلى ارتفاع حالة عدم اليقين وتوقعات التضخم، مما زاد من الضغوط التضخمية.
• السياق المحلي: في ضوء السياق العالمي المضطرب، كان لا بد لمصر أن تتأثر نظرًا لكونها مستوردًا صافيًا للنفط وأكبر مستورد للقمح، حيث شهدت البلاد انخفاضًا في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يصاحبه ارتفاع في معدلات التضخم انطلاقًا من مبدأ “التضخم المستورد”، ولهذا سجل معدل التضخم مستويات قياسية. وعلى الرغم من تباطؤ معدلات التضخم السنوية مؤخراً، إلا أنه من المتوقع أن تتخطى المعدل المستهدف والمعلن من قبل البنك المركزي المصري البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024.
وتأتي قرارات السياسة النقدية المعلنة في إطار حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة بالتنسيق مع الحكومة المصرية وبدعم من الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف. واستعداداً لتنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح، تم توفير التمويل اللازم لدعم سيولة النقد الأجنبي. كما يؤكد البنك المركزي على أهمية التنسيق بين السياسات المالية والنقدية للحد من أثر التداعيات الخارجية على الاقتصاد المحلي، الأمر الذي يضع الاقتصاد المصري على مسار مستدام للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان استدامة الدين والعمل على بناء الاحتياطيات الدولية.
ومن المرتقب أن يؤدي القضاء على السوق الموازية للصرف الأجنبي إلى خفض التوقعات التضخمية وكبح جماح التضخم. وبالتالي، من المتوقع أن يتبع التضخم العام مسارًا نزوليًا على المدى المتوسط، بعد الانحسار التدريجي للضغوط التضخمية المقترنة بتوحيد سعر الصرف.
انعكاسات محتملة
من الممكن أن يؤثر قرار البنك المركزي المصري بتحريك معدل الفائدة على الاقتصاد المحلي عبر عدة قنوات، ويُمكن استعراض هذه التأثيرات على النحو الآتي:
• التأثير على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة: يتأثر الاستثمار الأجنبي غير المباشر إيجابيًا بالارتفاع المستمر لأسعار الفائدة من أجل محاولة تحويل الفائدة الحقيقية إلى النطاق الموجب، خاصة عقب خروج نحو 22 مليار دولار من الأسواق المصرية بفعل الاتجاه العالمي لرفع الفائدة مما يؤدي إلى نزوح الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة إلى نظيرتها المتقدمة.
• زيادة الضغط على الموازنة العامة للدولة: ستؤثر زيادة أسعار الفائدة في مصر على عجز الموازنة نتيجة ارتفاع عبء الدين العام، حيث تستحوذ فوائد الديون التي تدفعها الدولة على القدر الأكبر من المصروفات بالموازنة العامة، التي وصلت مخصصاتها إلى نحو 1.120 تريليون جنيه من إجمالي المصروفات في موازنة 2023/2024، لتقوم وزارة المالية عقب ذلك برفع تقديراتها لقيمة الفوائد على الديون، في العاشر من فبراير 2024، بنحو 200 مليار جنيه أو بنسبة 17.9% خلال العام المالي الجاري، مقارنة بما كانت عليه في البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة.
• محاولة رفع الطلب على العملة المحلية: يستهدف البنك المركزي برفع الفائدة وإصدار شهادات ذات عائد مرتفع زيادة الطلب على العملة المحلية وتشجيع ممتلكي الدولار على استبداله مقابل الجنيه المصري عبر القنوات الرسمية للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة.
• كبح جماح التضخم: ومن المرتقب أن يؤدي القضاء على السوق الموازية للصرف الأجنبي إلى خفض التوقعات التضخمية وكبح جماح التضخم. وبالتالي، من المتوقع أن يتبع التضخم العام مساراً نزولياً على المدى المتوسط، بعد الانحسار التدريجي للضغوط التضخمية المقترنة بتوحيد سعر الصرف. من ناحيةٍ أخرى، تشمل المخاطر المحيطة بتوقعات التضخم التوترات الجيوسياسية الإقليمية، والتقلبات في أسواق السلع الأساسية العالمية والأوضاع المالية العالمية.
حاصل ما سبق أن قرار رفع سعر الفائدة جاء في التوقيت المناسب لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة ولجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، وذلك عقب سلسلة من قرارات التثبيت رغم ارتفاع معدل التضخم وتخطيها المعدلات المستهدفة من قبل البنك المركزي المصري.