يُعد الاستثمار الأوروبي في مصر أحد أهم روافد تنمية الاقتصاد المصري، حيث تبلغ قيمته الإجمالية 39 مليار يورو، ليحتل بذلك المرتبة الأولى في أفريقيا والثانية في البحر المتوسط. ورغم التراجع الذي شهدته تلك الاستثمارات خلال عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا، إلا أن بوادر انتعاشة جديدة تلوح في الأفق مع إعادة توجيه الاتحاد الأوروبي لسياساته الاستثمارية، اتّكاءً على سلاسل توريد “قريبة” ومصادر طاقة بديلة.
كما تعد مصر الشريك التجاري التاسع والعشرين للاتحاد الأوروبي، وتمثل 0.7% من إجمالي تجارة السلع للاتحاد الأوروبي مع العالم في عام 2020. بينما يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، حيث يغطي 24.5% من حجم تجارة مصر في عام 2020. وجاءت 25.8% من واردات مصر من الاتحاد الأوروبي و21.8% من صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي.
فقد بلغ إجمالي التجارة في السلع بين الاتحاد الأوروبي ومصر 24.5 مليار يورو في عام 2020. وبلغت واردات الاتحاد الأوروبي من مصر 6.4 مليارات يورو، وجاء في مقدمتها الوقود ومنتجات التعدين (2.4 مليار يورو، بنسبة 37.7٪)، والمواد الكيميائية (1.1 مليار يورو، بنسبة 16.9٪)، والزراعة والمواد الخام (1.1 مليار يورو، بنسبة 16.8٪)، وكذلك المنسوجات والملابس (0.6 مليار يورو، بنسبة 9.9٪). كما بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى مصر 18.1 مليار يورو، وهيمنت عليها الآلات ومعدات النقل (7.2 مليارات يورو، بنسبة 39.8%)، والمواد الكيميائية (2.9 مليار يورو، بنسبة 16.1%)، والزراعة والمواد الخام (2.4 مليار يورو، بنسبة 13.1%). وكذلك الوقود ومنتجات التعدين (1.6 مليار يورو، بنسبة 9.0%).
شهدت العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي منذ يونيو 2013، تعميقًا للعلاقات التجارية والاستثمارية من خلال منطقة تجارة حرة عميقة وشاملة (DCFTA). تهدف منطقة التجارة الحرة العميقة والشاملة المستقبلية إلى تحسين الوصول إلى الأسواق ومناخ الاستثمار. كما يسعى الاتحاد إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية المصرية، كما يمتد إلى ما هو أبعد من اتفاقية الشراكة ليشمل التجارة في الخدمات، والمشتريات الحكومية، والمنافسة، وحقوق الملكية الفكرية، والاستثمارات.
وجدير بالإشارة أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجية قد شهدت اتجاهات مُتباينة في السنوات الأخيرة، فقد شهدت معدلات متسارعة بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى تراجع النشاط الاقتصادي العالمي، لتتجاوز 13.4 مليار دولار خلال عام 2022 مع تركيز متزايد على الأسواق الناشئة. ويُلاحظ اتجاه متزايد لتركيز الاستثمارات الخارجية للاتحاد الأوروبي على الأسواق الناشئة، مثل آسيا وأفريقيا، سعيًا وراء فرص النمو المرتفعة وتنويع محافظ الاستثمار. ويشير الشكل التالي إلى تطور تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الاتحاد الأوروبي خلال الفترة (2005- 2022).
الفرص الداعمة لتوطين الصناعة الأوروبية في مصر
1. القيود البيئية المتزايدة في أوروبا:
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات بيئية هائلة تتطلب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انبعاثات الكربون وحماية البيئة، وقد أدى ذلك إلى فرض قيود بيئية صارمة على المصانع، بما في ذلك:
- معايير انبعاثات صارمة: تُفرض معايير صارمة على انبعاثات غازات الدفيئة من المصانع، مما يُجبر الشركات على الاستثمار في تقنيات جديدة لخفض انبعاثاتها.
- رسوم بيئية: تُفرض رسوم عالية على الشركات التي تُخالف معايير الانبعاثات، مما يُزيد من تكاليف الإنتاج.
- حظر استخدام بعض المواد الكيميائية: تم حظر استخدام بعض المواد الكيميائية الضارة بالبيئة، مما يُجبر الشركات على البحث عن بدائل جديدة.
تُشكل هذه القيود البيئية عبئًا كبيرًا على الشركات الأوروبية، خاصة الشركات كثيفة الاستخدام للطاقة.
2. شيخوخة المجتمعات الأوروبية:
يُعاني الاتحاد الأوروبي من ظاهرة شيخوخة السكان، حيث تزداد نسبة كبار السن وتنخفض نسبة الشباب. ونتيجة للتغيير السكاني، يتقلص نصيب الأشخاص في سن العمل في الاتحاد الأوروبي حيث ينخفض عدد العاملين بـمعدل 0.4% كل عام حتى عام 2040، لتمثل أكثر من 20% من القوى العاملة. بحلول عام 2040. ويترتب على ذلك:
- نقص في العمالة الشابة: يُواجه الاتحاد الأوروبي نقصًا في العمالة الشابة، مما يُشكل عبئًا على الشركات التي تُواجه صعوبة في العثور على عمالة ماهرة.
- ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية: يزداد عبء الرعاية الصحية على الدول الأوروبية مع ازدياد عدد كبار السن، مما يُؤدي إلى ارتفاع الضرائب على الشركات.
- انخفاض معدلات الابتكار: يُمكن أن يُؤدي نقص الشباب إلى انخفاض معدلات الابتكار في الشركات الأوروبية.
تُشكل شيخوخة المجتمعات الأوروبية تحديًا كبيرًا لاقتصاديات الدول الأوروبية، مما يدفع الشركات إلى البحث عن بدائل لخفض تكاليف الإنتاج وتحسين قدرتها التنافسية.
3. ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا:
تُعاني الدول الأوروبية من ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، فقد حدثت زيادة كبيرة في أسعار الغاز والكهرباء وصلت إلى الضعف في دول الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت أسعار الكهرباء في عام 2023 إلى 28.9 (يورو/100 كيلووات ساعة) مقارنة بـ23.7 يورو في عام 1202، بالإضافة إلى وصول سعر الغاز إلى 11.9 (يورو/100 كيلووات ساعة) في عام 2023 مقارنة بـ7.8 يورو في 1202. أثرت هذه الزيادة في أسعار الغاز والكهرباء على تكاليف تشغيل المصانع بشكل سلبي، خاصة الصناعات التي تعتمد على الطاقة بشكل كبير
يُؤدي ذلك إلى:
- زيادة تكاليف الإنتاج: تُشكل تكاليف الطاقة جزءًا كبيرًا من تكاليف الإنتاج في العديد من القطاعات، مما يُؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
- انخفاض القدرة التنافسية: تُصبح الشركات الأوروبية أقل قدرة على المنافسة مع الشركات في الدول ذات أسعار الطاقة المنخفضة.
- البحث عن بدائل: تُضطر الشركات الأوروبية إلى البحث عن بدائل لمصادر الطاقة التقليدية، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
يشكل ارتفاع أسعار الطاقة تحديًا كبيرًا لاقتصاديات الدول الأوروبية، مما يدفع الشركات إلى البحث عن مواقع إنتاج ذات تكاليف طاقة منخفضة.
4. مزايا أخرى لتوطين الصناعة الأوروبية في مصر:
بالإضافة إلى العوامل الثلاثة المذكورة أعلاه، هناك العديد من المزايا الأخرى التي تدعم توطين الصناعة الأوروبية في مصر، أهمها:
- موقعها الاستراتيجي: تقع مصر في مفترق طرق بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما يجعلها بوابة مثالية للوصول إلى أسواق ضخمة.
- قوة عاملة ماهرة: يُعدّ الشباب المصري ثروة بشرية هائلة، حيث يُشكل ما يقارب 60% من إجمالي السكان.
- سوق محلية ضخمة: يُقدر عدد سكان مصر بأكثر من 100 مليون نسمة، مع نمو سنوي مُستمر.
- إمكانيات هائلة لمصادر الطاقة المتجددة: تتمتع مصر بشمس ساطعة على مدار العام.