شهدت تونس في السابع والعشرين من يونيو الماضي (2019)، تفجيرين إرهابيين انتحاريين تبناهما تنظيم “داعش”. وقع التفجير الأول في شارع “شارل ديجول”، واستهدف سيارة شرطة، ما أسفر عن مقتل عنصر أمني، وإصابة عنصر آخر، وثلاثة مدنيين. واستهدف التفجير الثاني وحدة مكافحة الإرهاب، وأسفر عن إصابة أربعة عناصر أمنية. وتبع هاتين العمليتين قيام الإرهابي “أيمن السميري” بتفجير نفسه في الثاني من يوليو، بعد أن تمت محاصرته من قبل قوات الأمن، وذلك قبل استهدافه دورية تابعة للحرس الوطني.
عوامل عديدة تفسر لنا استهداف تنظيم “داعش” لدولة تونس في هذا التوقيت، نوجزها فيما يلي:
1- تأكيد الوجود
على الرغم من الهزائم التي مُني بها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق؛ إلا أنه نجح على ما يبدو في التكيف مع هذه المرحلة وتجاوزها. واستطاع القيام بهجمات مؤثرة في بلدان مختلفة، سعيًا لتأكيد وجوده، وإرسال رسالة مفادها قدرته على البقاء، وتجاوز مرحلة “دولة الخلافة”. فقد عمل التنظيم بشكل ممنهج على إعادة هيكلته من أجل التحضير لموجة جديدة من العنف في المنطقة.
في هذا السياق، أكد “أبو بكر البغدادي”، زعيم التنظيم، مع ظهوره في التاسع والعشرين من أبريل الماضي، استمرار فاعلية التنظيم وبقاءه، وتزايد نفوذه في المرحلة القادمة، وتمدد ولاياته في أقاليم عدة. ويبدو أن العمليات الإرهابية التي استهدفت تونس هي خطوة نحو التأكيد على هذا النهج المستقبلي.
2- التجنيد
تُعد تونس بالنسبة لتنظيم “داعش” أرضًا خصبةً للتجنيد؛ فهي من أكثر الدول العربية التي تضم داعشيين. وتشير الإحصائيات الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة الداخلية التونسية إلى أن عدد الإرهابيين التونسيين الذين عملوا في سوريا، وليبيا، والعراق، بلغ حوالي 2929 إرهابيًّا. غير أن تقرير مؤسسة “صوفان جروب الأمريكية” الصادر في 2015 أشار إلى أن تونس تتصدَّر الجنسيات من حيث عدد المنضمين إلى “داعش” بـما يقرب من 6000 مقاتل.
3- التنافس الجهادي
تشهد الساحة الجهادية تنافسًا بين تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش” على تمدد النفوذ. وتشير المعطيات الأخيرة إلى وجود صراعات داخلية قوية بين العناصر الإرهابية المنتمية لكتيبة “عقبة بن نافع” المبايعة لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”، والعناصر المنتمية لخلية “جند الخلافة” المبايعة لتنظيم “داعش”، وذلك على خلفية انشقاق عدد من المنتمين إلى تنظيم “القاعدة” والتحاقهم بـ”جند الخلافة”.
وفي السياق ذاته، استغل تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” الضربات الأمنية والضغط العسكري الذي تعرض له تنظيم “داعش”، وعمل على استقطاب المزيد من العناصر الإرهابية، والتمدد في المناطق الجبلية. بهذا المعنى، يمكن القول إن تنظيم “داعش” بعملياته الإرهابية الأخيرة في تونس يهدف إلى تأكيد نفوذه في تلك المنطقة، وتعزيز وجوده في ضوء التنافس الجهادي المتصاعد بين التنظيمين.
4- عرقلة العملية السياسية
جاءت الهجمات الإرهابية الأخيرة بالتزامن مع التعديلات التي أُدخلت مؤخرًا على قانون الانتخابات التونسي، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر عقدها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر القادمين، على الترتيب. إذ تستعد تونس لتنظيم ثاني انتخابات رئاسية، وثالث انتخابات تشريعية منذ ثورة يناير 2011. ومن ثّم، يمكن القول إن أحد الأهداف التي سعت إليها هذه العمليات الإرهابية هو محاولة إفشال العملية السياسية، وتعطيل عملية التحول الديمقراطي، عن طريق تصدير حالة من الخوف، والتأثير على معدل المشاركة في هذه الاستحقاقات السياسية والانتخابية المهمة، ما يؤثر في المجمل على شرعية نتائج الاستحقاقات. وفي حالة تزايد حجم العمليات الإرهابية مع قرب موعد إجراء الانتخابات، ليس من المستبعد تأجيل الانتخابات، خاصة في ظل وجود نص دستوري يسمح بتأجيل الانتخابات في حالة “الخطر الداهم”.
5- استهداف الاقتصاد
تمثل العمليات الإرهابية الأخيرة تهديدًا مباشرًا للسياحة التونسية والاقتصاد التونسي؛ إذ تمثل السياحة 8% من الناتج المحلي الإجمالي التونسي. وكانت مؤشرات قطاع السياحة قد بدأت في التعافي، فقد قفزت إيرادات السياحة التونسية في عام 2018 إلى 1.36 مليار دولار، مع وصول عدد السائحين إلى 8.3 ملايين، طبقًا للبيانات الرسمية، الأمر الذي وفّر معطيات جيدة لكي تتوقّع وزارة السياحة التونسية استقبال 9 ملايين سائح خلال العام الجاري.
في هذا الإطار، من المرجّح أن تتزايد العمليات الإرهابية في تونس خلال الفترة القادمة، وذلك في ضوء مجموعة من العوامل، يتعلق أولها بالأوضاع الإقليمية المحيطة، خاصّة في ليبيا، حيث حرية الحركة للجماعات الإرهابية بسبب غياب السلطة المركزية. ويتصل ثانيها بالأوضاع الداخلية التي تشهدها الدولة التونسية، من ارتفاع التضخم، وزيادة معدلات البطالة، وانعكاس هذه الأوضاع على إمكانية تزايد فرص تجنيد عناصر جديدة. وينصرف ثالثها إلى ما ذكرته السلطات الرسمية التونسية حول عودة ما لا يقل عن ألف إرهابي إلى تونس قادمين من بؤر التوتر في الخارج، وتزايد خبرات هؤلاء الإرهابيين حتى باتوا خبراء في ميادين الحرب والقتال. وأخيرًا رغبة تنظيم “داعش” في فتح جبهات قتال جديدة، واختبار مساحات مختلفة، سعيًا لتأكيد الوجود والنفوذ.