وافق مجلس الوزراء فى جلسته الأخيرة على مشروع قانون بشأن المساهمة التكافلية لمواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا ، يقضى بخصم نسبة 1% شهريا، من صافى دخل العاملين فى كل قطاعات الدولة (الحكومة والقطاعين العام والخاص) المستحق من جهة عملهم أو بسبب العمل تحت أى مسمى بدءا من أول يوليو 2020، لمدة 12 شهرا، ونسبة 0.5% من صافى الدخل المُستحق من المعاش ل أصحاب المعاشات ، كما نص مشروع القانون على أن يُعفى من نسبة خصم المساهمة، أصحاب الدخول الذين لا يزيد صافى دخولهم شهريا على 2000 جنيه، ويجوز لمجلس الوزراء إعفاء أصحاب الدخول بالقطاعات المتضررة اقتصاديا نتيجة انتشار هذا الفيروس من خصم نسبة المساهمة. وهو المشروع الذى يطرح العديد من التساؤلات، من حيث قدرته على تحقيق الهدف المنوط منه او الامكانية الفعلية للتنفيذ.
ويمكن تناول المشروع المقترح على محورين اولهما يتعلق بالمعاشات والاخر يتعلق بالاجور ففيما يتعلق بالاول فإننا نرى ان المشروع قد جانبه الصواب فى الحديث عن صافى الدخل من المعاش، فهى عبارة لامعنى لها لان المعاشات معفاة اصلا من الضرائب وغيرها من الاستقطاعات وبالتالى فقيمة المعاش واحدة ليس لها إجمالى او صاف. وجدير بالذكر أن إجمالى اصحاب المعاشات (احياء ومستحقين) وصل عددهم،فى نهاية يونيو 2019، الى نحو 10 ملايين مستفيد وبلغت قيمة المعاشات السنوية المصروفة نحو 178 مليار جنيه. كانت نسبة من يحصلون على معاش اقل من 1500 جنيه شهريا، نحو 39% يحصلون على نحو 21% من إجمالى المعاشات المصروفة شهريا، وهى الشريحة المنتظر اعفاؤها وفقا لمشروع القانون لانها سوف تتاثر بالزيادة المتوقعة فى اول يوليو القادم وبالتالى تصل الى 2000 جنيه. وكما هو معروف فان اموال التأمينات هى اموال خاصة بأصحابها وفقا للمادة الـ ( 17) من الدستور والتى اكدت انها أموال خاصة تتمتع بجميع أوجه الحماية المقررة للأموال العامة وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها وتستثمر استثمارا امنا وتديرها هيئة مستقلة وفقا للقانون وهو ما أكده قانون التأمينات الاجتماعية الأخير، وبالتالى فإن صاحب القرار فى هذه المسالة هو الهيئة دون غيرها ومن ثم نعتقد ان هناك شبهة عدم دستورية فى هذا المقترح، خاصة ان هذه الاموال هى مدخرات إجبارية قام بها أصحابها خلال عمرهم الوظيفي.
وفيما يتعلق بالمحور الثانى الخاص بالأجور، فاننا نلحظ ان إجمالى المشتغلين بأجر نقدى فى المجتمع يقدر بنحو 19 مليون مشتغل (بنسبة 71% من إجمالى المشتغلين) يعمل منهم 66% فى عمل دائم و41% يعملون بعقد قانوني. فضلا عن وجود ستة ملايين منهم يعملون خارج المنشآت يضاف اليهم نحو مليون يعملون داخل المنشآت بشكل غير رسمي، وفقا للتعداد الاقتصادى الاخير، وجميعهم لايمكن تطبيق مشروع القانون عليهم، ولا يتبقى سوى العاملين بالجهاز الإدارى للدولة والهيئات الخدمية والمحليات، وهؤلاء يحصلون على إجمالى اجر 335 مليار جنيه وفقا لمشروع موازنة العام القادم (منه 37 مليارا مزايا تأمينية و25 مليارا احتياطيات عامة) يضاف اليها 24 مليارا أجورا اللعاملين بالهيئات الاقتصادية ونحو 47 مليارا للوحدات الاقتصادية العامة فضلا عن الاجور بشركات قطاع الاعمال العام والشركات المشتركة.
وهنا نلحظ انه عند حساب العلاوة السنوية فانها تحسب على الاجر الاساسى او الوظيفى حسب الموقف من قانون الخدمة المدنية (مخاطب او غير مخاطب) وعند حساب الحد الادنى للاجور يتم حسابه على إجمالى مايتقاضاه الموظف سواء نقديا او مزايا تأمينية او عينية، وذلك على العكس من المشروع الذى بين ايدينا والذى يتحدث عن مجمل صافى الدخل، اى الاجمالى مخصوما منه الضرائب.
وهذا بدوره يطرح عدة تساؤلات اولها يتعلق بكيفية حساب إجمالى الاجر ومن ثم الصافى الذى سيتم الخصم منه؟ فى ظل اختلاف النظم القانونية المنظمة للاجور لكل قطاع من هذه القطاعات. اذ تختلف فيما بينها وبعضها البعض من حيث تعريف إجمالى الدخل او الاجر فالقطاع الحكومى يخضع لنظم اجرية مختلفة، ناهيك عن المخاطبين بالخدمة المدنية وغير المخاطبين. اذ يختلف الأجر المستحق لكل موظف مابين وظيفى وتكميلى وتعويضى وشامل ويتباين مابين كل جهة وأخري. ومن جهة اخرى هل سيتم اعتبار استحقاقات المعاشات ضمن الدخل الشهرى للموظف ام لا؟ بالاضافة لذلك هل سيتضمن مثلا الحافز تعويضى وبدلات الانتقال وبعض الحوافز ذات الصفة الفردية مثل حافز الميكنة والماجستير ومكافآت الامتحانات وبدل العدوى والبدلات النوعية الاخري؟ كل هذه الامور وغيرها تحتاج الى الإيضاح للوقوف على الاثر المالى لها.
وعلى الجانب الآخر فان القطاع الخاص يعمل فى إطار قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الذى افرد الباب الثالث بأكمله للحديث عن الأجور وطرق تحديد الأجر بالإنتاج أو العمولة وكيفية تحديد أجور اليومية والعمال المعينين بالأجر الاسبوعى أو بالساعة أو بالإنتاج …الخ. وكلها امور اوكلها القانون للمجلس القومى للأجور، الامر الذى كان يتطلب انعقاده للنظر فى هذه المسائل وفقا لما يراه من متغيرات اقتصادية واجتماعية معينة وما يتوقعه من سياسات وإجراءات. وبالتالى هذه الاختلافات تحتاج الى تحديد واضح وقاطع وهى امور فى غاية الصعوبة والاهم من ذلك ماهى الآلية التى سيتم بها هذه الاستقطاعات؟ وماهى الجهة التى ستتولى القيام بهذه المهمة؟ والاهم مما سبق هل هناك عقوبات فى حالة عدم التنفيذ؟ وفى حالة وجودها هل ستطبق على الشخص ام المنشأة؟.
ومع تسليمنا الكامل بأن الآثار السلبية لانتشار الفيروس شديدة الوطاة بحيث يجب ان يشارك الجميع فى تحمل هذه الاعباء الا ان الاهم هو مدى العدالة فى توزيع هذه الاعباء على شرائح المجتمع المختلفة؟ وهنا تجدر الاشارة الى ان إجمالى قيمة الأجور المدفوعة فى الاقتصاد المصرى يشكّل نحو 35% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يمثّل خللا هيكليا فى التوزيع الأوّلى للدخل لمصلحة أصحاب الأعمال ورءوس الأموال والأصول (الأرباح والفوائد والريع) ولغير مصلحة العمال (الأجور)، علماً بأن هذه النسبة تصل إلى نحو 60% مثلا فى البلدان المتقدمة وهى المسألة التى لم تحظ بالاهتمام حتى الان. وبالتالى يجب التفكير فى بدائل اخرى سبق لنا تناول بعضها فى هذه المقالات فضلا عن ضرورة التفكير فى فرض ضريبة على الثروة لمرة واحدة ولتكن بنسبة 5% على من تزيد ثروته على 200 مليون جنيه وإصلاح هيكل الضرائب الحالى مع تحصيل حقوق الخزانة العامة من كل الجهات المملوكة لها.
*نقلا عن صحيفة “الأهرام”، نشر بتاريخ ٢٦ مايو ٢٠٢٠