تحول الموقف الأمريكي تجاه معركة طرابلس الدائرة بين الجيش الوطني الليبي وميليشيات حكومة الوفاق في العاصمة إلى ساحة للتنازع السياسي بين الفرقاء الليبيين. فبعد قرابة الشهرين من الاتصال الهاتفي بين الرئيس “دونالد ترامب” والمشير “خليفة حفتر” (قائد الجيش الوطني الليبي) في منتصف أبريل الماضي، زار “أحمد معيتيق” (نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق) الولايات المتحدة في شهر يونيو الجاري، ليلتقي مسئولين في وزارة الخارجية ونوابًا أمريكيين، ثم يصرح بعدها بأن الحكومة الأمريكية تدعم حكومة الوفاق المعترف بها أمميًّا، مطالبًا واشنطن بالضغط على حلفائها العرب لوقف دعمهم لـ”حفتر”.
وقد عكست تلك التصريحات المخاوف المتنامية لدى حكومة الوفاق وحلفائها في غرب ليبيا من أن يشكل الاتصال الهاتفي بين “ترامب” و”حفتر” نقطة تحول أمريكية كبرى لغير صالحها في توازنات القوى الليبية، خاصة أن الرئيس “ترامب” كان قد أقر خلال ذلك الاتصال بدور الجيش الوطني في مكافحة الإرهاب، وأمن موارد النفط، بخلاف أن واشنطن كانت قد تعاونت مع روسيا في أبريل الماضي لمنع مشروع بيان بريطاني في مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار في طرابلس.
ودلل هذان المؤشران -ليس فقط- على منح واشنطن ضوءًا أخضر غير مباشر لاستمرار الجيش الوطني في معركة طرابلس ضد ميليشيات العاصمة، وإنما إعطائه شرعية، وورقة قوة تضعف موقف حكومة الوفاق وحلفائها في ديناميات المعادلة الليبية. وبرغم أن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” كان قد عارض معركة طرابلس، ودعا لوقف إطلاق النار، وعودة أطراف النزاع للتفاوض قبل ذلك الاتصال الهاتفي المشار إليه؛ إلا أن قلق حكومة الوفاق زاد أكثر مع الأنباء حول تلقي المشير “حفتر” دعوة رسمية للقاء “ترامب” في البيت الأبيض في 18 يونيو الجاري، وهو ما نفته تقارير لقناة “الحرة” الأمريكية.
مع هكذا اتجاهات أمريكية متباينة، فإن السؤال المطروح هنا: هل يمكن أن تغير الولايات المتحدة سياساتها تجاه ليبيا، خاصة أنها انتهجت خطًّا عامًّا منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011 ينزع إلى الموازنة البراجماتية بين أطراف النزاع الليبي، من جهة، والاعتماد أكثر على دعم الدور الأممي في التسوية السياسية، من جهة أخرى؟ والأهم، كيف يمكن فهم أهداف ومصالح واشنطن، في ضوء سياستها ذات الانخراط المحدود في ليبيا؟.
معضلة أمريكية مزمنة
لا يمكن إدراك الانخراط المحدود للسياسة الأمريكية في الأزمة الليبية، إلا في ضوء ما يُشكّله هذا البلد من معضلة مزمنة لها، سواء إبان إدارة “ترامب”، أو حتى ما قبلها. فرغم أن ليبيا تمثل مجموعة أهداف ومصالح بالنسبة لواشنطن؛ كتأمين تدفق النفط للأسواق العالمية، ومكافحة الإرهاب والاستثمارات الاقتصادية، ناهيك عن كونها نقطة ارتباط جيواستراتيجي مع مصالح واشنطن وحلفائها الأوروبيين في منطقتي الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا، إلا أن الولايات المتحدة لم تتمكن من توطيد تلك المصالح، على غرار نظرائها الأوروبيين، بما جعل المقولة الرائجة أن ليبيا تُعد شأنًا أوروبيًّا تكتسب صدقية أكبر في أروقة السياسة الأمريكية.
وقد يرجع ذلك إلى أن عوامل تاريخية متراكمة تتعلق بالإرث العدائي والأزمات المتواصلة بين البلدين إبان نظام “القذافي”، خاصة في عقد الثمانينيات الذي شهد قصفًا أمريكيًّا لليبيا، وعقوبات تجارية، وأزمة لوكيربي. وحتى مع بروز بوادر مسار توافقي بين البلدين في العقد الذي سبق سقوط “القذافي”، كتسوية لوكيربي أو التعاون في مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتخلي عن البرنامج النووي الليبي في 2003، واستئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية في عام 2004؛ فإن ذلك كله لم يعزز النفوذ الأمريكي في هذا البلد، حيث لم يفصل ذلك المسار التوافقي عن انطلاق الثورات العربية في 2011 سوى سنوات معدودات لم تخلُ من الشكوك المتبادلة، وذلك على خلاف الأوروبيين الذي سعوا للترويض النسبي لنظام “القذافي” طيلة حكمه، حتى وسط الأزمات الحادة المتبادلة، وذلك للحفاظ على تدفق النفط ومنع الهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء عبر البحر المتوسط.
من هنا، مالت إدارة “أوباما” السابقة إبان حملة حلف الناتو لإسقاط نظام “القذافي” في 2011 إلى ما يسمى بـ”القيادة من الخلف”، حيث تركت قيادة الحملة لكل من فرنسا وبريطانيا، ومع ذلك، فقد تعرض هذا التدخل الأمريكي الذي اقتصر على الضربات الجوية لمعارضة من مجلس النواب الأمريكي آنذاك. ومع حالة الفوضى التي أعقبت سقوط “القذافي”، إثر انتشار السلاح والميليشيات، مارست واشنطن “عزوفًا نسبيًّا” عن الشأن الليبي، فحتى مشروعاتها في تدريب قوة عسكرية ليبية تعرضت للتجميد، خشية أن يستغلها أحد أطراف النزاع. لكن الهجوم الإرهابي الذي تورطت فيه جماعة “أنصار الشريعة” على القنصلية الأمريكية في بنغازي في سبتمبر 2012، وأدى إلى مقتل السفير “كريستفر ستيفنز”، عرّض إدارة “أوباما” لانتقادات حادة من جانب الرأي العام الأمريكي، ومن بعدها أعطت واشنطن أولوية لمكافحة الإرهاب في هذا البلد، حيث تدخلت القوات الأمريكية عبر عمليات خاصة في ليبيا لاختطاف متهمين بالإرهاب لمحاكمتهم داخل الولايات المتحدة، كما الحال مع “أبو أنس الليبي” في 2013، و”أحمد أبو ختالة” في 2014.
وازدادت أهمية تلك الأولوية للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا مع ظهور تنظيم “داعش” في سرت في 2015، حيث برزت قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، كذراع رئيسية لواشنطن للتعامل مع ديناميات الصراع الليبي، حيث شاركت في دعم حملة حكومة الوفاق لمكافحة “داعش”، عبر الضربات الجوية في عام 2016. كما مددت هجماتها في العامين التاليين إلى مناطق أخرى في جنوب وغرب ليبيا لاستهداف قيادات إرهابية، خاصة بعد هزيمة “داعش” في سرت. واستدعى ذلك من واشنطن صياغة علاقات أمنية مع حكومة الوفاق برئاسة “فايز السراج”، كما دعمت الدور الأممي في التسوية السياسية للصراع الليبي لمواجهة تعثر اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، دون أن تميل لأي من أطراف الصراع. بموازاة ذلك، غضت الطرف عن التمدد الميداني للجيش الوطني الليبي للسيطرة على منطقة الشرق، خاصة بنغازي، لمكافحة الإرهاب والميليشيات، فضلًا عن منطقة الهلال النفطي.
“ترامب” واستمرار النهج الأمريكي
رغم أن التوقعات كانت تصب في تغيير إدارة “ترامب” للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا بعد دخوله البيت الأبيض، خاصة أن الرجل بعقليته “الصفقاتية” كان قد انتقد بشدة إنفاق سلفه “أوباما” مليار دولار على حملة الناتو، بينما يذهب نفط ليبيا إلى أوروبا، إلا أن المفارقة أنه استمر في الخط العام للسياسة الأمريكية عبر تقليص تورطها في الشأن الليبي، كجزء من توجه عام تجاه الشرق الأوسط. وبالتالي، لم تتدخل إدارة “ترامب” في أتون الصراع الليبي، إلا عبر أمرين؛ أحدهما استمرار أولوية مكافحة الإرهاب التي يقودها “الأفريكوم” في ليبيا، أما الآخر فتمثل في الضغط على الفرقاء الليبيين لجعل إيرادات المنشآت النفطية تابعة لحكومة الوفاق حتى مع سيطرة الجيش الليبي على الهلال النفطي.
عدا ذلك، ظلت واشنطن مستمرة في النهج البراجماتي التوازني بين المتنازعين، سواء حكومة الوفاق وحلفائها في غرب ليبيا أو الجيش الوطني الليبي وحلفائه في شرق ليبيا، عبر التأكيد على أن التسوية السياسية في ليبيا تتطلب مشاركة “حفتر” و”السراج”. ومن ثم، فلم يكن مفاجئًا أن يخبر “ترامب” رئيس الوزراء الإيطالي السابق “باولو جنتيلوني” في مؤتمر صحفي مشترك بينهما في أبريل 2017 بأنه لا يرى دورًا أمريكيًّا في ليبيا، وأن المسألة لا تعدو سوى مكافحة الإرهاب، سواء أكان في ليبيا أم في غيرها. وبدت الرسالة حينها صادمة لروما التي كانت تعول على واشنطن لدعم سياساتها في مواجهة الدور الفرنسي المنافس لها في الأزمة الليبية.
وانطلاقًا من رؤية “ترامب” تلك، اقتصر لقاؤه مع “فايز السراج” في ديسمبر 2017 على دعم التسوية السياسية، مع الإعراب عن المخاوف من أن يستغل تنظيم “داعش” أجواء الانقسام الليبي بين شرق وغرب البلاد لزيادة تهديداته الإرهابية. وبينما اعتبر البعض أن تعيين الأمريكية “ستيفاني وليامز” -التي كانت تعمل قائمة بأعمال السفارة الأمريكية في طرابلس- نائبة للمبعوث الأممي “غسان سلامة” في يوليو 2018 مؤشرًا على تزايد الانخراط الأمريكي في تسوية الأزمة الليبية، لكنّ ذلك لم يكن له صدى على الأرض، في ظل خلل توازنات القوى لصالح الجيش الليبي مقارنة بهشاشة حكومة الوفاق. كما بدت المشاركة الأمريكية منخفضة المستوى في الاجتماعات التي قادتها فرنسا وإيطاليا خلال عام 2018 للتوصل إلى اتفاق بين “السراج” و”حفتر”.
لذا، ظلت واشنطن تركز أكثر على مكافحة الإرهاب بالتعاون مع حكومة الوفاق، خاصة في ظل استمرار “الأفريكوم” في استهداف عناصر إرهابية تنتمي للقاعدة أو فلول “داعش” في جنوب وغرب ليبيا، وكان من أبرزهم في عام 2018 “موسى أبو داود” القيادي القاعدي في أوباري، والداعشي “وليد حربية” في بني الوليد. هنا، من المهم الإِشارة إلى أن أولوية مكافحة الإرهاب لدى واشنطن في ليبيا تنبع بالأساس من خشيتها تمدد البؤر الإرهابية في جنوب ليبيا إلى دول الساحل الإفريقي المجاورة، وخاصة النيجر وتشاد. ولمواجهة ذلك، بنت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في مدينة أغاديز شمال النيجر، والتي تشكل مركزًا لوجستيًّا للعمليات ضد الإرهابيين في الساحل الإفريقي، كما نسقت مع باريس فنيًّا وتمويليًّا لدعم قوة الساحل الإفريقي الخمس لمكافحة المتطرفين بالمنطقة، خاصة وأن القوات الأمريكية تعرضت لهجمات إرهابية، عندما قتل أربعة من جنودها ومثلهم من جيش النيجر في أكتوبر 2017.
دوافع التغيير الأمريكي
في ظل هذا المسار للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا، شكل الاتصال الهاتفي بين “ترامب” و”حفتر” في منتصف أبريل 2019، والذي أعلن عنه البيت الأبيض بعدها بأربعة أيام، بادرة تغيير غير مسبوقة، والتي تشير تقارير أمريكية إلى أن “جون بولتون” (مستشار الأمن القومي) لعب دورًا أساسيًّا في الدفع بها. وانبنى منطق “ترامب” في الاتجاه لهذه الخطوة على رؤية موازين القوى في الصراع الليبي. فبينما تعاني حكومة الوفاق هشاشة متصاعدة في ظل عدم قدرتها على السيطرة على الميليشيات المتنازعة في العاصمة، بما سمح ببروز بؤر داعشية، كان الجيش الليبي يتقدم بثبات من الشرق ليسيطر على منطقة الجنوب كاملًا في الأشهر الأولى من عام 2019، وهو ما أعطى رسالة لـ”ترامب” بأنه يمكن الاعتماد على الجيش الوطني، كقوة عسكرية مركزية في مكافحة تهديدات الإرهاب والميليشيات، ومن ثم استقرار ليبيا. وعزز ذلك أن ليبيا قد تكون الوجهة القادمة المحتملة لتوطن الإرهابيين في الشرق الأوسط، خاصة بعد سوريا، في ظل مؤشرات على تنامي بؤر إرهابية في جنوب ليبيا المرتبط بمصالح الولايات المتحدة في الساحل الإفريقي. بل إن بعض التقارير تردد أن الفيديو الأخير لـ”أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” في أبريل 2019 كان من داخل ليبيا، وهو ما نفته حكومة الوفاق.
على جانب آخر، فإن سيطرة الجيش الليبي على غالبية مناطق النفط في البلاد، بعد تمديد سيطرته إلى منطقة الجنوب التي يوجد فيها حقل الفيل والشرارة (ينتج قرابة ثلث النفط اللييي) يشكل دعمًا للهدف الأمريكي في تأمين تدفق الصادارت النفطية الليبية إلى أسواق النفط العالمية، خاصة مع سعي واشنطن للحفاظ على مستوى الأسعار الحالية، وعدم تأثر الأسواق بالعقوبات الأمريكية على كل من إيران وفنزويلا.
أضف لذلك، ما ذكرته عدة تقارير حول جهود مصر والسعودية والإمارات في إقناع إدارة “ترامب” بأن الجيش الوطني الليبي يسعى لبناء الدولة الوطنية واستعادة الاستقرار، لا سيما وأن الاتصال الهاتفي المشار له جاء في أعقاب لقاء “ترامب” والرئيس “عبدالفتاح السيسي” في التاسع من أبريل في واشنطن، بخلاف محادثات هاتفية جرت بين “ترامب” وكل من ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وولي عهد الإمارات “محمد بن زايد”. وتتفق إدارة “ترامب” مع أولئك القادة الإقليميين في مكافحة التطرف بالمنطقة، ومنها ليبيا، حيث تدرس واشنطن تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية أفرزت من رحمها تنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط.
باختصار، يمكن القول إن خطوة “ترامب” تجاه ليبيا عبرت في مضمونها عن الرهان على فكرتين جوهريتين؛ الأولى: الرجل القوي “حفتر” القادر على السيطرة أمنيًّا على دولة متشظية بعد سقوط “القذافي”، والثانية: المؤسسة المركزية (الجيش الوطني) التي تحتكر الوظيفة الأمنية بما يمكنها من تأمين الاستقرار، وبالتالي دعم المصالح الأمريكية في هذا البلد. ويظهر ذلك المنطق جزئيًّا في تعليق وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة “باتريك شانهان” مؤخرًا لشبكة “إن بي سي نيوز”. فعلى الرغم من أنه يشير إلى أن الحل العسكري ليس ما هو تحتاجه ليبيا، لكنه يضيف: “ما قلناه من قبل، وما أؤيده هو دعم دور المشير حفتر في مكافحة الإرهاب، ونحتاج إلى أن يدعم المشير بناء الاستقرار الديمقراطي في المنطقة”.
لكن بادرة التغيير التي أطلقها “ترامب” أثارت معارضة سواء من داخل الإدارة الأمريكية أو حتى من المؤسسات الأمريكية. فبخلاف الموقف الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الأمريكية بأنه لا حلول عسكرية للأزمة الليبية ودعت لوقف إطلاق النار في طرابلس، فقد شهدت لجنة استماع لخبراء أمام مجلس النواب الأمريكي في منتصف مايو الماضي انتقادات لمعركة طرابلس، كما بعث أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بلجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب رسالة إلى وزارة الخارجية تحثها على رفض معركة طرابلس وتعزيز الدور الأمريكي في التسوية السلمية.
“لوبيات” ليبيا في واشنطن
هنا، من المهم عدم عزل تأثير الاتجاهات المعارضة، أو حتى الداعمة لتغيير السياسة الأمريكية تجاه ليبيا، عن لعبة اللوبيات الضاغطة في واشنطن، والتي ينشط فيها مختلف أطراف النزاع الليبي. فعلى سبيل المثال، أشار موقع “بوليتيكو” الأمريكي في الثاني من مايو الماضي إلى تعاقد حكومة الوفاق مع شركة “ميركوري” للشئون العامة في أبريل الماضي، ولمدة عام، بعقد تصل قيمته إلى مليوني دولار، للضغط على إدارة “ترامب” واجتذاب مواقف من أعضاء الكونجرس. وكان ثمرة هذا الاتفاق نشر مقال لـ”فايز السراج” في صحيفة “وول ستريت جورنال” في مايو الماضي ناشد فيه “ترامب” وقف معركة طرابلس. كما أشار تقرير آخر لبوليتيكو في العاشر من مايو الماضي إلى أن هنالك مجموعة ضغط أمريكية ثانية ( prime policy group) تلعب دورًا في التحضير لزيارة “أحمد معيتيق” إلى واشنطن، والتي تمت بالفعل في يونيو الجاري.
وعلى ما يبدو، فإن الاتجاه الأمريكي المعارض لبادرة التغيير التي أبداها “ترامب” تجاه ليبيا، يخشى من عسكرة المجتمع الليبي إذا سيطر الجيش الوطني على طرابلس، وهو أمر كان قد نفاه من قبل المشير “حفتر”، وقال إنه يؤيد عقد انتخابات. إضافة إلى تنامي الإرهاب جراء عملية طرابلس، مع بروز هجمات تبناها تنظيم “داعش” في مناطق سيطرة الجيش الليبي خلال شهري أبريل ومايو 2019، لا سيما في سبها جنوب غرب ليبيا، وبلدة الفقهاء في الجفرة وسط ليبيا. أضف لذلك، فإن دعم “ترامب” لـ”حفتر” -من وجهة نظر خبراء أمريكيين- قد يسمح لروسيا بتمديد نفوذها الشرق أوسطي من سوريا إلى ليبيا، خاصة أنها تراهن هي الأخرى على الجيش الوطني لاستعادة نفوذها الذي كانت قد خسرته اقتصاديًّا جراء سقوط “القذافي”، إذ تسعى لامتلاك قوة مساومة عبر ليبيا ضد الأوروبيين في البحر المتوسط، وإن كانت موسكو توازن ذلك بمحاولة لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين.
ومع ذلك كله، فإن معادلة “من سيربح ميدانيًّا؟” في معركة طرابلس، قد تلعب دورًا حاسمًا في تحديد الخطوات القادمة في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا، فإن استطاع الجيش الليبي حسم تلك المعركة لصالحه، فمن المتوقع أن يأخذ التغيير الأمريكي الذي أبداه “ترامب” مسارًا أكبر في المرحلة القادمة، أما إن ظلت حالة اللا حسم مهيمنة على ساحات القتال، فذلك ما قد يعظم الضغوط على إدارة “ترامب”، وربما يعيد السياسة الأمريكية إلى المربع التوازني أو حتى استمرار حالة الضبابية والخلافات في مواقفها تجاه الأزمة الليبية، مع الاحتفاظ بأولويتها في مكافحة الإرهاب، وبناء خطوط اتصال مع كافة أطراف النزاع الليبي لدفعهم للتسوية السياسية، حتى ولو على أسس جديدة تراعي تفوق موازين القوى للجيش الوطني الليبي.