منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 15 يناير 2025 وقطاع غزة يعاني من الانتهاكات الإسرائيلية وخرق كافة القوانين والقواعد الدولية أمام مرأى ومسمع العالم كله، فكم الدمار والخراب بغزة يعد الصورة الأمثل لانتهاك كافة القوانين الدولية وارتكاب الجرائم الدولية دون رادع وسط استهجان دولي من جانب، ومساندة وتأييد من جانب آخر حتى أحكام وآراء محكمة العدل الدولية لم تسلم هي الأخرى من الخرق الإسرائيلي لها وعدم الاعتداد بها، فما حدث خلال 467 يومًا في غزة يحتاج لسنوات لإعادة الحال كما كان عليه، فكل تلك الأفعال العدوانية ستظل وصمة عار في جبين الإنسانية، وخلال تلك السطور نبين بعض الانتهاكات والجرائم التي قامت بها قوات الاحتلال بقطاع غزة خلال 467 يومًا وصولًا لقرار وقف إطلاق النار والموقف المصري في ذلك.
فالجرائم المرتكبة بقطاع غزة أحدثت تغيرات على العديد من المستويات وفي مقدمتها المستوى الدولي، فالقضية الفلسطينية قضية شعب يريد الخلاص من الاحتلال، ولا يمكن أن يتم حل القضية الفلسطينية كما تريد إسرائيل؛ بل بما يتم التوافق عليه من الجانبين.
وقد ارتكب في قطاع غزة أكثر من صورة من الجرائم ضد الإنسانية،
فقد دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أحياء بأكملها، واستهدفت المدنيين بشكل عشوائي بالقتل والاعتقال والتشريد والتهجير القسري من قطاع غزة، ومارست قوات الاحتلال العقوبات الجماعية والاعتقالات التعسفية الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية
ومنها جرائم القتل العمد، فوفقًا لوزارة الصحة في غزة قتل ما لا يقل عن 46,645 فلسطينيًا في غزة وأصيب 110,012 آخرين بجروح، حسبما أفادت التقارير الواردة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.
حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالعديد من الجرائم الدولية ومنها
جرائم إبادة وقتل عمد وانتقام من المدنيين، فتم ارتكاب الآلاف من المجازر بحق الأطفال والنساء وأهالي القطاع التي راح ضحيتها آلاف الشهداء، ولارتكاب فعل الإبادة يلزم أن يقتل مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف تؤدي حتمًا إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان، ویمکن أن تشمل هذه الظروف الحرمان من إمكانية الحصول على الأغذية والأدوية وهو ما تفعله دولة الاحتلال في قطاع غزة من منع وصول المساعدات الإنسانية للقطاع.
بالإضافة إلى تدمير البنية التحية والمساكن والمؤسسات والمساجد والمستشفيات والجامعات والمدارس حتى وصل التدمير إلى ما نسبته 70% من القطاع.
جرائم الإبعاد والنقل القسري للسكان حيث صدر بيان عن منظمة الأونروا يؤكد تسبب القصف المستمر في جميع أنحاء قطاع غزة في نزوح جماعي لمجتمع في حالة تغير مستمر، حيث تواصل قوات الاحتلال إجبارهم على مغادرة أماكن معيشتهم للانتقال إلى أماكن غير آمنة بالقدر نفسه، وكان هذا أكبر تهجير للشعب الفلسطيني منذ عام 1948؛ حيث أثرت هذه الحرب في أكثر من 2 مليون شخص أي جميع سكان غزة.
وهو ما اعترضت عليه الدولة المصرية في محاولة تهجير سكان قطاع غزة واستقراءها للموقف من أول يوم، فموقف مصر كان واضحًا وحاسمًا وقاطعًا منذ البداية عندما أعلنت على الملأ رفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير سكان القطاع سواء من داخل غزة أو إلى سيناء، فما كانت تريده دولة الاحتلال هو الضغط على سكان قطاع غزة بكثرة الجرائم الدولية والخراب والدمار حتى يلجأ سكان غزة للنزوح الجماعي لداخل الأراضي المصرية وهو ما رفضته الدولة المصرية وأقرت أن ذلك يعتبر خطًا أحمر للأمن القومي المصري وأن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب الدولة المصرية.
وقد أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتاريخ 8/11/2024 تقريرها المحدث عن ما حدث بغزة منذ أكتوبر 2023 وشددت على تحقيق العدالة فيما يتعلق بانتهاكات القانون الدولي الجسيمة التي ارتكبت في قطاع غزة. حيث بَيَّن التقرير أن ارتكاب الجرائم كان كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين وهو ما يعد جرائم ضد إنسانية وكذلك ارتكابها بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية وهو ما يرقى إلى جريمة إبادة جماعية. فالاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 من أشد الحروب ضراوة وأشدها قسوة وانتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، فقد استُخدم في هذا النزاع خلاصة ما جاء به عبقرية الإنسان من وسائل الهدم والإيذاء والدمار.
كذلك وضع التقرير الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأول لدولة الاحتلال الإسرائيلي في وضع حرج أمام الرأي العام العالمي إزاء دورها في حرب غزة ومساندتها لإسرائيل بكافة الطرق، فقد ساندت الولايات المتحدة الأمريكية دولة الاحتلال الإسرائيلي بكافة الأوجه سواء في عدوانها بقطاع غزة وأمام الأمم المتحدة بتعطيل أي قرار في مجلس الأمن لصالح غزة، حيث استخدمت حق النقد (الفيتو) خلال تلك الفترة أكثر من ست مرات منهم ثلاثة أمام رغبة الدول أعضاء المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وهو ما ينعكس على عملية السلام في الشرق الأوسط ويعرقل أي إجراء في ذلك.
ويمكننا القول إنه رغم أهمية اتفاق وقف إطلاق النار، فإنه جاء متأخرًا وكان من الممكن إنهاء العدوان على غزة منذ شهور، فكلما زادت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار في القطاع خلال تلك المدة، تعمدت دولة الاحتلال الإسرائيلي استمرار ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق، وتعمدت إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل، وهو دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء تلك الحرب، وإمعان في استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين تحت وطأة كارثة إنسانية دولية يقف العالم عاجزًا عن وضع حد لها. وهو ما يفتح الباب بعد ذلك لدعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتشكيل لجان تقصي حقائق ومحاسبة المجرمين الدوليين على تلك الجرائم التي حدثت بحق المدنيين بقطاع غزة وتدمير القطاع بأكمله وهو ما يمثل صورة من صور انصاف الضحايا فالاعتبارات الإنسانية دائمًا أقوى من اعتبارات الضرورة العسكرية، فكافة القوانين الدولية تستهدف حماية الانسان أيًا كان في كل زمان ومكان.
الدور المصري خلال 467 يومًا حتى الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار
تعد مفاوضات الهدنة عملية شاقة ومعقدة للغاية خاصة بالنسبة للوضع في قطاع غزة، وهو ما يتطلب بذل جهود مضنية من أجل التوصل إلى توافق على بنود الهدنة، وللأسف لم تستغرق الهدنة الأولى التي تمت 24 نوفمبر 2023 سوى بضعة أيام رغم ما تحقق فيها من تبادل أسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار، وإدخال كميات أكبر من المساعدات الإنسانية.
والحقيقة أن مصر هي أول دولة في العالم اقترحت رؤية شاملة ليس فقط للتوصل إلى الهدنة ولكن لحل مشكلة غزة برمتها، واستندت الرؤية المصرية إلى مبدأ المرحلية والتدرج إدراكًا منها بمدى تعقد الموقف حيث تم طرح ثلاث مراحل للحل على أن يتم تنفيذ مجموعة من الخطوات في كل مرحلة بما يشمل وقف القتال، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات وصولًا إلى البدء في إعادة الإعمار، فقطاع غزة يدخل ضمن الدائرة المباشرة والأولى للأمن القومي المصري، ومن ثَمّ فإن التحركات المصرية تجاه الأوضاع في القطاع تتسم بالجدية والمتابعة الحثيثة ومن أول يوم للعدوان على القطاع تتحرك الدولة المصرية على كافة المستويات الخارجية من أجل وضع حد لهذه الكارثة، ويًعد مؤتمر القاهرة الدولي للسلام الذي حضره 34 دولة في 21 أكتوبر 2023 أي بعد حوالي أسبوعين فقط من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة يعد خير دليل على هذا الجهد الكبير لا سيما أنه طرح خلال المؤتمر خريطة طريق متكاملة لحل أزمة غزة والقضية الفلسطينية ككل.
فاتفاق وقف إطلاق النار بمراحله المختلفة كما هو معلن سيؤدي إلى نتائج جيدة بالنسبة للطرفين؛ أولها: الوقف الدائم للقتال وإنهاء هذه الحرب الشرسة التي هدفت إلى القضاء على البشر والحجر، ثانيًا: الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، ثالثًا: إنجاز صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بحيث يتم في النهاية الإفراج عن كافة الأسرى الإسرائيليين سواء كانوا أحياء أو قتلى في مقابل إفراج إسرائيل عن أعداد كبيرة تقدر بالمئات من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الوقف النهائي والدائم للحرب التي خلفت وراءها كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة بالإضافة إلى عودة سكان الشمال إلى منازلهم رغم حجم التدمير الذي قامت به إسرائيل وإعادة فتح معبر رفح البري وتدفق المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق القطاع.
و في كل الأحوال فإن الوصول إلى الهدنة يعد تطورًا إيجابيًا رغم كافة الكوارث التي حدثت، ويتبقى أن تلتزم إسرائيل بكافة بنود الهدنة وتقوم بتنفيذ مراحلها بكل دقة خاصة بالنسبة للانسحاب النهائي من غزة، وألا تقوم في أي مرحلة بعمليات من شأنها تعقيد الموقف مرة أخرى وهذا هو الدور المنوط بالدول الضامنة للاتفاق، وهي مصر وقطر والولايات المتحدة، فأثبت الاتفاق دورًا محوريًا لمصر وقطر في تهدئة الصراع؛ مما يعزز مكانتهما كوسيطين رئيسيين في المنطقة، حيث تتطلب هذه المرحلة التحرك على ثلاثة مسارات متتالية شديدة الأهمية؛ المسار الأول: وهو تنفيذ اتفاق الهدنة بمراحله الثلاثة بكل دقة ودون أي إبطاء، والمسار الثاني: معالجة كافة جوانب المشهد في غزة بعد انتهاء الحرب بما في ذلك تأمين الوضع في القطاع سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وإعادة الإعمار، والمسار الثالث: ويتمثل في التمهيد من أجل استئناف العملية السياسية والبدء في عملية سلام جادة تقود إلى حل الدولتين وهو بدء مفاوضات سياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل التوافق على حل الدولتين الذي يجب أن يثمر عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش في أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل، فبدون هذا الحل الدائم علينا أن نتوقع حروبًا أخرى في المستقبل، فيجب أن تتضافر الجهود الإقليمية والدولية حتى لا تتكرر مثل هذه الحروب مرة أخرى، فتاريخ الصراعات السابقة يُظهر ضعف الالتزام طويل الأمد؛ مما يثير الشكوك حول استدامة التهدئة.
وختامًا، نأمل أن يكون اتفاق وقف إطلاق النار هو بداية مسار حقيقي لسلام دائم وحل الدولتين ولإقامة دولة فلسطين، والعمل على ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في العيش بسلام وأمان وتحمل الدول أعضاء المجتمع الدولي مسئوليتها في دعم تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وهو السلام القائم على العدل والمساواة والمؤدي لسلام مستدام وعادل، وليس القائم على فرض سياسة الأمر الواقع، فسلام الأمر الواقع لا يدوم،
فالواقع الفعلي على الساحة الدولية يحتم على كل الأطراف السعي لعدم تفاقم الأوضاع فاعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره.
دكتور القانون الدولي العام