تتمتع منطقة الساحل والصحراء بأهمية استراتيجية نظرًا لامتلاكها احتياطات هائلة من الثروات الطبيعية، والمصادر الحيوية، كما يتميز موقعها بأهمية كبرى، حيث تمتد المنطقة من البحر الأحمر شرقًا، مرورًا بدول إفريقيا جنوب الصحراء، ووصولًا إلى الدول المطلة على المحيط الأطلنطي غربًا.
وتعاني منطقة الساحل الإفريقي من تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، حيث ساهم الخلل الأمني، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في نشاط الجماعات الإرهابية. ومن أبرز هذه الجماعات الإرهابية، حركة “بوكو حرام” في نيجيريا، فقد وسعت الحركة نشاطها ليشمل النيجر والكاميرون، وعملت على استهداف المدنيين والجنود. كما أن هناك نشاطًا لفروع تنظيمي “القاعدة” و”داعش” والتي تنشط في مدى واسع من الإقليم من ليبيا شمالًا وحتى نيجيريا جنوبًا، ومن تشاد شرقًا وحتى موريتانيا غربًا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت الأوضاع في الساحل الإفريقي تشكل ملفًا مهمًا للسياسة المصرية في ظل الارتباط الجغرافي عبر ليبيا، كما نالت الأوضاع في الساحل اهتمامًا فرنسيًا متناميًا منذ انخراط فرنسا المباشر في جهود مكافحة الإرهاب في الإقليم منذ عام 2013.
الرؤية المصرية
تدعم الدولة المصرية مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، حيث تلعب مصر دورًا يحظى بالقبول والإشادة، لسعيها لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ إن هناك قوات مصرية تشارك في عمليات حفظ السلام في منطقة الساحل، وقد أشادت الأمم المتحدة بهذا الدور الداعم للاستقرار، وكذلك الدول التي تستضيف قوات حفظ السلام المصرية. كما أن الدولة المصرية لا تقوم بربط المساعدات بشروط سياسية، فهي تقدم مساعدات في سبيل إرساء عملية السلام، وتحقيق الاستقرار لصالح شعوب القارة الإفريقية.
كما استضافت مصر المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء، والذي تم افتتاحه في يونيو 2018، وتم تنفيذ تدريب مشترك في مجال مكافحة الإرهاب بين عناصر دول تجمع الساحل والصحراء بقاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية في ديسمبر 2018. كما استضافت مصر اجتماع رؤساء أركان حرب القوات المسلحة لدول تجمع الساحل الإفريقي الخمس خلال الفترة من التاسع إلى الحادي عشر من فبراير 2020.
ويمكن توضيح محاور الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي والصحراء على النحو التالي:
- دعم الجيوش الوطنية: تسعى مصر إلى نقل خبراتها الأمنية لتأهيل وتسليح عناصر مكافحة الإرهاب، وتأهيل عناصر تأمين الحدود، والتعاون في مجال تدريب وتأهيل عناصر مكافحة الإرهاب وتأمين المطارات والموانئ. وقد اقترحت مصر استضافتها قمةً إفريقية لبحث إنشاء قوة عسكرية إفريقية لمكافحة الإرهاب، خاصة وأن هناك بعض الدول الإفريقية التي تعاني من عدم امتلاكها قدرات عسكرية لمواجهة الإرهاب، كما أن ما يحدث في دول الساحل والصحراء يؤثر على الأمن القومي المصري. كما تحرص القوات المسلحة على زيادة أواصر التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة، خاصة مع عمقها الإفريقي، من خلال تنظيم العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية داخل المنشآت والمعاهد التعليمية بالقوات المسلحة المصرية للدول الإفريقية لنقل وتبادل الخبرات بما يعزز من آفاق التعاون والعلاقات العسكرية المتميزة مع دول الساحل والصحراء.
- تبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب: تعزيز التعاون لتبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية لدول تجمع الساحل والصحراء، ورصد مناطق انتشار الجماعات الإرهابية، وحركة تنقلها بين الدول، ومصادر التمويل والتسليح للجماعات الإرهابية، بهدف إجهاض أي عملية إرهابية قبل حدوثها.
- تجفيف مصادر تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية: وذلك بتعزيز الإجراءات الوطنية لمكافحة التهريب والرقابة على التحويلات البنكية للتنظيمات الإرهابية لمنع وصول التدفقات النقدية لتلك التنظيمات، والتي تستخدمها في تمويل عمليات إرهابية.
- تحقيق التنمية الاقتصادية: بتطوير القطاعات الاقتصادية بما يساهم في تحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص عمل للشباب من شأنه يمنع انضمام الشباب للتنظيمات الإرهابية، حيث تستغل الجماعات الإرهابية الفقر لتجنيد الشباب والانضمام لصفوفها.
- منع خلق جيل جديد من الإرهابيين: عبر تحصين الشباب من خلال مكافحة انتشار الأفكار المتطرفة، وتطوير الخطاب الديني، ويقوم مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء المصرية، بدور بالغ الأهمية في محاربة التطرف ودعم ثقافة التسامح من خلال رصد الفتاوى المتطرفة، والعمل على تفنيدها، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يساهم في منع الشباب من الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، والقيام بالأعمال المتطرفة في دول الساحل الإفريقي.
الرؤية الفرنسية
يأتي الدافع الفرنسي للانخراط في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل نظرًا للارتباط بين أمن الساحل الإفريقي والأمن الأوروبي، ولذلك استهدفت فرنسا منع الجماعات الإرهابية والمتمردين المرتبطين بتنظيم “القاعدة” و”داعش” من تقويض أمن دول الساحل، وكذلك الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية من دول الساحل الإفريقي إلى الدول الأوروبية.
ترتكز استراتيجية فرنسا في منطقة الساحل على نهج متكامل، ويتضح ذلك من خلال أنشطة فرنسا الدولية الرامية إلى محاربة الإرهاب:
- التدخل العسكري المباشر: انخرطت فرنسا في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل منذ عام 2013، بناء على طلب من السلطات الانتقالية المالية، وكان هذا التدخل تحت مسمى الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين. وقد تدخّلت فرنسا في شمال مالي من خلال عملية “سيرفال” لمنع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم “القاعدة” من السيطرة على البلاد. وتم استبدال بعثة عملية “سيرفال” الفرنسية في مالي بعملية عسكرية جديدة تحت اسم “برخان” والتي تهدف إلى مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وقد عملت فرنسا على تأسيس قوة “تاكوبا” بالتنسيق مع الدول الأوروبية لدعم قوة “برخان” في عام 2020 في مالي، وتعزيز الوجود الأمني الأوروبي في الساحل الإفريقي.
وتجدر الإشارة إلى أن التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل قد واجه انتقادات عديدة ورفضًا للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، فقد طالب المتظاهرون في النيجر برحيل القوات الفرنسية من البلاد، كما شهدت مالي احتجاجات منددة بالسياسة الفرنسية، والتي ينظر إليها على أنها تسعى فقط لحماية مصالحها. كما أن فرنسا تقوم بتفعيل مبدأ المساعدات المشروطة، عند تقديمها مساعدات لدول الساحل لمكافحة الإرهاب، حيث تشترط فرنسا شروطًا سياسية تتعلق بتفعيل قيم الديمقراطية والمساواة.
- تقديم المساعدات الإنمائية: تعمل فرنسا على تقديم المساعدات الإنمائية التي تستهدف قطاعات رئيسية، هي: توظيف الشباب، والتعليم والتدريب، وتحقيق الأمن الغذائي، والطاقة والمناخ، والحوكمة، ودعم اللا مركزية، ودعم توفير الخدمات الأساسية. وتهدف فرنسا من خلال تقديمها المساعدات إلى تحسين الظروف المعيشية في المناطق الأكثر هشاشةً، ومحاربة التطرف، والحد من انضمام عناصر جديدة للتنظيمات الإرهابية.
- مكافحة تمويل الإرهاب: تحتاج المجموعات الإرهابية إلى التمويل، وتستخدم لذلك جميع الوسائل المتاحة أمامها، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة المخصصة لجمع الأموال وتحويلها بهدف تجفيف منابع الإرهاب. وقد نظّمت فرنسا مؤتمرًا دوليًا في باريس يومي 25 و26 أبريل 2018 بعنوان “لا لتمويل الإرهاب” يهدف إلى مكافحة تمويل تنظيمَي “القاعدة” و”داعش”. وقد تم عقد دورة ثانية لمؤتمر “لا لتمويل الإرهاب” يومَي 7 و8 نوفمبر 2019 بهدف حشد جهود المجتمع الدولي بهدف تنفيذ خطة باريس.
حدود التوافق والاختلاف بين الرؤيتين المصرية والفرنسية
هناك توافق كبير بين الرؤيتين المصرية والفرنسية لمكافحة ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي والصحراء، ويتضح ذلك من خلال تبني الدولتين استراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على البعد الأمني، حيث تتضمن الجوانب الاقتصادية والتنموية ومكافحة جذور ظاهرة الإرهاب من خلال التصدي للأفكار المتطرفة. كما أن هناك توافقًا بين الجانبين على أهمية مواجهة الإرهاب في الساحل الإفريقي بجهد دولي منسق يوقف كافة أشكال الدعم الذي توجهه بعض الدول والكيانات لنشاط التنظيمات الإرهابية بغرض تحقيق أهداف سياسية. كما تتفق الرؤيتان المصرية والفرنسية بشأن التأكيد على الحاجة في المستقبل لبذل مزيد من الجهود بهدف احتواء التنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل الإفريقي والصحراء، ومنع تدفق الإرهابيين عبر الحدود، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
وبينما لا توجد تناقضات واضحة بين الرؤيتين المصرية والفرنسية لمكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، يمكن ملاحظة قدر من التباين في ترتيب الأولويات، حيث تؤمن مصر بمبدأ أولوية الحلول الوطنية والإفريقية لظاهرة الإرهاب في الساحل الإفريقي؛ بينما عمدت فرنسا لجذب أكبر دعم ممكن من دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لعملياتها العسكرية في الإقليم. وبينما تصر فرنسا على وضع الحقوق والحريات ذات الطبيعة السياسية في مقدمة الإجراءات الشاملة المتعلقة بتعزيز قدرة دول الساحل على مواجهة الإرهاب؛ ترى مصر ضرورة منح الأولوية للحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، خاصة بعد ثبوت العلاقة بين تدهور مؤشرات التنمية كالفقر والبطالة والأمية وبين إنتاج بيئة مساعدة على انتشار الإرهاب. كما تعد الرؤية المصرية أكثر مراعاة للاعتبارات التي يفرضها السياق الفكري والثقافي لدول الساحل، وهو ما يجعل من عملية التوعية بصحيح الدين الإسلامي في هذه المجتمعات حائط الدفاع الأول أمام التطرف.