تتوالى الإشادة في التقارير الصادرة عن عددٍ من المؤسسات الدولية بالاقتصاد المصري، ومن ذلك -على سبيل المثال- وكالة موديز للتصنيف الائتماني، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار، ووكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني التي دائمًا ما تشير إلى تحسن أوضاع المالية العامة واستقرار الاقتصاد المصري. وتتوقع هذه المؤسسات تحقيق معدلات نمو اقتصادي بنسبة تفوق 5% لتكون مصر بذلك الدولة الأعلى نموًّا في المنطقة.
فلماذا تتفق تلك المؤسسات على رؤيتها الإيجابية حول مستقبل الاقتصاد المصري؟ وما هذه الأسس الذي استندت عليها تلك المؤسسات لبناء تلك النظرة الإيجابية؟
وكالة موديز للتصنيف الائتماني
تبنت موديز نظرتها الإيجابية عن الاقتصاد المصري بالاعتماد على ثلاثة محاور أساسية نعرضها فيما يلي[1]:
1- التسعير الجيد للعملة المصرية
توقعت موديز أن يساهم التسعير الجيد للجنيه المصري، الذي جاء كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة المصرية في إطار تعاونها مع صندوق النقد الدولي في الأعوام الثلاثة الماضية منذ نوفمبر 2016، والتي هدفت إلى أن يصبح الاقتصاد أكثر شفافية واحتواءً بقيادة القطاع الخاص في دعم تنافسية الاقتصاد، وهو الأمر الذي سيزيد من قدرة المنتجات المصرية على المنافسة، ومن ثم توفير دفعة قوية للصادرات والاستثمار. وتوقعت الوكالة أن تساهم تلك الإصلاحات بشكل أساسي في دفع مسار النمو وتعزيز قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات. وتوقعت موديز أيضًا أن يحقق الاقتصاد المصري معدل نمو قدره 5.5% في عام 2019 ليرتفع إلى 6% في 2021.
أما على المدى الطويل فقد ربطت موديز نمو الاقتصاد المصري بتحوله ليكون أكثر
احتواءً من خلال قدرته على خلق فرص عمل لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الداخلين إلى
سوق العمل (خاصة بين الإناث). وأشارت إلى أن تحسن القدرة على خلق الوظائف يساهم
بشكل رئيسي في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي سيترتب عليه تقييد حجم ونطاق
الفساد، وفتح أسواق جديدة لتعزز المنافسة. وعززت “موديز” من توجيهها بأن
تلك الوظائف يجب أن تأتي من جانب القطاع الخاص، إذ إنه السبيل الرئيسي الذي يمكن
الاعتماد عليه في هذه المرحلة نظرًا للقيود الموضوعة على الميزانية العمومية
للقطاع العام.2- التزام
الحكومة بالإصلاح المالي بعد انتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادي
أشار المحور الثاني في تقرير موديز إلى أن السبيل الوحيد للحفاظ على النجاح الذي تحقق في برنامج الإصلاح الاقتصادي هو التزام الحكومة باستكمال الإصلاحات الاقتصادية وتطبيق آلية تسعير الوقود، وتخفيض فاتورة الأجور لتمثل 5% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كانت 8.5% في عام 2013. وتوقعت موديز أن يزيد فائض الرصيد الأولي للموازنة العامة تدريجيًّا ليصل إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 مدعومًا بشكل أساسي بتخفيض الإنفاق، وتحقيق كفاءة الإنفاق بشكل أساسي من خلال التخفيضات الدائمة في فاتورة دعم الطاقة، والتخفيضات المتوقعة في أسعار الفائدة، واستمرار سياسات الإصلاح الاقتصادي.
أما عن المخاطر، فإنها تتركز بالأساس -وفقًا لموديز- في تقلب سوق رأس المال الدولي الذي قد يؤدي إلى خروج المستثمرين من أدوات الدين المصرية، أو ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير.
3- المرونة الائتمانية لمخاطر السيولة وتدفقات سوق رأس المال
أشارت موديز إلى أنه من المتوقع أن تتراوح احتياجات مصر التمويلية بين 30-40% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات القليلة المقبلة، مدفوعة بفاتورة فائدة مرتفعة في نطاق 8-9 %، من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض متوسط آجال استحقاق الدين ليبلغ نحو ثلاث سنوات، ومن ثم فهي تمثل مخاطر سيولة أمام الاقتصاد المصري، إلا أنها ليست بذلك الحجم من الخطورة، إذ إن الاقتصاد المصري استطاع الصمود إبان الأزمة التي شهدتها الأسواق الناشئة في النصف الثاني من عام 2018 والتي تسببت في خروج تدفقات نقد أجنبي بأكثر من 10 مليارات دولار خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2018، وعلى الرغم من ذلك ظل سعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبي مستقرة بشكل كبير.
وكالة ستاندرد & بورز
توقعت وكالة ستاندرد أند بورز أن يستمر الاقتصاد المصري في تحقيق نمو قدرة 5.5% سنويًّا خلال السنوات الثلاث القادمة، وتبنت الوكالة ذلك التوقع بعد الإشارة إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تمت في الاقتصاد المصري ساهمت في تحسين عملية تحصيل الضرائب، ومن ثم تراجع العجز المالي، بالإضافة إلى أنها تراهن على عزم وإصرار الحكومة على استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2019. وأشارت الوكالة إلى أن النمو الاقتصادي يأتي نتيجة انخفاض العجز في ميزان المعاملات الجارية بفضل زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونمو العديد من القطاعات، مثل قطاع الطاقة والغاز الذي سيساهم في تحقيق فائض في الميزان التجاري للنفط خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2019، وسيكون ذلك الأول منذ 4 سنوات، بالإضافة إلى قطاعات التصنيع والسياحة والبناء، والمساهمة المتوقعة من منطقة قناة السويس الاقتصادية الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى مشروعات البنية التحتية المتمثلة في شبكة الطرق الوطنية. وأشارت الوكالة إلى أن الخطوات التي اتخذها البنك المركزي لتحسين مرونة سعر الصرف بإنهاء العمل بآلية تحويل أرباح المستثمرين الأجانب في أواخر العام الماضي، سيكون لها أثر إيجابي في الحد من التقلبات الاقتصادية[1].
لكن الوكالة نوّهت إلى وجود عدد من التحديات تتمثل في ارتفاع تكاليف الفائدة،
خاصة أن نسبة كبيرة من الديون الحكومية ذات آجال استحقاق قصيرة، ويجري إعادة هيكلة
تلك الديون في الوقت الحالي بغرض زيادة مدد استحقاقها، وتخفيف ضغوط الإنفاق
الاجتماعي على الموازنة.
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار
أشار البنك الأوروبي لإعادة الإعمار إلى أن منطقة بلدان جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط ستشهد نموًّا قويًّا في عام 2019-2020، إذ من المتوقع أن يرتفع النمو في بلدان جنوب وشرق المتوسط الخمسة (مصر، والأردن، ولبنان، والمغرب، وتونس) إلى 4.6% في هذا العام، مقابل 4.4% في المائة في عام 2018، على أن يرتفع إلى 5.1% في عام 2020.
وأشار البنك الأوروبي إلى أن الإصلاحات التي قامت بها مصر أدت إلى ارتفاع إيرادات السياحة وإنتاج الغاز الطبيعي والاتصالات والبناء وقناة السويس، وساهمت في تحقيق معدل نمو قوي، حيث من المحتمل نمو الاقتصاد بنسبة 5.5% في السنة المالية 2018-2019، وبنسبة 5.9% في العام المالي 2019-2020 مقارنه مع نسبة 5.3% في عام 2017-2018. ومن المتوقع أن تستفيد مصر من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وترقية بيئة الأعمال لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، إذ سيساهم انخفاض سعر الجنيه المصري أمام العملات الأخرى في دعم الصادرات وتقليل الواردات، بالإضافة إلى جاذبية أسعار الأصول المحلية التي ستجذب مستثمرين أجانب.
أما عن المخاطر الأساسية التي تواجه مصر -وفقًا للبنك- فتتمثل في اتباع المستثمرين الأجانب نهج الانتظار والترقب، وزيادة احتمال تآكل القدرة التنافسية للمنتجات المصرية بسبب ارتفاع في قيمة الجنيه وارتفاع التضخم، ولكن يمكن تخفيض تلك المخاطر في حال التزام السلطات القوي بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية.[1]
أما عن العوامل الخارجية التي قد تسبب انخفاضًا في معدلات النمو، فقد أشار البنك إلى أن الحرب التجارية بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين قد تلقي بظلالها على معدلات النمو العالمية ومن ثم المحلية، وارتفاع أسعار النفط مرة أخرى من مستوى 50 دولارًا إلى مستوى 70 دولارًا.
الخلاصة
تستند آراء المؤسسات الدولية حول الاقتصاد المصري على النتائج الفعلية التي
تحققت على أرض الواقع كنتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تنفيذه منذ ثلاث
سنوات. وقد اختلفت تقارير تلك المؤسسات فيما بينها في الإشارة إلى الأسباب التي
تبنتها لبناء تلك الرؤية المستقبلية الإيجابية عن الاقتصاد المصري، فقد أشار البعض
إلى جاذبية المنتجات المصرية نتيجة التسعير المنخفض للجنيه المصري، والاكتشافات في
مجال حقول الغاز والبترول والإصلاحات والجهود المبذولة في قطاع السياحة والقطاعات
الأخرى، وقدرة القطاعات الصناعية على خلق الوظائف؛ إلا أن تلك التقارير اتفقت على
سبب أساسي بُنيت عليه تلك التوقعات، وهو التزام الحكومة بالاستمرار في تطبيق برامج
الإصلاحات المالية والهيكلية حتى بعد نهاية الاتفاق المنعقد مع صندوق النقد
الدولي، إذ إن أي تراجع في تطبيق تلك الإصلاحات في المواعيد المناسبة سيعيق قدرة
الاقتصاد المصري على النمو، ويشكل تهديدًا كبيرًا للنجاحات التي تحققت.
1-للاطلاع على نص التقرير راجع الرابط التالي:
2-للاطلاع على نص التقرير راجع الرابط التالي:
https://event.on24.com/wcc/r/1992285/A4EAA75BB01477BC75219A2FE60DFBAF
3-للاطلاع على نص التقرير راجع الرابط التالي:
https://www.ebrd.com/rep-2019-may