ردًا على قرار الجمعية الوطنية (البرلمان) في كوريا الجنوبية، في 14 ديسمبر 2024، عُزل يون سوك يول الرئيس الكوري الجنوبي من منصبه، على خلفية الأزمة السياسية التي أعقبت إعلانه فرض الأحكام العرفية، في الثالث من الشهر ذاته، اعتبرت الصين أن هذا الأمر شأنًا داخليًا خاصًا بسيول، وأكدت في الوقت ذاته حرصها على استقرار علاقاتها مع سيول، رغم التوترات الملحوظة التي شابتها خلال إدارة الرئيس يون. ورغم أن الأزمة السياسية الراهنة في كوريا الجنوبية تُعد أزمة داخلية، فإنها ذات أبعاد وارتدادات خارجية مهمة، في ضوء ما أثارته من مواقف وردود أفعال إقليمية ودولية. وهو ما يطرح التساؤلات بشأن أبعاد موقف الصين إزاء هذه الأزمة، وما قد تتيحه من فرص ومكاسب، وكذلك ما قد يترتب عليها من مخاطر وتحديات بالنسبة للصين على الصعيدين الداخلي والخارجي؟.
أولًا: دوافع اهتمام الصين بالأزمة:
ترتبط الصين بعلاقات قوية مع كوريا الجنوبية، وهو ما جعل الأولى تبدي اهتمامًا ملحوظًا بمتابعة تطورات الأزمة السياسية في الثانية، وهناك دوافع واعتبارات عدة تفسر اهتمام بكين بالأزمة، ومن أبرزها:
1- إقحام الصين في الأزمة: في محاولته لتبرير لجوئه إلى إعلان الأحكام العرفية، وما ترتب على ذلك من اضطرابات سياسية، أشار الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول إلى أن بلاده تواجه تهديدًا خارجيًا من جانب بعض القوى الإقليمية، مشيرًا بوجه خاص إلى ما وصفه بأنه محاولات تجسس من جانب مواطنين صينيين ضد بلاده باستخدام طائرات بدون طيار، بجانب زعمه أن مرافق الطاقة الشمسية الصينية ستدمر الغابات في بلاده. وهي الاتهامات التي ردت عليها الصين بحزم، إذ انتقدت بكين الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، لإلقائه اللوم على الصين في الأزمة السياسية الداخلية في بلاده، وأبدت انزعاجها واستيائها إزاء تصريحاته، مؤكدة معارضتها الشديدة لربط الجانب الكوري الجنوبي شئونه الداخلية بعوامل تتعلق بالصين، واختلاق مزاعم لا أساس لها من الصحة حول ما يسمى بالتجسس الصيني، وتشويه التعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي. وتعليقًا على عزل الرئيس يون، أكدت الصين على ثبات واستقرار سياستها تجاه كوريا الجنوبية، واعتبرت أن ما يحدث في سيول شأنًا داخليًا خاصًا بها. كما رأت أن الحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية يخدم المصالح المشتركة لجميع الأطراف المعنية.
2- التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين: ترتبط الصين وكوريا الجنوبية بعلاقات شراكة اقتصادية قوية، تتميز بروابط تجارية واستثمارية قوية، إذ تعتبر كل منهما شريكًا تجاريًا رئيسيًا للآخر، حيث وصلت قيمة التجارة الثنائية بين الدولتين في عام 2022 إلى نحو 362.3 مليار دولار. ووفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، فقد بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى كوريا الجنوبية خلال عام 2023 قرابة 149 مليار دولار. وخلال اللقاء الذي جرى بين لي تشيانغ رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) الصيني والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في 27 مايو 2024، على هامش القمة الثلاثية بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية التي عُقدت بسيول، اتفقت الصين وكوريا الجنوبية على استئناف المرحلة الثانية من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بينهما، والتي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2015. كما دعت الصين كوريا الجنوبية واليابان إلى نبذ الحمائية والانفصال الاقتصادي وقطع سلاسل التوريد، وعدم تسييس أو إضفاء الطابع الأمني على القضايا الاقتصادية والتجارية. كذلك تتعاون الدولتان في مجال الحفاظ على استقرار سلاسل الإمداد الصناعية وسلاسل التوريد. وشهدت الآونة الأخيرة تنفيذ سلسلة من الأنشطة بين بكين وسيول لتعزيز التعاون في سلسلة التوريد، ومنها عقد مؤتمر تعزيز سلسلة التوريد للشركات الصينية الكورية الجنوبية في بكين، وذلك خلال معرض الصين الدولي الثاني لسلسلة التوريد الذي عُقد في أواخر نوفمبر 2024.
3- توتر العلاقات السياسية بين بكين وسيول: على الرغم من الزخم الاقتصادي والتجاري الكبير الذي تتسم به العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية، فإن هناك تباينات وخلافات سياسية عديدة بين الدولتين، انعكاسًا لتحركات إدارة يون لتوثيق علاقات التحالف والشراكة مع الولايات المتحدة، والتوترات الجيوسياسية. ومن أبرز المؤشرات على ذلك: جهود سيول للانضمام إلى مبادرات واشنطن التي تستهدف احتواء الصين، مثل الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك جهود كوريا الجنوبية للتقارب مع اليابان، فضلًا عن مواقف كوريا الجنوبية بشأن قضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي، والتي فاقمت من التوترات بين بكين وسيول. فقد وصف يون الصراع المحتمل عبر مضيق تايوان بأنه أزمة أمنية دولية، وهو ما ردت عليه الحكومة الصينية بحزم، بتحذير سيول من التخلي عن سياسة الصين الواحدة. بجانب الوجود العسكري الكبير للولايات المتحدة في كوريا الجنوبية، الحليف الرئيسي لواشنطن؛ حيث تستضيف سيول أكثر من 28500 جندي أمريكي، كما تقوم السفن الحربية والطائرات العسكرية الأمريكية بزيارة كوريا الجنوبية بانتظام. بالإضافة إلى إعلان إدارة يون عن تطلعها للقيام بدور عالمي أكبر.
وعلى الجانب المقابل، يمكن الإشارة إلى اتهامات السفير الصيني لدى كوريا الجنوبية شينغ هايمينغ لحكومة يون بالميل أكثر نحو الولايات المتحدة وإلحاق الضرر بعلاقات سيول مع بكين، والتي اعتبرتها سيول بمثابة تهديد بمعاقبتها على تعزيز تحالفها مع واشنطن، وكذلك تزايد وتيرة التوغلات العسكرية الصينية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكوريا الجنوبية ومناطق تحديد الدفاع الجوي التابعة لها. بالإضافة إلى استمرار الصين في دعم كوريا الشمالية اقتصاديًا وسياسيًا، وحفاظها على العلاقات الوثيقة مع نظام كيم جونغ أون الذي لا تزال كوريا الجنوبية في حالة حرب معه من الناحية الفعلية.
ثانيًا: الفرص والمكاسب المحتملة للصين:
هناك بعض الفرص والمكاسب التي يمكن أن تجنيها بكين جراء الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية على المدى القريب. ولن تقتصر هذه الفرص على علاقات الصين المستقبلية مع كوريا الجنوبية، وإنما ستشمل أيضًا مكاسب على المستوى الإقليمي والدولي، سواء على مستوى تحالفات سيول مع واشنطن وطوكيو، أو علاقات بكين مع بيونج يانج. ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:
1- حدوث تحول إيجابي في العلاقات مع سيول: على الرغم من أن الصين اعتبرت الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية شأنًا داخليًا لسيول، وأكدت على اتساق وتوازن موقفها بشأن العلاقات بين الدولتين، فإن من شأن الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية أن تؤثر في مستقبل العلاقات بين بكين وسيول، لا سيما وأن هذه العلاقات شابها التوتر والخلافات في عهد حكومة يون. وفي هذا السياق، ربما تشهد هذه العلاقات تحولًا إيجابيًا في حالة إقدام يون على الاستقالة أو تصديق المحكمة الدستورية على عزله، وهو ما سيترتب عليه إجراء انتخابات جديدة في كوريا الجنوبية. وتشير التوقعات إلى وجود فرصة كبيرة للحزب الديمقراطي، وهو حزب المعارضة الرئيسي، للفوز بها، خاصة وأن زعيم الحزب لي جاي ميونغ يتبنى موقفًا إيجابيًا يدعو إلى التعامل مع الصين، وهو الأمر الذي سيكون محل ترحيب من جانب بكين حال حدوثه.
2- تخفيف حدة موقف سيول تجاه أزمة تايوان: مثّلت أزمة تايوان أحد ملامح الخلافات والتوترات التي شابت العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية في ظل إدارة يون. ومن شأن الأزمة السياسية الحالية في كوريا الجنوبية، وما قد يترتب عليها من تداعيات سياسية داخلية، واحتمال تولي المعارضة دفة القيادة في سيول، أن تؤدي إلى تهدئة حدة التوتر بين الدولتين بشأن أزمة تايوان، لا سيما وأن زعيم الحزب الديمقراطي لي جاي ميونغ يتبنى موقفًا رافضًا لتدخل بلاده في القضايا المرتبطة بالتوتر في مضيق تايوان، وعلى رأسها أزمة تايوان. وهو الأمر الذي يعني أنه سيلتزم بمبدأ الصين الواحدة من الناحية الفعلية، ولن يُقدم على إقامة أي اتصالات مع السلطات الحاكمة في تايوان.
3- إضعاف التحالف الثلاثي ضد الصين: أقامت إدارة الرئيس يون تحالفًا قويًا مع كل من الولايات المتحدة واليابان تجلت أبرز ملامحه في اللقاءات العديدة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، وكذلك القمة الثلاثية التاريخية التي عُقدت في كامب ديفيد في أغسطس 2023، وجمعت بين قادة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والتي عززت التعاون والتحالف الأمني بين الدول الثلاث في مواجهة الصين، التي نددت بعقلية الحرب الباردة التي سيطرت على بيان القمة، واعتبرت أنها شوهت صورتها وتدخلت في شئونها الداخلية، وزرعت بذور الانقسام بينها وبين جيرانها.
وبالنظر إلى الدور المهم الذي تلعبه كوريا الجنوبية في إطار استراتيجية الغرب التي تهدف إلى حماية المصالح الأمنية للقوى الغربية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مواجهة صعود قوة الصين، فإن تداعيات الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية، وما قد يترتب عليها من التصديق على عزل الرئيس يون، سيترتب عليها احتمال خسارة سيول مكانتها كعنصر رئيسي للاستقرار وحليف أساسي يمكن الاعتماد عليه من جانب واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف أو فقدان أحد الحلفاء الرئيسيين في استراتيجية الولايات المتحدة للأمن في المنطقة.
ورغم تأكيد واشنطن وسيول على استمرار تحالفهما القوي، وذلك خلال اتصال هاتفي بين هان داك سو القائم بأعمال رئيس كوريا الجنوبية والرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن الأزمة السياسية التي تشهدها كوريا الجنوبية تضيف أجواء من الشكوك وغياب الثقة بشأن استمرارية الشراكة والتحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي يتوقع أن يُقابل بالترحيب من جانب الصين، التي تعارض التحالف الثلاثي، وترى أنه يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة.
4- إمكانية تحسن العلاقات بين الكوريتين: بالنظر إلى التوترات التي تسيطر على العلاقات بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، والتي تفاقمت في ظل تبني إدارة الرئيس يون موقفًا متشددًا تجاه بيونغ يانغ، إذ تمثل أحد دوافعه لتبرير إعلان الأحكام العرفية في الحاجة إلى إزالة القوات الموالية لكوريا الشمالية من كوريا الجنوبية. فإن الأزمة السياسية في سيول قد تتيح المجال أمام نظام كوريا الشمالية بزعامة كيم جونغ أون للعمل على الاستفادة من الفوضى السياسية في جارته الجنوبية، وبالتالي إمكانية القيام بتحركات قد يترتب عليها توتر العلاقات بين بيونغ يانغ وسيول، وهو ما يتناقض مع توجهات الصين التي تراقب باهتمام كبير تطورات العلاقات بين الكوريتين، وتدعو إلى تحسين العلاقات بينهما وضرورة الحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. وهو ما يتوقع معه أن تعمل الصين على دعوة الطرفين إلى إزالة أسباب التوتر، بما يؤدي إلى تحسن العلاقات بينهما، بما يصب في خدمة مساعي بكين الهادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.
ثالثًا: المخاطر والتحديات المحتملة للأزمة على الصين:
بقدر ما تتيح الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية من فرص ومكاسب محتملة للصين، فإنها تفرض عليها بعض المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية، تتمثل في الآتي:
1- إمكانية حدوث أزمة مماثلة في الصين: تُظهر الأحداث الأخيرة التي شهدتها كوريا الجنوبية على خلفية قرار الرئيس يون إعلان الأحكام العرفية إلى أي مدى يمكن أن يؤدي الخلاف والانقسام السياسي بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية في أي دولة إلى التأثير في عملية صنع القرار السياسي، فضلًا عن الدور الذي يمكن أن تُمارسه السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب في إعاقة سيطرة السلطة التنفيذية على عملية صناعة القرار. إذ نجح أعضاء البرلمان الكوري الجنوبي في إلغاء حالة الأحكام العرفية التي فرضها الرئيس يون بعد فترة وجيزة من إعلانها، بفضل دور نواب الشعب في حماية البلاد ومواجهة ما اعتبروا أنه تجاوزًا من جانب السلطة التنفيذية.
وبرغم صعوبة المقارنة بين الأوضاع السياسية في حالتي الصين وكوريا الجنوبية، في ظل كون الأولى تخضع لحكم الحزب الشيوعي الصيني الذي يتبنى نمطًا معينًا من الديمقراطية الشعبية يرتكز على الإجماع والتوافق مع السلطة التنفيذية، مقارنة بالثانية التي تتبنى نظامًا يرتكز على مفاهيم وقيم الديمقراطية الغربية، فإن ما حدث في كوريا الجنوبية يمكن النظر إليه باعتباره جرس إنذار للقيادة الصينية بشأن ما قد يمكن أن تواجهه في المستقبل من تظاهرات أو احتجاجات مماثلة لما شهدته كوريا الجنوبية على خلفية إعلان الأحكام العرفية، لا سيما وأن الصين قد شهدت في أواخر ديسمبر 2022 تظاهرات واسعة النطاق على خلفية الإجراءات الصارمة التي لجأت إليها السلطات الصينية لمكافحة جائحة كوفيد-19. ومن هنا، فإن أحد الدروس المستفادة التي قد تخرج منها السلطات الصينية من الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية تتمثل في تجنب إتخاذ إجراءات أو خطوات قد يترتب عليها أي ضغوط على الشعب الصيني، أو إثارة غضبه؛ مما قد يدفعه إلى القيام باحتجاجات وتظاهرات مماثلة لتلك التي شهدتها كوريا الجنوبية على خلفية الأزمة.
2- التأثير في مكانة ودور الصين الإقليمي: على خلفية الأزمة السياسية التي شهدتها كوريا الجنوبية، اتهم الرئيس الكوري الجنوبي يون الصين بأنها تتدخل في الشئون الداخلية لبلاده وتهدد أمنها القومي، وهو الأمر الذي من شأنه التشكيك في أحد المبادئ الرئيسية التي تحكم توجهات السياسة الخارجية الصينية، وهو مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى؛ الأمر الذي يؤثر في مصداقية سياستها الخارجية وصورتها لدى الدول والشعوب الأخرى في آسيا.
كما قد تواجه الصين أيضًا تحديًا آخر يؤثر في دورها ومكانتها الإقليمية يتمثل في إمكانية تطور العلاقات بين الكوريتين وإنزلاقها نحو مزيد من التعقيد، وهي المعضلة التي يزيد من تعقيدها التوتر الملحوظ في الآونة الأخيرة في العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، على خلفية قيام الأخيرة بإرسال قوات مسلحة إلى روسيا، حليفتها الاستراتيجية، لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا. وهو التطور الذي قد يضع الصين أمام إشكالية صعبة تفرض عليها الاختيار ما بين مساعدة حليفتها الاستراتيجية كوريا الشمالية التي ترتبط معها بمعاهدة تحالف ودفاع متبادل ضد كوريا الجنوبية، أو التضحية بعلاقاتها القوية مع كوريا الجنوبية ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والتجاري. وهي التطورات التي تضع صانع القرار الاستراتيجي الصيني أمام خيارات صعبة تلقي بظلال من الشك بشأن الدور الإقليمي للصين في شمال شرق آسيا.
وختامًا، يمكن القول إن الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية تمثل اختبارًا صعبًا للسياسة الخارجية الصينية، لا سيما وأنها جاءت في ظل توقيت دقيق بالنسبة للصين التي تعاني في الوقت الراهن من العديد من التحديات الداخلية والخارجية. وبالنظر إلى الأهمية الشديدة التي تحظى بها علاقات بكين مع سيول، فقد تابعت الأولى عن كثب الأزمة المفاجئة التي شهدتها الثانية، خاصة في ظل توجه إدارة يون نحو جعل الصين طرفًا في الأزمة، والذي لا ينفصل عن تحولات السياسة الخارجية لسيول التي أدت إلى توتر علاقاتها مع الصين. ومع ذلك، فقد تعاملت الصين مع الأزمة بهدوء وتوازن، باعتبار أنها تتيح لها العديد من الفرص والمكاسب على المدى القصير، وعلى رأسها إمكانية حدوث تحسن في علاقاتها مع كوريا الجنوبية، وكذلك –وهو الأهم– إضعاف أو تفكك التحالف الثلاثي الأمريكي الكوري الجنوبي الياباني ضدها.
وفي مقابل تلك الفرص، تظل هناك تحديات ومخاطر يمكن أن تتمخض عن تلك الأزمة بالنسبة للصين، ولا سيما على المستوى الداخلي، كاحتمال حدوث أزمة شبيهة لها في الصين، بجانب احتمال تأثيرها في الدور الإقليمي للصين في شبه الجزيرة الكورية. وفي التحليل الأخير، فإن مدى استفادة الصين من الأزمة يرتبط بمدى نجاحها في تعظيم الفرص التي تتيحها لها الأزمة، وتقليل المخاطر التي يمكن أن تترتب عليها، وهو الأمر الذي يُرجح حدوثه بالنظر إلى براجماتية السياسة الخارجية الصينية التي نجحت سابقًا في التعامل مع أزمات مماثلة بتعظيم الفرص وتحييد المخاطر.
باحث متخصص في الشؤون الاسيوية