أعلنت مصر في نهاية شهر إبريل الماضي عن افتتاح أول مركز للبيانات والحوسبة السحابية الحكومية في مصر وشمال أفريقيا ليشكل نقلة جديدة في مجال التطبيقات الرقمية، بالإضافة إلى خدمة المستخدمين من الحكومة والأفراد، حيث تم تجهيزه بأحدث الأنظمة الإلكترونية لإتاحة وتأمين البيانات التي تقوم على تعزيز التكامل بين الوزارات والهيئات وسرعة ودقة اتخاذ القرار()، كما يهدف المركز إلى جذب استثمارات أجنبية لتوطين صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر.
وتعد مراكز البيانات الركيزة الأساسية للاقتصاد الرقمي الذي يساهم بما يقارب 15% من إجمالي الناتج المحلي العالمي وفقًا لبيانات البنك الدولي، ويتوقع أن يساهم هذا القطاع بنحو 30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي بحلول عام 2030، وخلق 30 مليون فرصة عمل(). ولذلك، أصبحت تلك المراكز ذات شعبية كبيرة في بلدان عديدة تتربع على عرش صناعة البيانات مثل الولايات المتحدة وألمانيا ().
الأهمية الاقتصادية لمراكز البيانات
هناك تسابق دولي على تلك الصناعة منذ منتصف القرن الماضي التي أصبحت أحد متطلبات الاقتصاديات المتقدمة. فقد كشف تقرير نشرته شركة برايس ووتر هاوس كوربرز (PWC) عام 2022 عن التأثير الاقتصادي لمراكز البيانات في اقتصاد الولايات المتحدة في الفترة 2017- 2021 . حيث ساهمت تلك الصناعة بنحو 2.1 تريليون دولار أمريكي من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي في تلك الفترة().
ووفقًا للتقرير، فقد ساهمت هذه الصناعة في توفير 3.5 ملايين فرصة عمل مباشرة عام 2021، بالإضافة إلى أن كل فرصة عمل واحدة في مجال صناعة البيانات توفر ست فرص عمل أخرى غير مباشرة، وهو ما أدى إلى زيادة مساهمة هذا القطاع في دخل العمل السنوي من 209 مليارات دولار عام 2017 إلى 294 مليار دولار عام 2021، أي ما يعادل 40% من دخل العمل الوطني فضلًا عن نمو دخل العمالة المباشرة في صناعة مراكز البيانات بنحو 74% ما بين عامي 2017 و2021. وتنتشر مراكز البيانات في 50 ولاية أمريكية، وبلغ إجمالي مساهمة هذه الصناعة في الإيرادات الحكومية الفيدرالية بما يقارب 66.2 مليار دولار أمريكي عام 2017، وتزايد هذا الرقم بنحو 50% عام 2021 ليسجل 99.6 مليار دولار أمريكي().
وقد أدى النمو السريع لصناعة مراكز البيانات إلى جذب انتباه المستثمرين من كافة قطاعات الاستثمار- مثل شركات رأس مال النمو والاستحواذ ومستثمري البنية التحتية والعقارات، حيث يتوقع وصول حجم الطلب في هذه الصناعة إلى 35 جيجاوات بحلول عام 2030 وهو ضعف حجم الطلب المسجل عام 2022 في الولايات المتحدة وحدها. لذا، فقد شهد عام 2021 إبرام 209 صفقات لمراكز البيانات، بقيمة إجمالية تزيد عن 48 مليار دولار، بزيادة تقدر نحو 40% عن عام 2020، والتي كانت قد سجلت 34 مليار دولار. كما تم تنفيذ 87 صفقة بقيمة إجمالية 24 مليار دولار في النصف الأول فقط من عام 2022 ().
مراكز البيانات والاستثمار في مراكز البيانات والاستثمار في الذكاء الاصطناعي
تعمل مراكز البيانات بشكل أساسي على دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تتطلب وجود طاقة هائلة من الحوسبة من أجل استيعاب التضخم الهائل في حجم البيانات التي تحتاجها وتنتجها تلك التطبيقات()، لذلك عادة ما تتجه الاستثمارات الخاصة بدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الدول التي لديها قدرة على تلبية احتياجات السوق من مراكز البيانات. وفقًا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد لعام 2023، فإن حجم الاستثمارات الكلية الموجهة للذكاء الاصطناعي عن الفترة من 2013-2022 تتجه في معظمها إلى الولايات المتحدة بإجمالي 248.90 مليار دولار أمريكي تليها الصين بواقع 95.11 مليار دولار أمريكي أي أقل من نصف الاستثمارات الموجهة للولايات المتحدة(). ويرجع ذلك للقوة الاستيعابية للولايات المتحدة الأمريكية من مراكز البيانات حيث تمتلك 5381 مركزًا للبيانات() وتتفوق بذلك على الدول في قائمة العشر الأولى مجتمعة بنحو 38%.
مصر وصناعة البيانات
وفقًا لموقع خرائط مراكز البيانات (Data Center Map )، فإنه يوجد بمصر 14 مركزًا للبيانات مملوكة للقطاع الخاص وقطاع الاتصالات، يقع 11 منها في القاهرة الكبرى فقط ()، لكنها ليست كافية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات السحابية ومبادرات الرقمنة والاستثمارات في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. وحيث تعطي الشركات العاملة في كافة القطاعات أولوية قصوى لأمن المعلومات وقابلية التوسع والاتصال، فقد أدى ذلك إلى نمو الطلب على أساس سنوي بنسبة 8.2% عام 2022() ويتوقع أن يصل حجم دخل سوق مراكز البيانات عام 2024 إلى 268 مليار دولار مع وجود نمو سنوي في حجم الدخل بنسبة 8.39% في الفترة من 2024-2028(). كما يتوقع أن يبلغ حجم السوق إلى 28 ميجاوات من حيث القدرة الاستيعابية بحلول عام 2029 ونمو الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع بنحو 18.85% في الفترة من 2023-2029 ().
وتعزو هذه النظرة الإيجابية إلى سوق البيانات في مصر إلى موقعها الاستراتيجي والذي يمر خلاله 17 كابلًا بحريًا يربط بين الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا ومن المتوقع أن يتم تشغيل خمسة كابلات أخرى خلال السنوات الخمس القادمة() بالإضافة إلى مبادرات التحول الرقمي المدعومة باليد العاملة المدربة واعتماد المؤسسات العامة والخاصة على الحلول السحابية لتحسين خدمات تكنولوجيا المعلومات لديها().
ومن المتوقع أن يؤدي افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية إلى زيادة القدرة على تقديم تطبيقات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء في القطاع الحكومي وهو ما يؤدي إلى جذب فرص استثمارية من مراكز البيانات الدولية والتي أصبح دخولها إلى السوق المصري مسألة وقت مثل مراكز بيانات أفريقيا، ومركز بيانات الخليج، ومراكز بيانات خزنة، أحد أكبر مزودي خدمات البنية التحية لمراكز البيانات في دولة الإمارات، وهو ما يؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية في السوق لهذه الصناعة في السنوات القادمة.