تمثل القمة الروسية الأفريقية في نسختها الثانية نقلة نوعية جديدة في تعميق الشراكات العسكرية والأمنية مع الدول الأفريقية، حيث احتل البعد الأمني والعسكري في علاقات روسيا مع الدول الأفريقية أهمية خاصة واستثنائية. وفي الوقت الذي تراجعت فيه روسيا عن القارة الأفريقية لفترة من الزمن، ظلت العلاقات الأمنية والعسكرية حاضرة بقوة، سواء على مستوى مبيعات الأسلحة، أو عقد اتفاقيات عسكرية، أو تسليح الجيوش الأفريقية في النظم الدفاعية.
يتّضح من قضايا المحور الأمني والعسكري في القمة، مدى الاهتمام الأفريقي بسياسات مكافحة الإرهاب وقضايا الهجرة غير الشرعية، ومُعالجة الصراعات والنزاعات المسلحة، والجريمة المنظمة، وتهديدات الأمن البحري، والتهديدات السيبرانية، وتوفير الأمن وأنظمة المراقبة في المناطق الحدودية، في ظل غياب المؤسسات الأمنية القوية، وانهيار أنظمة الدفاع في بعض الجيوش الأفريقية. لذلك، يوجد طلب متزايد للتعاون المشترك في مجال الأمن باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والتنمية، وكان من ضمن أهداف القمة تعزيز الأمن المتكامل في أفريقيا.
مخرجات عديدة
تضمنت مخرجات القمة مجموعة متنوعة من مجالات التعاون الأمني والعسكري بين روسيا وأفريقيا، بما في ذلك التعاون في مجال أمن المعلومات الدولي، ومكافحة الإرهاب، وسباق التسلح في الفضاء الخارجي، ومكافحة الجرائم غير القانونية، وتعزيز تبادل الخبرات والمعلومات، وتوسيع نطاق التعاون العسكري التقني. كما وقعت روسيا وإثيوبيا اتفاقية تعاون في مجال أمن المعلومات، واتفقت روسيا وجنوب أفريقيا على التعاون في المشاريع المشتركة لإنتاج وتطوير الأسلحة والمعدات العسكرية، حيث يوجد مركز خدمة في جنوب أفريقيا لإصلاح طائرات الهليكوبتر الروسية والأجنبية الصنع، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أولًا- إنشاء آلية أمنية جديدة: ستعمل الآلية الجديدة بشكل دائم بين روسيا وأفريقيا على مكافحة الإرهاب والتطرف، وعدم نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي؛ إذ أشار “بوتين” إلى أنّ تطور القارة الأفريقية يعوقه انتشار الفكر المتطرف والجريمة العابرة للحدود والقرصنة، وستقدم روسيا المساعدة في مواجهة جميع التهديدات. كما ستواصل تدريب الجنود الأفارقة وضباط إنفاذ القانون في مرافقها التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، تزود موسكو مجموعة واسعة من الأسلحة والمركبات للدول الأفريقية مجانًا من أجل تعزيز أمن وسيادة هذه الدول. ضمن هذا السياق، أكد رؤساء جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي على دور روسيا الداعم في مساعدة قواتها المسلحة وأجهزة الأمن للتصدي للجماعات الإرهابية.
ثانيًا- تبادل الخبرات والمعلومات: يأتي ذلك بتطوير الاتصالات بين الممثلين رفيعي المستوى لقضايا الأمن بهدف تبادل المعلومات والخبرات الأمنية الدولية وأفضل الممارسات في مواجهة التهديدات والتحديات، ومواصلة الحوار بين وزارتي الدفاع في روسيا والدول الأفريقية حول قضايا التعاون العملي ذات الاهتمام المشترك من خلال الأحداث المشتركة والدورات التدريبية والمناقشات العلمية والتفاعل بين المراكز البحثية، بالإضافة إلى تبادل المعلومات بشأن الجماعات الإرهابية من خلال استخدام بنك المعلومات الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يُديره جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وقنوات الاتصال الخاصة به، بشأن الهجمات والتهديدات المحتملة، بما في ذلك الأعمال التي تنطوي على مواد كيميائية وبيولوجية، والأسلحة الإشعاعية أو النووية، وتعزيز التعاون في مكافحة الجرائم الاقتصادية المتعلقة بغسيل الأموال واستخدام عائدات الجريمة أو غيرها من الأعمال لتمويل الأنشطة الإرهابية. فضلًا عن تعزيز التعاون في مجال الدفاع المدني والاستجابة المشتركة للطوارئ والكوارث عن طريق تبادل الخبرات والتدريب وإنشاء مراكز إدارة الأزمات في أفريقيا.
ثالثًا- تعزيز الشراكة في تنفيذ الممارسات القانونية: من خلال تطوير تدابير التعاون والدعم وتنسيق الجهود في مجالات مكافحة الجريمة عبر الوطنية، والإرهاب، والمقاتلين الأجانب، واستخدام الإرهابيين لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة، ومواصلة التعاون في مكافحة زراعة المخدرات وإنتاجها وتصنيعها والاتجار بها، بالإضافة إلى إلغاء قنوات إمداد الجماعات الإرهابية بالسلاح على أساس المصلحة المشتركة من خلال إعداد البرامج والدورات التدريبية المتقدمة، والتعاون بين مراكز ومؤسسات التدريب في روسيا وأفريقيا.
رابعًا- توسيع نطاق التعاون العسكري التقني: وقعت روسيا اتفاقيات للتعاون العسكري مع أكثر من 40 دولة أفريقية خلال القمة، في ظل سعي روسيا لتعزيز تعاونها العسكري التقني مع مختلف الدول الأفريقية خلال العقود الماضية، شمل ذلك مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك مبيعات الأسلحة (الطائرات والدبابات والسفن البحرية والأسلحة الصغيرة)، والتدريبات العسكرية المشتركة، وشراكات صناعة الدفاع. ضمن هذا الإطار، قبل أربع سنوات، باعت روسيا معدات دفاعية بقيمة 14 مليار دولار لأفريقيا، بما يعادل 30-40% من إجمالي صادرات روسيا الدفاعية.
وعلى الرغم من ظروف الحرب الأوكرانية، تفوقت روسيا على الصين كمورد رئيسي لتسليح الجيوش الأفريقية التي اعتبرت في مستويات نشاط الحقبة السوفيتية في سوق الأسلحة بالقارة الأفريقية، وكانت مالي وأوغندا ونيجيريا والسودان وأنجولا من أبرز المتلقين للأسلحة الروسية في أفريقيا. كما تلقّت أنجولا مركبات مدرعة وأنظمة مدفعية وزوارق دورية من روسيا. فيما اشترت الجزائر طائرات مقاتلة متقدمة وأنظمة دفاع جوي وسفنًا بحرية من روسيا. بينما عززت مصر قدراتها العسكرية من خلال شراء مروحيات وطائرات وأنظمة صواريخ روسية. علاوة على ذلك، سعت روسيا لإقامة شراكات في مجال توطين الصناعات الدفاعية المحلية وتعزيز نقل التكنولوجيا مع الدول الأفريقية من خلال الإنتاج والتطوير المشترك لأنظمة الدفاع، على سبيل المثال التعاون الروسي مع أوغندا في إنشاء مصنع صيانة وتجميع طائرات الهليكوبتر.
يُعتبر تحديث المعدات العسكرية مجالًا واعدًا للتعاون العسكري التقني الروسي مع الدول الأفريقية، وتعزيز الإمكانات العسكرية لأي دولة سيكون بتكلفة معتدلة، وفقًا للرئيس التنفيذي لشركة الأسلحة الروسية (Rosoboronexport) “ألكسندر ميخيف”، حيث تقدم الشركة مجموعة واسعة من الأدوات والحلول الأمنية لضمان أمن هذه الدول، من معدات مكافحة الإرهاب، والمعدات القتالية، والأسلحة الصغيرة، ومعدات الكشف عن المتفجرات، وأنظمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
خامسًا- تعزيز برامج التدريب العسكري: أسفرت القمة عن تقديم برامج تدريبية للعسكريين ومسئولي أجهزة الأمن في القارة الأفريقية، حيث تستضيف روسيا أعدادًا متزايدة من العسكريين الأفارقة للالتحاق ببرامج التدريب وبناء القدرات، يصل عددهم لما يقرب من 500 عنصر سنويًا. وتُتيح هذه البرامج فرص التعليم العسكري المهني لروسيا التواصل المستمر مع العسكريين الأفارقة من المستويات المتوسطة والعليا على مدار حياتهم المهنية. حاصل ما تقدم، يمكن القول إن القمة عززت الشراكات في مجالات التعاون العسكري والأمني بين روسيا وأفريقيا لبناء القدرات الدفاعية ونقل التكنولوجيا العسكرية، في ضوء تصاعد التحديات الأمنية الناشئة في أفريقيا، ورغبة الدول الأفريقية في تحديث قواتها المسلحة وأنظمتها الدفاعية من أجل تحقيق مقاربة الأمن والتنمية.