يُعد التعليم والعمل أهم الركائز التي تساهم في تعزيز دور المرأة في المجتمع العربي، حيث يمكنانها من بناء قدراتها وتحقيق استقلالها الاقتصادي والاجتماعي. كما يُعدّ انخراط النساء في سوق العمل ليس مجرد خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، بل هو عامل رئيسي في تعزيز الاقتصاد الوطني. حيث تُسهم المرأة العاملة بشكل فعال في تحسين دخل الأسرة وتقليل معدلات الفقر، مما يعزز من استقرار المجتمع ككل. ومع ذلك، لا تزال المرأة العربية تواجه تحديات متعددة في الحصول على فرص عمل مناسبة مما يجعل تمكينها في مجالي التعليم والعمل ضرورة لتعزيز دورها وتأثيرها في المجتمع.
أولًا: الوضع الراهن للمرأة العربية في التعليم
تمتلك النساء اللواتي يحصلن على تعليم جيد فرصًا أكبر في الحصول على وظائف تناسب طموحاتهن وتوفر لهن استقلالًا اقتصاديًا. ويُمكن قياس التعليم الجيد الذي تتمتع به المرأة في الدول العربية عن طريق مؤشرين، هما: جودة التعليم ومستوى التحصيل العلمي.
- الفجوة بين الجنسين في التعليم
رصد المؤشر الفرعي لمؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 الفجوة بين النساء والرجال في الحصول على التعليم من خلال رصد نسبة النساء إلى الرجال في المراحل (الابتدائية، الثانوية، التعليم العالي) مما يؤدي إلى بناء تصور لمدى قدرة الدولة في المدى الطويل على تعليم النساء والرجال بمعدلات متساوية.
وعلى صعيد مؤشر التحصيل العلمي فقد بلغت الدول العربية المراكز التالية بالترتيب: (الكويت 51 – البحرين 57 – الأردن 66 – الإمارات 86 – السعودية 87 – قطر 93 – تونس 113 – المغرب 115 – الجزائر 116 – مصر 119).
ومقارنة بعام 2017، فقد تراجعت غالبية الدول العربية: (قطر – الإمارات – الأردن – مصر – تونس – الجزائر) فيما تقدمت دول (البحرين – السعودية – المغرب – الكويت).
المصدر: مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي
ويمكن أن نعزو التراجع في هذا المؤشر إلى عدة تحديات، منها:
- اختلاف الأولويات الأسرية: في بعض المجتمعات العربية، تُركز الأسر ذات الدخل المحدود على تعليم الأبناء الذكور أكثر من الإناث، لاعتقادهم بأن فرص الذكور أفضل في سوق العمل.
- العوائق الثقافية والاجتماعية: تمثل بعض الظواهر الاجتماعية المتأصلة في المجتمعات العربية مثل “الزواج المبكر للفتيات” عائقا لاستمرارية تعليم الفتيات وبالتالي عملهن بالمستقبل.
- غياب الحوافز لتشجيع الفتيات على التعليم: يُعزَى هذا العامل إلى غياب التوعية بالدور الحيوي والمؤثر لتعليم الفتيات وتأثيره على اقتصاد المجتمعات العربية.
- استمرارية الصراعات في بعض الدول العربية: تعيق الصراعات والنزاعات استمرارية العملية التعليمية في دول مثل: ليبيا – سوريا – اليمن – العراق. كما تؤدي ظروف اللجوء والنزوح إلى تحديات في التحصيل العلمي، حيث تفتقر المناطق المضيفة في بعض الأحيان إلى المدارس المناسبة، مما يؤدي إلى انقطاع العملية التعليمية خاصة بين الفتيات.
جودة التعليم
مؤشر المرأة والسلام والأمن الصادر عن معهد جورج تاون ومعهد أبحاث السلام في أوسلو هو أول مؤشر يقيس الرفاهية الشاملة للمرأة، ويتضمن المؤشر مقياسًا لجودة التعليم الذي تحصل عليه المرأة، ويقيس هذا المؤشر متوسط عدد سنوات التعليم الشامل والجيد للنساء بعمر 25 عامًا، بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بحصول النساء والرجال على تعليم تقني ومهني عالي الجودة وبأسعار مناسبة بما في ذلك التعليم الجامعي.
وفي عام 2017 كانت قطر والأردن هما الأكثر تقدمًا في هذا المؤشر بحصول كلا البلدين على 9.8. وفي عام 2023 أصبحت الإمارات الأكثر تقدمًا بين الدول العربية في مؤشر جودة التعليم المقدم للفتيات بواقع 12.5. وتعتبر مصر الأكثر سعيًا في التقدم في مؤشر جودة التعليم من 2017 حتى عام 2023، إذ تقدمت من 6.4 عام 2017 إلى 9.8 في تقرير 2023.
المصدر: مؤشر المرأة والسلام والأمن الصادر عن معهد جورج تاون
ثانيًا: الوضع الراهن للمرأة العربية في سوق العمل
وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية، لم يشارك سوى 20% فقط من النساء في المنطقة العربية في القوى العاملة عام 2022 مقابل 70 % من الرجال. ولبيان أوجه التقدم والتراجع بين الدول في مجال تمكين وعمل المرأة العربية نفحص ترتيب الدول في الأبعاد الخاصة (الفجوة بين الجنسين في العمل – الشمول المالي للنساء – تحديات النساء في العمل).
- الفجوة بين الجنسين في العمل
يقدم مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر من قِبل المنتدى الاقتصادي العالمي لقياس التقدم المحرز نحو تحقيق المساواة ومقارنة الفجوات بين الجنسين في 146 دولة، ترتيب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعامي 2017 و2023 والذي يبين تراجع بعض الدول في المؤشر 2023 بالترتيب (مصر بـ20 مركزًا – الجزائر بـ17 مركزًا – تونس بـ11 مركزًا – قطر بـ3 مراكز – المغرب بـ2 مراكز). وتقدم بعض الدول في المؤشر بالترتيب (الإمارات بـ49 مركزًا – البحرين بـ43 مركزًا – الكويت والأردن بـ9 مراكز – السعودية بـ7 مراكز – ولبنان بـ5 مراكز).
المصدر: مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي
ويحتوي المؤشر على ثلاثة مفاهيم خاصة بالمشاركة الاقتصادية تتمثل في رصد الفجوة بين النساء والرجال في معدلات المشاركة في القوى العاملة، ورصد الفجوة في الأجور الخاصة بنسبة الدخل المكتسب المقدر للإناث مقارنة بالذكور. وفجوة التقدم بين المرأة والرجل من خلال قياس نسبة الرجال إلى النساء بين المشرعين وكبار المسئولين والمديرين، ونسبة النساء إلى الرجال بين العاملين الفنيين والمهنيين.
وقد تراجعت بعض الدول في مؤشر المشاركة الاقتصادية في تقرير 2023 بالترتيب (الجزائر – قطر – تونس – مصر – المغرب)، فيما كان أكثر الدول تقدمًا في تقرير عام 2017 هي: الأردن – السعودية.
المصدر: مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي
- الشمول المالي للنساء
بين مؤشر المرأة والسلام والأمن تقدم غالبية المنطقة فيما يخص الشمول المالي للنساء فوق 15 عامًا واللاتي يمتلكن حسابات بنكية أو يستخدمن خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. ويلاحظ أن مصر في تقرير 2017 كانت تحمل أدنى المؤشرات الخاصة بالشمول المالي بنسبة قدرها 9.2%، وقد تقدم هذا المؤشر في تقرير 2023 ليبلغ 24.2% بزيادة قدرها 15%. فيما تراجعت بعض الدول الأخرى في هذا المؤشر مثل لبنان الذي تراجع بـ6.3%، والجزائر بنسبة 8.9%، ولم تحقق قطر تقدمًا في هذا المؤشر في التقريرين.
المصدر: مؤشر المرأة والسلام والأمن الصادر عن معهد جورج تاون
- تحديات النساء في سوق العمل
يبين تقرير الرعاية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية مارس 2024، وهو تقرير إقليمي يغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التحديات التي تواجه المرأة العربية أثناء العمل بما يعيق عملية التمكين. وقد رصد التقرير مؤشرات: إجازة الأمومة، الإجازة الوالدية ودورها في تسهيل الموازنة بين مسئوليات العمل والأسرة، الحماية الصحية للحوامل والمرضعات، الرضاعة الطبيعية في أماكن العمل، الدور الحيوي لرعاية الأطفال في المجتمعات والاقتصادات.
- مدة إجازة الأمومة والإجازة الوالدية
تنص معايير العمل الدولية على ألا تقل إجازة الأمومة عن 14 أسبوعًا، بل وتوصي المنظمة برفع مدة الإجازة حتى تزيد على 18 أسبوعًا، لضمان إتاحة الوقت للتعافي والراحة، وفي الوقت الحالي تطبق 4 دول فقط الحد الأدنى من إجازة الأمومة البالغة 14 أسبوعًا (وهي: الجزائر، العراق، ليبيا، المغرب). وتوجد 12 دولة لا تطبق الحد الأدنى منها: (البحرين، مصر، الأردن، لبنان، فلسطين، عمان، قطر، السعودية، السودان، تونس، الإمارات، اليمن). في حين تمنح ثلاث دول فقط إجازة أمومة 18 أسبوعًا وهي: إيران، الكويت، سوريا.
الحد الأدنى لإجازة الأمومة 14 أسبوع | أقل من الحد الأدنى | أعلى من الحد الأدنى ومتوافق مع المعايير الدولية |
الجزائر | البحرين – مصر – الأردن – لبنان | إيران |
العراق | فلسطين – عمان – السعودية – تونس | الكويت |
ليبيا | الإمارات- اليمن – السودان – قطر | سوريا |
المغرب |
وفي هذا الإطار، يؤدي عدم وجود تشريع يضمن إجازة الأمومة بحد أدنى 14 أسبوعًا وفقًا لتوصيات منظمة العمل الدولية إلى خلق حواجز تؤثر على استمرار النساء في العمل، مما يؤثر على ما يقرب من 51% من الأمهات في المنطقة واللائي يبلغ عددهن أكثر من 63 مليون امرأة.
وفيما يخص حق العودة إلى نفس الوظيفة أو ما يعادلها بعد إجازة الأمومة بأجر مكافئ للوظيفة الأولى، فقد طبقت ثلاث دول فقط هذا الحق، حيث تكفل العراق وإيران والمغرب حق العودة لنفس الوظيفة في حين لا تطبق الدول الباقية الأحكام القانونية الضامنة لهذا الحق، وهو ما يعني أن ما يقرب من 66% من الأمهات يعشن في دول لا يوجد فيها حق مضمون في العودة إلى نفس الوظيفة بعد إجازة الأمومة، وهو ما يؤدي إلى تسريح الآلاف من النساء سنويًا.
وتعتبر إجازة رعاية الطفل من الإجازات طويلة الأمد، وعلى الرغم من أن هذا النوع من الإجازات متاح للوالدين، إلا أن المستفيد الأكبر من تلك الإجازة هن النساء، وتعتبر منظمة العمل الدولية أن توفير إجازة مدفوعة الأجر بعد انتهاء إجازة الأمومة أمر مهم لتمكين الشخص العامل من التوفيق بين مسئوليات الرعاية والوظيفة، خاصة في ظل عدم توافر خدمات رعاية جيدة وميسورة التكلفة للأطفال تناسب وقت عمل الوالدين العاملين، وعلى الرغم من وجود إجازة رعاية الطفل في جميع الدول العربية، إلا أن الإمارات هي الوحيدة التي تنص قوانينها على أن تكون تلك الإجازة مدفوعة الأجر، أما باقي الدول فتنص قوانينها على إجازة غير مدفوعة الأجر مما يعني أن أكثر من 97% من النساء في المنطقة لا يستفدن من ضمان الدخل في حال وجود ضرورة لتلك الإجازة.
- الحماية الصحية للحوامل ورعاية الأطفال
تمثل رعاية ما قبل الولادة جزءًا أساسيًا من الرعاية الصحية، وقد أثبتت منظمة الصحة العالمية أن الرعاية السابقة للولادة يمكن أن تنقذ الأرواح من خلال منع أمراض ووفيات الأمهات والتي يمكن الوقاية منها من خلال، وتقديم إجازات للمرأة العاملة لإجراء الزيارات الروتينية لمقدم الرعاية الطبية أثناء الحمل، والسماح للمرأة بمغادرة مقار عملها بغرض إجراء فحوصات طبية تتعلق بحملها.
وعلى الرغم من المنافع الصحية المهمة للرعاية السابقة للولادة، إلا أنه لا توفر أي دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حقًا قانونيًا في إجازة مدفوعة الأجر لإجراء فحوصات ما قبل الولادة، مما يحد من قدرة الأمهات على الحصول على الخدمة الملائمة وارتفاع معدلات الاعتلال بين الأمهات ووفاتهن في بعض تلك الدول، وقد ربط التقرير بين هذا الحق ونسبة وفيات الأمهات في تلك الدول.
وفيما يخص تقديم بدائل للعمل الخطير وغير الصحي للسيدات أثناء فترتي الحمل والرضاعة، تشير التوصية رقم 191 لمنظمة العمل الدولية، إلى ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة عندما يتقرر أن عاملة حاملًا أو مرضعة تقوم بعمل غير صحي أو خطير وتقترح التوصية باتخاذ أربعة تدابير هي: التخلص من الخطر، تكييف وتعديل ظروف العمل، نقل الموظفة إلى مكان آمن دون المساس بأجرها، منح الموظفة إجازة مدفوعة الأجر في حال نفذت كل الحلول.
ومن بين 18 دولة، توفر دولتان فقط (إيران – الجزائر) خيار نقل العاملات الحوامل والمرضعات إلى وظائف لا تنطوي على مخاطر. وبخلاف الدولتين لا يوجد بديل متاح للعاملات الحوامل أو المرضعات اللائي يمارسن عملًا خطيرًا أو غير صحي، مما يعرضهن لمخاطر صحية.
كما تبين استنتاجات لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة أن ضمان حصول الآباء والأمهات على خدمات رعاية الأطفال العامة يُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين الفتيات والنساء. حيث تشير التقديرات إلى أن هناك 69% من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كنّ خارج القوة العاملة لأسباب تتعلق بالرعاية غير مدفوعة الأجر. كما يرتبط وجود خدمات الرعاية للأطفال بزيادة عدد النساء المعينات في المناصب الإدارية والقيادية، وبالتالي تقليل الفجوة في الأجور الممنوحة للأمهات.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك افتقارًا واضحًا في الدول المختلفة في خدمات رعاية الأطفال، ووجود فجوة في العرض والجودة وتدريب القوة العاملة في هذا القطاع، كما أدى ضعف التمويل الحكومي لخدمات رعاية الأطفال إلى تدهور نوعية تلك الخدمات وعدم توفرها في الأساس.
- أخيرًا، مما سبق يتضح وجود عوائق تشريعية وتنموية تقلل من مشاركة النساء العربيات في مجالات التعليم والعمل، ولو أضفنا إلى ذلك مؤثرات الثقافة التقليدية المنتشرة في المنطقة لتبين لنا عمق الفجوة المطلوب اجتبازها. صحيح أن أداء بعض الدول العربية في هذه المجالات أفضل من غيرها، خاصة دول الوفرة المالية التي لديها الموارد اللازمة لتمويل برامج اجتماعية مكلفة، إلا أن الوضع الإجمالي في المجتمعات العربية ما زال يحتاج إلى مزيدٍ من الجهد.