امتدّت تأثيرات فيروس كورونا إلى كافة القطاعات الرئيسية والفرعية في جميع دول العالم، وهو ما ترتّب عليه انخفاض حركة التجارة العالمية بنحو 3% خلال الربع الأول من العام الجاري، مع وجود توقعات بتراجع التجارة السلعية بحوالي 20% هذا العام. ومن المتوقّع أيضًا أن يشهد الاقتصاد العالمي أكبر انكماش منذ الحرب العالمية الثانية. وتعتبر صناعة الملابس الجاهزة في مقدمة القطاعات المتضررة من انتشار الوباء، حيث أضفى المزيد من الصعوبات على هذه الصناعة، والتي كانت تعاني قبل الأزمة من تفاقم فوائض الإنتاج، وارتفاع المخزونات بالمصانع، وزادها انتشار الفيروس سوءًا مع توقف أغلب الطلبيات من الأسواق الرئيسية المستهلكة.
ويعرض هذا المقال أهم تداعيات فيروس كورونا على صناعة الملابس الجاهزة عالميًّا ومحليًّا، مع توجيه التركيز على أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصري.
أولًا- كورونا يزيد التحديات أمام صناعة الملابس والأزياء حول العالم
ألقى فيروس كورونا بالمزيد من العقبات أمام صناعة الملابس الجاهزة حول العالم بسبب ارتباطها بظاهرة العولمة بشكل كبير في ظل اعتمادها في العديد من البلدان على مدخلات الإنتاج الصينية. ولهذا أدى انتشار الوباء في الصين أولًا إلى تعطيل سلاسل التوريدات العالمية مع اضطراب حركة الشحن الجوي والبحري والبري، وهو ما يبرز مفهوم تأثير الدومينو Domino effect الذي ظهر جليًّا خلال أزمة كورونا.
كما تضررت الصناعة في ظل حالات الإغلاق التي شهدتها المصانع ومتاجر تجارة التجزئة مع فرض حظر التجوال على حركة المواطنين، هذا بالإضافة إلى إلغاء أو تأجيل العديد من الدول لطلبياتها من الموردين. أمّا المستهلكون فقد لجأ قطاع عريض منهم بشكل كبير إلى شراء السلع الأساسية كالغذاء، مع تأجيل فكرة شراء ملابس جديدة، خاصة في ضوء انخفاض معدلات الخروج من المنازل. إضافة إلى كل ما سبق، فإن صناعة الملابس تتسم بأنها صناعة ذات دورة حياة قصيرة بسبب تغير أذواق المستهلكين بشكل سريع، فضلًا عن ارتباط كل موسم بمنتجات معينة من الملابس. ويوضح الشكل رقم (1) وضع الصين داخل هذه الصناعة مقارنة بعدد من الدول الأخرى.
الشكل (1): أهم 20 دولة مصدّرة للمنسوجات والملابس (% من الصادرات العالمية) في عام 2019

Source: UNCTAD, Textile and garment supply chains in times of COVID-19: challenges for developing countries, May 2020.
يتضح من الشكل السابق أن الصين تستحوذ على أكثر من 35% من إجمالي صادرات الملابس العالمية بما في ذلك المنسوجات ومدخلات الإنتاج، وهو ما يعني أن حدوث أي ضرر بسيط في معدلات إنتاج مصانع الملابس الصينية أو قدرتها التصديرية، سيُلقي بظلاله على باقي دول العالم. ويوضح الشكل رقم (2) النسبة التي تمثلها صادرات الملابس من إجمالي صادرات أهم 20 دولة في تلك الصناعة. وكانت الدولة الآسيوية الأكثر تضررًا من تفشي المرض هي بنجلاديش التي تمثل صادراتها للملابس نحو 85% من إجمالي صادراتها.
شكل (2): أهم 20 دولة مصدّرة للمنسوجات والملابس (حصة من إجمالي صادرات الدولة) – عام 2019

Source: UNCTAD, Textile and garment supply chains in times of COVID-19: challenges for developing countries, May 2020.
ثانيًا- أهمية صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة للاقتصاد المصري
يمثل قطاع الملابس الجاهزة والصناعات النسيجية عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد المصري، حيث يعد واحدًا من أكبر القطاعات إسهامًا في التشغيل؛ إذ يوظف القطاع حوالي 1.5 مليون عامل، ويساهم بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي. كما يمثل حوالي 12% من الصادرات غير البترولية، وفقًا للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.
ومن المنطقي أن تتأثر صناعة الملابس الجاهزة المصرية بأزمة كورونا، وذلك بسبب احتلالها مكانة أساسية بين أهم 20 دولة مصدرة للمنسوجات والملابس، حيث تشارك بنسبة أقل من 5% في صادرات الملابس العالمية، فيما تحتل هذه الصناعة أكثر من 10% من إجمالي الصادرات المصرية (انظر الشكلين رقم 1، 2).
ويُمكن توضيح تأثير أزمة كورونا على هذا القطاع في مصر من خلال النقاط التالية:
1- الوباء يهدد استراتيجية الحكومة لتطوير قطاع المنسوجات
أصدرت وزارة قطاع الأعمال العام في سبتمبر 2019 استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز مكانة صناعة النسيج المصرية محليًا وعالميًا. وتضمنت الخطة تقليل خسائر الشركات وزيادة الأرباح بتكلفة استثمارية إجمالية تبلغ 21 مليار جنيه. كما خططت الحكومة لزيادة صادرات المنسوجات والملابس إلى أربعة أضعاف بحلول عام 2025.
ولكن لم تضع الحكومة المصرية بالطبع فيروس كورونا في اعتبارها عند رسم هذه الاستراتيجية، ولهذا من الممكن أن يهدد فيروس كورونا تنفيذ الخطة، لا سيّما في ضوء استيراد مصر المواد الأولية من خمس دول كبرى، هي: الصين، والهند، وتركيا، وإندونيسيا، والولايات المتحدة. فيما تتركز صادراتها في خمس دول أيضًا، هي: الولايات المتحدة، وإسبانيا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وتركيا. ومع اضطراب حركة التجارة الدولية بشكل عام، فمن المتوقع أن تتأثر معدلات إنتاج هذا القطاع وحجم صادراته خلال الفترة المقبلة.
2. اتجاه مصانع المنسوجات والملابس لتصنيع الكمامات
لجأ عدد كبير من مصانع تصنيع الملابس إلى تصنيع الكمامات. كما بدأت هذه المصانع في إجراء اختبارات مطابقة أقنعة الوجه الطبية للمواصفات التي أقرتها وزارة التجارة والصناعة في خطوة تهدف إلى تنشيط المبيعات والاستفادة من الأزمة في ظل زيادة الإقبال على الكمامات مع إلزام الحكومة للمواطنين بارتدائها.
وفي السياق ذاته، اتفقت د. نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، مع ممثلي قطاع صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة من أجل البدء فورًا في تصنيع الكميات اللازمة من القماش لتلبية احتياجات وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي لإتاحتها للطلاب خلال امتحانات نهاية العام، مع السعي إلى توفيرها لكافة فئات الشعب المصري خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع خطة الدولة لإعادة افتتاح بعض الأنشطة تدريجيًا.
3. صادرات الملابس الجاهزة في ظل انتشار كورونا
تحتل صادرات الملابس الجاهزة نسبة لا يستهان بها من إجمالي الصادرات المصرية، كما أنها شهدت ارتفاعًا على مدار السنوات الماضية، ولكن من المتوقع أن تنكمش صادرات قطاع الملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية بنسبة تتراوح بين 30-40% خلال العام الجاري نتيجة لتداعيات كورونا وتأثيراته السلبية على حجم الطلب في الأسواق العالمية، وذلك وفقًا لـ”محمد قاسم”، نائب رئيس غرفة الملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية باتحاد الصناعات. ويوضح الشكلان (3) و(4) قيمة صادرات الملابس الجاهزة خلال الأعوام المالية (2010/2011 – 2018/2019).
شكل (3): قيمة صادرات الملابس الجاهزة (مليون دولار)

المصدر: البنك المركزي المصري.
شكل (4): قيمة صادرات الملابس الجاهزة شهريًّا (مليون دولار)

المصدر: المجلس التصديري للغزل والنسيج والملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية.
ويتضح من الرسم السابق أن صادرات مصر من الملابس الجاهزة سجلت انخفاضًا في الفترة من يناير وحتى مارس 2020، وذلك على الرغم من أن تطبيق حظر التجوال وقرارات الإغلاق تمت في منتصف مارس، وهو ما يؤكد أن الإضرار بصناعة الملابس المحلية لم يتوقف على انتشار كورونا بداخل الدولة فحسب، ولكنه يعتمد على مدى تفشي المرض في باقي الدول التي تلعب دورًا رئيسيًا في سلاسل الإمدادات.
وبناء على ما سبق، تراجعت قيمة صادرات مصر من الملابس الجاهزة خلال الربع الأول من 2020 بنسبة 8% لتبلغ 372 مليون دولار في مقابل 406 ملايين دولار خلال الربع الأول من 2019. ويوضح الجدول التالي التوزيع الجغرافي للصادرات.
جدول (1): توزيع صادرات الملابس الجاهزة جغرافيًّا خلال الربع الأول من 2019-2020

المصدر:
المجلس التصديري للغزل والنسيج والملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية.
ثالثًا- سبل تخفيف حدة تداعيات الوباء على صناعة الملابس
يُمكن تخفيف حدة تداعيات فيروس كورونا على صناعة الملابس من خلال سعي المصانع والمتاجر إلى استخدام أساليب غير تقليدية لزيادة المبيعات، والاعتماد على التجارة الإلكترونية بشكل أوسع من أجل تقليل الزحام مراعاة للإجراءات الاحتزارية الهادفة للحد من انتشار الوباء. كما يُمكن أن توجه الحكومة حزمًا تحفيزية مباشرة لهذا القطاع، مع تشجيع المصانع لإعادة توجيه مواردها لتصنيع منتجات يزداد عليها الطلب خلال الفترة الراهنة كالكمامات والرداء الطبي.
ومن المرجّح أن يعيد فيروس كورونا رسم صناعة الملابس الجاهزة من كافة النواحي، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية اتجاه الحكومات إلى الاعتماد على سلاسل توريد أقل طولًا وفي نطاق الإقليم الجغرافي، مع زيادة التركيز على مستلزمات الإنتاج المحلية أو الإقليمية بما سيؤدي إلى خفض المدد الزمنية للإنتاج، كما أنه من الممكن أن يتجه مصممو الأزياء ومنتجو الملابس نحو تصنيع منتجات لا تعتمد على موسم بعينه.