تتمتع مصر واليونان بعلاقات ثنائية قوية منذ القدم، حيث يعود تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين إلى ما قبل الميلاد بنحو 300 عام. وبدأت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الرسمية بينهما منذ عام 1833. كما توجد جالية يونانية كبيرة تعيش في مصر وتؤثر بشكل قوي على الاقتصاد المصري، ما عمّق الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية بين البلدين. كما يتبنى البلدان وجهات نظر متقاربة بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية والسياسات المقترحة للعامل مع مستجدات الأوضاع في المنطقة.
التعاون الاقتصادي بين البلدين
ترتبط مصر واليونان بعلاقات اقتصادية متميزة ترقى للوصول للشراكة الاستراتيجية الشاملة، حيث تُعد اليونان أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر في منطقة حوض البحر المتوسط. كما تُمثل اليونان بوابة رئيسية لمصر مع دول البلقان ودول شرق أوروبا. وتُعد مصر بوابة اليونان للتواصل مع الدول الإفريقية.
وقد وصل حجم الاستثمارات اليونانية في السوق المصرية 3 مليارات دولار بنهاية 2018، وهو ما جعلها تحتل المركز الخامس بين دول الاتحاد الأوروبي التي تستثمر في مصر. ووصل عدد المشروعات الاستثمارية اليونانية في مصر 160 مشروعًا بقيمة 155 مليون دولار.
وتتوزع المشروعات الاستثمارية اليونانية على عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، أبرزها: الصناعات الكيماوية، وصناعة النسيج، ومواد البناء، وصناعة الأغذية، والخدمات التجارية والاستشارية، ومشروعات النقل والخدمات العامة. وتُعتبر مصر شريكًا تجاريًّا مهمًّا لليونان. ويرجع ذلك إلى التعاون القائم بين ميناء بيرايوس اليوناني وقناة السويس بهدف تنشيط التجارة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
ونتيجة لنمو حجم التبادل التجاري بين البلدين، اتفقت مصر واليونان على تشكيل مجموعة عمل مشتركة في أبريل 2019؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، على أن تقوم المجموعة بتحديد القطاعات المستهدفة من خلال التعاون بين وزارة التجارة والصناعة المصرية ووزارة التنمية الاقتصادية اليونانية، بهدف وضع خطة عمل محددة للوصول إلى نتائج ملموسة تنعكس آثارها بصورة إيجابية على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وبخصوص الدفاع عن المنطقة الاقتصادية في شرق المتوسط، أعرب البلدان عن قلقهما البالغ إزاء التصعيد الحالي داخل المناطق البحرية في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. كما أدانا الإجراءات التركية المستمرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ومياهها الإقليمية، وحثّا المجتمع الدولي على اتخاذ مزيد من الإجراءات المتوافقة مع القانون الدولي ضد جميع الجماعات الإرهابية بغض النظر عن هياكلها وأيديولوجياتها، فضلًا عن اتخاذ تدابير ملموسة لمساءلة الفاعلين الإقليميين المنخرطين في تمويل الجماعات الإرهابية.
وفي السياق ذاته، أكّد الجانبان اتساق المصالح والمواقف المشتركة بينهما في منطقة شرق المتوسط، مع التشديد على أن منتدى غاز شرق المتوسط يُمثل إحدى أهم الأدوات في هذا الإطار، والذي من شأنه أن يعزز آفاق التعاون بين دول المنتدى في مجال الطاقة والغاز، وتحويل الموارد الكامنة في المنطقة لفرص استثمارية واعدة لصالح الشعوب والأجيال القادمة. كما جددا عزمهما على مواصلة التنسيق المتبادل بشأن المواقف والتدابير الرامية إلى تحقيق أمن واستقرار شرق المتوسط عبر مكافحة الإرهاب، ومنح الأولوية للتعاون الإقليمي وللتنمية الاقتصادية الشاملة التي تتطلع إليها كافة دول المنطقة. وقد بحث الجانبان في أبريل 2020 سبل دعم التعاون الثنائي بين البلدين، وجذب استثمارات الشركات اليونانية في أنشطة البحث والاستكشاف في مصر في مجال الغاز بمنطقة شرق المتوسط.
وخلال الفترة من 2014 إلى 2018، تم عقد 6 قمم جمعت الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، وكلا من رئيس قبرص ورئيس وزراء جمهورية اليونان. وخلالها جدد قادة الدول الثلاث تأكيدهم على تعزيز مجالات التعاون المشترك بين بلدانهم، خاصة في مجالات الطاقة والتنقيب عن الغاز الطبيعي ونقله عبر البحر المتوسط. كما وقعت مصر واليونان عدة اتفاقيات للتعاون المشترك في عدة مجالات، مثل الصناعة والتجارة. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات في تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات بما يحقق مصالح وتعزيز التشاور والزيارات المتبادلة على أعلى مستوى. وشهدت العلاقات المصرية اليونانية توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات مختلفة، أبرزها توقيع مذكرة تفاهم في مجال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك إيمانًا من الطرفين بأهميتها في تحقيق التنمية والنهوض الاقتصادي. كما تم توقيع اتفاقية التأمينات الاجتماعية بين البلدين والتي توفّر فرصة للعمالة المصرية باليونان لتنظيم مستحقاتها التأمينية خلال فترة العمل في اليونان بما يضمن كامل حقوقها ومستحقاتها عند عودتها إلى أرض الوطن.
كما شهدت الفترة الماضية تعاونًا وتنسيقًا مصريًّا يونانيًّا في مجال مواجهة أزمة كورونا، حيث تم الاتفاق على تعزيز التعاون المشترك في هذا المجال من خلال تبادل الخبرات والتنسيق بين الجهات المعنية بالبلدين للاستفادة المتبادلة من أفضل الخبرات والممارسات لديهما. وبحثا كذلك سبل استئناف الزيارات المتبادلة على مستوى كبار المسئولين فور عودة الطيران الدولي إلى حالته الطبيعية.
وحول التعاون في المجال السياحي، تتمتع مصر واليونان بعلاقات سياحية وثيقة، حيث يصل عدد السياح اليونانيين إلى مصر في المتوسط 44 ألفًا. وعقب العودة التدريجية للمطارات، وعلى الرغم من انتشار جائحة كورونا، بحث الجانبان سبل التعاون في هذا المجال والاستعدادات والإجراءات الاحترازية في كلا الدولتين لاستقبال الزائرين. كما أعلنت اليونان استعدادها لاستقبال السائحين المصريين بداية من شهر يوليو الماضي. وناقش الجانبان كيفية تحقيق التكامل في المجال السياحي من خلال اتفاقية ثنائية بين البلدين ذات ضوابط صارمة للحفاظ على صحة السائحين والعاملين بالقطاع السياحي، وذلك بعد عودة الحركة السياحية بصفة منتظمة.
الجالية اليونانية ودورها في الاقتصاد المصري
تُعتبر الجالية اليونانية أكبر وأكثر الجاليات الأجنبية في مصر، نظرًا لأن اليونان هي أقرب الدول الأوروبية إلى مصر. ولعبت هذه الجالية دورًا بارزًا في الأنشطة الاقتصادية في مصر، بل وفي تشكيل الهوية المصرية. لذلك تُعد الجالية اليونانية إحدى أكثر الجاليات تأثيرًا في الاقتصاد المصري، فقد عمل اليونانيون بالكثير من المهن والأنشطة الاقتصادية في مصر، فالتواجد اليوناني بمحافظة الإسكندرية -على سبيل المثال- لا يزال واضحًا ومميزًا حتى الآن، كما أنهم برعوا في العديد من القطاعات مثل الزراعة وإنتاج وتجهيز وتجارة القطن والدخان والحبوب، فضلًا عن عملهم في القطاع المالي والأنشطة الاقتصادية والتجارية الكبرى. كما أدخلوا صناعة النشا والجلوكوز في مصر سنة 1942.
تقارب وجهات النظر في القضايا الإقليمية الكبرى
أعربت مصر واليونان عن قلقهما العميق إزاء تدهور الوضع في ليبيا، وأكدتا أن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة هو السبيل الوحيد لحل هذا الصراع واستعادة الاستقرار في ليبيا. وجدد الطرفان دعمهما للمبادرات التي تبنتها الأمم المتحدة، وعلى رأسها خطة العمل من أجل ليبيا. كما أعربتا عن التزامهما بوحدة الدولة الليبية وسيادتها وسلامة أراضيها، ورفض جميع أنواع التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وقيام بعض الأطراف بتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية وتسهيل نقل المقاتلين الأجانب إلى ليبيا باعتبار ذلك انتهاكًا واضحًا لقرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي 1970 لسنة 2011، و1973 لسنة 2011، و2441 لسنة 2018. وأكد الطرفان رفضهما أيَّ تدخُّل عسكري في ليبيا. كما تم الاتفاق على ما يمثله التصعيد الأخير من جانب تركيا داخل ليبيا من خطورة على أمن وسلم المنطقة بأسرها. وفي يونيو 2020، رحبت اليونان بالمبادرة المصرية الجديدة “إعلان القاهرة” لحل الأزمة الليبية، مؤكدة عزمها المساهمة في تحقيق السلام. ودعت اليونان إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا والمرتزقة، ونزع سلاح الميليشيات، وإجراء حوار من أجل الوصول لحل سياسي شامل.
وحول الأزمة السورية، أعرب الجانبان عن التزامهما بوحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها واستقلالها، ودعم المساعي الدولية لتعزيز الحل السياسي للصراع من منظور شامل على النحو المحدد في قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان جنيف. وأكد الطرفان مجددًا دعمهما للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، والحاجة إلى استئناف المفاوضات بين الأطراف السورية، وتفعيل اللجنة الدستورية بشكل فوري. كما أعربتا عن إدانتهما القوية لأي محاولة تركية لتقويض وحدة الأراضي السورية، أو القيام بأي تغييرات ديمغرافية متعمدة في سوريا.
مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين
من المتوقع أن يزيد التعاون الثنائي بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، وذلك لوجود العديد من الفرص الضخمة للتعاون التجاري بين البلدين في مجالات إنشاء المراكز اللوجستية والمناطق التجارية الحرة، والمقاولات، وتكنولوجيا المعلومات، والتنمية الزراعية، والصناعات الغذائية، والطاقة، فضلًا عن إمكانية التعاون المشترك بقطاع المقاولات والاستفادة من عوامل الإنتاج المصرية في هذا القطاع، إلى جانب وجود فرصة للحصول على الدعم التمويلي من البنك الإفريقي للتنمية أو من بنك التنمية والتعمير الأوروبي. وسيكون مجال إنتاج وتسويق الغاز الطبيعي، وتنفيذ خطة الربط الكهربائي لمصر مع أوروبا عبر قبرص واليونان، أحد أهم المجالات المقترحة لتعزيز العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى باقي مجالات التعاون الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي بما يصب في المصلحة المشتركة للجانبين والمنطقة بأكملها.
ختامًا، يُمكن القول إن هناك تقدمًا ثابتًا وملموسًا في الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليونان، والتي يُمكن اعتبارها حجر الأساس للأمن والاستقرار في منطقة شرق المتوسط في القرن الحادي والعشرين، فقد أصبحت الشراكة الثنائية تلعب الآن دورًا كبيرًا في تشكيل توازن قوى مؤثر في مستقبل المنطقة، حيث يمثل التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في مجال الغاز والنفط في البحر المتوسط، بجانب التعاون العسكري، حائطًا منيعًا أمام توسع النفوذ التركي المتزايد في هذه المنطقة، خاصة مع استمرار الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في محاولة تعطيل أي إنتاج إقليمي للغاز في شرق المتوسط من شأنه أن يقلل من أهمية تركيا كدولة عبور للغاز إلى أوروبا.
وعلى المستوى الاقتصادي، من الضروري تفعيل دور مجلس الأعمال المصري اليوناني، وتشجيع المشاركة في المعارض المشتركة، وتبادل زيارات وفود رجال الأعمال، الأمر الذي سيسهم في دفع التجارة البينية، وزيادة المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين، وتعزيز سبل التعاون المشترك بين الجانبين ليرتقي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.